العراق: وقائع سنوات الجمر من الاحتلال إلى إعدام صدام حسين
لماذا كل هذا الشقاء والألم والحزن الدائم الذي يلف العراق منذ مئات السنين وتعاقب الطغاة عليه؟ فابتداءاً من الحقبتين الأموية والعباسية ومروراً بالحقبة الاستعمارية وانتهاءاً بالطغاة والمستبدين في العهد الحديث، والعراق يدار ويحكم بالحديد والنار والدم والبطش والتقتيل وسفك الدماء البريئة . واليوم يأتي العراق مرة أخرى ليغدو التحدي الاختباري لحقبة ما بعد الحرب الباردة على حد تعبير منظٌرين من تيار المحافظين الجدد الأمريكيين الأكثر تفاؤلاً وهما وليم كريستول ولورنس كابلان اللذين كانا يعتقدان بسذاجة أن بمقدور العراق أن يثبت للعالم بأن الديمقراطية يمكن أن " تزرع " في بلد عربي وبالقوة إذا احتاج الأمر لذلك. وإنه سوف يلقي بشعاعه الديمقراطي على باقي أنحاء الشرق الأوسط . وأنه ، أي العراق ، يستطيع أن يقدم الدليل على عدم وجود قدرية أو حتمية ثقافية تحول دون بلوغ مثل هذا الأفق . فالمبادئ العالمية للديمقراطية والحرية يمكن أن تنتصر في كل مكان وبالتالي من شأن العراق أن يبدي بجلاء أن الإرادة السياسية والعسكرية بوسعها أن تغير الأمور ومجراها إلى الاتجاه الذي ترتأيه وتجده مناسباً وملائماً. فعلى امتداد هذا البلد الشاسع الذي أوجده الاستعمار البريطاني بشكله السياسي والجغرافي الحديث الحالي كدولة ذات حدود وسيادة في بداية القرن العشرين ، ومن خلاله تسعى النزعة التبشيرية الأمريكية الانجليكانية لجلب " الديمقراطية والحرية " إلى منطقة تفتقد لهذه المبادئ بقسوة والمقصود بها بالطبع منطقة الشرق الأوسط. بيد أن المستقبل الديمقراطي للعراق ما يزال بعيداً جداً، إن لم يكن مستحيلاً في ظل الظروف والتعقيدات التي نشأت في أعقاب إعدام صدام حسين حيث وضع أتباع النظام ألصدامي وحلفاؤه للحكومة العراقية خطاً أحمر لا يجب تجاوزه ويتمثل بإعدام صدام حسين وإلا سينقذون تهديداتهم باستباحة العراق وإشعاله ليحيلوه حطاماً . من هنا نستطيع القول أن الاختبار العراقي اتخذ سريعاً شكل الفشل والهزيمة والانكسار على أرض الواقع وتحولت المواجهة إلى مسألة حياة أوموت.العراق بلد بالغ التعقيد تجاوز عدد نفوسه الـ 25 مليون نسمة وتزيد مساحته على مساحة دولة عظمى كفرنسا أو أكبر ولاية في أمريكا وهي ولاية كاليفورنيا، ويضم خليطاً من الأقوام والأديان والمذاهب والطوائف والقوميات أو الإثنيات أهمها العرب " بأغلبية شيعية وأقلية سنية" والكورد " بأغلبية سنية وأقلية شيعية" وتركمان وكلدوـ آشوريين وأغلبهم مسيحيين ويزيديين وصابئة ، حيث يقطن الشيعة بكثافة في جنوب ووسط العراق وفي بغداد وضواحيها بينما يتركز أغلب السنة في المناطق الغربية وبغداد وبعض مناطق الوسط كديالى والموصل وصلاح الدين والأنبار بينما يتواجد الكورد في شمال العراق في منطقة كردستان العراق تحديداً. ومن المعروف تاريخياً أن السنة العرب في العراق تسلموا مقاليد السلطة العليا في العراق إبان الاستعمار البريطاني منذ استقلال العراق الشكلي في عشرينيات القرن الماضي بينما تم إقصاء الشيعة لأسباب كثيرة يطول شرحها، أو هم الذين أبعدو أنفسهم عن الشؤون السياسية طيلة عقود طويلة لأسباب وذرائع كثيرة لا يمكن التطرق إليها الآن، بينما عانى الكورد من الويلات وخاضوا التمردات طيلة تلك العقود الطويلة شأنهم شأن الشيعة وشعروا بالمظلومية إلى أن تمتعوا بشبه استقلال غير معترف به في مناطقهم منذ عام 1991 نتيجة لظروف سياسية وعسكرية وتدخلات دولية أتاحت لهم مثل هذه الفرصة الذهبية. هذه هي اللوحة البديهية التي طغت على العراق وبات يعرفها الجميع ممن يهتمون بالشأن السياسي والاستراتيجي الشرق أوسطي.
تمكن حزب البعث بفكره الانقلابي الفاشي الشمولي من الوصول إلى السلطة عبر انقلابين عسكريين مشبوهين، الأول سنة 1963 ضد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم وبدعم وتأييد أمريكي واضح باعتراف أحد أكبر أقطاب حزب البعث آنذاك وهو علي صالح السعدي الذي صرح قائلاً:" وصلنا إلى السلطة بقطار أمريكي" ، فطغت منذ تلك اللحظة ثقافة العنف والقتل والتعذيب وسفك الدماء وترسيخ الروح الانتقامية على يد ميليشيا الحزب المسماة بالحرس القومي سيء الصيت رداً على تجاوزات وأعمال عنف سابقة اقترفتها ميليشيات شيوعية تحت إسم أنصار السلام سنة 1959 في الموصل. الإنقلاب الثاني حدث سنة 1968 الذي تحكم بقدر العراق ومصيره شعباُ وأرضاً وثروات طيلة أربعة عقود مظلمة لغاية 2003 تاريخ انهيار النظام ألصدامي، وقد تميزت هذه الحقبة السوداء ببطش النظام وقسوته ووحشيته ودمويته وخوضه حروباً عدمية دامية مكلفة استنزفت العراق وأدمته وأفقرته كلياً إلى أن جاء الأمريكيون الغزاة المعروفون بعنفهم وجبروتهم وغطرستهم وطغيانهم بحجج وذرائع واهية وكاذبة ومزيفة بل ومفبركة بغية احتلال العراق وإذلاله وإخراجه من معادلة الشرق الأوسط الإستراتيجية والعسكرية. وسرعان ما اصطدم الأمريكيون بتمرد مسلح اتخذ أشكال وواجهات متنوعة ومسميات متعددة ولافتات مختلفة تحت شعارات كالمقاومة والجهاد، قامت بها عناصر مسلحة من بينهم أنصار النظام ألصدامي السابق " من منتسبي الحرس الجمهوري والحرس الخاص والمخابرات وفدائيي صدام وعناصر عسكرية موالية لصدام داخل الجيش العراقي النظامي وغيرهم بالتحالف مع عناصر إسلاموية راديكالية تكفيرية تتبع تنظيم القاعدة إلى جانب عصابات الجريمة المنظمة وقطاع الطرق واللصوص والمجرمين الذين أطلق صدام حسين سراحهم من السجون قبل سقوطه ليفتكوا بالشعب العراقي ، وكذلك بالتعاون مع كثير من المتطوعين العرب والأجانب الذين تسللوا إلى العراق من دول الجوار والذين حولوا العراق إلى ساحة حرب وتصفية حساباتهم مع الأمريكيين وقد وجد أغلب هؤلاء حاضنة اجتماعية من بين بعض أهل السنة العرب طوعاُ أو قسراً سيما وأن كثير من أهل السنة العرب يخشون أن يتحولوا إلى أقلية مضطهدة على يد أغلبية شيعية يفترضون فيها أنها ذات نزعة انتقامية على حد تفكيرهم. كما اصطدم الأمريكيون كذلك بتمرد مسلح من نوع آخر من داخل الطائفة الشيعية في العراق، واتخذت معارضة الوجود الأمريكي صوراً مختلفة منها سياسي من خلال مقاطعة العملية السياسية في بادئ الأمر " كما كان الحال مع أتباع المدرسة الخالصية في الكاظمية وأتباع الشيخ حسين المؤيد وأتباع السيد الحسني البغدادي وأنصار ومقلدي سماحة الشيخ اليعقوبي وجماعة مقتدى الصدر "، ثم ممارسة المعارضة من داخل العملية السياسية وهذا ينطبق على تيار مقتدى الصدر وحزب الفضيلة ومشرفه الروحي المرجع الشيخ محمد اليعقوبي" ،كما برز بين الحين والأخر تمرداً عسكرياً ضد الاحتلال الأمريكي من خلال المواجهات العسكرية بين جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والقوات الأمريكية المحتلة . تجدر الإشارة إلى أن التيار الصدري بكل مكوناته يضم عناصر شيعية راديكالية ترغب في احتكار السلطة وإخراج الأمريكيين من العراق بكل الطرق الممكنة بما فيها اللجوء إلى السلاح لأن القوات المحتلة هي الجهة الوحيدة القادرة على ضربهم والحيلولة دون سيطرتهم على السلطة بالقوة . كما ينبغي علينا أن نتذكر بأن القوات الأمريكية والمار ينز بالذات، تصرفت ، ومنذ البداية، بصلافة وقسوة وبطش لا مثيل له تجاه السكان بسبب عدم تعودهم على هذا النوع من الصراع المسلح وحرب عصابات المدن ، فنكلوا بالسكان المدنيين الأبرياء وأهانوا الرجال أمام نسائهم وأطفالهم وأمهاتهم وفتشوا النساء بطريقة فجة وغير لائقة لا تحترم القيم والتقاليد العراقية المحافظة أثناء قيامهم بعمليات المداهمات والهجمات المباغتة فأجج ذلك شعور الحقد والكراهية تجاههم من جانب أبناء الشعب العراقي " سنة وشيعة على السواء" ولم يفلت الأمريكيون من صورة الأجنبي المحتل الغاشم داخل أرض معادية عازمة على خوض المقاومة. ولكي يحارب الأمريكيون التمردات المسلحة وتفكيك الخلايا " الإرهابية" باتوا بحاجة إلى المعلومات الاستخباراتية لكي يحصلوا على المعلومات ومن ثم لجئوا إلى ممارسة التعذيب وسوء المعاملة والاعتقالات العشوائية وممارسة سياسة القسوة والتهديد المنتظم ضد السجناء والمعتقلين حتى لو كانوا أبرياء ولم يعيروا أية أهمية لاتفاقيات جنيف وانتهكوا مبادئ حقوق الإنسان وأبرز مثال ساطع على سلوكهم الهمجي المشين ما حصل في السجون العراقية وتفجر فضيحة سجن أبو غريب وغيره من المعتقلات وهي لا تختلف عن الممارسات الوحشية التي كان يمارسها أذناب وجلاوزة صدام حسين ، في حين أن الأمريكيين يدعون أنهم جاءوا لتخليص الشعب العراقي من استبداد النظام ألصدامي كما يزعمون، مما زاد من قذارة وتلوث صورة الاحتلال الأمريكي عراقياً وعربياً ودولياً. وهكذا أصبحنا بعيدين جداً من حلم بول وولفوفيتز، لو كان فعلاً صادقاً بتصوراته ، بجعل العراق واحة للديمقراطية والحرية وأول بلد عربي تطبق فيه مثل هذه المبادئ النبيلة .
فما الذي حدث كي ينقلب اتجاه أيديولوجية المحافظين الجدد الأمريكيين بشأن سياستهم تجاه العراق وكيف كان وقع وثقل الواقع العراقي على التخطيط الاستراتيجي الأمريكي ولماذا كل هذه الإخفاقات في سير عملية تدخل يفترض فيها أن تكون مدروسة بدقة متناهية ومبررة وناجمة عن منطق أو نابعة من عقيدة الحرب الإستباقية ضد الإرهاب العالمي. فبلد تحت جزم العسكر وقوات الاحتلال لا يمكن أن يستقبل ويرحب بحفاوة بمحتليه واعتبارهم محررين ومساعدتهم على وضع العراق على سكة البناء وإعادة الإعمار ونسيان الجرائم والتدمير المجاني الذي شنته الآلة العسكرية المحتلة ضد البنى التحتية سواء في حرب 1991 أو في حرب 2003. هناك إجابات كثيرة على التساؤلات الآنفة الذكر وجزء منها يتعلق بالجانب العراقي الذي سنتحدث عنه لاحقاً فيما الجزء الثالث و المرتبط بالتناقضات والصراعات الداخلية للحكومة الأمريكية وكيفية تعاملها مح الحليف العراقي.
من بديهيات القول أن هذه الحرب كانت خياراً مسبقاً ومقصوداً من قبل الإدارة الأمريكية الحالية وكانت قد اتخذت قرارها منذ العام 2000، أي قبل أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وإصرارها على شن حملتها العسكرية على الإرهاب الدولي . فالعراق لم يكن يهدد الولايات المتحدة الأمريكية ولا يؤثر على مصالحها الحيوية في العالم ولا يهدد حلفاؤها الأوروبيين أو الإسرائيليين . ولم نجد حكومة أوروبية واحدة ، عدا حكومة طوني بلير ، تقول أنها تخشى من ترسانة أسلحة التدمير الشامل التي كان الغرب يعتقد أو بالأخرى يدعي أنها بحوزة صدام حسين . ولم يوجد ضابط كبير واحد في قيادة الأركان الإسرائيلية يعتقد بصدق وجدية أن الدولة العبرية مهددة من قبل صدام حسين. بل ولا يوجد بلد عربي واحد يتخيل أن نظام بغداد ما يزال يشكل خطراً عليه. وبالتالي فإن حكومة بوش لم تشن الحرب مضطرة أو مجبرة لضرورات واعتبارات أمنية، بل إنها اختارت فتح دائرة الصراع المسلح بفعل جملة من الأسباب المعقدة، الخفية والمعلنة، لم تحظ بموافقة أو إجماع الإدارة الأمريكية الحاكمة. فلم تثبت صحة وجود تهديد كامن يستدعي استئصاله . ولم تفلح مشاهد استعراض القوة وعرض العضلات الأمريكية في إخافة وترهيب العالم العربي وأخيراً كانت نية الإدارة الأمريكية تقديم العبرة لكل الحكام العرب من خلال مثال إطاحة أسوء وأعتى طغاة العصر الحديث الذي ناكف الولايات المتحدة لسنوات طويلة إلى جانب محاولة زرع بذور حركة الإصلاحات في العراق بغية توفير التربة الصالحة لتحقيق تغيير وتحول جذري في مجمل الشرق الأوسط عبر أسلوب الأنموذج المثالي الواجب تقليده أو إتباعه . بيد أن الإدارة الأمريكية لم تقدم أي شيء من هذه الأهداف بالطريقة الصحيحة والصريحة للناخب الأمريكي وللرأي العام الأمريكي . ولأن الحكومة الأمريكية أرادت ورغبت بهذه الحرب بأي ثمن كان ، لجأ القادة الأمريكيون إلى أسلوب الترغيب و " بيع" صفقة الحرب وتقديم مبررات وذرائع متناقضة خادعة أو مزيفة أو كاذبة أو مفبركة . فمرة يشدد الرئيس الأمريكي على ضرورة مهمة تدعي استئصال الخطر الكامن أو في طريق التشكل أو الوشيك المتمثل بأسلحة التدمير الشامل الموجودة بين يدي صدام حسين والتي لابد من تدميرها ومن هنا نشأ الدفاع عن مفهوم الحرب السريعة والقصيرة الأمد كما روٌج لها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق الذي وعد بإعادة الشباب المجندين وبسرعة إلى الوطن. وتارة يلح الرئيس الأمريكي على موضوعة الحرب المستندة إلى نشر القيم والمباديء الأمريكية كما سوٌقت لها كونداليزا رايس والتي أقرٌت باستعداد بلدها لتكريس جيل كامل لخدمة الديمقراطية في الشرق الأوسط، مع عرض بعض المقارنات التاريخية . ولكن كيف نصدق تلك الإدعاءات ومن هو الصادق من هؤلاء المسؤولين ؟ ومرة أخرى يطلب البيت الأبيض من الكونغرس تخصيص عشرات المليارات من الدولارات لتمويل المجهود الحربي بينما يدعي مهندس الحرب بول وولفوفيتز ، الرجل الثاني في البنتاغون، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي ، بأن الحملة العسكرية على العراق لن تكلف الخزانة الأمريكية شيئاً ولن تنفق دولاراً واحداً على برنامج إعادة البناء والإعمار في العراق بعد الحرب لأن النفط العراقي سيكون كفيل بذلك وكان تاريخ هذا التصريح هو 27/3/2003 وقال بالحرف الواحد:" هناك أموال طائلة لدفع تكاليف كل ذلك الجهد بفضل البترول فلا حاجة لأخذ أموال دافعي الضرائب الأمريكيين فنحن نتعامل مع بلد يمكنه بإمكاناته الذاتية تمويل إعادة البناء وبسرعة". وإمعاناً في الخداع سوٌقت أوساط المحافظين الجدد، المتواجدون خارج الحكومة، فكرة خيالية موجودة فقط في رؤوسهم مفادها أن العراق سليم والرأس فيه فقط هو المتعفن أما باقي الجسد فسوي وصالح وبالتالي يغدو الأمر الأساس هو تصفية صدام حسين والحلقة الضيقة المحيطة به من قيادات حزب البعث المنحل والموالين لصدام حسين وحده ، ومن هنا فإن تغيير النظام في العراق سيكون بأبخس ثمن وبدون عناء أو مخاطرة سيما وأنهم سبق أن أعدوا معارضة مفصلة على القياس بقيادة أحمد الجلبي ومؤتمره الوطني العراقي التي كان من شأنها أنت تحل مكان النظام المخلوع بعد الحرب لتسيير دفة البلاد سياسياً. لذلك ترى بوش يوجه إنذاراً لصدام حسين وعائلته لترك العراق خلال 48 ساعة قبل شن الحرب وينشر قائمة بـ 55 شخصاً مطلوبين وهم أركان النظام والحلقة الحاكمة فعلياً في العراق. وهكذا تجاهل أو تناسى الأمريكيون تعقيد الهوية الوطنية العراقية لصالح وهم وسراب يعشش في رؤوسهم وأقنعوا أنفسهم بأن هذا البلد هو الأرض التي يحلمون بها لإجراء تجربة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط على حد تعبير نويت غانغريش ، وهو يميني محافظ ورئيس سابق للمجموعة الجمهورية في مجلس النواب حيث قال بلهجة الواثق من نفسه :" إن العراق، ومن زوايا ووجهات نظر مختلفة، هو البلد الأكثر علمانية في العالم العربي. وهو البلد الأكثر تقبلاً وتأهيلاً لزرع وتكريس الديمقراطية على تربته وبسرعة فائقة" وكان قد تفوه بمثل هذه الحماقة أمام ندوة نظمها مركز أبحاث أمريكي " أمريكان أنتربرايز أنستيتوت " في 2 أكتوبر 2001 في واشنطن
American Entreprise Institue
وفي السياق ذاته، وبنفس الجدية والثقة بالنفس أو الاعتداد بالرأي صرح نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لمجلة نيوزويك في 6 أكتوبر 2003 :" إن قواتنا ستلاقي ترحيباً منقطع النظير باعتبارها قوات تحرير وستجد على الأرض طبقة وسطى قادرة ومهيأة ومستعدة لإدارة البلاد وسد الفراغ في السلطة الذي سينجم من جراء سقوط نظام صدام حسين". كما أكد مسؤول أمريكي آخر رفيع المستوى آثر عدم ذكر اسمه :" إن لدى العراق أفضل قطاع للخدمات العامة والبنى التحتية المتطورة في العالم العربي. وبعد إطاحة صدام حسين ستقوم تلك الهيئات والبنيات والمؤسسات بعملها على أكمل وجه وبهدوء وطمأنينة وسيتكفل جهاز الشرطة بفرض الأمن والذي يعتبر الأكثر إعداداً وكفاءة " . هذه هي القناعة الراسخة في نفوس وأذهان من شنوا الحرب على العراق وفي رؤوسهم صورة وردية ومثالية خادعة عن بلد على حافة الإفلاس والانهيار .
إزاء هذا الواقع المر في العراق الذي أخفاه القادة الأمريكيون عن مواطنيهم، هناك عدة إحتمالات وفرضيات للإجابة: الإحتمال الأول هو أن المحافظون الجدد كذبوا عمداً لكي يضمنوا " حربهم" التي قدموها وكأنها " نزهة ريفية" على حد تعبير كينيث آدلمان ، أحد أعضاء لجنة الدفاع الاستشارية التي نصبها المحافظون بالقرب من دونالد رامسفيلد . من هنا كان يتوجب عليهم كسب تأييد الرأي العام الأمريكي لأنه لو مرٌ ربيع عام 2003 ولم تقع الحرب فسوف يفوت الأوان لأنهم سيقتربون من موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2004 وهو أمر سيء بالنسبة لرئيس يستعد ليخوض حرباً وخوض حملة انتخابية في آن واحد. وكان هذا دافعاً لكي يستميت الخبراء والمستشارون وأصحاب القرار بغية " بيع وتسويق الحرب ومابعد الحرب. وهنا تأتي الفرضية الثانية أو الاحتمال الثاني وهو تخيٌل دعاة الحرب واقعاً عراقياً يتطابق مع أوهامهم التبشيرية أو الإنقاذية فقط. وفي كلتا الحالتين خدع المحافظون الجدد البلد والشعب الأمريكي سواء أكان ذلك عن إرادة وتصميم مسبق أم لا.
كتب أحد مسؤولي حكومة بيل كلينتون السابقة وهو جيمس روبان:" حتى وإن كان الأمر يبدو من السذاجة بمكان، فإن المسؤولين في حكومة جورج دبليو بوش ، وفي مرحلة الإعداد للحرب ، أكدوا بأننا سوف يتم استقبالنا كمحررين في بغداد وأغلب محافظات العراق الأخرى وأن الجيش والشرطة العراقيين سيوفران ويضمنان الأمن والاستقرار في البلاد وإن إعادة بناء البلد والدولة ستكون بتمويل ذاتي من عائدات النفط العراقي وأن حكومة عراقية بديلة ستأخذ مكانها بسرعة هناك مما سيتيح لأمريكا إمكانية سحب قواتها بسرعة تاركة وراءها نظاماً ديمقراطياً". أما فرانسيس فوكوياما، المفكر والمحلل الأمريكي المعروف، وصاحب كتاب " نهاية التاريخ" الشهير، وهو قريب من المحافظين الجدد ومعارض لبعض أطروحاتهم خاصة تلك المتعلقة بالحرب فقد قدم تفسيره الشخصي قائلاً:" إن المحافظين الجدد يقدرون جازمين بأن نهاية الحرب الباردة واندحار الاتحاد السوفيتي جعلهم محقين في حكمهم وأنهم على صواب في رصدهم للواقع الجيوستراتيجي الدولي، ومع ذلك كانوا مندهشين ومذهولين بأن الحرب الباردة وضعت أوزارها بأعجوبة بلا كوارث أو مجابهات نووية، وتحقق انتصار سهل وبدون مأساة كبيرة من خلال تحلل وتفكك العدو, ولم ينتظر أحد أو يتوقع حدوث ذلك بهذه الطريقة السلمية . وبلا شك فإن وولفوفيتز استوعب هذه الحالة وعكسها على الحالة العراقية وأعتقد بأن تحول العراق نحو الديمقراطية لن يكون أكثر صعوبة . من هنا نفهم قصور وعدم استعداد وغضب الجنود الأمريكيين لمواجهة انفجار العنف الهائل في العراق غداة انهيار نظام صدام حسين . والحال إن التحذيرات والنصائح لم تنقطع ولم تكن غائبة بل متوفرة ، ولكن بالرغم من ذلك واصلت الإدارة الأمريكية عملها ضد دوائر وزارة الخارجية الأمريكية التي كانت مصدر تلك النصائح وحذروا من حماقات السياسة العسكرية المغامرة في العراق. إلا أن دوائر المخابرات والاستخبارات المدنية " أي وكالة المخابرات المركزية سي آي أ " ، والعسكرية في البنتاغون ، وكذلك في أعلى هرم السلطة ، سياسياً وأيديولوجياً، حاولوا " تقنيع" أو " تضليل" الواقع العراقي وإخفاء حقيقته. وبناءاً على ذلك فإن المفارقة الأولى حصلت عندما كلف الرئيس بوش وزارة الدفاع " البنتاغون" بإدارة ملف ما بعد الحرب في العراق وتكليفها بإدارة المهام الأولى لمرحلة إعادة بناء الدولة في حين كان العراق بحاجة إلى إعادة بناء الأمة والوطن ، بالرغم من إلحاح دونالد رامسفيلد بأن هذه المهمة ليست شأناً أو قضية تعطى للعسكريين فهذا ليس اختصاصهم إلا أن هؤلاء العسكريين تقبلوها على مضض تحت إمرة زعيم هو رامسفيلد لا يوجد في رأسه سوى هم واحد وفكرة واحدة تدور في رأسه كهاجس يقض مضجعه ألا وهي عودة قواته بأسرع وقت ممكن إلى الوطن بأقل الخسائر الممكنة. فلماذا هذا الخيار؟ لأن جورج بوش اعتقد أن وزير خارجيته السابق كولن باول ودوائره ومؤسساته لينةأو رخوة واستسلامية وغير أهل للثقة لكونها ترددت في بادئ الأمر ووقفت صراحة ضد الحرب خارج الإطار الشرعي الدولي حتى لو كان موقفها الرافض قد تم بصور غير علنية.
المشكلة هي أن القوات الأمريكية وجدت عراقاً آخر يختلف عما هو عليه في أذهان القادة الأمريكيين من المتحمسين لشن الحرب . فلم يعد العراق كما كان عليه حاله في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، أي أحد البلدان الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط. لكنهم عندما غزا الأمريكيون العراق سنة 2003 وجدوا وطناً منهكاً مترنحاً يكاد يلفظ أنفساه الأخيرة مثخناً بالجراح ومستنزفاً وفقيراً مثقلاً بالديون وشبه متوقف في حركته ودورته الاقتصادية والإنتاجية من جراء سنوات الحروب العبثية الطويلة والكثيرة. بلد مصاب بالإعياء، مصدوماُ ومشلولاً بفعل طغيان واستبداد صدام حسين وعصابته ومعاناة سنوات الحصار والمقاطعة والعقوبات الدولية الظالمة التي خضع لها منذ العام 1991 والتي أجهزت عليه ودمرته بلداً وشعباً ، دولة ووطناً، لكنها لم تمس النظام بل زادته قوة وجبروتاً. أصبح العراق في مطلع القرن الواحد والعشرين من أفقر دول العالم الثالث ويفتقد لكل شيء، هجرته النخب والكوادر المتعلمة والمثقفة والمؤهلة فلم يعد لديه شيء يذكر ناهيك عن أسلحة تدمير شامل. فلا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا وقود ولا نقل ولا صحة ولا خدمات عامة وبلا شرطة كفوءة ونزيهة ولا جيش وطني مجهز ومدرب وأصبح بلداً ينخره الفساد حتى النخاع.
المفارقة الثانية أن دونالد رامسفيلد شاء أن يثبت لقادة أركانه بأن الحروب العصرية الحديثة تدار وتشن بأقل عدد من القوات ، والحال أن التجارب السابقة، لاسيما في البوسنة والكوسوفو، أثبتت أن إعاد بناء دولة يحتاج على الأرض ،وفوراً بعد انتهاء الحرب ووقف المعارك، إلى أكبر عدد من الرجال والقوات والإمكانات . وقد نصح الجنرالات المخضرمين والمتمرسين وزير دفاعهم رامسفيلد بأن غزو العراق يحتاج إلى بضعة مئات الالاف من الجنود أضعاف ماهو موجود على الأرض حالياً إذ أن السيطرة على بلد مترامي الأطراف وإدارته مباشرة بأسلوب الاحتلال يتطلب أعداداً هائلة من الرجال والقوات والمعدات والإمكانات المادية والمالية والخبرات العملية .بيد أن وزير الدفاع الأمريكي السابق أراد تقليل وخفض عدد القوات فوراً بعد الانتصار العسكري السريع وإطاحة نظام صدام في الوقت الذي كان يجب أن يحدث فيه العكس تماماً أي أن تحدث زيادة مهمة في العدة والعتاد والرجال والمعدات والأموال.وكان رئيس أركان القوات البرية الجنرال إريك شينسكي ، الذي سبق أن أشرف على قوات الأطلسي في البلقان ، قد قدم العملية الحسابية التالية: " في البوسنة ذات الخمسة ملايين نسمة نشر الحلف الأطلسي قوة دولية لحفظ السلام قوامها 200000 جندي في حين في العراق ذو الخمسة وعشرون مليون نسمة متوزعين على بلد شاسع ومترامي الأطراف لم يتجاوز عدد قوات الإئتلاف الدولي 140000 مجند بينما يحتاج الموقف إلى أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد ". وهذا ما أثار حفيظة وامتعاض وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد فقام على الفور بإقالة الجنرال شينسكي قبل الأوان أي إحالته على التقاعد المبكر.إن خطأ رامسفيلد في حساباته وتقديراته وعناده وغطرسته قد كلف الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً وكلًف العراقيين أكثر من الضحايا والدماء البريئة والانهيار الأمني والاقتصادي وجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً لحماقاته وعناده وعجرفته. فكل الخبراء أشاروا وحذروا من أنه غداة الانتصار العسكري المؤكد فإن أحد أهم العناصر الحاسمة والمؤثرة في مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على ضمان الأمن والنظام إلا أنه، ولعدم توفر العدد الكافي واللازم من القوات لم تنجح الولايات المتحدة في هذه المهمة. كان الإنتصارالأمريكي ولامبالاة القوات المحتلة قد أعطى إشارة لعدد من الرعاع لكي يقوموا بنهب وسرقة ممتلكات الدولة وحرق مؤسساتها مما عرف في العراق بعمليات " الحواسم" . وإزاء هذا الحدث المأساوي علٌق رامسفيلد قائلاً:" مع حرية بلا قيود ، الناس الأحرار كانوا أحراراً حتى في ارتكاب الأخطاء وارتكاب الجرائم وهم أحرار في أن يعيشوا حياتهم كما يحلو لهم وكما يريدون ويمكنهم تحقيق أشياء رائعة بدون خوف من سلطة وهذا ما سيحصل في العراق بعد الحرب".وكان أن احترقت بغداد ومدن عراقية أخرى منذ اليوم الأول للغزو واختفاء السلطة القمعية السابقة فمشاهد النهب والسرقة كانت متوقعة كما قالت ساندرا ميتشيل مسؤولة إحدى المنظمات الإنسانية غير الحكومية " فأي شخص شهد سقوط نظام ووصول قوة أجنبية لفترة مؤقتة يعرف أن عمليات السلب والنهب هي جزء من المشهد الطبيعي المصاحب لغياب سلطة القانون " ولم تشهد الأسابيع القليلة التي أعقبت انهيار النظام الصدامي أي تحسن في الوضع الأمني بل على العكس تفشى العنف وإنعدام الأمن وانتشار الجريمة والتصفيات الجسدية والاغتيالات وعمليات الخطف والسرقة والاغتصاب وشحة أو عدم توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود وفقدان المواد الأولوية، فسادت الفوضى . فأين الطبقة الوسطى التي تحدث عنها ديك تشيني ؟ وأين الإدارة النموذجية التي أشار إليها نويت غانغريش؟ وأين هي المعارضة السياسية الناضجة والنزيهة والكفوءة التي تحظى برضا الشعب وتمتلك قواعد جماهيرية ، لاسيما تلك التي تعمل في صفوف المؤتمر الوطني الذي يقوده أحمد الجلبي والتي يفترض فيها أن تكون مستعدة لتأمين حسن سير شؤون الدولة وتأمين البديل السياسي بعد قطع الرأس المتعفنة للسلطة السابقة والقبض على حفنة البعثيين المستأثرين بها ؟ يمكننا القول أن المحافظين الجدد تخيلوا عراقاً غير موجود ، ولكن بعد فوات الأوان . فالأمم المتحدة هُمٌشت وقتل ممثلها في العراق البرازيلي سيرجيو فييرا دي ميلو في انفجار هائل وغادر. الأمريكيون يريدون عمل كل شيء والسيطرة على كل شيء لكن فعالية وقابلية وقدرة الآلة الحربية الأمريكية التي أطاحت صدام حسين في ثلاثة أسابيع كانت قاصرة وعاجزة حيث بان للعيان عدم كفاءة قوات الاحتلال في إدارة مرحلة مابعد الحرب و التي خسرت رصيدها بسرعة في الشارع العراقي المعادي أساساً لصدام حسين في غالبيته العظمى . ثم تراكمت الهفوات والأخطاء والتجاوزات بل والجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية الغازية. حلٌ بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي على العراق محل الجنرال المتقاعد جي غارنر الذي كان يرغب بتشكيل حكومة عراقية ائتلافية مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة لكنه لم ينجح في إقناع القوى السياسية العراقية المتواجدة على الساحة بالتوافق والتوحد في برنامج إنقاذ وطني مشترك. وتسلم بريمر مهامه كحاكم مدني للعراق ممثلاً للإدارة الأمريكية في 6 أيار 2003 وحكم العراق بذهنية دكتاتورية انفرادية وبأسلوب فرض الأمر الواقع على جميع القوى السياسية التي وافقت الدخول في اللعبة السياسية التي أعدها لهم.
وفي نهاية شهر أيار ، أي بعد أقل من شهر على تسلمه مهامه القيادية في العراق، أعلن قراره الكارثي المشئوم بحل الجيش العراقي والشرطة العراقية كما حل وزارات كاملة وسرٌح موظفيها كالدفاع والداخلية والإعلام ، بالرغم من أن أغلبية الجيش العراقي لم تحارب القوات الأمريكية في حملتها العسكرية ولم يكن الجيش النظامي موالياً لصدام حسين إذ أن هذا الأخير كان يشك فيها ويخشى من تمرده وانقلابه عليه لمجرد أن تتاح له الفرصة وكان يخاف ويحذر من هذه المؤسسة العسكرية ولم يتوقف عن تسديد ضربات شديدة ومؤلمة لها وتطهيرها على نحو منتظم من العناصر التي يشك في ولاؤها . وهكذا أرسل بريمر أكثر من نصف مليون مجند من مختلف المراتب إلى بيوتهم بين ليلة وضحاها وبدون أية تعويضات ولا رواتب حيث اختفى العساكر ومعهم سلاحهم وخبرتهم العملية في القتال فالتحق جزء كبير منهم بالجماعات المستاءة والمتمردة الذين أعلنوا المواجهة المسلحة ضد القوات الأمريكية والقوى السياسية المتعاونة معها. كما تعرض آلاف الموظفين في وزارات الإعلام والتربية والتعليم لنفس المصير الذي أصاب العسكريين سيما المدرسين والمعلمين والصحافيين والأساتذة الجامعيين لا لشيء إلا لأنهم أعضاء في حزب البعث المنحل طوعاً أو قسراً وأغلبهم ليسوا بالضرورة مؤمنين بفكر البعث وأيديولوجيته أو موالين لصدام حسين بلا قيد أو شرط حيث أن نسبة كبيرة منهم إما انتهازيين أو مضطرين للدخول إلى الحزب بغية الحفاظ على وظائفهم وأعمالهم ومناصبهم وامتيازاتهم الوظيفية، وكان معظم هؤلاء فقدوا مواقعهم بموجب قانون إجتثاث البعث . وقد علٌق وزير الثقافة اللبناني الأسبق ومساعد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الراحل دي ميللو وهو الدكتور غسان سلامة، على تداعيات تطبيق قانون اجتثاث البعث قائلاً:" شبٌهت الولايات المتحدة الأمريكية العراق سياسياً بألمانيا النازية سنة 1945، وكان صدام حسين بنظرهم هو هتلر وحزب البعث الحاكم هو الحزب النازي إلا أن هذه المقارنة لم تكن دقيقة من الناحية العملية لذلك قادتهم إلى أخطاء فادحة نتج عنها قانون اجتثاث البعث الشبيه بقانون إجتثاث النازية الذي سمح بطرد البعثيين من وظائفهم ومناصبهم الحكومية . كما تم طرد 832 أستاذ جامعي بهذه الذريعة والذين لا يحتفظون ببطاقة الحزب إلا لكي يمارسوا مهنتهم في التدريس. ومثلهم 14 ألف مدير مدرسة ثانوية وابتدائية تركوا مواقعهم في لحظة بدء العام الدراسي وحلٌ مكانهم آخرون يفتقدون للخبرة والكفاءة . حتى أن بعض المواطنين في العراق استنجد مطالباً بتوفير طبيب أسنان جيد ولو كان بعثياً". ونفس التشخيص توصل إليه مبعوث الأمم المتحدة الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي وصل إلى العراق والتقى بكافة مكونات الطيف العراقي للمساعدة في تشكيل حكومة وطنية مؤقتة. وسرعان ما احتل رجال الدين محل الكوادر العلمانية المنتمية للطبقة الوسطى التي هاجر أغلب أفرادها للعمل خارج العراق مما أوجد نزيفاً في العقول والأدمغة المؤهلة الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية إلى التراجع عن تطبيق قرار اجتثاث البعث ولكن بعد فوات الأوان.
هل سيكون العراق مقبرة للأمريكيين؟ هل سيكون بمثابة فيتنام ثانية للقوات الأمريكية؟ هل سيشكل أول هزيمة عسكرية للقوة الأعظم في العالم في مطلع القرن الواحد والعشرين؟ وهل كانت هذه النتيجة المأساوية متوقعة؟
عندما أعد المحافظون الجدد برنامج إعادة صياغة ورسم عراق مابعد صدام حسين على الورق تناسوا المبدأ الجوهري الذي وضعه البروسي كلوزفيتش رغم استيعابهم للتاريخ وهو المبدأ الذي يقول :" كل حرب يجب أن تفهم قبل كل شيء وفق إحتمالية ملامحها وطبيعتها وطابعها الغالب بصورة تتيح لنا استنتاج معطياتها وظروفها السياسية " ولو طبق استراتيجيو البيت الأبيض أو استوعبوا هذا المبدأ النظري لكل حرب لما وقعوا في أخطاء قاتلة في العراق بعد سقوط النظام البعثي.وقد تزاحم على مكتب الرئيس الأمريكي قبل الحرب بضعة تقارير هامة أعدتها دوائر البحث الجادة مثل مؤسسة راند وغيرها لإعداد الدراسات المتعلقة لموضوع " بناء الأمة" و " بناء الدولة " على غرار تجارب تاريخية سابقة في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وفي بناما والصومال وهايتي والبوسنة والكوسوفو بعد الحرب الباردة. لقد ركزت مؤسسة راند على ثلاث دروس مستخلصة من تلك التجارب التاريخية تتعلق بالإمكانات المالية وعدد القوات المكرسة والزمن اللازم لإتمام المهمة وإن نجاح أي تجربة إعادة بناء دولة أو أمة تتطلب توفير هذه العوامل الثلاثة بنسبها المطلوبة . كما ركزت دراسات أخرى على ضرورة إعداد وتطبيق استراتيجية محكمة لفترة مابعد الحرب على المديات الآنية والقريبة والمتوسطة والبعيدة.
فعلى سبيل المثال خصصت أمريكا مقاتلاً من البحرية مقابل كل عشرة أفراد من السكان في ألمانيا حيث بلغ عدد القوات الأمريكية في ألمانيا الغربية وحدها 1،6 مليون وفي البوسنة والكوسوفو كان عدد القوات بنسبة 20 لكل 1000 مواطن، ثم تأتي عوامل أخرى مثل التجارب الديمقراطية السابقة إذا كانت متوفرة أم لا، وهل هناك ممارسات ديمقراطية أم لا، ومستوى التطور الاقتصادي والتنموي، وهل هناك هيمنة أو أغلبيات إثنية أو طائفية أو دينية ، وهل هناك اقتصاد قوي وعائدات مالية مضمونة أم لا، وهل هناك ديون أم لا، وهل هناك تدخلات جوهرية من جانب قوى الجوار وهل هي حليفة أم معادية، وهل هناك تصفية حسابات بينها ، وهل هناك انفلات أمني أم لا، وهل هناك خدمات وبنى تحتية متوفرة أم لا، كالماء والكهرباء والوقود والنقل ، وهل هناك مؤسسات أمنية قادرة على فرض الأمن والنظام محلياً تضمن البدء بعمليات إعادة البناء وتوفير العمل للعاطلين الخ من العوامل؟...
يوجد في أمريكا دليل عمل حول ما يجب تفاديه وما يجب عمله غداة احتلال بغداد صاغه خبراء كفوئين وكانت نتيجة عملهم تقرير أو وثيقة ضخمة جمعتها 17 مجموعة عمل تضم أمريكيين وعراقيين من كافة الاختصاصات أعدت تحت إشراف وبتكليف من وزارة الخارجية الأمريكية وكان رئيس مجموعة العمل المكلفة بهذه المهمة سنة 2002 هو أحد كبار موظفي وزارة الخارجية الأمريكية وهو توماس واريك. وقد كشف الصحافي جيمس فالو محتويات تلك الوثيقة المعنونة " مستقبل العراق" ورد فيها كل شيء وتطرقت إلى كافة الاحتمالات الممكنة والمتوقعة كما ورد فيها ضرورة منع انهيار النظام العام والنظام الإداري والخدمات العامة بأي ثمن غداة هزيمة صدام حسين وضرورة توفير الإمدادات والخدمات فوراً " الغذاء والكهرباء والوقود " وعدم المس بالجيش أو تفكيكه دون إيجاد أعمال واهتمامات بديلة لأفراد ومنتسبي هذا القطاع المهم والحساس والاستمرار بتأمين معاشاتهم الشهرية. ولم تخلُ الوثيقة من نواقص وسلبيات بالطبع منها أن قراءتها للحرب ولما بعد الحرب تعطي صورة لا تختلف عن كونها مشروع قابل للخسارة والربح أو أنها مجرد مغامرات ذات مخاطر عديدة ومن الصعب المتابعة دون العثور على فقرة تشير إلى خطر حذر منه العسكريون الأمريكيون الكبار. وأول تلك التحذيرات الجدٌية هي " أنه ليس سهلاً احتلال بلد عربي مسلم بعدد سكان يتجاوز الخمسة وعشرون مليون نسمة وفي حالة متقدمة من التفكك والتحلل والإفلاس والانهيار التام. وثاني تلك التحذيرات هي أن مثل هذه المهمة من الصعوبة بمكان كونها منفٌذة على يد أمريكا جورج بوش وهو البلد المكروه في الشرق الأوسط لأسباب يطول شرحها تتعلق بالصراع التاريخي مع إسرائيل حليفة الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجية ولهذا أطلق كولن بول صرخته الشهيرة في وجه جورج بوش حين أبلغه عزمه الدخول في حرب على العراق:" ستجدون أنفسكم يا سيادة الرئيس مسؤولين عن مصير 25 مليون نسمة " . هذه وغيرها الكثير من الرسائل التي تضمنتها الوثيقة ولكن لم يرغب المسؤولين في الإدارة الأمريكية تلقيها . فالبيت الأبيض برئيسه بوش ونائبه ديك تشيني ومستشاره المخلص لويز لبيبي، وفي البنتاغون بوزير دفاعه السابق رامسفيلد ومستشاريه المدنيين المحافظين الجدد، بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث ووليام لوتي و آبرام شوبسكي الذين يشكلون أركان مكتبه ، لايريدون سماع كلمات من قبيل " صعوبات" و "عقبات" ويبعدون عن رؤوسهم الأخبار السيئة ويهزئون أو يسخرون من حامليها. فقد أصروا على هذه الحرب مهما كان الثمن لأسباب تختلف من واحد لآخر وحرصوا على التخفيف من مخاطرها وتقديمها على أنها نزهة صحية لا أكثر . لذا عملوا على تضخيم الأمور وكتابة التقارير الزائفة ومنها تحويل الاحتمالات الضعيفة إلى حقائق يقينية بشأن وجود أسلحة تدمير شامل في العراق كما ورد في تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أ وشددوا على أن صدام حسين يمتلك أسلحة خطيرة ومحرمة دولياً يمكنه استخدامها خلال 45 دقيقة ، ومن ثم أقالوا أو أبعدوا كافة العناصر القيادية في الجيش الأمريكي التي تعارض الحرب على العراق. من هنا بات مؤكداً أن دونالد رامسفيلد لم يستشر أو يطلع على وثيقة " مستقبل العراق " التي وضعها أمامه توماس واريك. بل أن رامسفيلد ذهب إلى أبعد من ذلك في تجاهله واحتقاره لهذه الوثيقة التي تتحدث بإسهاب عن مرحلة مابعد الحرب، حينما اقترح عليه الجنرال المتقاعد جي غارنر أول حاكم على العراق الذي وصل بعد أسبوعين من بدء العمليات العسكرية، الاستفادة من تقرير واريك الممتاز في فترة مابعد الحرب لكن رامسفيلد رفض رفضاً باتاً هذا الإقتراح قائلاً:" ليس وارداً على الإطلاق إستشارة شخص من وزارة الخارجية" . بهذا نستشف إن من أرادوا الحرب رفضوا الاهتمام أو التفكير بمرحلة ما بعد الحرب إما تجاهلاً أو إحتمالاً أو نكاية لأن الهدف والغاية القصوى بالنسبة لهم هي الحرب ذاتها . رامسفيلد أرد أن يثبت نجاعة وصحة نظريته بشأن قدرة جيش محدود العدد لكنه مدرب ومجهز تقنياً بأحدث التقنيات والمعدات المتطورة وسريع الحركة والتنقل وتطبيق هذه النظرية ميدانياً في العراق. وكما قلنا سابقاً فإن مستشاريه المدنيين حلموا بعراق لا يوجد إلا في مخيلتهم حيث توقعوا أن يرمي سكانه القوات الأمريكية بالأزهار والورود باعتبارها قوات محررة كما قال لهم المستشرق المتخصص بالإسلام برنارد لويس وسيقوم معارضون عراقيون سيرافقون القوات الأمريكية ويدخلون العراق معها، بتشكيل إدارة سياسية عراقية بديلة كونهم كانوا بعيدين عن استبداد صدام حسين منذ أكثر من ثلاثين عاماً هي فترة حكم البعث المليئة بالمآسي والحروب والطغيان ، وكان من المؤمل أن تقوم هذه العصبة السياسية العراقية البديلة بوضع البلد على طريق الديمقراطية. هذه هي الصورة الوردية التي كانت راسخة في أذهان دعاة الحرب المدنيين في البنتاغون . فمن الأيديولوجية إلى نكران الواقع لاتوجد سوى خطوة واحدة وقد تخطاها الفريق المدني في إدارة ديك تشيني وولفوفيتز وفيث وفورميسر وغيرهم. بذلك نستطيع أن نعثر على التفسير المنطقي لكل هذا التقصير الشنيع وعدم التحضير لمرحلة مابعد الحرب الأشد صعوبة وخطورة من مرحلة الحرب. حصل هؤلاء الخبراء والمستشارين المدنيين في الإدارة الأمريكية على خبراتهم وتكوينهم المهني في صالات مراكز التفكير والبحث " ثانك تانك" ، وليس على أرض الواقع والتجربة العملية عبر الاحتكاك المباشر بما يحدث فعلياً بين الناس. وقد قارنهم جيمس فالو بالبيروقراطيين الجامعيين المرموقين الذين كانوا يحيطون بالرئيس جون كندي ونصحوه بالدخول في حرب فيتنام في ستينات القرن المنصرم وما قيل عن أولئك ينطبق عن هؤلاء ومهما كانوا لامعون ومتألقون إلا أنهم غير أهل للمسؤولية وهو موقف تأكد وتعزز برأي خبير شهير آخر هو هنري كيسنجر الذي كتب :" عندما تسود عقيدة التدخل وتحتل الحقائق المثابرة موقعها في الحلبة، فإنها تخاطر بأن تنزلق في عالم تكون فيه الفضيلة قد غمرت بجنون القتل ، مستنداً إلى قول الكاتب البريطاني ج ك شيسترون 1436-1874"
وفي خارج الحكومة، كان المحافظون الجدد ومنظٌروهم من أمثال وليم كريستول ولورنس كابلان، الذين أوحوا بهذه الحرب لزملائهم في الحكومة وحثوهم على التدخل في العراق واحتلال بغداد ، يجدون صعوبة في إخفاء حيرتهم واضطرابهم إزاء النتائج التي ترتبت على مثل هذا الاحتلال . فهم يعرفون إن الإخفاق والفشل الذر يع في العراق سوف يسدد ضربة قاصمة ورهيبة لعقيدتهم ونظريتهم وتمنياتهم التي تتلخص بوضع قوة أمريكا في خدمة الديمقراطية في أي مكان يفتقد لهذه الديمقراطية لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وذلك بدافع أخلاقي أو انطلاقاً من واقعية عملية لأنهم يرون في نشر الديمقراطية أفضل سياسة لحماية الولايات المتحدة الأمريكية وضمان أمنها. كما أنهم يعرفون أيضاً أن فشل التدخل في العراق يعني تراجع مفهوم حق التدخل الإنساني لإنقاذ الشعوب من الديكتاتوريات العاتية والمستبدة وهو الأمر الذي طبقوه في البلقان وقد ألقوا تبعة فشل مشروعهم في العراق على عاتق رجل واحد هو دونالد رامسفيلد البيروقراطي القومي المتعصب ، العنيد والمتغطرس والذي لا ينتمي إلى حلقتهم ولا يرقى إلى مستواهم الفكري والثقافي . وقد تعرض وزير الدفاع لنقد شديد وتقريع قاسي في صحيفة ويكلي ستاندارد التي اتهمته بأنه المسؤول المباشر عن فشل إدارة فترة مابعد الحرب. فإداراته كانت متخلفة وكارثية كما قال بيل كريستول . ولكن وزير الدفاع لم يكن هو المسؤول الوحيد عن هذه المأساة وهذه الورطة فالمحافظون الجدد ، سواء داخل أو خارج الحكومة الأمريكية، لم يبصروا تعقيد العالم وقد عرٌتهم هذه الحقيقة. فتحولت ورود العراقيين إلى رصاصات وعبوات ناسفة وقذائف وسيارات ملغومة أو مفخخات وأحزمة ناسفة فأغرقوا العراق في بحر من الدم والفوضى ، كما أغرق الشعب الأمريكي في بحر من الكذب والخداع .وأنصع من وصف هذا الوضع هي مذكرات وتقارير السفير الفرنسي في الولايات المتحدة الأمريكية جون دافيد ليفيت التي أرسلها إلى قصر الرئاسة الإيليزيه ووزارة الخارجية الكي دورسيه والتي وصف فيها الكارثة التي تمثلها حرب العراق على الشارع الأمريكي، مع كل التحفظات والإحساس بالمسؤولية والتروي وعدم المبالغة التي يتصف بها كل دبلوماسي حصيف ورصين. فالسفير لايتبنى أو يأخذ لحسابه أي تعبير خارج عن السياق الدبلوماسي لكنه يردد ما يدور من انتقادات حول تكرار الأخطاء السياسية والاستراتيجية والعسكرية ، بالرغم من هيمنة البنتاغون التامة على الملف العراقي والنفقات الهائلة وعدم كفاية المعلومات الاستخباراتية ، وبالتالي فإن حصيلة هذه المغامرة لا تقبل الجدل أو المساومة. بيد أن بوش لا يتراجع ولا يتقبل الأمر الواقع ولايريد الاعتراف بفشله ولن يقبل بنتيجة تدعى " هزيمة" أى لا يتقبل فكرة أنه " هُزم" أو خسر وهو ما يزال يحلم بتحقيق نصر قبل موافقته على الشروع بإنسحاب تدريجي ومبرمج ومشرف لا يأخذ شكل الهزيمة والهروب. على حد تعبير ديبلوماسي فرنسي محنك آخر.
لقد وافق بوش على استقبال أعضاء لجنة بيكر ـ هاملتون في البيت الأبيض بعد نشر تقريرها الشهير وتوصياتها التي ضرب بأغلب ما جاء فيها بعرض الحائط، كما استمع إلى جنرالاته وعلى رأسهم رئيس أركان قوات منطقة الشرق الأوسط الجنرال جون أبو زيد والجنرال كيسي قائد القوات العسكرية في العراق وكذلك التقى بأعضاء مجلس الأمن القومي وبالطبع لايوجد من بين هؤلاء من يفكر بترك العراق هارباً ومهزوماً وخائفاً إلا أن جلهم متيقن من حقيقة أنه لايمكن الاستمرار في القتال كما لو أن شيئاً لم يحدث قط في ظل تدهور وتفاقم الأوضاع الأمنية في العراق في الآونة الأخيرة. وهذا ماحدا بجورج بوش لإعادة التفكير بأخطر ملف في ولايته السياسية الأولى والثانية ألا وهو الملف العراقي ووافق على إعادة صياغة الاستراتيجية في هذا البلد للخروج من المأزق فإما أن ينجح وهو واثق من ذلك وإما أن يفشل وسيصفه التاريخ بأنه اسوء رئيس حكم الولايات المتحدة الأمريكية منذ استقلالها إلى يوم الناس هذا.
أسبوعبن من بدء العمليات العسكرية ، الاستفادة من تقرير توماس واريك الممتاز في فترة مابعد ا
وصلت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم إلى مفترق طرق منذ غزوها واحتلالها العراق في 9 نيسان 2003 بعد الانتكاسات والإخفاقات المتتالية التي أوصلت واشنطن إلى طريق مسدودة ومأزق يصعب الخروج منه. وهذا ما أقنع الإدارة الأمريكية بإحداث تغيير أو تعديل في إستراتيجيتها العسكرية والسياسية في العراق فبادرت إلى تشكيل مجموعة دراسات حول العراق من الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي برئاسة جيمس بيكر وهاملتون وقامت تلك اللجنة بإجراء تحقيقات واسعة وصاغت تقريرها الشهير وتوصياتها الكثيرة التي بلغت 79 توصية، بيد أن أغلب المعنيين شكك بفعالية ونجاعة مقترحات وتوصيات لجنة بيكر. ومن نافل القول أن الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس لا تختلف كثيراً في موقفها بشأن جوهر المسألة العراقية عن موقف الرئيس جورج دبليو بوش بل تختلف في الجزئيات والمنهجية أو الأسلوب كما هو الحال في فكرة فتح الحوار المباشر والصريح مع جيران العراق المؤثرين وهما طهران ودمشق فضلاً عن الرياض والكويت وعمان وأسطنبول حيث أن بوش ما يزال يرفض تقديم أي تنازل لهاتين العاصمتين المتمردتين على سطوته من هنا يشدد الرئيس الأمريكي" ألاٌ حوار مع إيران وسورية بشأن العراق من دون خطوات وإجراءات مسبقة وملموسة تقو