Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراق ولعبة الشركات الوهمية


غني عن القول أن العراق الجديد ورث تركة ثقيلة جداً من العهد البعثي الفاشي البائد، فبعد 35 سنة من الحروب الداخلية والخارجية، والحصار الاقتصادي والتجويع والتشريد، وحرمان الركائز الاقتصادية والبنى التحتية من الصيانة والإدامة، إضافة إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، وما أصاب العراق من دمار مادي وبشري شامل، فإن مجرد التفكير بحكم العراق، ناهيك عن اعماره، هو نوع من الكوابيس.

فبعد كل هذا الخراب، مازال البعض من الكتاب يتعاملون مع العراق كما لو كان بلداً طبيعياً ومستقراً، فإذا ما أرادوا انتقاد حكومته على النواقص، قارنوا وضعه بما يجري في الدول الأوربية الديمقراطية العريقة. نسي هؤلاء أو تناسوا عمداً، أن العراق يمر بحالة فريدة من نوعها، ولأسباب عديدة، منها ما أشرنا إليه في أعلاه، إضافة إلى الإرهاب البعثي- القاعدي المدعوم من الخارج، والصراع الطائفي، وتشرذم القوى السياسية إلى مئات من الكيانات المتصارعة على السلطة والنفوذ، وإستعداد البعض منها التعاون مع الإرهاب وإلحاق الأذى بالشعب نكاية بالحكومة، ودور البعث في تدمير الروح الوطنية وتصعيد الولاءات الثانوية على حساب الولاء الوطني.

كما وذكرنا مراراً عن خبرة البعثيين الفائقة في الإعلام المضاد، وتضليل الشعب والرأي العام، وتشويه سمعة خصومهم، وحتى قبل ظهور التقنية المعلوماتية الجديدة المتطورة، فهم يقومون بكل هذا التضليل باسم الوطنية، والحرص على مصلحة الشعب. والمؤسف أن هناك شريحة من الناس، وبدافع الحرص على المصلحة العامة يصدقون الإشاعات السامة ويساهمون في ترويجها. 

وبعد كل هذا الخراب، لا شك أن العراق يحتاج إلى إعمار واسع في جميع المجالات، الاقتصادية والتنمية البشرية، تقدر تكاليفها بمئات المليارات من الدولارات، ولا يمكن تحقيق هذا الإعمار في بضع سنوات أو حتى بجيل، رغم أنه يتمتع الآن بموارد نفطية غنية تؤهله للقيام بهذه المشاريع.

ولكن المشكلة التي تواجهها حكومة الشراكة الوطنية المنتخبة، أنها محاصرة بالكثير من المعوقات التي تصد الشركات الكبرى من العمل في العراق رغم ما تقدمه الحكومة من مغريات مالية. ومن هذه المعوقات، البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي فُرض على العراق بسبب احتلال حكم البعث الصدامي للكويت عام 1990. ورغم خروج العراق من هذا البند الجائر مؤخراً، إلا إن تبعاته مازالت مستمرة، ومنها أن أية شركة عالمية تتقدم لبناء مشروع في العراق تفرض نسبة 40% زيادة على التكاليف التي تطلبها في البلدان التي تتمتع بظروف طبيعية، وهذه الزيادة تسمى بالعامل العراقي (Iraqi factor).


العامل الآخر الذي يمنع الشركات الكبرى من العمل في العراق هو الإرهاب. والعامل الثالث هو قيام بعض الشركاء في العملية السياسية بتحريض الشركات الأجنبية العالمية بعدم العمل في العراق، من أجل عرقلة الاعمار وإفشال العملية السياسية. إضافة إلى عوامل مثبطة أخرى مثل تفشي الفساد والرشوة واللابالية وقلة الخبرة...الخ

ونتيجة لهذه الأوضاع انتعش النصابون والمحتالون من أصحاب الشركات الوهمية والمفلسة، فاستغلوا الوضع العراقي للنهب والثراء السريع عن طريق توقيع عقود لبناء مؤسسات اقتصادية، غير قادرين على إنجازها. وعلى سبيل المثال، قام الدكتور جواد هاشم، وزير تخطيط سابقاً، قبل عامين بتنبيه المسؤولين العراقيين عن شركة وهمية مقرها في كندا، والتي وقعت عقداُ أو مذكرة تفاهم لبناء محطات كهربائية في العراق بتكاليف تبلغ 2 مليار دولار. وبذلك فقد أنقذ الرجل العراق مشكوراً من كارثة اقتصادية.

ولكن وجود شركات وهمية تسبب في الخلط بين الحق والباطل، بين شركات وهمية وأخرى تتمتع بمصداقية. وعلى سبيل المثال، بعد أن وقعت هذا العام، وزارة النفط مذكرة تفاهم مع شركة سويسرية "سا تارم"، لبناء مصفى نفطي في محافظة ميسان، قام أكاديمي عراقي آخر، وهو الدكتور مثنى كبة، وبدوافع وطنية، بالبحث عن إمكانية هذه الشركة ومصداقيتها، فاستنتج أن هذه الشركة غير مؤهلة لبناء هكذا مشروع تبلغ تكاليفه 6.5 مليار دولار. فكتب رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الوزراء والمسؤولين في وزارة النفط عن الموضوع بغية التأكد من حقيقة هذه الشركة وربما هي وهمية. بطبيعة الحال، أثارت هذه الرسالة قلقاً مشروعاً لدى العراقيين الحريصين على مصلحة الشعب العراقي.

إلا إن الرسالة هذه تم استغلالها إلى أقصى حد في تشويه سمعة الحكومة، ورئيس الوزراء بالذات من قبل أعداء العملية السياسية، ولعرقلة إعمار العراق.

كما يجب أن لا ننسى الضجة التي افتعلتها حكومة الإقليم، ومعها أنصارها من الكتاب، حول المفاوضات التي أجراها وفد عراقي برئاسة رئيس الوزراء مع الحكومة الروسية قبل عام لتجهيز الجيش العراقي بالطائرات وهليكوبترات مقاتلة لمواجهة الإرهاب، فأثاروا ضجة الرشوة والفساد، وكان القصد منها عرقلة تسليح الجيش العراقي، في الوقت الذي كان السيد مسعود بارزاني يتجول في الدول الأوربية لتسليح البيشمركة بالسلاح الثقيل. وقد أكد الدكتور سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة، كذبة الفساد حول الصفقة الروسية، وهو إنسان وطني ونزيه لا يحتاج إلى شهادة أحد حول وطنيته ونزاهته.

وعلى قدر ما يهمني الأمر، فقد أرسلت رسالة الدكتور كبة إلى السيد علي الموسوي، المسؤول الإعلامي في مكتب رئيس الوزراء، مستفسراً عن حقيقة الموقف، راجياً منه إصدار توضيح حول الموضوع. فرد الرجل بجواب سريع جاء فيه: ((عزيزي د عبد الخالق المحترم، سأستفسر عن الموضوع من الجهات المختصة لكن ما أردت الإشارة اليه الآن هو ان المشروع المشار اليه مشروع استثماري وليس عقداً، اي ان الحكومة لا تلتزم إزاءه بأي التزام سوى تزويده بالنفط الخام وإعطائه قطعة ارض ينشأ عليها المصفى على ان تسحب منه بعد مضي أربعة اشهر اذا لم يقم بعمل يثبت انه ماض حقاً نحو بناء المشروع... تحياتي)) أنتهى

ولكن الكثير من العراقيين الذين عممتُ عليهم رسالة السيد الموسوي الجوابية لم يكتفوا بهذا الرد. ثم تلاه بيان من وزارة النفط (1)، ثم بيان رسمي من السيد علي الموسوي في وسائل الإعلام، يؤكد على ما جاء في توضيحه لي، إضافة إلى التأكيد على أن الشركة السويسرية ليست وهمية، بل تتمتع بقدرات مالية كبيرة وضمانات من البنوك السويسرية الكبرى المعتبرة، وتتمتع بدعم شركات عالمية ذات تاريخ في بناء المصافي النفطية في العالم ...الخ. وأخيراً، ظهر الدكتور حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، في لقاء تلفزيوني خاص على قناة العراقية، مساء 22/12/2013، أكد فيها المعلومات الواردة أعلاه. وأنا لا أعتقد أن الدكتور الشهرستاني، المعروف بمكانته العلمية والدولية، يكون من السذاجة بحيث يستطيع عدد من النصابين إيقاعه في فخ النصب والاحتيال.

رب ضارة نافعة

وبعد هذه الضجة التي استغلها البعثيون وحلفاءهم بحجة الحرص على المصلحة الوطنية، أرى أنها (أي الضجة) حققت بعض المنافع ومنها كالتالي:

أولاً، أن هناك رقابة شعبية من قبل وطنيين مخلصين في مختلف بقاع العالم، يتابعون ما تقوم به الحكومة العراقية من إبرام عقود ومذكرات تفاهم مع الشركات، فيقومون بدورهم المشرِّف للتأكد من مصداقية هذه الشركات وقدرتها على إنجاز هكذا مشاريع.

ثانياً، قيام الجهات الحكومية المسؤولة عن هذه العقود بحملة إعلامية لتوضيح المسألة للرأي العام، وعدم ترك المجال للمتصيدين بالماء العكر من البعثيين وحلفائهم يضللون الناس بغية عرقلة إعمار العراق وتركه خراباً ليقولوا أن الحكومة العراقية فاشلة ولا يمكن بناء المشاريع إلا بعودة البعثيين للسطلة...!!!

ثالثاً، هذه القضية تجعلنا نقترح على الحكومة عدم إهمال الجانب الإعلامي عند القيام بأي إجراء وخاصة في حالة توقيع عقود إعمارية واستثمارية مع الشركات الأجنبية. فمن المعروف، أن غياب الإعلام الصريح والشفافية من قبل الحكومة، يفتح المجال للتكهنات وتنتعش الإشاعة وخاصة تلك التي يبثها الأعداء، وتصبح هي الموجهة الرئيسية للرأي العام، وبذلك يقع الشعب والحكومة ضحية التضليل.

رابعاً، وبناءً على الفقرة (ثالثاً)، أقترح على دولة رئيس الوزراء أن يقدم حديثه الأسبوعي على شكل مؤتمر صحفي، أي يلقي حديثه عن نشاطات الحكومة خلال الأسبوع ويقدم ما عنده من أفكار...الخ، في مؤتمر صحفي، ليقوم الصحفيون بطرح الأسئلة عليه نيابة عن الشعب بصفتهم يمثلون الرأي العام ويحركونه، فيحيطون دولة رئيس الوزراء بما يدور من إشاعات وتساؤلات في الشارع العراقي، وبذلك يمكن الاستفادة من هذه الفرصة للتواصل بين رئيس الحكومة والشعب. لقد أعتاد أعداء الرئيس ومنافسوه توجيه اتهامات له بأن هذا الحديث أو المؤتمر الأسبوعي هو لأغراض انتخابية، كما هو شأنهم في كل ما يقوم به من نشاطات، أقول على رئيس الوزراء عدم الالتفات إلى هذه الاتهامات التي فقد قيمتها وصارت مثيرة للقرف، وليواصل سيره قدماً في كل ما يراه في صالح الشعب ومن صلب واجباته إزاء الوطن.

خامساً، وعطفاً على الفقرة (رابعاً)، أقترح على السيد علي الموسوي أيضاً، بصفته المسؤول الإعلامي لمكتب رئيس الوزراء، أن يعقد صباح كل يوم مؤتمراً صحفياً يلقي فيه ما استجد من نشاطات الحكومة. هذا ما يجري في الدول الغربية، حيث يقوم الناطق الرسمي باسم الحكومة بلقاء مختصر مع مراسلي الإعلام صباح كل يوم يطرح أمامهم أنباءً عن نشاطات الحكومة لذلك اليوم.

سادساً وأخيراً، طالما الرأي العام العراقي معرض لحملة واسعة من الدعايات المضادة، خاصة الإشاعات السامة التي تخرج من مصانع فلول البعث المتخصصة وبمهنية عالية في التضليل، أقترح  على المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء تعيين أشخاص لهم خبرة بالصحافة يتفرغون لمتابعة الإشاعات والافتراءات التي تنشر على الفضائيات ومواقع الانترنت، والرد عليها وتفنيدها أولاً بأول. 

أعتقد جازماً أنه إذا ما تم العمل بهذه المقترحات، فإن الحكومة ستنجح لحد كبير في حماية نفسها من الإشاعات المسمومة، وصيانة الرأي العام من التضليل.

 

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 


http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات علاقة   


1- وزارة النفط: شركة استثمار مصفى ميسان مذكرة تفاهم وليس عقد كما روجت له بعض الجهات


http://akhbaar.org/home/2013/12/159504.html

 

2- محمد ضياء عيسى العقابي: وزارة النفط ومصفى ميسان والشركة السويسرية


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=392193


 


 

 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
اوقدوا شمعة بدلا من لعن الظلام عصمت رجب/ كما هو معلوم بأن مصطلح المعارضة السياسية يعنى جماعة أو مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة على اسس ثابتة في الجوهر العقائدي ، وأن تكون المعارضة هي العين التي لا تنام في المراقبة والإشراف وبقصد التفعيل والتطوير، الفعل ورد الفعل في التجاوز على الشعائر الدينية عبدالخالق حسين/ أفادت وسائل الإعلام عن قيام مصري، و بريطاني، يعملان في شركة حماية (G4S) في حقول الرميلة النفطية، بالإساءة للشعائر الحسينية هل حقاً المالكي هو سبب الإرهاب السعودي في العراق؟ عبدالخالق حسين/ هناك مبدأ خطير وهو (عدو عدوي صديقي)، والخطورة تأتي من كون هذه الصداقة مؤقتة، فكل طرف يوظّف الآخر لأغراضه سرعان ما نداء عاجل ..أين رمزنا ، "صليبو دحايي"!؟ نعم، أربعة عشر قرناً ومسيحيو الشرق يعانون من الإرهاب والإضطهاد، فقد قدّمــــــــوا ملايين الضحايــــا لأجل الحفــــاظ على عقيدتهــــم الدينيــــة وكيــــــانهم المسيحي وبنـــــــاء أوطانهم بروح التضحية والإخلاص، ومع هذا فإن حملات اضطهاد المسيحيين أخذت منذ القِدَم مسلكاً واحداً هو القضاء عليهم بمختلف الوسائل، بدءاً بأجدادنا وأسلافنا _ ونحن اليوم أولادهم وأحفادهم _ الذين كانوا يعيشون في الوسط الأصولي الداعشي الإرهابي وبمختلف
Side Adv2 Side Adv1