Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراقيون.. أين المسار ؟

يبدو واضحا من خلال عملية الانتخابات العامة التي جرت في العراق مؤخرا ، أن العراقيين تقدّموا خطوات واسعة للأمام ، مقارنة بما كانوا عليه في تجربة الانتخابات السابقة . ورغم كل الهنات والأخطاء الإجرائية ، ورغم كل الأمراض السياسية ، وغيبوبة الإصلاحات الدستورية التي وعد بها كل العراقيين .. ورغم بقاء الانقسامات السياسية والاجتماعية التي فّتت في عضد المشروع الوطني حتى اللحظة ، إلا أن زحف ملايين العراقيين إلى صناديق الاقتراع ، لاختيار خارطة طريق جديد لمستقبلهم .. وما حصلنا عليه من نتائج حتى الآن ، يمنحنا القدرة على القول أن العراقيين ، بشكل عام ، أدركوا كم الحاجة الملحة والضرورية لحياة سياسية جديدة ترعاها قوى وأحزاب مدنية ، وتختفي منها كل أشكال التحزبات الدينية والطائفية والشوفينية الفاشلة .. سعيا لتأسيس مشروع جديد ترعاه قيم وطنية ، ويكون بديلا عن كل التجارب الصعبة التي مرت بالعراقيين في نصف قرن مضى ، وبالأخص التجربة المؤلمة التي مروا بها على عهد الاحتلال .

إن تجربة انتخابات 2010 التشريعية ، ورغم اعتمادها دستورا نختلف مع بعض بنوده ، ورغم كل ما أشيع عن تزويرات وخروقات ، إلا أن مجرد زحف العراقيين لاختيار ممثليهم ضمن قوائم مفتوحة ، قد منحنا الأمل في أن الشعب العراقي لا يمكنه البقاء متقوقعا على نفسه . ولا يمكنه أن يستمع من دون أن يقول كلمته ، وانه قد تعّلم كثيرا من التجارب القاسية التي مرت عليه ، بكل ما تحمّله من فواجع ومآس . صحيح انه اليوم منقسم على نفسه طائفيا وقوميا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ، جراء السياسات الصفراء التي مورست بحقه ، إلا أن الانتخابات الأخيرة أوضحت أن العراقيين يرفضون كل القوى السياسية التي جاءتهم بعباءة دينية ، أو بعمامة طائفية ، أو بأجندة شوفينية . لقد سقطت أسماء معينة بذاتها ، كونها لم تكن مؤهلة منذ البداية لأن تكون في أية سلطة تشريعية أو تنفيذية ! ولقد توّضح جليا أن إرادة العراقيين هي أقوى من كل من يريد أن يجعل العراق رهينة للمحتل ، أو ميدانا للفوضى ، أو ساحة للإرهاب ، أو مثوى للجهالة ، أو منطلقا للطائفية .. إن مجرد الوصول لتحقيق النسب التي أفرزتها الانتخابات في 2010 ، يكفي للقول أن العراقيين بدأوا يفكرون باختيار خارطة طريق لمستقبلهم ، وأنهم يرفضون رفضا باتا أي طريق آخر قد يأخذهم إلى الدكتاتورية ، أو يوصلهم إلى الفناء والعدم.

لقد علمتهم الريح الصفراء كثيرا ، وسحقهم الإرهاب طويلا ، وعرفوا أن بلادهم التي بقيت موحدة وعصية على الانقسام حتى الآن .. لا يمكنها أن تكون أبدا مستلبة ولقمة سائغة في أفواه الآخرين ، ولا يمكن أن تبقى مشاعا للفساد والمفسدين ، ولا يمكن أن تغدو مع توالي الأيام أوصالا مبعثرة ومتفسخة بأيدي الانقساميين . إن العراقيين ، بشكل عام ، ورغم انقساماتهم اليوم ، فهم بحاجة أساسية إلى مشروع وطني متمدن ، يجمعهم من خلال تشكيل حكومة ذكية وقوية ومدنية مهما كان نوعها ، إلا أنها تأتي وفي يديها برنامج واضح ، وخطط عملية لتحقيق الأمن في الداخل ، وللعمل من اجل تلبية ضرورات العراقيين الذين هرعوا بالملايين للتعبير عن إرادتهم .. وقالوا كلمتهم ، واختاروا من يرونه الأصلح لقيادة البلاد . وسواء كان هذا أو ذاك قد وصل من اجل مصالح ذاتية ، أو مكاسب مادية ، أو أهداف شخصية ، إلا أن المشكلة الآن ليست في الشعب الذي أدى مهمته ، بل المشكلة أساسا في القوى والأحزاب التي ستحكم البلاد لمرحلة مقبلة !

اعتقد بأن العراق سيمر في مخاض عسير آخر ، وهو يواجه تحديات من نوع آخر ، وأمامه خطوات صعبة أخرى ، ولكن العراقيين يطالبون بتحقيق الحدود الدنيا من فرص العيش الكريم ، والضرب بيد من حديد على كل المتجاوزين والمفسدين والقتلة والمجرمين .. ويطالبون أيضا بالتحقيق في كل ما ارتكب من جرائم ، وإظهار كل الحيثيات والأدلة ، ومحاسبة كل الذين تجاوزوا واعتدوا وكانوا من الآثمين . إنهم يطالبون أيضا بتعديل كل المواد والبنود التي تضمنها الدستور ، والتي وعد بتعديلها ولم تعدّل حتى اليوم ، كي تبدأ صفحة جديدة من حياة العراق المدنية . إن واقع العراقيين ، بكل تشظياته وانقساماته اليوم ، لا يمكن إصلاحه في سنة أو سنتين. انه بحاجة إلى بداية حقيقية يقوم بها قادة وإداريون اختارهم الشعب ليحققوا أهدافه ويصلحوا واقعه ويهندسوا حياته ، ويحققوا أحلامه .. وليس زعماء ليس لهم إلا التفرقة والطائفية والتحزب والتخندق والمصالح الخاصة .

لقد اختار العراقيون في تجربة الانتخابات الأخيرة ، طريقا جديدا لهم ، واختاروا ممثليهم بالأسماء ، وجسدوّا مطامحهم بمنطلقات مدنية لا غيرها أبدا . فمطلوب من الفائزين تجسيد إرادة شعبهم ، والاتفاق على نهج جديد للبلاد ، ومطلوب من كل نخب العراقيين التخفيف من غلواء الانقسام ، والخروج من أثواب التعصب ، والتوقف عن زرع الكراهية وبث الفتنة .. على من يتولى أمر العراق محاسبة نفسه قبل محاسبة الآخرين ، وعلى العراقيين أن يحترموا بعضهم بعضا ، بلا تنكيل ، وبلا تجريحات ، وبلا إقصاء ، ولا تهميش .. لتطوى ذكرى الماضي الكسيح ، وتراعى حقوق الجميع وواجباتهم .. وان يعالج الواقع القائم معالجات عملية ومدنية ، بلا شعارات طائفية ، أو مانشيتات إيديولوجية ، أو أكاذيب إعلامية . ربما لا يتفاءل البعض بالمستقبل ، ولكن دعونا نشعل شمعة لتنير الظلام ، كيلا يبقى العراق مزرعة للفوضى ، أو محرقة للأجيال القادمة .


نشرت في البيان الاماراتية ، 24 مارس / آذار 2010 ، ويعد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyaraljamil.com
Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
فرق اسلحة جوية من الفرقة متعددة الجنسيات في بغداد تشتبك مع مجرمين شبكة اخبار نركال/NNN/ بغداد/ اعلنت القوات المتعددة الجنسيات ان مروحيتين من الفرقة متعددة الجنسيات اشتبكت في بغداد مع مجرمين في عمليتين منفصلتين استشهاد مواطن مسيحي بقناص اميركي في بغداد شبكة اخبار نركال/NNN/بولس تخوما/ استشهد المواطن الكلدوآشوري ملكزداق يوسف ملكزداق برصاص قناص اميركي وذلك يوم الثلاثاء 22 من شهر نيسان الجاري اثناء الآلوسي: بناء الجيش العراقي يجب أن يكون على أسس وعقائد صحيحة شبكة أخبار نركال NNN/بفداد/ بحث النائب مثال الآلوسي الأمين العام لحزب الأمة العراقية مع وزير الدفاع عبد القادر العبيدي المستجدات والتحديات على الساحة الأمنية العراقية مهاجم انتحاري يقتل خمسة امام مصرف في بغداد بغداد (رويترز) - قال مصدر من الشرطة العراقية ان خمسة أشخاص قتلوا وجرح 35 في العاصمة العراقية بغداد يوم الاثنين حين فجر مُهاجم انتحاري نفسه وسط مجموعة من الناس اصطفوا أمام أحد البنوك.
Side Adv1 Side Adv2