العراقيون لا يثقون بقادتهم.. وهمّهم معيشتهم وليس تشكيلة الحكومة
23/05/2006بغداد: ميغان ستاك
كان هناك وقت تزدحم فيه غرف وقاعات نادي العلوية وتصطخب فيها الأصوات. لكن ذلك كان قبل أن يرغم الخوف كثيرا من العراقيين على البقاء في بيوتهم. ففي هذه الأيام نجد كراسي الحمامات الشمسية فارغة والسجاد قديما. ويجلس موسيقي وحده عند البيانو القديم، محدقا بسأم في لوحة المفاتيح الإلكترونية. يحدق مدير النادي هشام أمين زكي بنظرة قلقة في القاعة. وشأن كثير من العراقيين، فإنه منشغل بمشاكله مما يجعله عاجزا عن إيلاء كثير من الاهتمام لحكومة العراق الجديدة. فهو قلق بسبب أسعار البنزين المرتفعة، وهجمات الهاون. وهو يحلم بإرسال ابنه الوحيد البالغ 25 عاما الى أميركا، بحثا عن حياة أفضل. وقال زكي، 65 عاما، وهو مسلم من العرب السنة «ليس لدي كثير من الثقة بأن هذه الحكومة الجديدة ستحقق الديمقراطية والأمن. لا يتعين علينا أن نكون يائسين. يجب أن يكون لدينا أمل. ولكن حتى الآن ليست لدينا مؤشرات على الأمل، ولا حتى على بصيص منه». وبينما تولى رئيس الوزراء نوري المالكي مهماته الجديدة أول من امس، وسط عنف متواصل فإن أصوات العراقيين نافذة على التحديات العميقة التي تقف أمامه، واضاءة قاسية للانقسام بين خطاب النخبة الحاكمة في العراق، الذي يتميز باللاواقعية والاحباط والسخط والانتقام الذي نجده في الشوارع. فبعد ثلاث سنوات من الحرب والقلق، ينشغل كثير من العراقيين الى حد لا يمكنهم منح العملية السياسية الكثير من طاقاتهم العاطفية. فهم مرهقون من إراقة الدماء ومرتابون في جيرانهم ويصارعون في اطار مسائل الهوية والعنف الطائفي. وهم يعرفون معرفة حيدة أن معظم زعمائهم السياسيين يقضون أيامهم محاصرين في المنطقة الخضراء المحصنة، والمنعزلة عن بقية أنحاء البلاد بجنود أجانب ونقاط تفتيش مشددة. وقال محمد علي الحلفي، 29 عاما، وهو شيعي من مدينة النجف المقدسة، ان «السياسيين لن يحاولوا ايقاف العنف، لأنهم لا يبالون بدماء العراقيين». ويسعى الحلفي الى كسب عيشه من محل الإنترنت الذي يمتلكه، ولكن الأمر ليس سهلا. فهو لا يمتلك بيتا أو سيارة. ومع انه حاصل على درجة البكالوريوس، فإنه ما يزال يعيش مع والديه. أما قائمة أمنياته للحكومة فهي بإيجاز: الكهرباء والخدمات وخصوصا الأمن. وقال «عائلتي قلقة كل يوم حتى عودتي الى البيت». وهذا القلق منتشر في كل أنحاء البلاد. وقال حسين عبد الله العبيدي، 45 عاما، وهو سني يعيش في مدينة كركوك ذات التعدد الاثني «الأمن، ثم الأمن، ثم الأمن هو الضروري. نتوقع من حكومة المالكي ان توقف حمام الدم العراقي، حيث القتل اليومي بدم بارد». وشأن كثير من السنة، يشعر العبيدي بالمرارة في ما يتعلق بتوزيع المناصب الحكومية على اساس طائفي. وقال إن «الطريقة التي تشكلت بها هذه الحكومة غير سليمة. فالسنة مضطهدون، وتساء معاملتهم في هذه الحكومة. ولم تمنح لهم الا وزارات قليلة، فضلا عن كونها غير مهمة». وقال كثير من العراقيين إنهم يشعرون بالقلق من أن الحكومة الجديدة، التي وزعت وزاراتها بين الأحزاب الطائفية، لن تفعل سوى مفاقمة العداوات بين الأطراف، مسببة لهذا المجتمع الهش توترات أعمق». وقال حسين علي البلداوي، 60 عاما، وهو شيعي من مدينة بلد «نحتاج الى المصالحة بين جميع الأطراف، ان حكومة نزيهة أمر مهم، وينبغي ألا تكون طائفية حسب وجهة نظري». وسرعان ما اعترفت علا محمود، 25 عاما، وهي طالبة شيعية في الكلية بالموصل، بأن طائفتها ممثلة بشكل واسع في الوزارة. ولكن هذه الأم لثلاثة أطفال غير راضية عن مكاسب طائفتها السياسية. وشأن كثير من الشيعة فإن صبرها مع الجنود والدبلوماسيين الأميركيين بدأ ينفد. وهي تسمي الأميركيين «المحتلين». وقالت «لا أثق بالحكومة الجديدة. لا أتوقع منهم شيئا. يجب أن يبدأوا العمل الفعلي ويطردوا المحتلين». وتتسم الأمزجة بكونها أفضل قليلا في الشمال الكردي، حيث يعتبر الأمن والاقتصاد في حالة سليمة نسبيا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وقال إياد أحمد حمه أمين، 34 عاما، وهو معلم في أربيل «كأكراد اعتقد أننا قمنا بعمل جيد. فلدينا المناصب التي ترضي طموحاتنا». ولكنه أضاف أن «الوضع الأمني يعتبر مصدر قلق رئيسيا. نريد أن نتنقل في كل أنحاء العراق من دون خوف». وفي الوقت الحالي يحل الصيف سريعا. ولكن بينما ترتفع درجات الحرارة ما تزال الكهرباء ضعيفة ومتقطعة بالنسبة للكثير من العراقيين. ففي بغداد لا تتوفر الطاقة الكهربائية الا ساعات قليلة في اليوم. وبسبب غلاء أسعار المولدات الكهربائية بالنسبة لكثير من الأسر، فإن الناس يجدون أنفسهم مرغمين على قضاء الأشهر المقبلة في الظلمة والحر الشديد في بيوتهم. ووسط أجواء العنف، يعاني العراقيون من مختلف الحرمانات. ويريد يوسف جبر محسن، 36 عاما، وهو شيعي من مدينة السماوة، أن يرى شقيقته ثانية. وهي تعيش في بعقوبة، حيث تعتبر الطرق الموصلة الى هناك خطرة. وقال محسن، الذي يعمل معلما «أريد ان أرى السلام في بلدنا الحبيب. ينبغي على الحكومة ان تهتم بأحلام الناس، وأن تتحسس الكارثة التي يعاني منها الناس».