Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراقيون ليسوا حصان طروادة !

تشكّل تجربة العراق السياسية اليوم ، فاجعة تاريخية بكل المقاييس ، إذ تتبارى المصالح الطائفية والفئوية والقومية والجهوية والعشائرية ، لدى النخب والأحزاب . لقد كشفت القوى السياسية التي تتحكم اليوم في مصير العراق ، عن غاياتها ، كونها غير مهتمة بالعراقيين أبدا .. وما زال العراقيون ينتظرون من سيحكم العراق ليحقق أمنياتهم الوطنية ، ولكن لم يزل صراع القوى من اجل الحكم والسيطرة والنفوذ ، ينتج المزيد من الاحتقانات وعوامل بقاء الخراب والتفكك ! إن الصراع السياسي اليوم ينذر بالخطر ، فالعراقيون لا يسكتون أبدا مهما طال الزمن على معاناتهم وآلامهم ودمار بلادهم .

لقد اقترح العقلاء منذ سنوات خلت ، أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط من قبل مختصين مستقلين ، لضبط البلاد واعمارها ومعالجة كل أخطارها ، ولكن الاحتلال أبى إلا أن يسّلم العراق لأحزاب وقوى وأناس لا يعرفون الإدارة ولا أسلوب الحكم وليست من تخصصاتهم ، ولا يدركون طبيعة إدارة الأزمات ، ولا التعامل مع المؤسسات .. ولا ردم الهوة بين الدولة والمجتمع .. فكان أن تمكّنت نخبة سياسية في الحكم من قبل الأجنبي ، وبدأت تتشبّث به بكل الوسائل . وإذا بدأوا اليوم يستخدمون التعابير الوطنية الجذابة فأين الوطنية من الانقسامات التي كرسوها في المجتمع باسم المكونات الطائفية والعرقية ، والتي شرعنوها بدستور مليء بالثغرات والمثالب؟!

ليست هناك حكومة منتخبة من قبل الشعب تبقى تزاول مهنتها بتحزبات ودوغمائية ، والبلاد تغرق في المشاكل التي لا أول لها ولا آخر .. وإذا كان الأمن قد تحسّن قليلا ، بفعل انحسار الإرهاب ، فان الناس لا تعرف حتى اليوم من الذي قام بسرقة البنوك العراقية ؟ ومن الذي قام بحرق ملفات وزارة الصحة ؟ ومن قام بحرق دوائر التحويل الخارجي في البنك المركزي العراقي ؟ ماذا حدث في وزارة التجارة ولماذا هرب الوزير ؟ ما سر عقود الطائرات القديمة التي أصرت الحكومة على شرائها ؟ ما سر إلغاء الخطوط الجوية العراقية ، بعد ما قال وزير النقل مباشرة على التلفزيون : إن السر يكمن في تأسيس شركات أهلية للطيران بدل تلك المؤسسة الرسمية العريقة ؟! ما سر إبقاء البلاد بلا كهرباء وطنية بعد كل هذه السنوات .. حتى يتحرك الشعب في الشوارع ؟ لماذا تبقى الحياة البلدية والمعيشية في العراق بلا خدمات ، وبلا ماء صالح للشرب ، وبلا مجاري .. ؟؟ إن التبريرات التي يسوقها لنا المسؤولون ، كلها واهية وكاذبة وعارية عن الصحة .. بدليل التعتيم الإعلامي ، والصراع السياسي ، والفساد الإداري ، ومزاولة النهب المنظم ، واهتمامهم بالسلطة والحكم وعدم اهتمامهم بالشعب والمصالح العامة .. لماذا يتم خرق الدستور الذي صنعوه بأنفسهم ؟ لماذا يتلاعبون بالنصوص ويناورون ويكذبون من اجل الفوز بالسلطة .. ولا نجدهم إلا كتلا ، تبحث كل واحدة عن مصالحها ، وتساوم على إبقاء قوتها ونفوذها ؟ لقد اتخذوا من اسم الديمقراطية شعارا ليوهموا العراقيين بأنهم حكام مثاليون اختارهم الشعب ، ولكن العراقيين ليسوا ساذجين ، ولا يلعب بهم احد حتى يكونوا حصان طروادة ، يصل هؤلاء بواسطته إلى سدة حكم العراق . لقد هيمنوا على العراق منذ سنوات ، ولم نجد لديهم أي مشروع وطني حقيقي ، ولا أي برامج للإدارة والخدمات ، ولا أي تطبيقات عملية ضد المحاصصات ، ولا أي حرص للقضاء على الفساد ، ولا أي احترام لأي قانون ، فثمة من هو فوق القانون في العراق ، ولم نشهد أية عقوبات رادعة وعلنية للإرهاب ، ولا أي مساءلات برلمانية من قبل مجلس النواب عن كل ما حدث من تجاوزات وخروقات ! ولا يعرف أحد من الشعب كم يقبض كل مسؤول من رواتب وأموال ؟

ابعد كل هذا وذاك يريدون إبقاء الشعب ساكتا ؟ ويريدونه ألا يتظاهر ولا يعلن العصيان ولا يثور ؟ كما يريدوننا ألا نكتب ! إن البقاء في مثل هكذا دوامة سيقود العراقيين إلى الثورة والهيجان ، وسيندم كل المسؤولين على ما صنعوه ، ولن تنفعهم تصريحاتهم التلفزيونية ، ولا تفيدهم بشيء نبراتهم وتسويغاتهم التي لا يقبلها حتى الأطفال . فلقد ثبت للعالم مدى جهلهم بإدارة شؤون البلاد ، ومدى حرصهم على إستمرار الموازنات التي خلقها المحتل لإبقائهم في السلطة .. تجدهم جميعا وقلوبهم شتّى ، فواحدهم عدو للآخر ، ولقد عرفنا انتقالاتهم من هنا إلى هناك لغايات شخصية ، ومنافع كتلوية ، وعوامل فئوية وطائفية ، وهم يبررون الأخطاء بدوغمائية فجّة . إن الفاشلين لا يمكنهم تبرير فشلهم ، فلقد سقطوا في الامتحان منذ زمن طويل ! يقارنون أنفسهم بدول أخرى لها مؤسسات ديمقراطية راسخة ، وهم لم يفعلوا شيئا للعراق الذي غدا يبابا خرابا . إننا نخشى أن يلحق بالعراق والعراقيين المزيد من الكوارث بما هو باق حتى اليوم من المحاصصة والتدمير والفساد .. إن العالم يريد خروج العراق من النفق بعد خروج الاحتلال ، في حين تماطل القوى السياسية الحاكمة في إبقاء العراق على حاله ، منهكا ومحتلا وفقيرا ومسلوب الإرادة ومعطّل الدور ومخترق الأوصال ..

وعليه ، فلا خيار إلا بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة ، تتولى الدعوة لحل البرلمان ، وإجراء انتخابات جديدة بعد تعديل كل من الدستور ، وقانون الانتخابات ، وحل الأحزاب ، والبدء بتشكيل أحزاب مدنية صرفة من خلال قانون جديد ، وتأسيس حياة سياسية لا تسلب فيه حقوق الكتل الصغيرة ، وان تعيد الحكومة الانتقالية النظر في تشكيل المفوضية العليا للانتخابات ، والمحكمة الاتحادية العليا لضمان استقلاليتهما التامة عن تأثير الأحزاب والكتل السياسية والحيتان الطائفية .. انها باختصار دعوة لتأسيس مشروع وطني جديد ينقذ العراق والعراقيين من هول ما سيأتي في قابل الايام .



نشرت في البيان الاماراتية ، 30 يونيو / حزيران 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyaraljamil.com

Opinions