العلاقة التاريخية بين تقسيم البلدان والحروب الأهلية
هدفت الإدارة الأمريكية للإحتلال في العراق إلى تقسيم البلاد إلى عدة أجزاء. وحول تاريخ هذا الهدف الأمريكي يكتب الكاتب مايكل كولن (1) مقارناً مع سياسة التمزيق الأثني التي انتهجتها أميركا لتقسيم يوغوسلافيا السابقة، ثم يتساءل: لكن ألم تكن تلك الطريقة هي التي أشعلت الحرب الأهلية وأقامت حمامات الدم في يوغوسلافيا؟ ألم يكن ذلك لأن جميع المناطق تحتوي على مختلف المكونات، والتقسيم سيكون مستحيلاً بدون إجراءات لـ "ترانسفير" (نهجير) السكان؟ ألا تشبه الحالة العراقية، تلك اليوغوسلافية؟ يستنتج الكاتب إلى أن مثل هذه الحالة تحتم توقع حدوث حمامات الدم مثل التي حدثت في يوغوسلافيا وأنها لا بد أن تحدث في العراق لو تم تقسيمه، وربما يصل الأمر إلى الحرب الأهلية. وأشار إلى قيام كل من برلين ثم واشنطن بدعم وتسليح العنصريين المتطرفين (في يوغوسلافيا في حينها). وساعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على جعل تلك الحرب حتمية من خلال دفع يوغوسلافيا إلى الإفلاس وتم كل ذلك بعيداً عن أعين الناس.
يشير كولن إلى فكرة ليسلي كيلب، "المفكر" السياسي المتنفذ، والتي تتلخص في تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق: كردستان ومنطقة سنية وأخرى شيعية. ويذكرنا الكاتب بتقسيم البريطانيين لإيرلندا والهند ومناطق أخرى في العالم وما أنتجته من مذابح، واقتراح المفكر الستراتيجي الأمريكي زبينيو بريجينسكي تقسيم روسيا إلى ثلاث دول لعزل موسكو عن منابع النفط، وألمح أيضاُ بأن للسي آي أي أفكارها عن تقسيم المملكة العربية السعودية.
تقسيم العراق حلم إسرائيلي قديم
ثم يذكرنا الكاتب بأن تقسيم العراق حلم إسرائيلي قديم. ففي عام 1982 كتب المسؤول الإسرائيلي "أوديد ينون" من مكتب وزارة الخارجية : أن إذابة العراق أكثر أهمية لنا من تقسيم سوريا. فعلى المدى القصير، فأن القوة العراقية هي التي تهدد إسرائيل. لقد مزقت الحرب العراقية الإيرانية العراق، وشجعت انهياره. كل الصراعات العربية العربية ستساعدنا على التعجيل بالوصول إلى الهدف وتحطيم العراق إلى قطع صغيرة مختلفة."
صحيح أن العراق لم يعد ذلك البلد الذي خاف منه أوديد في الثمانينات، لكنه يمكن أن يكون أكثر إزعاجاً لإسرائيل إن أصبح بلداً قوياً يهمه أن يسود السلام والعدل في منطقته، ويتحالف مع من يشاركونه الهدف ضد من يثير الحروب. لذلك فالهدف الإسرائيلي لازال قائماً، ولذلك ليس من الغريب أن يأتي "الصديق" الذي يفخر بأن يسمي نفسه "صهيونياً" ، جو بايدن، يحمل فكرة من ينتسب إليهم فكرياً. وليس غريباً أن تستمر محاولة تنفيذ الفكرة بعد فشلها الذريع الأول.
ويعيد "كليب" بذلك فكرة الدول "النقية أثنياً" والتي تقف وراء الكثير من المذابح منذ القدم ولا يجد فيها غيضاً كما يقول "مادامت تخدم المصالح الأمريكية". فهو ينتقد تيتو لجمعه في يوغوسلافيا "مجموعات أثنية متباعدة"، مؤكداً أيضاً على فكرة "أن العراق دولة مصطنعة"! وتذكر تلك المفاهيم الكاتب بشعار هتلر: "شعب واحد، وطن واحد، وفوهرر واحد"، وهي أيضاً نفس النظرية التي تقوم عليها خطة الصهيونية بـ "تنظيف" إسرائيل من العرب.
ويثير هذا انتباهنا إلى "موجة" إعلامية تنشر اليوم بأن العراق دولة مصطنعة، وأنها احتوت على مكونات لا يجمعها جامع. وتبنى الفكرة عدد من "المثقفين" وراح يدافع عنها، والآن يكتشف من وراءها وما وراءها، ومرة أخرى يثبت أن ليس هناك الكثير من الأبرياء في عالم السياسة والإعلام!
لقد استخدمت كل الوسائل الممكنة لدعم هدف إسرائيل وأميركا في التفرقة وإثارة الفتنة، وتبقى أهم وسيلتين هما الإعلام والإرهاب. وهذا الأخير يستند بشكل قوي على تكامل إعلامي يسانده. إن الهدف النهائي الذي لا يصل الإرهاب إلى أية نتيجة بدون تحقيقه، هو إفهام كل من الطائفتين الضحيتين، أن الطائفة الأخرى هي المسؤولة عن قتل ضحاياها، وأنها تقوم بذلك بشكل متعمد وأنه متأصل فيها وفي تربيتها وليس هناك أمل حتى بتغييره. ونلاحظ أن هذا بالضبط هو ما يسعى العديد من الإعلاميين المجهولين وبعض المعروفين أيصاله للناس من رسالة.
وتحقيق الإرهاب لهذا الهدف لا يتم إلا من خلال التغطية الإعلامية للحدث بالشكل "المناسب". ولذلك توجب تركيز عمليات الإرهاب لتوحي به. فمن ناحية فتلك العمليات ضد الجانب الشيعي صممت بشكل يوحي بأن من ينفذها، "عصابة" القاعدة، التي تنطلق من المناطق السنية – وهي مجموعة مواصفات، تمثل ما يطلق عليه عادة بأنه "بصمة القاعدة" ويتمثل بعمليات تفجير وملغومين (أي "إنتحاريين"). وفي الكثير من الأحيان، حين لا يسهل على المواطن ان يستنتج بنفسه ما يراد له أن يستنتج، فأن هناك تصريحات إعلامية أمريكية مباشرة أو عميلة، تشير له بأن تلك الجريمة "تحمل بصمات القاعدة"!
من الناحية الأخرى، فقد حرص أن تقوم بغالبية العمليات التي تستهدف السنة بشكل مجموعات تتصرف وترتدي ما يؤكد أنها تابعة لأجهزة الحكومة الأمنية.
أما مجموعات "القتل على الهوية"، التي تقتل من الطرفين، فلا تحتاج إلى هذا التمييز، لأن اسمها يقوم بالإيحاء الطائفي مباشرة في ذهن المتلقي. وقد تتكون هذه من مجموعات من القتلة ليس لها علاقة بالطائفية، بل قد تكون مختلطة. ولايستبعد أن لا تحدد هذه العصابة ما ستتقمصه من "هوية" طائفية، إلا بعد أن تتفحص هويات الضحايا وتقرر أي الهويتين هما الأكثر فعالية في تلك اللحظة للوصول للهدف، لتتخذها وتقتل الشيعة أو السنة من الضحايا وتترك الآخرين كشهود ينقلون الرعب والفتنة. أي بشكل عام خصص الأمريكان القاعدة لنشر الإرهاب واستفزاز الشيعة، بينما خصصوا عملائهم الذي أخترقوا قيادات الأمن العراقية للقيام بنفس العمل تجاه السنة، وتقوم مجموعات أخرى بعمليات مختلطة.
مصادر عمل الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي وأدواته:
يحتاج الإرهاب إلى الكثير من المتطوعين وإلى تدريب كثير. ولقد اتاحت فوضى ما بعد الإحتلال، وسيطرة أميركا على كل المقدرات الأمنية والعسكرية في البلاد، الفرصة كاملة للسي آي أي والموساد للحصول على مادتها الإرهابية الخام، وأتاحت لها حريتها المطلقة في الإعتقال لفترات غير محدودة، وبأعداد كبيرة جداً، وبكل التنويعات الطائفية التي ترغب بها لتكون مادتها الخام للإرهاب.
تتكون تلك العناصر في الجانب السني من معتقلي "المقاومة"، ومن اتهم بمساندتها، إضافة إلى اعتقالات عشوائية كثيرة. وهناك ايضاُ العرب السنة من غير العراقيين، والذين تم خداعهم بأنهم ذاهبون لقتال الإحتلال، ليتورطوا في العملية الأولى والأخيرة في حياتهم فيقتلوا قبل أن يكتشفوا ما تورطوا فيه، أو ليفيقوا بعدها من الخدعة ويروي بعضهم قصته.
وعلى الجانب الشيعي تم اعتقال عدد كبير جداً من عناصر جيش المهدي أثناء وقبل وبعد "صولة الفرسان". إضافة إلى ذلك كان هناك عداد كبيرة من الأمن الصدامي المختطلة طائفياً، والتي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه، وعلى الكثير منها إدانات يمكن أن تؤدي به إلى المشنقة إن لم يتعاون كما ان الكثير منها بشكل عام إنتهازيون عديمي الضمير، وشكل هؤلاء القوة الأساسية المدربة والجاهزة للإرهاب الأمريكي في العراق، وهو ما يفسر الإصرار الأمريكي في "المصالحة مع البعث" والضغط الشديد من قبل السفارة الأمريكية من أجل السماح لممثليهم بدخول الإنتخابات، والرغبة الشديدة لأميركا في أن يكون أياد علاوي على رأس الحكم في البلاد.
ومن أجل تنظيم هذا الجيش من المخربين وتنسيق عملهم ورفع كفاءته، استدعت أميركا خبراءها في إثارة الفتن والإرهاب. ويكشف لنا تقريرين من البروفسور مايكل شوسودوفسكي(2) و ماكس فولر (3) ، نوعية الأشخاص الذين استدعتهم الإدارة الأمريكية لتأسيس وتثبيت الإرهاب في العراق. وتدل تلك القائمة بشكل قاطع على النوايا الحقيقية لأميركا بالنسبة لمستقبل علاقتها بالعراق. وقد كتبنا عن تلك الشخصيات بالتفصيل في المقالة السابقة، ونشير هنا إلى تلك المعلومات بشكل عاجل من الكاتبين أعلاه.
كتب البروفيسور مايكل شوسودوفسكي عن السفير الأمريكي نيغروبونتي أنه:
بدء تأسيس فرق الموت في العراق خلال الأعوام 2004 – 2005 والذي كان قد لعب دوراً رئيساً في دعم وتوجيه عصابات الكونترا النيكاراغوية وفرق الموت الهندوراسية، حين كان سفيراً للولايات المتحدة في هندوراس ما بين 1981 – 1985.
ويقول البروفسور أن الوحدات العسكرية المعدة أمريكيا تعدت هدف “القضاء على التمرد”، و انخرطت في أعمال قتل روتينية للمدنيين بهدف إثارة العنف الطائفي. وكان جهازي الاستخبارات الأمريكية CIA، والبريطانية MI6 يراقبان عن كثب “القاعدة” وهي تستهدف الشيعة في الاغتيالات.
"روبرت ستيفن فورد –الذي عين لاحقاً سفيراً للولايات المتحدة في سورية وقام بدور أساسي في تحريك الإضطرابات في الشارع السوري في حلب، متجاوزاً عمله الدبلوماسي، كان عضواً في فريق نيغروبونتي في العراق.
جيمس فرانكلين جيفري، الذي أصبح سفيراً في العراق (2010-2012) كان أيضاُ ضمن الفريق
الكولونيل المتقاعد جيمس ستييل ضابط سابق في القوات الخاصة الأمريكية في فيثنام ثم عمل مع نيغروبونتي في السلفادور وكان متهماً باعمال إرهابية عديدة، وعين في بغداد مستشار في “مغاوير الشرطة الخاصة” التابعة لوزارة الداخلية العراقية.
مفوض الشرطة السابق في نيويورك بيرني كيريك، أدين في العام 2007 من قبل المحكمة الاتحادية بـ 16 تهمة جنائية. اتخذ منصب وزير الداخلية الموقت، وقام بتنظيم وحدات إرهابية داخل قوات الشرطة العراقية.“ وأطلق عليه مستشارو الشرطة البريطانيون لقب “سفاح بغداد”.
ستيفن كاستيل كبير المستشارين الأمريكيين في وزارة الداخلية اكتسب خبرته في أمريكا اللاتينية في ملاحقة بارون الكوكايين بابلو إسكابارو في كولومبيا في التسعينات، واختص بتجميع المعلومات الاستخبارية وإعداد قوائم الموت."
لقد قدم هؤلاء للحكومات الأمريكية المتعاقبة خدماتهم الإرهابية لاضطهاد شعوب فيتنام واندونيسيا وأميركا اللاتينية وتنصيب الحكومات الموالية لأميركا فيها، وهاهم يجيئون بهم إلى العراق وسوريا، فهل هناك دليل أقوى على مخططات أميركا لهذين البلدين؟
يقول فولر: بحلول 2005 أصبح لدى شرطة المغاوير ستة ألوية عاملة، وفي أوائل نيسان تقريبا تسلم لواء النمر مهمات لواء الذيب في الموصل. وهنا جدير بالملاحظة ان أحد قادةِ ألوية مغاويرِ الشرطةِ الأوائلِ وكَانَ من الشيعة، ويدَعى رشيد فليح الذي كان يحتل مواقع مخابراتية متقدمة عند صدام حسين، وكان المسؤول عن قمع الانتفاضة التي اعقبت حرب الخليج وبالذات في مدينة الناصرية. كذلك الحال بالنسبة لعدنان ثابت الذي احتفظ بمركز القائد الأعلى لكل القوات الخاصة لوزارة الداخلية.
ويقول فولر أن الادارة الامريكية عارضت سياسة اجتثاث البعث السياسة بشدة بحجة خسران الكوادر المخضرمة ( اي المفضلين لدى واشنطن ).
ويضيف: في واقع الحال فان جهاز المخابرات بأكمله هو من صنع أجهزة المخابرات الانكلو-امريكية التي بدأت في بناء هذا الجهاز منذ الايام الاولى للاحتلال، وترأسها محسوب على السي اّي أي هو الجنرال محمود الشهواني الذي اصبح لاحقاً مدير جهاز المخابرات الوطنية الجديد، حسب فولر.
ويشرح الكاتب الأمريكي مايك وتني، السبب في ذلك في أن الإحتلال وجد أن عليه وضع "خطة ما لصرف انظار العراقيين عن قوات الاحتلال الى الاقتتال الداخلي بينهم. الخيار الوحيد المتاح هو التحريض على العنف الطائفي لجعل الحرب الاهلية حتمية ولايمكن تجنبها. وهذا بالطبع هو واجب فرق الموت التي دربها الامريكان." ويؤكد وتني أن تدمير مرقد العسكريين في سامراء "كان مجرد جزء من خطة شاملة سرية لا ثارة حربا اهلية" ويكمل: " ان ما نراه من عنف طائفي مزعوم في العراق يتطابق مع ما شاهدناه سابقا في مناطق نفوذ "السي اي اي" كالسلفادور او نيكاراكوا. وينبه أن دك جيني ورامسفيلد ونيكروبونتي كانوا اللاعبين الأساسيين في تلك الصراعات. وعليه من المحتمل ان هؤلاء سيوظفوا، ما اكتسبوه من خبرة في مكافحة التمرد في تلك المناطق، في الحرب الدائرة حاليا في العراق وخاصة وحسب اعتقادهم ان تجربة السلفادور برهنت لهم على ان الجماهير في النهاية يمكن اخضاعها بالارهاب."
وحدات مغاوير بقيادات شيعية وأخرى سنية
وينتبه ماكس فولر إلى تقسيم الجهد الإرهابي بين مختص بالشيعة وآخر بالسنة، فيشير إلى تشكيل المغاوير "لواء الذيب" اواخر 2004 من قبل ظابط سابق وعضو في المجلس الأعلى يكنى بأبو الوليد. ويتكون لواء الذيب من 2,000 مقاتلِ تقريبا، معظمهم من شباب الشيعة الفقراء" وأن هذا اللواء قام بأول عملياته نهاية 2004، في الموصل بعد قرابة الشهرين من التدريبات مع القوات الامريكية.
وينبه الكاتب إلى أن هناك على الأقل وحدة مغاوير واحدة بقيادات سنيّة لمكافحةِ التمرّد، برئاسة ضابط سابق مِنْ ضباط صدام تسمى مغاوير الشرطة الخاصة، تشبه لواءِ الذيب،في سمعته الوحشيةِ، أسست من قبل وزير الداخلية فلاح النقيب المحسوب على وكالة المخابرات المركزيةِ، وبقيادةِ الضابطَ البعثي في إلاستخبارات العسكريةِ السابقِة عدنان ثابت، والذي كان قد تآمرِ لتدبير إنقلابِ لحساب وكالة المخابرات المركزية. وقال أن اكثر المجندين لمغاوير الشرطة ، هم من افراد القواتِ الخاصّةِ والحرس الجمهوري السابق ومن خلفيات عرقيةِ ودينيةِ مخْتَلَطةِ، لكن للمغاوير على الاغلب قيادات سنيّة.
ويشير فولر إلى بدء عمليات فرقِ الموت في 2005، والعثور على العشرات من الجثث مرمية في نفاياتِ القمامةِ، والمناطقِ الخاليه حول بغداد وعليها اثار تعذيب بمنتهى الوحشية، مذكرا بوجود شهودُ عيان أحياناً ان الضحايا تم اعتقالهم مِن قِبل قوّاتِ الأمن في بيوتهم او في المساجد. وأحياناً يتم القضاء على بعض الشهود حسب فولر، كما حدث لمراسل شبكة النايت رايدر "ياسر الصالحي" الذي كتب بان العديد مِنْ الضحايا، تم القبض عليهم مِن قِبل رجالِ يَرتدون بزات المغاويرِ الرسمية، في سيارات تويوتا لاند كروز بيضاء تحمل شارة الشرطةِ المميزة. نُشِرت اخر مقالة لياسر الصالحي في 27 حزيرانِ 2005، وبعدها بثلاثة ايام قتل ياسر الصالحي بيد قنّاص أمريكي في نقطة تفتيش روتينية.
و يلاحظ بيتر بومونت من الاوبزرفر البريطانية " الحصانة الاستئنائية التي تتم بها عمليات الخطف والقتل" . ويشير إلى روايات للناس تصف الخاطفين وامتلاكهم الأجهزةِ الأجنبيةِ غالية الثمن التي تزود بها قوّاتِ الأمن، مثل سيارات تويوتا لاند كروز ومسدسات كلوك (Glock) عيار 9 مليمترَ.
الحكومة والقوات الأمريكية تنكر أية علاقة لأجهزة الأمن الحكومية بالأمر وتقول إلى أنه من السّهلِ الحصول على بزات الشرطةِ الرسمية. لكن الكاتب يلاحظ "ان رد وزارةَ داخلية بان مجموعات مُسَلَّحة من مقاتلي المقاومةِ تَتجول بحرية في العاصمة، يفتقد للمصداقية خصوصا ان العديد من عمليات القتل هذه تمت اثناء وبعد عمليةِ البرقِ التي شهدت إنتشارِ 40,000 جندي عراقي عزلوا بغداد واحكموا السيطرة داخلها من خلال 675 نقطة سيطرة في انحاء المدينة".
التغطية الاعلامية والتركيز على شيعية الحكومة
مثلما اختار الأمريكان التركيز على "سنية" القاعدة وارتباطها بالمناطق السنية والدول السنية (جميعها تحكمها مافيات عائلية عميلة لأميركا)، تم التركيز أيضاً على "شيعية" القوات الحكومية في الإعلام، والتي تقوم بإرهاب المواطنين السنة. ويرى فولر أن تركيز الإعلام على حقائق طائفية الوحدات، ذراً للرماد في العيون:
"اهم ما في التغطية الاعلامية ، هو التركيز بشكل او باّخر، بأنّ الحكومةَ ووزارةَ داخلية والشرطةَ هم بالكامل تحت السيطرةِ الطائفية الشيعبة." فمنذ انتخابات 30 كانون الثاني 2005 ، وانتقال السلطة من الحكومة المؤقتة لاياد علاوي الى الحكومة الانتقالية لابراهيم الجعفري, بدأت جوقة الاعلام الرئيسية تعزف على نغمة سقوط السلطة في العراق بأيدي الاغلبية الشيعية، وتحديدا ادعت الجوقة الاعلامية ان وزارة الداخلية وقوات الأمن أضحتا تحت سيطرة المجلس الأعلى وبان فيلق بدر يستحوذ الآن على سلطة هائلة داخل الوزارة.
فيشير سمير حداد مراسل موقع الإسلامِ اون لاين على الإنترنتِ، إلى "قوّات ألامن الشيعية المُشَكَّلة حديثاً"، وتقول ليز سلاي من صحيفة شيكاغو تربيون "اتّهمَ السنة قوّاتَ ألامن العراقية،التي تقع الان تحت سيطرة الحكومةِ المقادة منِ الشيعة"، ويكتب الصحفي توم لاسيتير في صحيفة فيلادلفيا انكوايرر "ان أعضاء منظمة بدر كَسبوا سلطةً ليس لها سابق مثيل، وأن وزير الداخلية الذي يسيطر على شرطة البلد وقوات المغاوير هو مسؤول سابق في المجلس الاعلى وعلى صلة وثيقة بقوات بدر". ويكتب الصحفي بومونت في صحيفة الاوبزرفر البريطانية "إن تحديد المسؤوليةِ في الجرائم، أصبح أكثرَ غموضا منذ تشكيلِ الحكومةِ تحت هيمنةِ الشيعة"، و يُصرّحُ ريتشارد كالبين في البي بي سي بأنّ : "الطائفة السنيّة بالاخص تَدّعي انها اصبحت مستهدفة من قبل الشرطة التي يهيمن عليها الشيعة". ويتحدث أنتوني لويد من صحيفة التايمز اللندنيةِ عن "إدعاءات فظيعة بالتصفيات القاتلة اللاقضائيةِ ِ للسُنّةِ، مِن قِبل قوّاتِ الأمن العراقيةِ التي تقع تحت هيمنةِ الشيعة". ويقول سنان صلاح الدين من الاسوشيتد بريسِ، "ان الإكتشافات المروعة أقنعتْ السُنّة بأنَّ المسلمين الشيعةَ الذين يُسيطرونَ على الحكومةِ ووزارةِ الداخلية يَشْنّون وبهدوء، حملة قاتلة ضدّهم".
يؤكد فولر: "من الواضح اذن ان الغاية من الحديث او التلميح بان ميليشيات مبهمة تقوم باعمال الإعدامات والنزاعات الطائفية ووضع اللوم كله على السيطرة الشيعية على وزارة الداخلية. والهدف في الواقع هو ابعاد التهمة عن الولايات المتحدة حول تلك الجرائم الفظيعة. وقد استخدمت الولايات المتحدة استراتيجيات تظليل مماثلة في كل صراعاتها ضد التمردات التي شاركت فيها في الماضي. واكتسبت الاستراتيجيات هذه تسمية محددة تعرف ب : "الانكار بمصداقية" (plausible deniability). ففي كولومبيا حيث تورطت الولايات المتحدة عميقا ولحقبات مديدة, توصف فرق الموت دائما بانها قوة ثالثة في النزاع المسلح. وحقيقة الأمر أن تلك الفرق كانت تتصرف كـ "دولة ظل" تقوم بتنفيذ اعمال لا يريد أحد أن يتحمل مسؤوليتها.
وفي حالة العراق تحديدا فان استراتيجية التظليل هذه مصممة ليس فقط للتستر على المدبرين الاستراتيجيين الحقيقيين لجرائم الابادة هذه ولكنها تبدوا كذلك موجهة نحو خلق الإنقسامات الطائفية لكي تختفي خلفها هذه الجرائم. ويؤكد فولر "أهم شيْ في مغاوير الشرطة" ليس طائفتها، بل "انها تشكلت برعايةِ واشراف الأيادي المجرّبةِ للمقاتلين المخضرمين من قوات مكافحةِ التمرّد الأمريكيينِ".
بدورنا نؤكد التشكيك الذي أشار إليه الكاتب فولر من ضعف مصداقية الدفاع الحكومي عن تهمة المشاركة في الإرهاب عن تشكيلاتها الأمنية، فنحن لا نلاحظ أي جهد حكومي أو إجراءات تهدف إلى منع استعمال الإرهابين لملابس وسيارات الشرطة أو مشابهة لها، ولم تقدم الحكومة للناس أية تعليمات بطريقة التصرف اللازمة في حالة محاولة القاء القبض عليهم من قبل من يدعي التبعية للشرطة. وبقيت تلك العصابات ترتكب جرائمها وتمر من نقاط التفتيش الحكومية بدون أية إعاقة أو تأخير! وبهذا تركز لدى السنة أن من يقوم بإرهابهم واضطهادهم هم الشيعة والحكومة التي يسيطرون على مؤسساتها الأمنية، مثلما تثبت لدى الشيعة أن من يقوم بقتل أبنائهم هي القاعدة السنية التي تحظى بدعم من المناطق السنية. وقد وفر "العلماء" السنة الذين يقيمون في دول عميلة لأميركا، مثل مصر والسعودية وقطر ، الغطاء الفقهي لتبرير الإرهاب وتثبيت شكوك ومخاوف الشيعة من شركائهم في الوطن.
ومن الممكن أن تستعمل هذه العناصر المندسة في الأمن العراقي أساليب أقل خشونة في إرهاب السنة، مثل تدبير إتهامات غير صحيحة أو تشجيع القسوة في التعامل مع المتهمين كاستعمال التعذيب، أو إهمال تنفيذ إطلاق سراح من تطلق المحاكم سراحهم لفترات مطولة. وهذا ما يتفق كثيراً مع الشكاوى التي أثارها معتصموا السنة مؤخراً، وتستحق من الحكومة مراجعة ومتابعة فعالة لمن يقوم بذلك.
لقد ادعى بعض السنة في مقالة نشرناها سابقاً، أن الكثير من المتهمين يتم تعذيبهم ليعترفوا بجرائم لم يرتكبوها، كما ادعوا وجود أوامر قضائية فارغة بالقاء القبض، يتم إملاءها بالأسماء في السيطرات الحكومية في المناطق السنية. وبإمكان الحكومة التحقق من هاتين النقطتين بكل سهولة لو ارادت (نقولها رغم أن التجارب السابقة لا تشجع على التفاؤل بوجود مثل تلك الإرادة). فالحصول على نتائج عن طريق التعذيب ينتج بالضرورة بين الحين والآخر، حالات فشل في "كشف الدلالة" عندما يعجز المعترفون على أنفسهم أن يبينوا كيف قاموا بـ "جريمتهم" المفترضة. وبالتالي فأن نسبة الفشل في كشف الدلالة مؤشر ممتاز لحصول اعترافات عن طريق التعذيب، ويمكن للحكومة (إن شاءت!) أن تتابع هذه الحالات وأين تحدث للوصول إلى هؤلاء المخترقين لأجهزتها. كذلك يمكنها لو شاءت أن تراجع أوراق القاء القبض لتكتشف من الخط المستعمل فيها إن كانت تلك التهم صحيحة.
إننا نقول أن الحكومة لا تبدو راغبة بالقاء القبض على هؤلاء، لأننا رأينا على مدى السنين تغافلاً تاماً عن حالات كان يمكن أن تمسك برأس الخيط الذي يوصلها إلى التغلغل الإرهابي في البلاد، لكنها لسبب ما تفضل ترك الأمر. وتنتهي تحقيقاتها دائماً، وحتى تلك التي تقول أنه تم فيها إلقاء القبض على المجرمين، دون نتيجة مقنعة حيث تنتهي السلسلة بشكل غير معقول، وكأن جميع المجرمين يتصرفون من تلقاء أنفسهم ولا يقدمون أية اعترافات تقضي على تشكيلاتهم، وهو أمر مستحيل لم يستطعه أشد الأحزاب إيماناً ومبدئية. وفي معظم الأحيان تترك القضايا دون حتى تحقيق، أو تشكل لجان للتحقيق غرضها التسويف والنسيان. فنحن لم نر حتى اليوم من هو الذي اطلق النار من الجيش على متظاهري الفلوجة رغم خطورة عمله المضاد للحكومة قبل المتظاهرين، ورغم أن لجنة مشتركة أكدت أنه من الجيش، وقد تم تصويره، فهل يعقل أن أحداً لا يستطيع الوصول إليه؟ أم أن الإرهاب عميق ومتجذر ويصل إلى اعلى القمم الحكومية؟
لا ندري، لكننا ندري أنه إن كان الأمر هكذا، أو أن القيادات لا تجروء على طرح الأسئلة الصعبة، فلا أمل للعراق أبداً... وأن هدف إسرائيل في تفتيته يأخذ مجراه!
المقالة السابقة للكاتب: فرق الموت الأمريكية في العراق - الحقائق صعبة الهضم
http://www.neinawa2.com/news3/news.php?action=view&id=1374
(1) http://globalresearch.ca/articles/COL312A.html
(2) http://cdn1.aljaml.com/node/91940
(3) الكاتب الأمريكي ماكس فولر "الخيار السلفادوري أصبح حقيقة في العراق"
http://globalresearch.ca/articles/FUL506A.html