العمل التطوعي في العراق بين روح التضامن وضرورة التعاون وغياب الدعم الحكومي
المصدر: طريق الشعب
في بلد شهد كثيرا من المآسي خلال أكثر من عقدين، تبرز الحاجة إلى العمل التطوعي فيه على مختلف الجوانب، والتي يفرضها واقع مأزوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، سيما أن هذا النوع من العمل يسهم في تقديم الخدمات للأفراد والمجتمع على حد سواء ورفع ولو جزء بسيط من الثقل عن كاهل المواطن.
وعلى الرغم من تطور العمل التطوعي في البلاد شهدنا زيادة ملحوظة في العمل التطوعي في مجموعة متنوعة من المجالات، بدءًا من تقديم المساعدة الإنسانية للنازحين والمحتاجين وصولًا إلى تقديم السلات الغذائية للعوائل المتعففة ومختلف أشكال الدعم أثناء الإغلاق العام في فترة جائحة كورونا.
يعاني العاملون في هذا المجال من تحديات عديدة تتضمن نقص التمويل والإمكانيات، وعدم وجود دعم كافٍ من الحكومة. وتسلط “طريق الشعب” في هذا التقرير الضوء على عدد من الشباب العاملين في هذا المجال يروون قصصهم ويتحدثون عن طبيعة عملهم والدوافع التي تزيد تمسكهم بمواصلة النشاط.
تطور العمل الإنساني
في هذا الصدد قالت رئيس مؤسسة سقيا للإغاثة والتنمية، كوثر المحمدي، إن العمل التطوعي في العراق لا يزال مستمراً وأصبح هنالك فهم أكبر للسياق، فبعد ان كان يقتصر على جهود أفراد او مجاميع بشكل عشوائي، تطور لأن يكون على شكل فرق تطوعية حتى أصبح عمل مؤسساتي ومنظمات ناشئة يديرها ويقودها الشباب.
وأضافت قائلة إن العمل التطوعي في العراق “متواصل على صعد مختلفة ولدعم مختلف الحالات الانسانية خاصة الطبية منها ومرضى السرطان والإغاثة، وعلى الرغم من أننا على أعتاب دخول عام 2024 ولكن العراق حتى الآن لا يزال بحاجة إلى إغاثة”، مبينة أنه لا تزال هنالك “مخيمات للنازحين موجودة ويحتاجون هؤلاء النازحون إلى مساعدة، إضافة إلى أن هنالك توجهات للفرق التطوعية للوقاية من التطرف وخطابات الكراهية في العراق والعنف الذي يؤدي إلى الإرهاب”.
ونوهت في سياق حديثها إلى أن “العمل التطوعي يرتبط بشكل مباشر وينبع من الواقع الذي يعيشه الأفراد والتأثر بالمحيط، لذلك هم يلجؤون إلى تغيير هذا الواقع بأبسط الأدوات والوسائل المتاحة لهم، وهي على الرغم من بساطتها إلا أنها قيمة ومؤثرة، ويمكن القول إن هنالك حسا وطنيا وتحملا عال للمسؤولية وتعاونا وشعورا بالانتماء للبلد والمجتمع”.
وخلصت بالحديث عن عمل مؤسسة سقيا بالقول: “ لا تزال المؤسسة التي كانت فريقا تطوعيا في بداياتها، تواصل العمل على الأهداف التي أوجدت بسببها بنفس الحس الطوعي بتقديم الخدمات للمجتمع وليس في محافظة الانبار فقط، بل اتجهت إلى مأسسة وتنظيم أكبر باستهداف القضايا التي تتعلق بأمن وحماية المجتمع وتقديم رؤى مستقبلية، ومع وجود الإغاثة والمعونات التي تقدمها، ولكن الحاجة لا تزال قائمة لتحشيد جهود الشباب والمجتمع باتجاه أن يكونوا أدوات لبناء السلام”.
دعم حكومي ضعيف
خلدون الصعب شاب عاطل عن العمل، وهو ناشط في مجال الإغاثة قال” إنه أسس “فريق طوارئ للإغاثة عام 2015 عندما انتشرت حالات الغرق وواصلت العمل في مجال الإغاثة حتى يومنا هذا منذ عشر سنوات ومعي مجموعة من الأبطال وعملنا متنوع”، مبيناً أن “الدافع لاستمرارنا في العمل هو أننا مؤمنون أن لكل انسان رسالة في هذه الحياة، ولا شيء يضاهي انقاذ البشر أو مساعدته ولا يمكن وصف هذا الشعور”.
وأضاف الصعب في حديثه لـ”طريق الشعب” قائلاً إن عمليات الانقاذ التي باشر بها الفريق كثيرة “تخطت حاجز الآلاف، ساعدنا وأنقذنا خلالها الكثير، وأكثر الحالات التي ساعدنا بها تتعلق بالغرق وحوادث السير، كما ولدينا مساهمات دولية كان آخرها في الزلزال التركي المدمر ومساعدة الدفاع المدني، وداخل العراق نتواجد في التظاهرات لتقديم المساعدة لأي حدث طارئ”.
وتابع قائلاً “أتمنى أن أرى الشباب يتهافتون للعمل في هذا المجال بشكل أكبر وان تتسع رقعة العمل فيه، ويفرحنا جدا عند ما نرى مبادرات شبابية مختلفة في هذا المجال، وهذا ليس غريباً عن الشباب العراقي المعروف بانه مبادر بطبيعته”.
وعن الدعم الحكومي قال “ لاحظنا خلال الشهرين الأخيرين أن اللجنة العليا للعمل التطوعي التابعة لرئاسة الوزراء بدأت تنتبه لهذا الموضوع، ولكن الدعم الحكومي هو معنوي فقط وفي ما يخص الدعم المادي فلا شيء يذكر حتى هذه اللحظة، ولكن هنالك تسهيلات وموافقات تنسيق حكومي مع مختلف مؤسساتها المعنية”.
ولفت إلى أنه يتمنى “ أن يتم الاهتمام بالدعم الحكومي كونه ضعيفا، ودعم العمل التطوعي الخدمي هو حافز للشباب العاملين على الاستمرار والمواصل والدعم الحكومي لا يُقصد به فقط الدعم المادي، لا بل يصل إلى التدريب وغيرها من أشكال الدعم الممكن تقديمه”.
تنويع في النشاطات
وعلى صعيد متصل قال الناشط عمر الرسام، وهو شاب موصلي عاطل عن العمل أيضاً، كرس وقته وجهده للعمل الانساني في مدينته المحررة التي دمرها الإرهاب، وكما هو الحال مع زميله فأن الدافع في عمل الرسام هو إحساسه بالمسؤولية تجاه مدينته وأهالي المدينة.
وذكر في حديثه لـ”طريق الشعب”، أن عملهم واهتمامهم في هذا العمل بدأ بعد تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، حيث أن البيئة خصبة للعمل الإنساني وكانت هنالك حاجة ماسة لمتطوعين يعملون في هذا المجال، نظراً لأن الواقع مأساوي والمعاناة كانت شديدة على صعد مختلفة”.
وتابع الرسام قائلاً إنه ومجموعة صغيرة من أصدقائه: “قمنا بعمل تطوعي متنوع في نينوى ساهم بأن يحفز الكثير من الشباب الذين بادروا بمختلف الوسائل لتقديم خدمات مجتمعية وإنسانية للناس، وهذا هو ثمرة كبيرة إضافة إلى أن هذا العمل يولد شعورا بالراحة عند تقديم المساعدة لشخص يحتاجها فعلاً”.
ولفت إلى أن سبب مواصلتهم العمل الانساني هو “إحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع والاحساس بمعاناة الناس والانتماء لهم، إضافة إلى الواقع المأزوم الذي يفرض وجود هذه المبادرات والحاجة الملحة لها، بالرغم من أن العديد من الشباب العاملين في الإغاثة هم بالأساس عاطلون عن العمل”.
وأشار إلى أن “الدعم الحكومي المعنوي مهم إلا أنه غير كاف وأعداد الفرق داخل مركز المدينة في نينوى ممن أعرفهم يتجاوز الألف فريق والضوء غير مسلط عليهم ولا يتلقون أي دعم حكومي، بل أنا أشعر بأن هنالك نوعا من الاستغلال لهم والاتكال عليهم وعدم تقدير لجهودهم”.
وذكر الرسام أن نشاطهم الإنساني الآن أصبح أقل من السابق نظراً لأن نشاطهم تحول إلى نشاط ثقافي وتوعوي من خلال تنظيم حملات توعوية وجلسات ثقافية، فالمدينة الآن بحاجة إلى تطوير ثقافي وهذه مسؤولية الشباب ولان النشاط الاغاثي انتفت الحاجة له على عكس السابق”.