العنف وثقافته في حياتنا
من الطبيعي أن يعيش الانسان بهدوء وسكينة مطمئنا على نفسه وعائلته ويمدّ جسور الصداقة والمودة مع أخيه الانسان الآخر كونه كائن اجتماعي لا يمكنه العيش منفردا، حتى ان المثل يقول: (الجنة بدون ناس ما تِنرادْ)، وعندما خلق الله أبينا الأول (آدم) وجد أنه بوحدته لن يكون كاملا فخلق له امرأة من ضلعه لتعيش دائما إلى جانبه، وهكذا نمت البشرية وتكاثرت منهما إلى أن وصلت إلينا اليوم بهذا الحجم الهائل من البشر الذي بدأت الأرض تضيق بهم.
لكن الحياة لا تسير دائما هكذا، لوجود جملة من المؤثرات التي تؤثر فيها إن سلبا أو إيجابا، بحيث تتطور بموجبها أو تتأخر وحسب نوع التأثير، فقد تحصل عملية الدفع إلى امام أو السحب إلى الخلف وجراء هذا نجد الانسان يجهد نفسه .. يبحث .. يسأل .. يقرأ .. يدرس .. يتعلم وقد يتقدم بحياته حسب النمط الذي خطط له، وهذا يعتمد على سلوك الانسان الذي يتكون وينمو بدءا من بيته ومن ثم أصدقائه والمجتمع، وقد تخدم الصدفة بعضهم كي يتطوروا نحو الأحسن، وقد تكون هذه الصدفة سببا للسقوط والسير باتجاهٍ معاكسٍ للتيار الطبيعي للحياة.
ومن هنا وانطلاقا من هذه المقدمة البسيطة نجد أن الخير والشر موجودين في الحياة جنبا إلى جنب، كما أن الحياة مملوءة بالمتناقضات التي لا تعد ولا تحصى؛ فمع البكاء يوجد الفرح والضحك، ومع الموت يوجد ولادات لحياة جديدة، وهكذا يمكننا كتابة الكثير الكثير من المتناقضات التي تحفل بها دنيانا هذه ... ويبقى الشر هو العدو اللدود للحياة الذي يحاول الانسان إما القضاء عليه أو تجنبه، وهذا أضعف الايمان، لأن كما نعرف أن الوسائل كثيرة ويبقى التمني في القلب لتغيير شيء ما أو القضاء عليه أضعف الوسائل، وقد نطلق عليها انها وسيلة الضعفاء او الذين لا حول لهم ولا قوة... وكما ينمو الانسان ويتقدم في حقل المعرفة نحو الامام وفي مجالات إنسانية وعلمية تخدم البشرية، يكون دائما في المقابل اناس آخرون يتقدمون ويتفننون في الاتجاه الآخر الذي يُلحق الأذى بالآخرين، ومثلما تعمل الشرطة بطرق شتى للحد من الجريمة، هكذا يلجأ المجرمون لتغيير سلوكهم والتفنن بوسائلهم وسلوكهم حتى يموهون على الشرطة ويجعلونها تضلّ السبيل عن الهدف في المسك بالمجرمين، كما ان بيوت المعرفة أخذت تُدّرس هذه الحالات وتم استحداث كليات ومعاهد بل جامعات للتقصي عن الأسباب التي تجعل من الإنسان يجنح نحو الشر ولا يسير دائما في طريق الخير، فكان ما يُسمى بالطب النفسي لتحليل شخصية الانسان سواء الوديعة أو الشريرة بغية تسليط حزم من الضوء عليها ويزداد غنى الناس الأسوياء وينتبهون إلى نقاط الخلل ووأسباب حدوثها ربما في حياتهم ودون علمهم أو على الأقل دون إرادة منهم أي يكونوا مرغمين لممارسة أدوارهم الشريرة نتيجة ضغوط خارجية أو خوف أو طمع بالمال أو لمصلحة شخصية انانية، لكن الأسباب تعددت والشر هو واحد وإن تعددت أشكاله...
ومن هنا نستطيع القول، كما ان للخير ثقافة فكذلك للشر ثقافته وللعنف أيضا، وقد نجد لدى الأشرار ما يتكلمون عنه مبررين أفعالهم؛ فمنهم من بررها بالمقاومة وخاصة عندما يوجد احتلال ويعتبر نفسه وطنيا ومقاوما غايته تحرير وطنه من الاحتلال ... لكن هذا لا يفكر بالجوانب السلبية لأفعاله كونها تفتك بأناس أبرياء لا ذنب لهم وأحيانا يكون هؤلاء فقط الضحايا وليس الاجنبي. ومنهم من يبررها كون الحكومة غير عادلة وتتصف بالظلم والديكتاتورية، وهذا يحاول مقاومتها بغية أرجاعها إلى صوابها كي تكف عن الظلم، لكنه أيضا يتناسى أن من يعمل في الدولة والغالبية الساحقة منهم هي لكسب عيشهم ومن أجل الرزق الذي يعيل به عائلته ويربي أولاده بشرف وفضيلة، فما ذنب هؤلاء ليكونوا ضحية عمل عنف لمن يعمله ضد الدولة؟
وإلى جانب هؤلاء نجد ويمكننا الكتابة عن عشرات الحالات والأمثلة التي يكون فيها الضحايا هم فقط من الأبرياء لا غير، ولكن يبقى من يقوم بهذه الأفعال ويُقنع نفسه بأنه سائر في طريق الخير قائلا أن العملية الجراحية تحدث ألما في الجسم لكن النتائج تكون تخليص الجسم من ورمٍ ما أو من عضو ميت يكون بقاؤه خطرا على الانسان، ويعتبر هذا الانسان أن أفعاله هي مثل هذه الجراحة.
وهنا على المجتمعات أن تتقدم في الدرس والشرح والتوضيح كي لا يبقى حجة لمن يتعكز على أسباب واهية ولا نترك لأمثال هؤلاء الحجة ليستمروا ونفضح أعمالهم الشريرة، فهؤلاء أيضا يستخدمون في حياتهم العامة تعابير وأساليب موجودة عند الناس الأسوياء، فمثلا جماعة الذبح والقتل يستخدمون قرارات يسمونها شرعية صادرة من مفتي الجماعة، هذا الانسان الذي يفهم بالشريعة ويعرف قصاص الاساءة حسب الشرع وذلك كي يضهروا وكانهم يطبقون حكما ربانيا وهم أبرياء من دم يوسف تماما كما كان الذئب بريئا في القصة الحقيقية!!! لكن قصاص الله لن يكون بسيطا لمن يتخذ من كلامه أساس لسفك دماء إنسان آخر هو أخ لنا إن لم يكن في الدين فبالإنسانية.
والزمن يتغير وهذه الثقافة تتغير معه ويكون المجتمع البسيط الذي ليس له ضلعا في السلطة دائما هو المتلقي لما تضخه له السلطات أو الاذاعات أو أجهزة التلفزيون أو الصحف والمجلات، لأن وسائل المجتمع البسيط تبقى بسيطة هي الأخرى ليكون تأثيرها لا يذكر أزاء تأثير أعلام الدولة مثلا، والدولة غالبا ما تسيّر الثقافة باتجاه سياساتها وأهدافها حتى تفرض سيطرتها على الآخرين وما كنا نقوله ونستخدمه قبل عشرين سنة تغير بعد عشر سنين واليوم تماما أصبح الأمر معكوسا فقبل عشر سنوات مثلا كانت كل الأجهزة المرئية والمقروءة والمسموعة تردد الحزب الفلاني عميل، بينما نجد اليوم ذلك الحزب الذي كان قائدا أصبح هو في هدف أجهزة الاعلام ليصبح محذورا ويأتي بدله غيره وهكذا فإن الثقافة وليدة امور كثيرة ومعطيات ... ومجتمعنا لم يصل إلى القرار الحر الخالي من تأثيرات مختلفة منها حزبية أو دينية أو قومية، وغيرها من التأثيرات التي تخدم مصلحة دون أخرى، وطالما أن الإرادة مرهونة بما يكبلها من أمور فإن العنف سيكون له ملجأً يأويه ويوفر له المكان الآمن والدعم المادي اللازم.
وإلى أن يصبح مجتمعنا حرا بكل ما تعنيه الكلمة بحيث لا يوجد أثر للميليشيات أو لفرق الموت وللعصابات وللسلب والخطف وكبت للحريات وتدخل الأطراف المختلفة في القرار السياسي، عندها سنجد بسهولة ان ثقافة العنف سوف تنحصر بحيز ضيق وتجف منابع الارهاب ويكون القضاء عليه بسهولة لأن صناديق الاقتراع ستكون هي الفيصل بدل الرشاشات، والبرلمان هو يحسم النقاشات وبالتصويت وتكون الأكثرية هي المتنفذة دون أن تغبن حق الأقلية باحترام آرائها، ويكون للجميع هدف واحد هو الوطن كله وليس أقليما دون آخر أو محافظة دون أخرى، عندها سنحضى بالأمن والأمان ونعيش بقية العمر دون خوف أو هلع، نطلب من الله أن يجعلنا نصل إلى ذلك اليوم وتلك الساعة لأن عندها فقط ستبدأ الحياة بالنبض.
عبدالله هرمز النوفلي
27 آذار 2007