Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الفساد الإداري... جريمة منظمة بلباس رسمي

عدنان الصالحي/
يفيد تقرير لمنظمة الشفافية العالمية صدر مؤخرا بان الفساد الإداري والمالي اصبح مشكلة دولية تضرب اغلب دول العالم، غير انه يتباين من دولة لأخرى حسب قوانين وثقافات تلك الدول والطبيعة السياسية للحكم فيها، وكما هو معتاد تتصدر دول العالم الثالث باقي دول المعمورة بتلك الظاهرة لعدة أسباب أهمها طبيعة الأنظمة الشمولية التي تسيطر على مقاليد السلطة وغياب استقلالية القضاء والرقابة ومبدأ فصل السلطات وتكميم وتغييب لدور السلطة الرابعة.

ان لقضية الفساد مخاطر حقيقية تهدد الحريات عموما والاستحقاق الإنساني من حقوق وخدمات، فهو يصادر ويلغي وينقل ما يستحق شخص ما الى آخر نتيجة لأسباب مادية او فئوية او حزبية او عصبية قبلية او دينية ويفرغ ساحات شاسعة لمجتمعات من حقوقها ويكدسها ويضاعفها في اخرى نتيجة لسلوك افراد معينين.

وهو بذلك يجعل من المجتمع وأفراده يشعرون بالظلم واليأس والإحباط، فتبدأ منظومة القيم الإجتماعية بالتحلل والتدهور تدريجياً ويعم التسيب في مجالات واسعة بحيث تؤثر على سمعة البلد, مع اتجاه البعض من الذين يعانون من البطالة والفراغ نحو الانحراف والإجرام وما يسببه ذلك من زعزعة الإستقرار الأمني في المجتمع ويساهم في رفع نسبة الجريمة.

فقد اشارت دراسات اخيرة أجريت لنماذج من دول معينة مثل (تايلند وإندونيسيا والهند وكوريا) أن الحكومات تدفع ما بين 20 و60% زيادة على الأسعار التي ينبغي أن تدفعها، ومرد هذه الزيادة في قيمة السلع هو الفساد, فيما اضطرت منظمات الغوث الدولية في دول أفريقية إلى دفع رشى كبيرة لمسؤولين كبار لأجل السماح بإيصال المعونات إلى الفقراء، ان تلك النسب والطرق للفساد تكاد تكون متشابهة الى حد كبير في دول العالم والفقيرة منها بالخصوص.

ان ماتعانيه اغلب الدول من فساد إداري ومالي يجعل منه تهديد حقيقي لمواطنيها وشعوبها بدل ان تكون الراعي الحقيقي لهم، وهي بذلك تشكل صور من صور المافيات العالمية التي تكون الجريمة المنظمة عملها الاساس،غير ان الفرق فيما بين من يقوم بالفساد الحكومي والمتستر عليه وبين المافيات هو الشكل الرسمي للاول والحالة الفوضوية اللارسمية للثاني.

وقد تكون احد اهم اسباب نشوء المعارضات او النشاطات العسكرية ضد بعض الحكومات ناتجة من ردة الفعل العكسية قبال حالة الفساد الموجودة في تلك الدولة.

وهي بذلك تساعد على تقليص مدة مكوث تلك الحكومات في مواقعها وهذا يدفعها للاستقتال في تثبيت وجودها فتنشغل بجوانب اخرى كالمحافظة على امن اعضائها على حساب امن شعوبها وتذهب بعيدا عن الاهتمام بالخدمات الاساسية لتهتم بالجوانب الامنية والعسكرية وهي بذلك نتاج لحالة دورية من الفساد والفساد المضاعف.

أسباب الفساد

نشرت جامعة كاليفورنيا دراسة مهمة لـ(روبرت كليتجارد) بعنوان "السيطرة على الفساد"، ويلاحظ كليتجارد أن الفساد كموضوع لم يدرس إلا قليلا نسبة لاهميته، ويعتقدون أنه لا يمكن عمل شيء تجاهه.

لقد اكدت الدراسات العلمية والتحليل النفسي والموضوعي ان اسباب استشراء الفساد المالي والاداري ليس الحاجة الاقتصادية لمرتكبيها.، بل يعود لأسباب عديدة، في مقدمتها:

1- وجود خلل وانحراف في السلوك ونظام القيم لبعض المتصدين للمناصب المهمة.

2- الاخطاء في تعيين الموظفين الشاغلين للمناصب وضعف أنظمة المحاسبة والتحري الداخلية.

3- فساد الجهاز الرقابي اصلاً.

4- تقييد القضاء.

5- عدم وجود برنامج حقيقي شامل للمكافحة.

6- النظام الشمولي في ادارة الحكم.

7- قلة الوعي الاداري والسياسي في ادارة المسؤوليات.

8- التغلغل الحزبي في عمل الحكومات.

9- تسلط الفاشلين علميا وعمليا على المناصب وغير ذوي الخبرة.

10- الاتساع والتشعب السريع وغير المدروس في دوائر الدولة.

11- تطبيق القانون بانتقائية.

12- وجود فساد سياسي يؤسس ويغطي ويحمي مرتكبي جرائم الفساد الاداري.

المعالجات

أن القضاء على الفساد ليس قرارا يتخذ ضمن مساحة اجتماع معين او شعار يرفع خلال فترة انتخابية محددة لتذهب بعد ذلك الوعود ادراج الرياح، ولكنه منظومة من الأعمال والإصلاحات وإعادة بناء الأنظمة التعليمية والاجتماعية والإدارية والثقافية للمجتمعات والحكومات.

فالمعالجة تتطلب وترتكز على عوامل اساسية واخرى ثانوية تسلك في ذلك منهجية شاملة تستهدف محاصرته والتعامل مع أسبابه ودوافعه قبل معالجة اثارة ونتائجه، فالفساد يقع عندما تكون الاجواء مهيئة لايجاده واتساعه ومنها الاحتكار والقدرة على استغلال المنصب قبال ذلك لا تكون ثمة مساءلة حقيقة.

ويمكن اجمال التحصينات الاساسية ضد آفة الفساد بـ:

1- اتباع برنامج شامل للحماية و المكافحة والاجتثاث تكون مهمته الأساسية التحصين والحماية ويليها التأهيل والاصلاح.

2- الشفافية الإدارية والمالية والمحاسبة والمتابعة واختيار الأمناء في المواقع المهمة وتعديل نظام المكافآت والحوافز والعقوبات بصورة دورية.

3- تطوير أنظمة المعلومات والتحري والرقابة وتغيير مواقع اعضائها بشكل مستمر.

4- العدالة في التوظيف والاختيار وتوزيع المناصب والتنافس عليها.

5- الإنصاف في الأجور والمكافآت وتوفير فرص الحياة الكريمة للموظفين والعاملين بما يبعدهم عن البحث عن مصادر غير مشروعة لتلبية احتياجاتهم.

6- انفتاح الحكومة على المواطنين بكثير من الشفافية والوضوح وبطرق متعددة لضمان التواصل، لكسب ثقتهم ودعمهم لها.

7- ايجاد رأي عام معارض للفساد داخل المجتمع والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، من خلال توعية الناس بمخاطر الفساد على مستقبل البلاد وجعله بمنزلة التهم المخلة بالشرف.

8- التشديد في معاقبة وفضح رموز الفساد والتشهير بهم، وخاصة أصحاب النفوذ والسلطة والمناصب الرفيعة.

9- إشراك الاعلام بشكله المتوازن المهني في متابعة ورصد حالات الفاسد وعرضها بكل دقة وامانة على الرأي العام بالادلة والوثائق، وبعيدا عن التسقيط والتشهير.

ان تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وبناء دولة المؤسسات بناء سليما، و حماية مستقبل التعددية السياسية في البلاد وفتح افاق الاستثمار والاعمار في جميع الميادين وحماية حقوق المواطنين وانصافهم، لهو امر مرتبط ارتباطا مباشرا بخلو وخلاص الدول من آفة الفساد الاداري، وخلاف ذلك فان جميع ماتقدم سيكون عرضة لنيران هذه الآفة وهي نوع من انواع الجريمة المنظمة لكنها تتمترس خلف عنوان رسمي وبزي حكومي.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com
Opinions