الفلوس ( تْجيبْ ) العروس وتعمي العقول والعيون
wadeebatti@hotmail.comالمشهد الاول
يقينا , تابع الكثيرون مثلي , وأغلبهم من باب الفضول , فعاليات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية المنعقد في الكويت , حيث توفر مثل هذه المناسبات فرصة ذهبية للمتلقي في ان يرى من يمتلك عنوان القيادة في بلدان المنطقة , ايا كان الطريق والاسلوب الذي اوصله اليه , وهو يستعرض قدراته من خلال طرحه , في الاسلوب والمعنى , بل وتتيح هذه اللقاءات فرصة عقد المقارنات بين تلك العناوين , حتى اصبحت القمم العربية بمثابة مسرحيات حقيقية تترك لدى الجمهور انطباعا عن قدرة الممثلين فيها على تجسيد ادوارهم , فيعود كل منهم الى بلده وهو يحمل شهادته التقديرية سلبا او ايجابا او بين هذا وذاك . لقد كانت صدمة حقيقية حقا ان نشاهد العاهل السعودي , ابن نجد والحجاز , وهو يلقي كلمته فتشعر انك تسمع لتلميذ انهى , توا , مرحلة تعلم الحروف الابجدية , حيث انتحرت على شفاه جلالته كل قواعد اللغة , الى الحد الذي تعتقد فيه ان ( سيبويه ) قد انتفض من قبره وراحت روحه تحوم في قاعة المؤتمر تشكو لله وللحضور وللسامعين هذا الغبن والاجحاف بحق اللغة واصولها و قواعدها. لم يقرأ العاهل السعودي جملة صحيحة بدون اخطاء , بل غالبا ما راح يرتكب في الجملة الواحدة كماً غزيرا منها , وان الانسان ليصاب بالذهول كيف يفتقر مثل هذا العنوان الى القدرة اللغوية في لغة الاب و الام والتمكن فيها بمهارة وهو الذي منح نفسه , او منحه الاخرين , تخويلا ليكون الناطق الرسمي باسم الامة التي ترى في هذه اللغة سمة مميزة رئيسية لها ! ربما يعاتبنا البعض بالقول ان التمكن في اللغة , بما في ذلك لغة اهل البلد الاصلية , ليست شرطا جازما لاستحقاق العنوان السياسي , فنقول لهؤلاء انكم في هذا تجانبون الحقيقة لان أمضى اسلحة السياسي , في عالم اليوم , والركن الاساسي في الكاريزما التي يمتلكها , يكمن في قدرته على اجتذاب الجمهور ومداعبة مشاعره وإقناع المتلقي , وهذا لايتحقق اطلاقا بالرفع و النصب والتأتأة على طريقة ( الحجي راضي في تحت موس الحلاق ) ! يشهد خصوم ( اوباما ) قبل مناصريه على ان قدرته الخطابية الفذة كانت احد العوامل الرئيسية في جذب الجمهور اليه وفي الكاريزما التي حققها لشخصه . في اوربا , مثلا , العلاقة بين الفوز في الانتخابات ودرجة ملل الجمهور من الاستماع لقائد الحزب السياسي هي علاقة عكسية حادة , فكلما كانت درجة الملل كبيرة واضحة , كلما تضائلت فرص الفوز ووصلت الى حدودها الدنيا , ثم ان الذين يعيبون على عراق اليوم كون رئيسه كردي , فالحق يُقال ان هذا الرئيس الكردي يجيد اللغة العربية بمستوى يفوق غيره باضعاف مضاعفة , فاذا كان العاهل السعودي , مثلا , يكتب في سيرته الذاتية , ولو انه ليس بحاجة الى سيرة ذاتية لانه حصل على الوظيفة دون ان يقدًم اليها او ينافسه احد فيها وليس في نيته التقديم مجددا لوظيفة اخرى غيرها , ولكن من باب المجاز نقول لو كان العاهل السعودي يكتب في سيرته الذاتية انه يتكلم العربية الفصحى بطلاقة , فمن حق الرئيس الطالباني , أنئذ , ان يسجل في سيرته الذاتية انه , لغويا , سليل الفراهيدي.
ما أن انتهى العاهل السعودي من إلقاء كلمته حتى دوًت القاعة بالتصفيق الحاد , مسكين الرئيس السوداني يقرأ كلمته , ماشاءالله , وكأنه مذيع تلفزيوني على شاشة الجزيرة , بحماس وبدون اخطاء وينال في النهاية موجة متواضعة من التصفيق! ناهيكم اذا كان المصفقون وغير المصفقون , اساسا , قد انصتوا اليه!. وهكذا ذهب المحللون والسياسيون على المحطات الفضائية , وعلى الفور , يكيلون المديح , دون رحمة , على كلمة الملك السعودي , فهذا يقول انها أبلغ خطاب سمعه , وذاك يدعو الى الوقوف امام كل جملة , بل كل كلمة تفوه بها العاهل السعودي , وهلم جرا , من زمرة طويلة عريضة من المنافقين وابطال الرياء , وصدقا , يغتاظ المرء من نفاق هؤلاء اكثر بكثير من الاخطاء اللغوية للعاهل السعودي . تُرى لماذا صفًق المصفقون ونثر الناثرون كل اشكال ورود المديح ؟! انه الدولار اللعين الذي يقلب الموازين , ويعكس الالوان , ويجعل القاع قمة والقمة قاع ! الكثيرون من اؤلئك المصفقين والمادحين ليست له علاقة بما يقوله العاهل السعودي وكيف يقوله , لان عقولهم وعيونهم شاخصة الى جيوبه , الى أباره , الى مكرماته . حاشا ان يكون هذا انتقاصا من دور العاهل السعودي وفعله ولكن المتلقي يطمع دائما في صورة يتحقق فيها القدر المفترض والمطلوب والمتوقع من الكمال والشمول .
المشهد الثاني
ايام معدودة ويتوجه ابناء شعبنا العراقي في الداخل الى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في مجالس المحافظات , فما أحوج بلدنا الى الكفاءة النزيهة الوطنية الخالصة , واية مسؤولية كبيرة تقع على الناخب تدعوه الى الفرز بين القمح والزوان , بين الدائم المتجذر والطارئ الدخيل , بين ( كروش ) الحصار والاحتلال وبين عيدان وشموع الوطن الحقيقية , ايا كان لونها واصلها وفصلها ومذهبها ودينها وانحدارها العرقي والقومي , بين الجالسين في مركب شعبهم وبين فرسان الموجات والصفقات , بين من يحاول خداع الناخب بقطعة من الحلوى او ( المصقول ) لايُعرف في اي معمل تم تصنيعها وتعليبها , فقد جاء ليقدمها قبل الانتخابات املا في ان تكون له جسرا الى الشحوم , وبين من يقاسمون شعبهم كسرة الخبز ولايعدون بقصور من الرمل ولايجلسون في ندواتهم يحاولون تنويم المستمع عن طريق حقنه بجرعة من احلام الظهيرة . بين اؤلئك الذين يحرصون على ارتداء الفرو الفاخر وجلد النمر و يوصون الاخرين ان يقتدوا بنصائح ( جبران ) فيفرشون الارض ويلتحفون الفضاء , وبين اؤلئك الذين يعتقدون ان خسارة النفس لايعادلها ربح العالم . بين اؤلئك الذين اختاروا , او وجدوا , لانفسهم شهادات لايفقهون فيها حتى عناوينها , فبدت عليهم غريبة مقززة كربطات عنقهم الصارخة , وبين غيرهم الذين تتزيًن شهاداتهم بهم . يا لبؤس من يرضى ان يكون له عنوانا قياديا من هو ليس جديرا بذلك . من اقسى عقوبات الحياة ان يغدر بك الزمن فتكون مروؤسا لمن يمتلك ( وزن الريشة ) في صفات القيادة . هلاً ادركت يا عزيزي وابن شعبي ان صوتك يعكس شخصيتك , فحرام عليك ان تسترخصه , او تهديه , او تبيعه , او تهبه بدافع الخجل او لخاطر فلان او علاًن من زمرة الرياء والمطبلين , لمن هو ليس أهلا له , إكسر القاعدة الخطأ , ولاتمنح الفرصة ( للفلوس ) ان تأتي بالعروس ( عضوية مجلس المحافظة ) . فتش وافحص في القوائم مليا و ضع اشارة الصح على الصحيح , والصحيح يقول لك ها انا هنا , فالشمس لايحجبها غربال . . .