الفيليون العراقيون .. معلومات جديدة
مقدمة :أعيد الكتابة حول موضوع الكرد الفيليين في العراق ، نظرا للمعلومات التي حصلت عليها ، وهي تضيف للمقال الذي نشرته قبل اسبوعين والموسوم : " الفيليون العراقيون : طيف رائع سحقه الاستلاب ! " . هذا " الطيف " الذي دفع ثمنا غاليا في وجوده عندما حاول النظام السابق على عهدي البكر وصدام حسين استئصاله وسحقه وتمزيق نسيجه من دون رحمة . لقد وصلتني رسالة يقول صاحبها ان علي صالح السعدي وعبد الكريم الشيخلي لم يكونا من الكرد الفيلية ، فالاول من منطقة السعدية والثاني من باب الشيخ ، علما بأن الرواية الاولى التي ذكرتها تؤكد انهما من الكرد الفيلية .. واتمنى ان اتحقق مستقبلا من امرهما .. ولكنهما اقل اهمية من رعيل آخر من المبدعين العراقيين الذين اثروا الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية العراقية .
حديث المناضلة الاستاذة زكية حقي
لقد اتصلت بي تلفونيا الاستاذة المناضلة القديرة زكية حقي ، وتحدثنا طويلا عن موضوع الفيلية في العراق ودورهم السياسي المبكر الذي اضطلعوا فيه ، خصوصا ، في الاحزاب التقدمية العراقية .. ولقد اشادت طويلا باخ الاستاذ حبيب محمد كريم ، وهو الدكتور جعفر محمد كريم الذي يعتبر اول كردي فيلي يتخرج في اروقة كلية الطب العراقية عام 1936 ، وكان صديقا صدوقا للاستاذ حسين جميل اذ نفيا سويا الى العماره عام 1941 ، والتحق بالثورة الكردية عام 1947 مؤسسا للحزب البارتي جنبا الى جنب الزعيم الملا مصطفى البارزاني ، ثم هرب الى ايران وبقي فيها زمنا طويلا ، ولما نصّب حسين جميل اول سفير عراقي في ايران اثر 14 تموز 1958 ، طلب منه التعاون مع العهد الجديد ، فأبى ، وحمل ضد أي حكم للعسكر في العراق .. واضافت السيدة زكية حقي تقول بأن الفيلية هو مصطلح عراقي وتسمية عراقية صميمية لا نجدها في غير العراق ، وتضيف قائلة بأن الفيلييين كانوا مجموعة عشائر تقوم بحراسة القوافل القادمة للزيارة الى العتبات المقدسة ، وكان ذلك سببا حقيقيا في تشيعهم وانخراطهم في المذهب الجعفري . ويعني مصطلح الفيلية عراقيا : مدربي الفيلة من جماعة علي .. مما يؤكد عراقية هذا الطيف الذي لم يقتصر وجوده من حوافي دجلة الشرقية الى الحدود الشرقية ـ كما كان عبد الكريم قاسم قد قال في لقائه مع وفد الفيليين الذي زاره في بغداد عقب الثورة ـ ، بل ان وجودهم امتد نحو الفرات الاوسط اجتماعيا ، واندمج بعض الفيلية بالقبائل العربية ، وخصوصا ، مع آل فتلة وبعض قبائل اخرى .. وعليه نجد اختلاطات سكانية وزيجات ومصاهرات بين السكان العراقيين منذ مئات السنين ، سببها الامتداد العضوي للاطياف كلها في بنية المجتمع العراقي ، وخصوصا ، في الخمسمائة سنة التي انصرمت .. مما تشكّل عليه المجتمع العراقي ، وخصوصا ، الذوبان في نسيج مجتمع له بنيته وتشكيلته العراقية مع ذوبان النواحي العرقية ، وخصوصا ، في مجتمعات المدن والبلدات المحيطة بها ..
ان للاستاذة زكية حقي دورها الرائد في تشكيل الحركة النسوية العراقية كأول كردية فيلية تساهم مساهمات حية ومنذ سنوات مراهقتها الاولى عندما عرفت بتعاطفها مع المجتمع ومساعدة الفقراء والمسحوقين .. ومن خلال حراكها ذاك بجمع الالبسة والاغذية ضمن حملة معونات ، انخرطت لأول مرة في العمل السياسي ، لتغدو مناضلة ورائدة في صفوف التقدميين وتستمر مسيرتها لأكثر من نصف قرن تكلل بالنجاحات والانتصارات جنبا الى جنب تلك الانكسارات والاخفاقات ، وهي امرأة مثقفة متابعة لشؤون العراق والمنطقة ، وتحمل شهادة في القانون .
رسالة الاستاذ الشاعر عبد الستار نور علي
ومن الشخصيات الفيلية الاخرى التي اتصلت بي معبرة عن سعادتها لمقالتي تلك ، هو الاستاذ الشاعر عبد الستار نور علي ، وهو يعتب من طرف خفي علّي كوني لم اذكره ضمن ما ذكرت من شخصيات مبدعة ومهمة ومتميزة من الفيليين العراقيين .. فأجبته انني لم اعرف كل اصول المثقفين والمبدعين العراقيين واروماتهم ، ولكن هذا لا يمنع ان تذكرني ببعضهم لأقوم باداء ذكرهم وفاء مني الى الجميع ، فالكل اعزاء عندي ما داموا عراقيين يعشقون العراق . والاخ الاستاذ عبد الستار نور علي احد ابرز المدرسين العراقيين في الجهاز التربوي العراقي لنصف قرن مضى وقد غدا مديرا لثانوية المدحتية ، وهو شاعر واديب وكاتب وارسل لي بعضا من شعره الرائع في رسالته الاولى التي ضمنها سيرته الابداعية ، ولما ارسل لي رسالته الثانية ، استأذنت منه بنشرها ، فقبل الرجل ذلك مشكورا .. وها انا ذا اقوم بتضمينها للنشر في مقالتي هذه كي يستفيد من معلوماتها كل الناس .. كتب يقول :
عزيزي الدكتور سيار الجميل ،
تحياتي واحترامي
أعتذر على تأخري عن الإجابة على رسالتك. وأكرر شكري وتقديري في تجشمك عناء البحث والكتابة عن الكرد الفيليين. بعد ارسالي رسالتي الأولى اليكم بيوم كنتُ في حديث على الهاتف مع أحد الوجوه الاجتماعية والثقافية الفيلية في استوكهولم وهو الدكتور مجيد جعفر أحد مؤسسي الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي وأحد الكتاب المتخصصين في قضية الفيليين وهو عضو في اتحاد الكتاب السويديين، وحامل شهادة دكتوراه في الاقتصاد والتخطيط الاقليمي، وحالياً هو رجل اعمال. ومررنا على بحثك المشار اليه فكان مثلي ومثل غيري من المثقفين المدركين في تثمين جهدكم والاشادة به. ومررنا بالمناسبة على ما كتبه البعض من الفيليين سلباً عنكم رافضين هذا الموقف منهم لأنه قد يولّد ردَّ فعل بالضد مما نبغيه من كسب تأييد وتضامن المثقفين من كتاب وباحثين لهم مكانتهم وتأثيرهم في العراق. فنحن نعي جيداً الدوافع السياسية الكامنة وراء موقفهم. وأنت تدري أن كلاً ينطلق من قناعاته الخاصة ومواقفه السياسية ، لكنها لا تعني أنها مواقف الطيف كله.
لقد سبق لي شخصياً أن كتبت عدة مقالات مشيراً الى حاجة الفيليين لكل صوت شريف وكل قلم نزيه من غير طيفهم العراقي، وحتى لأصوات الذين هم في الضد من قضيتهم من منطلق تعصبي عنصري أو مذهبي او سياسي أو غيره. وكذا الحاجة لافهام الرأي العام العربي على امتداد الوطن العربي الكبير بقضيتهم ومظلوميتها ناصحاً بأن نستغل كل فرصة للتقرب من القوى السياسية المؤثرة وبضمنها التي نختلف معها وذلك لكسب تأييدها ودعمها لاستعادة حقوقهم المهضومة والدفاع عن قضيتهم التي عانوا فيها الكثير مما تعرفونه حضرتكم وأشرتم اليه مشكورين ومن منطلق وطني عراقي وانساني شريف متجرد عن الهوى.
ولقد اشرتُ الى كم الضرر الذي يصيب قضيتنا الفيلية بسبب اثارة عداء الآخر باتخاذ مواقف متشنجة ، وخاصة مع الذين لا ذنب لهم فيما جرى للفيليين من ضيم واجحاف واضطهاد. وعلينا أن نثمّن ونشكر كل الأصوات الخيرة من العرب وغيرالعرب المدافعين عن هذا الطيف العراقي، وأنتم منهم. فلا عليك سيدي الكريم.
أما بالنسبة لي ككاتب وشاعر فإنني لا أحبّ أنْ أصنّف نفسي ضمن طيف عراقي معين قومياً كان أم دينياً أم مذهبياً، بل أرغب أنْ أكون صوتاً عراقياً فحسب لأن التصنيف يقتل الابداع ويضرّ بالمبدع ونتاجه وجهده ويحشره في زاوية ضيقة تسيء له ولجهوده وابداعاته. ولذا أكتب تحت اسمي دائما عند الحاجة (شاعر وكاتب عراقي). رغم أنني لا أنكر إذا سئلت أو جاءت مناسبة في الكتابة أنْ أشير الى أرومتي مفتخراً دون تعصب أو خيلاء . وأدافع عن شريحتي بسبب ما لحقها من ظلم وجور وتهجير وتشريد وهضم للحقوق مثلما ادافع عن كل الأطياف العراقية حين يمسها ضرر ويصيبها ظلم.
ومنذ أنْ بدأت الكتابة في اواسط ستينات القرن الماضي فإن جلّ ما كتبته من قصائد سياسية أو مقالات كانت في القضايا الوطنية العراقية والعربية والانسانية عامةًً .
وأما بصدد الأسماء الثقافية والسياسية الفيلية فهناك الكثير ممن برزوا على الساحة العراقية وأشرتم أنتم الى بعضهم. والتعداد يحتاج الى استقراء ومتابعة وقد ينسى المرء بعضهم فيقع تحت طائلة العتاب أو الهجوم. وممن نذكرهم على الساحة السياسية كان الكثير منهم ضمن الحركة التقدمية وبالذات الحزب الشيوعي العراقي أمثال عزيز الحاج وعبد اللطيف الحاج وجعفر صادق ملا نظر وعلي جعفر (رئيس اتحاد نقابة السواق بعد ثورة 14 تموز) وغيرهم والذين خرجوا من باب الشيخ في بغداد بمختلف أزقتها وبيوتها. وبعضهم في الأحزاب الكردستانية أمثال حبيب محمد كريم ويدالله كرم وجليل فيلي وعادل مراد وفرج الحيدري (مدير المفوضية العليا للانتخابات). والنائبة السابقة سامية عزيز محمد والنائب السابق عامر ثامر . ووزير الهجرة والمهجرين عبد الصمد سلطان. ووزيرة الهجرة والمهجرين السابقة السيدة سهيلة عبد جعفر . ومن رجال الأعمال المعروفين في بغداد المرحوم المحامي عبد الهادي محمد باقر وهو أول فيلي يتخرج من كلية الحقوق في الثلاثينات من القرن العشرين ويخدم في الجيش العراقي ضابط إحتياط . ومن التجار الكبار السابقين في بغداد ايضاً المرحوم عبد الرحيم الفيلي وشاكر براخاس واسماعيل كريم (والد الجيولوجية والكاتبة والاستاذة الجامعية نظيرة اسماعيل كريم) والحاج حيدر توفيق . ومن الشعراء اضافة الى ما ذكرت أنت بلند الحيدري. ومن المثقفين أيضاً الباحثة الدكتورة منيرة أوميد الاستاذة الجامعية في بريطانيا ومديرة مركز جلجامش للدراسات والبحوث الكردية وبيستون للدراسات الفيلية.
وقد برز بين الفيليين اطباء حاذقون نذكر منهم طبيب العيون المرحوم (شهاب عزيز) أول من قام بعملية زرع قرنية عين في الشرق الأوسط وقد أجراها بنجاح لأمير سعودي عرض عليه بعدها مساعدته في فتح عيادة في السعودية يتكفل هو الأمير بكل تكاليفها وتزويدها بأحدث الأجهزة الطبية ، لكنه اعتذر بأن بلده العراق في حاجة إليه ، و كان جزاؤه الحجز مع الآلاف من الشباب الفيلي أثناء حملة التهجير عام 1980 ليُقتل في السجن كما الآلاف الأخرى.
وقد شارك الفيليون في الجانب الثقافي بمختلف فروعه الأدبية والفنية والرياضية والصحفية . نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي ، القاص عبد المجيد لطفي، الباحث والاستاذ الجامعي المرحوم الدكتور كامل البصير ، الشاعر بلند الحيدري، الروائي (غائب طعمة فرمان) ، الشاعر زاهد محمد ، الشاعر جليل حيدر، الشاعر والصحفي عباس البدري ، المذيع المعروف المرحوم رشدي عبد الصاحب .
في مجال الموسيقى : عازف العود العالمي المرحوم سلمان شكر وأخوه محمود شكر ، الموسيقار المعروف نصير شمه ، الملحن كوكب حمزة ، مطرب المقام القديم الشهير المرحوم حسن خيوكه ، المطربون جعفر حسن ، رضا علي ، جاسم الخياط ، حسين السعدي ، رضا الخياط .
أما في مجال الرياضة فقد رفدوا الحركة الرياضية بخيرة اللاعبين منهم : الرباع (عبد الواحد عزيز) العراقي الأول في تاريخ الرياضة العراقية الأولمبية الذي يحصل على ميدالية للعراق (برونزية) وذلك في دورة روما 1960 ، الربّاع البطل في الألعاب الآسيوية (عزيز عباس) ، حاميا هدف منتخب العراق السابق لكرة القدم أنور مراد و جلال عبد الرحمن ، اللاعبون الدوليون السابقون محمود أسد ، عبد الصمد اسد ، مهدي عبد الصاحب ، ولاعبو منتخب كرة السلة الوطني داود سلمان و عبدالحسين خليل ورحمن سردار. واللاعبة الأولمبية الدولية كوثر نعمة فتاح. وقد اسّس الفيليون في المجال الرياضي (نادي الفيلية الرياضي) بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 الذي ساهم في مختلف أنشطة الحياة الرياضية العراقية حيث فاز مرة بالمرتبة الثانية في بطولة العراق لكرة القدم ، كما كان رياضيوه من الرواد الأوائل في فن المصارعة .
وفي المجال الاجتماعي أسس مجموعة من التجار والمثقفين الفيليين عام 1946 (جمعية المدارس الفيلية) التي أنشأت مدرسة ابتدائية وثانوية لأبناء الطائفة في بغداد ولغيرهم ، وقد تخرج منهما الكثيرون كرداً وعرباً وتركماناً ومسيحيين ساهموا في الحياة العامة في مختلف المجالات . و قد قام بالتدريس فيها خيرة المعلمين والمدرسين من مختلف القوميات والطوائف العراقية . منهم القائد الشيوعي سلام عادل والقاص غائب طعمة فرمان، وكاتب البحث هذا ، فقد عمل مدرساً ثم مديراً لثانوية الفيلية المسائية في بغداد حتى تاميمها 1974. ومن الذين تولوا إدارة الابتدائية المرحوم (شهاب أحمد) الطبيب الذي مات في المانيا قبل سنوات، والمرحوم الاستاذ (سلمان رستم) ، أما الثانوية فقد تولى إدارتها المحامي المعروف المرحوم (حسين محمد علي الصيواني) .
ومنْ بين الشخصيات الكردية الفيلية والذي دخل ذاكرة التاريخ العراقي في القرن العشرين فكتب عنه المؤرخون هو (ابراهيم عبدكه) الفتوة والذي نسمّي أمثاله (الشقاوة) بلهجتنا العراقية. هذا الرجل كما تعرف شارك في ثورة العشرين ، وله مواقف وطنية مشهودة في محاربة الانجليز وعملائهم في ديالى وقد حكم بسببها بالاعدام ، وقد رفض الملك فيصل الأول المصادقة على الحكم وأمر بتخفيفه الى السجن خمسة عشر عاماً.
وهناك بالتأكيد آخرون لا نعرفهم وهم لايشيرون الى أرومتهم، والذين ذكرناهم ممن نعرفهم عن قرب وعن متابعة. وأظن أنّ الأمر قد لا يحتاج الى ذكر الكثير من الأسماء ، فهناك مثقفون من مختلف الاختصاصات بالآلاف من عامة الشعب وهم من الكرد الفيليين.
وأخيراً لكم سلامنا وتقديرنا وإثابتنا
عبد الستار نورعلي
الأثنين 20/9/2010
وأخيرا ماذا اقول ؟
أنني اشكر كل الذين كتبوا لي ، او اتصلوا معي ، وليعذروني عن ذكر كل اسمائهم .. ولا ادري ان كان الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي من الكرد الفيلية ، فأصله واصل عائلته من بلدة زهاو ، وتقع في ايران اليوم ، ولكن يقطنها الاكراد السوران .. انني اتمنى من صميم القلب ان تتوحد جهود هذا الطيف على اهداف عراقية واحدة موحدة ، وان لا نجد أي انقسام في ما بينهم ، فوحدتهم من اجل مصلحتهم ومصلحة المجتمع العراقي الكبير .. انني مقتنع تماما بأن وجودهم مع العراق هو المترجم الحقيقي لامتدادهم في نسيج المجتمع العراقي منذ قرون .. وعلى العراقيين ان يعوا بالمأساة التي لحقت بهم ، وانهم هجّروا وشردوا وسحقوا ظلما وعدوانا منذ ثلاثين سنة .. انهم امام هدفين اثنين اولاهما توحدهم تحت راية واحدة وان يكونوا كلمة واحدة في الدفاع عن حقوقهم من دون الانحياز الى أي طرف من الاطراف وثانيهما عودة دورهما الابداعي والنضالي في خدمة العراق والمجتمع العراقي .. اتمنى ان اكون قد وفيت بالامانة .. مع اسمى تحياتي الى كل اصدقائي الكرد الفيليين .
ينشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com