القــَـناعة والمُـتــَخـََـفــّون خـلـْـف القِـناع
القـناعة سايكـولوجـياً هي ناتجٌ من تفاعـل رغـبة المقـتدر مع وعـيه ، بتواضع دون تذمّر . ومادّياً هي الرضى بالمقـسوم والإكـتفاء بالمُـتــَيسّر دون إطفاء المصابيح الزئبقـية التي تــُـنير طريق طموحات الإنسان الغـريزية . أما فـكـرياً فـهي إعـتزاز بالرأي الذاتي المبني عـلى المنطقـية والإحـتكاك مع رأي الآخـرين أقـلية كانوا أم أكـثرية ، وعـليه فإن مضامينها إيجابـية . والإنسان الطـمّاع له قـناعـته بشرعـية نهجه ولا تـتـقاطع معه بل توازيه وتـتوازن معه دون أن تـعـيق إنـدفاعه . كما أن الطـمّاع وطموحه لا يتعارضان أيضاً بل يترافـقان نحـو خـط الأفـق الذي لا يمكـن معانقـته . القـناعة ليست موروثة منـذ الصِغـَر كـما ليست هـبة من السماء عـنـد الكـبر وإنما تـتولـّد بُرعـماً من تربـية عائلية ، فـتـنمو مع النسغ الصاعـد من النصائح المدرسية والإرشادات الروحـية ، وتـنضج حـقاً لو كان مَن هـم حَـولنا يمارسـونها كـعادة يومية . وعـليه فـهي لا يُـنعَـم بها عـلى الفـرد وإنما تــُزرع فـتـنمو في أعـماق نفـسه ! فإن كانت التربة صالحة وماؤها زلالٌ جاءت كالنسغ النازل حـتى وإن لم يكـن هـناك سمادٌ . القـناعة مشوارها طويل ووزنها يسير ، ومساحـتها ليست بالشيء الكـثير ، فـهي كـنزٌ ثـمين محـفـوظ في مكان أمين وثراؤها خـير مُعـين .أيها الإنسان ! لا تـتـخـذ من جـهابـذة ( الكاردينال وطارق ) مركـباً تـنقـل عـلى ظهـره بضاعـتك الرديّة آملاً منه أنْ يوصِـلك إلى شواطىء ذهـبـية . هـلاّ تـنـَحّـيتَ جانباً لابل بعـيداً ! فأهـل البيت أدرى بما فـيه ينبوعاً نقـياً ، ومحـلات العـرائس لا تعـرض الأسمال البالية ، ولا تـتخـذ مِن جـمْعِـها هـواية .
أيها الإنسان ! أما خـُـلِـقــْـتــُم بشراً سوياً ؟ لماذا تـقـفـون بقِـناعـكم تحـت أشعة الشمس القـوية دون مظلة مطرية وترتفـع عـندكـم الحـمية ؟ خـذوا بطاقـتكـم إلى المشافي الصحّـية وسجّـلوا إسمكـم كـما هـو مكـتوب في الهـوية ؟ وإنْ أخـطأتم ، سـيروا نحـو الحـقـول الحـدودية لـتـتـنـزّهـوا فـتستضيفـكـم الخـيم السُمْرية .
أيها الإنسان ! لا ترمي سهامك عـلى الجـبال الفـوقـية ، إنها ليست مهـنـتك بل إعـط القـوسَ باريها من أضلاع الخـيزران الأصلية ، فـهـو أدرى بالتلال والقـمم العالية . قِـناعـك ليس سوى خِـمار أسْـوَدٍ خـيوطه قـطنية ، تكـشفها شمسنا بألوانها الطـيفـية . إنّ القِـناع لا يُخـفي وجه صاحـبه حـتى النهاية ، مثـلما البزة العـسكـرية لا تــُزكّـي مرتـديها منـذ البـداية ! هـكـذا تــَعَـلـّمْـنا من طـُرق الإستقامة والهـداية .
أيها الإنسان ! إنشر صورتكَ وأعـلمنا بــِمَخـبـئـكَ لنـتعـرف عـليك إنْ كـنــتَ رجُـلاً أبـيّاً ، كُـن شجاعاً لتحـمل وساماً فـخـرياً ، وتمشي واثق الخـطوة مَـلـَـكاً قـوياً ، ولا تكـتب بمصطلحات لستَ أهـلاً لها ، فـ ( العـراقـيّـين مـفـتــّحـين باللبن ) يُميّـزون الحـنطة من الزؤان جـلـيّـاً .