Skip to main content
القرارات المتعثرة لغلق المخيمات ومدارس النازحين بكردستان.. تحركات بدوافع سياسية ضحيتها النازحون Facebook Twitter YouTube Telegram

القرارات المتعثرة لغلق المخيمات ومدارس النازحين بكردستان.. تحركات بدوافع سياسية ضحيتها النازحون

المصدر: العالم الجديد

تشعر أم هديل، التي تقيم في أربيل، بقلق بالغ إزاء المستقبل الدراسي لأطفالها الثلاثة، إثر قرار إتخذته وزارة التربية في بغداد، بغلق الممثليات التابعة لها في اقليم كردستان بالتزامن مع غلق مخيمات النازحين التي تأوي آلاف الأسر العربية التي كانت قد هربت من العنف في سنوات الحرب مع تنظيم داعش (2014-2017)، قبل أن تعدل عنه بقرار لاحق حولت فيه الممثليات إلى أقسام للتربية.

خطوات الحكومة الاتحادية تلك التي تستهدف اجبار النازحين على العودة الى مناطقهم دون مراعاة ظروفهم وقبل اكمال متطلبات العودة من أمن وخدمات وفرص عمل، تحمل تداعيات عديدة أبرزها ما يرتبط بحرمان آلاف الأطفال من التعليم من خلال التوجه الى غلق المدارس التي تدرس فيها المناهج التعليمية باللغة العربية في اقليم كردستان والتي يقصدها النازحون كأبناء أم هديل.

تقول السيدة التي نزحت من محافظة صلاح الدين:”هديل في الصف الخامس الإبتدائي، وعبود في الصف الثالث وسارة في الصف الثاني، وغلق الممثليات يعني غلق مدرستهم وبالتالي توقفهم عن الدراسة، لأن المدارس في الأقليم تدرس باللغة الكردية، ونحن لا نستطيع العودة إلى بلدتنا التي نزحنا منها”.

ثم تستدرك:”لا أعرف ماذا سيحدث الان بعد تحويل وزارة التربية للمثليات إلى أقسام تابعة لمديرات التربية. هل سيتسمر أطفالي بالدراسة، هذا الأمر يقلقنا كثيرا، واذا تم التمديد خلال هذا العام، ماذا سيحصل في العام الدراسي المقبل؟”.

في صيف 2014، اضطرت أم هديل مع زوجها الذي كان يعمل في معمل الأسمنت بمحافظة كركوك، وطفلتهما الوحيدة وقتها هديل والتي كانت تبلغ من العمر 18 شهرا فقط، إلى مغادرة منزلهم في قضاء الصينية التابع لمحافظة صلاح الدين شمال بغداد، إثر سيطرة تنظيم داعش عليها.  

وبعد تحريرها صيف 2017، فضلوا البقاء في أربيل على العودة إلى بلدتهم لأسباب تعددها:”داعش هدم منزلنا هناك، ونحن لانملك المال الكافي لإعماره والدولة لم تمنحنا تعويضا، وأخشى كثيراً من عودة ارهابيي داعش الى المنطقة، كما أننا اندمجنا هنا في الحياة بأربيل”.

هذا حال آلاف العائلات العربية النازحة التي استقرت بنحو دائم في محافظات اقليم كردستان، عقب أكبر نزوح عرفه العراق في العصر الحديث، بسبب سيطرة تنظيم داعش على جزء كبير من القسم الشمالي والغربي للعراق حيث محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من محافظتي ديالى وكركوك.

في تلك السنوات لم يكن أمام وزارة التربية في بغداد سوى استحداث ممثليات تابعة لمديرات التربية في أقليم كردستان، ترتبط بها مدارس افتتحت في مدن الاقليم وأغلبيتها في مخيمات النازحين، وكانت الممثليات في محافظتي أربيل ودهوك تابعة إدارياً لمديرية التربية في نيوى، والممثلية في السليمانية تابعة إداريا لتربية ديالى.

وجاء قرار اغلاق الممثليات والمدارس الذي الذي اتخذته وزارة التربية في بغداد مطلع العام 2024، وحددت له موعدا هو 30 تموز/يوليو 2024، بالتزامن مع قرار وزارة الهجرة والمهجرين بغلق مخيمات النازحين في إقليم كردستان.

وجوبه القرار برفض من العائلات العربية المقيمة في كردستان، والتي امتنعت عن العودة إلى مناطقها الأصلية، فنظمت فضلاً عن الكوادر التربوية وقفات احتجاجية خلال الأشهر الست الأولى من 2024 لمحاولة ثني وزارة التربية عن قرارها، والتي تراجعت عنه بالفعل في تموز/يوليو2024 وحولت الممثليات إلى أقسام تابعة لمديريات التربية في نينوى وديالى، في اجراء وصفه معنيون بالمؤقت لحين حسم الملف نهائيا.

كما ان قرار غلق المخيمات، لم ينفذ بنحو كامل، إذ ما زال العديد منها تضم نازحين اغلبهم من قضائي سنجار وتلعفر غربي نينوى، فضلاً عن مناطق أخرى في وسط البلاد، لم يتمكن نازحوها من العودة إلى مناطقهم بسبب عدم اعمارها او نتيجة سيطرت ميلشيات الحشد الشعبي عليها.

مدارس النازحين

لإستيعاب الأعداد الكبيرة من التلاميذ والطلاب النازحين في اقليم كردستان، التي وصلت اعدادهم إلى 148 ألفاً، بحسب النائب شيروان الدوبرداني، أفتتحت نحو 250 مدرسة، غالبيتها كانت مدارس (كرفانية) مؤقتة أنشأت بواسطة المنظمات الدولية في داخل المخيمات.

واسندت مهام إدارة تلك المدارس والتدريس فيها إلى كوادر إدارية وتعليمية متواجدة أصلا في الاقليم، إذ كان الكثير من مدراء المدارس والمعلمين قد نزحوا إلى محافظات إقليم كردستان خلال فترة نشاط تنظيم داعش المسلح في محافظات المنطقة الغربية منذ 2006.

وأنضم اليهم مئات آخرون بعد سيطرة داعش على تلك المناطق، لتنتظم الدراسة بمناهج عربية في المدارس تلك وتتواصل على مدى عشر سنوات، على الرغم من افتقار غالبيتها العظمى للشروط المطلوب توافرها في المدارس العادية بسبب كونها (كرفانية) مؤقته وتكتظ بالطلبة، كما يقول أستاذ اللغة الإنكليزية في مدرسة الرافدين الابتدائية للنازحين، رياض سعيد، الذي يضيف مستدركاً:”لكن وجودها أفضل من عدمه، فهنالك عائلات لاتستطيع العودة، فكيف سيدرس أبنائها اذا أغلقت المدارس”.

غير أن الحكومة العراقية قررت اغلاق مخيمات النازحين البالغة أعدادها 26 مخيما، 16 منها في محافظة دهوك، و6 في أربيل، و4 في السليمانية، وأعلنت أن سنة 2024 ستشهد نهايتها بعد عشر سنوات من افتتاحها، وبالتالي اغلاق الممثليات التابعة للتربية ومعها  مدارس النازحين.

وشرعت بالفعل في ذلك عبر وزارة الهجرة والمهجرين، إذ أغلقت بالفعل مخيمي اشتي وعربت في السليمانية، بينما رفضت المخيمات في محافظة دهوك تنفيذ القرار، وفقاً لما نقله مسؤول دائرة الهجرة والمهجرين واستجابة الأزمات في محافظة دهوك ديان جعفر، بسبب غياب المقومات الكافية لعودة النازحين.

قرار غلق المخيمات ومعها ممثليات التربية، سبقته قرارات مماثلة في سنوات سابقة، لكن دون تنفيذ، غير أن الحكومة العراقية كانت حازمة هذه المرة، ويعتقد المحلل السياسي فراس الياس، بأن ذلك يرتبط بعوامل سياسية واجتماعية عدة.

يقول:”كانت هناك عملية استغلال لأوضاع النازحين، خصوصاً من قبل الشخصيات والوزارات المسؤولة عنهم، ما أدى الى ظهور حالات خطيرة من الفساد المالي والإداري مرتبطة بالمخيمات وتأهيل أوضاع النازحين، مما خلق اكثر من دافع لدى الحكومة لإنهاء هذا الملف في اسرع وقت”.

ويرى المحلل السياسي غازي فيصل، أن ملف النازحين:”أصبح عبئاً على الدولة والحلول التي تقدمها لاتعدو عن كونها ترقيعية ولا تمثل حلولا جذرية”، مبيناً ان عودة النازحين “دون توفير سبل العيش الكريم لهم، ومع عدم وجود مدارس لأبنائهم في مناطقهم، لا يمكن ان تعد عودة طوعية بل قسرية ومجحفة” على حد قوله.

وزارة التربية وجهت في 13 شباط/فبراير 2024 كتاباً إلى ممثلياتها في أربيل والسليمانية ودهوك، حمل الرقم 4920، جاء فيه: “استناداً لقرار مجلس الوزراء رقم 24043 لسنة 2024 المتضمن تحديد تاريخ 30/7/2024 موعداً لإغلاق المخيمات والعودة الطوعية للنازحين، وتنفيذا للقرار تقرر اعتماد التأريخ أعلاه موعداً لإغلاق ممثليات وزارة الوزارة في أربيل والسليمانية ودهوك”.

انطلقت بعد القرار احتجاجات للكوادر التعليمية واولياء أمور الطلبة والطلاب، استمرت لأشهر، ورفعت دعوى امام المحكمة الاتحادي في شهر نيسان/أبريل2024، للمطالبة بإلغاء قرار مجلس الوزراء المتعلق بإغلاق المخيمات فضلاً عن إغلاق ممثليات وزارة التربية في إقليم كردستان.

وأصدرت المحكمة الإتحادية في30نيسان/أبريل2024 بياناً أشارت فيه إلى أن الدعوى التي رفعها المدعي رافد ناصر عبد الكريم “حسمت بالرد لعدم توافر شرط المصلحة اللازم لإقامتها”. ويعني ذلك أن القرار أصبح قطعيا، ولم يكن امام أولياء أمور الطلاب ولا الكوادر التعليمية سوى ممارسة الضغط عبر الاحتجاجات أو منظمات المجتمع المدني او البرلمانيين وأعضاء مجالس المحافظات.

وضمن محاولات تأجيل تنفيذ القرار، ناقش وزير التربية في أقليم كردستان “آلان محمد سعيد” الملف مع بغداد، لأن الأقليم سيتحمل الضغط الأكبر من أي اغلاق للمدارس العربية، وذلك لعدم امتلاكه البنية التحتية المدرسية لإستيعاب الطلاب النازحين، وهذا ما صرحت به عضوة لجنة التربية النيابية نجوى كاكئي.

رئيس لجنة الأقاليم النيابية خالد الدراجي، قال في مؤتمر صحافي عقده في أربيل، أن قرار غلق ممثليات التربية في الأقليم “بحاجة إلى إعادة نظر”، واصفا اياه بـ”القرار المستعجل”. وقال بأن لجنته استمعت الى طروحات جميع الأطراف من أولياء أمور الطلبة وممثلين عن ممثليات التربية في الإقليم ومنظمات المجتمع المدني، وان لجنته ستتواصل مع وزارتي التربية والهجرة والمهجرين “لبحث الأمر من أجل الوصول الى حلول”.

ومع انتهاء يوم الثلاثاء 30 تموز/يوليو2024 دون اغلاق المخيمات بنحو كامل في أقليم كردستان كما كانت وزارة الهجرة والمهجرين قد تعهدت، ارتفع سقف التفاؤل لدى النازحين بإمكانية إيجاد حل لمشكلتهم.

النائب فيان دخيل، أكدت بأن انتهاء الموعد المحدد دون غلق المخيمات “يعكس تخبطاً واضحاً وغياب الرؤية لدى وزارة الهجرة بقرارها الإرتجالي وغير المدروس والذي لم يأخذ بنظر الاعتبار الواقع المزري في مدن النازحين الأصلية”.

وذكرت بأن الوزارة أحدثت ارباكاً وحيرة لدى النازحين طوال الفترة السابقة، ما يعكس تسرعها بقرار الاغلاق “لفرض العودة القسرية على النازحين”.

ووصفت قرار غلق ممثليات التربية بأنه “واحد من الكوارث التي جاءت على رأس النازحين”، وأنه غير قابل للتنفيذ “قبل تهيئة الظروف المناسبة لعودة جميع النازحين واعمار مناطقهم”.

وتساءلت النائبة عن الحزب الديمقرطي:”القرار يعني عودة النازحين الى مناطقهم فهل هي مهيأة لعودتهم، ومدارسها جاهزة لإستقبال أبنائهم؟.. هل لدينا مدارس في تلك المناطق؟”.

وتابعت:”بالنسبة لسنجار، اذا أغلقت مخيمات نازحيها واعيدوا إلى هناك، فهل هنالك مدارس لإستقبال الطلاب؟”، مؤكدة ان قرار الاغلاق “صدر بناء على معلومات مضللة وصلت الى رئاسة الوزراء”.

وخلال جلسة لمجلس النواب العراقي، ذكر النائب شيروان الدوبرداني، بأن اعداد الطلاب العرب النازحين والمقيمين في محافظات أقليم كردستان، يبلع 148 ألف طالب، وأن بين 10% إلى 15% فقط منهم متواجدين في المخيمات، ومعظمهم من قضائي سنجار وتلعفر.

وذكر الدوبرداني بان وزارة التربية لديها لجان وممثليات ومدارس عديدة خارج البلاد كالهند وتركيا والأردن ودول أخرى، مشيراً بذلك إلى أنها لم تقم بإغلاقها في حين أنها قررت اغلاق التي في أقليم كردستان، في اشارة الى وجود دوافع غير معلنة للقرار.

وقال بان ذلك يتناقض مع المادة 14 من الدستور العراقي لسنة 2005 التي تؤكد على تساوي العراقيين في الحقوق والواجبات وكذلك المادة 34 من الدستور التي تقضي بالزامية التعليم بالنسبة للتلاميذ في المرحلة الابتدائية.

واتهم وزارة التربية بانها أصدرت قرارها بغلق الممثليات “تحت ضغط سياسي” على الرغم من وجود آلاف الطلبة، وتساءل هو الآخر:”هل تملك الوزارة البنى التحتية في المناطق التي سيعود اليها النازحون من مدارس وغيرها؟”.

ثم نقل عن قائمقام عامرية الفلوجة في محافظة الأنبار قوله بأن “الحكومة ابلغته بعدم شمول منطقتي جرف الصخر والعويسات بعودة النازحين اليها”. في اشارة الى المصير الدراسي المجهول لأبناء تلك المناطق في حال غلق المدارس العربية بالاقليم.

وذكر أن مناطق أخرى يمنع عودة النازحين اليها مثل “العوجة، ويثرب في صلاح الدين، وسنجار في نينوى”، داعيا رئاسة مجلس النواب للعمل على الغاء القرار، لحين عودة النازحين والمقيمين في الإقليم إلى مناطقهم.

مع استحالة عودة عشرات آلاف النازحين والميقمين وعدم وجود بديل لتلك المدارس وتحت ضغط الاحتجاجات والاعتراضات، قررت وزارة التربية تحويل الممثليات في أقليم كردستان إلى أقسام تابعة للمديريات العامة في محافظتي نينوى وكركوك، وترتيب أوضاع الطلاب واحتوائهم مع الهيئات التأسيسية وفقاً للمتحدث الرسمي باسم الوزارة كريم السيد، دون أن يوضح ماهية القرار وما الذي سيتغير في اوضاع تلك المدارس بعد اعتماده.

شمس علاء (16 سنة) طالبة في الصف الرابع الإعدادي في ثانوية التحرير النموذجية في السليمانية، تستغرب من وصف مدرستها بالنموذجية “إنها مجرد مدرسة كرفانية”. وتقول إنها سلسلة كرفانات لا تناسب الأجواء التعليمية “صناديق حديدية كبيرة لا تحتوي على شبابيك”.

وتستدرك:”على الرغم من ذلك، أفضل وجودي هنا في إقليم كردستان”. وتعدد أسباب ذلك “الأمن، النظام، القانون، طبيعة المجتمع، وفرص العمل”.

هي تحلم بأن تصبح طبيبة أسنان في المستقبل، وتقول عن ذلك:”هذا سبب آخر لرغبتي في البقاء هنا وعدم العود إلى محافظة بابل التي نزحت عنها عائلتي منذ 10 سنوات. المواطنون من وسط العراق وجنوبه يأتون الى الإقليم لتلقي العلاج، الخدمات الطبية والأجهزة والكفاءات هنا افضل”.

نازحون يرفضون العودة

“أين نذهب؟”، يتساءل روني سعيد، الذي يعمل في منشأة لصناعة المناديل الورقية في أربيل. يقول بنبرة حادة:”منزلي مهدم في الحمدانية، ولا فرص عمل هناك، لست مستعدا للعودة إلى هناك حتى لو ترك اطفالي التعليم”.

روني، والد لطفين (فروين في الصف الثاني ابتدائي، وروز في الصف الثالث) يسكن حاليا في منطقة عينكاوه في أربيل، ويعتقد بأن قرار غلق ممثليات التربية، يعقد وضع النازحين والمقيمين في الاقليم.

ويقول:”كيف أعود، عملت جاهدا هناك لسنوات لأكون نفسي قبل ان يأتي داعش ويسلبني كل شيء، وقد بدأت من جديد في أربيل، ولست مستعداُ لخسارة ما بنيته مجدداً.. عشت وعملت هنا عشر سنوات وامتزجت مع المجتمع والحياة”.

بالعودة إلى ذاكرة النزوح في العراق، وتحديداً من محافظات شمال وغرب البلاد فضلا عن بغداد إلى محافظات أقليم كردستان، نجد بأنه لم يبدأ في حزيران/يونيو 2014 عندما سيطر داعش على مناطق غربي نينوى، بل كانت موجات من النزوح قد بدأت قبل ذلك بسنوات.

إذ أن جماعات مسلحة متشددة نشطت في العراق بعد انهيار النظام العراقي السابق في نيسان/أبريل2003، وأخذت تلك الجماعات تستهدف المكونات الموجودة كالإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة وكذلك الكرد، مما اجبر عشرات الآلاف منهم للنزوح صوب أقليم كردستان والإستقرار والإقامة فيه.

ثم وقعت حرب أهلية طائفية إثر تدمير تنظيمات ارهابية لمزارين للشيعة في سامراء في شباط/فبراير 2006 هما (ضريحا الإمامين علي الهادي والحسن العسكري) واستمرت تلك الحرب لغاية أواخر 2008 ونجم عنها عشرات آلاف الضحايا من الطرفين الشيعي والسني، فضلاً عن نزوح كبير باتجاه مناطق مختلفة حسب الانتماء المذهبي، الى جانب النزوح والاستقرار في أقليم كردستان حتى تجاوزت معدلات العرب في بعض مناطق كردستان الـ20% من عموم السكان.

وساهم في النزوح، تهديد الجماعات المسلحة في المناطق التي تنشط فيها للتجار والأغنياء والكفاءات، وفرض أتاوات عليهم، وهذا ما دفع الكثير من أصحاب رؤوس الأموال والأطباء وأساتذة الجامعات وأصحاب المهن الأخرى لترك تلك المناطق والإقامة في اقليم كردستان الذي بوضع أمني مستقر.

حيدر رائد، والد كل من (موسى في الصف الرابع الإبتدائي، وعيسى  في الصف الثالث الإبتدائي) كان قد نزح من بغداد الى أربيل عام 2012 بسبب ميليشيات مسلحة قال بانها حاولت قتل والده بأطلاق أعيرة نارية تجاهه لكنه نجا من الموت باعجوبة، وفقاً لزعمه.  

يقول عن سبب استهدافه:”مجرد كشك كان يملكه بداخل كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية، يؤمن من خلاله معيشة العائلة.. تعرض للمساومات، قالوا له بالحرف الواحد، إذا لم تتنازل عنه ستقتل. هذا حدث للكثيرين من أصحاب المهن البسيطة او الأعمال التجارية الكبيرة”.

ثم يتساءل:”والان بعد كل هذه السنوات، إين سأذهب بولدي إن أغلقت المدارس، فأنا لن اعود إلى بغداد أبداً”.

يعمل حيدر، حلاقاً في الوقت الحالي، ويعيش مع أسرته بمنزل مستأجر في أطراف مدينة أربيل، ولهذا فهو لايستطيع إدخالهم مدرسة خاصة “بسبب تكلفتها التي تزيد عن مقدرته”.

موظف في أحدى ممثليات التربية في أقليم كردستان، طلب عدم الإشارة إلى أسمه كونه غير مخول بالتصريح، يقول بأن وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري، أشار في أول تصريح له بعد استلامه لمنصبه في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022 إلى أن من بين خططه اغلاق الممثليات في الإقليم.

ويعتقد الموظف، بأنها خطوة لإجبار النازحين على العودة “خصوصاً أن الكثير منهم رفضوا ذلك بسبب استقرارهم في الإقليم”. وذكر بأن الموظفين في الممثليات وحتى بعد قرار تحويلها الى اقسام، قلقون على مستقبلهم “والعديد منهم أكراد ويعيشون في محافظات الإقليم”.

ويتابع:”الوزير لا يدرك حجم الازمة ظناً منه ان عدد الطلاب الذين سيبقون لن يتجاوز الالفين طالب بينما في السليمانية فقط هناك 32 الف طالب من أبناء النازحين والمقيمين، والذين عادوا هم بين 4 آلاف الى 6 آلاف فقط، والمتبقين هم 26 الف طالب كحد ادنى”.

ولفت إلى أن السليمانية فيها 89 مدرسة للنازحين والمقيمين لتدريس اللغة العربية، وأربيل فيها 150 مدرسة، وفي دهوك هنالك 96 مدرسة. وقدر أعداد الطلاب فيها جميعاً بـ 148 ألف إلى 150 ألف طالب يدرسون باللغة العربية.

مع انطلاق العام الدراسي الجديد في ايلول سبتمبر 2024، تم التواصل مع مدراء ممثليات التربية في الأقليم للحديث عن إجراءات تحويلها إلى أقسام تابعة لمدريات التربية وما الذي سيتغير، وانعكاسات ذلك على الطلاب والكوادر التعليمية وموظفي تلك الأقسام النازحين والمقيمين في الأقليم، لكن لم نحصل على رد منهم، بسبب تعليمات من الوزارة تمنعهم من الإدلاء بتصريحات.

نازح في بلادي!

محمد روكان، شابٌ من قضاء الدجيل التابع لمحافظة صلاح الدين، نزحت عائلته من هناك صيف 2014 إلى محافظة السليمانية، واستقرت في مخيم اشتي للنازحين، وعندما اغلق المخيم صيف 2024، كان خمسٌ من أشقائه مازالوا في المرحلة الابتدائية (باسم في الصف الثاني، داليا صف ثالث، حسين صف رابع، مصطفى صف خامس، رعد صف خامس).

وبسبب ان منزلهم في الدجيل مهدم، اضطروا حين عادوا الى هناك إلى السكن داخل خيمة “من الخيمة الى الخيمة” يقول محمد، ثم يواصل وهو يضرب كفاً بكف:”المدرسة بعيدة عن خيمتنا، بمسافة تزيد عن خمسة كيلو مترات ولا نملك وسيلة لنقلهم وان استطاعوا الذهاب للمدرسة في فصل الصيف فماذا عن الشتاء وامطاره؟”.

يضيف:”وضعنا سيء هنا، الطرق غير معبدة، وليست لدينا كهرباء، والدولة لاتدعمنا بأي شيء، ولا اعرف لم اغلقوا المخيم الذي كنا فيه، مشكلتنا لم يتم حلها هكذا بل تعقدت أكثر ومعاناتنا ازدادت”.

يرى المحلل السياسي غازي فيصل، أن محاولة غلق ملف النازحين جاء “نتيجة صراع بين الحزب الديموقراطي الكردستاني وبين وزيرة الهجرة المنتمية إلى حركة بابليون المسيحية في سهل نينوى التي اتهمت حكومة الإقليم بمنع كوادر الوزارة من الوصول الى المخيمات واخذ ما يكفي من المعلومات“.

خلفيات إغلاق المخيمات كما المدارس العربية، ترتبط بمصالح سياسية لبعض الأطراف، وبالنسبة للحكومة الاتحادية كانت مجرد خطوة دعائية. يتفق على ذلك العديد ممن قابلناهم.

بغض النظر عن الأسباب، يصف المحلل السياسي عمر الحيالي، ما يجري للنازحين، بأنه “عنف انتقامي” يجب ايقافه. ويقول:”المعضلة الحقيقية هي في عودة نازحي المناطق التي مازالت تحت سيطرة الفصائل المسلحة مثل منطقة العويسات في الانبار ومنطقة الابار في عامرية الفلوجة ويثرب في صلاح الدين وعكاشات  في قضاء الرطبة ومناطق في سنجار ومنطقة المشاريع الزراعية في قضاء القائم”.

ويضيف:”لا نرى افقاً لحل مشاكل أهالي هذه المناطق وهم بالآلاف.. هم لا ينتظرون انهاء ملف التحرير أو صدور موافقات أمنية لرجوعهم وانما ينتظرون قرارا سياسيا بأن تعاد مناطقهم لهم”.

وكانت ميليشيات تابعة للحشد الشعبي، قد سيطرت على المناطق التي أوردها عمر الحيالي في تصريحه، بعد تحريرها من تنظيم داعش، وجعل من بعضها أحزمة أمنية للمناطق الجنوبية.

يقول المحلل السياسي عن ذلك:”أغلب أهالي تلك المناطق هم مزارعون يوقعون عقودا زراعية سنوية كانت تجدد كلما انتهت، لكن الان الفلاح لا يستطيع العودة لأرضه ومديرية الزراعة لا تستطيع اجراء كشفها السنوي على الأرض وبالتالي الغيت هذه العقود الزراعية، أي فقدوا عملهم  بسبب تواجد الميليشيات، ومعها فرصهم في العودة”.

ليس حلاً

قرار وزارة التربية بتحويل ممثلياتها في إقليم كردستان الى أقسام تتبع المديريات التابعة، لم يرض الكثير من المعلمين والمدرسين والموظفين فيها، ولاسيما بعد أن اعدت اللجنة المكلفة من قبل الوزارة استمارة وضعت فيها الكوادر أمام خيارين أما النقل إلى مديريتي التربية في نينوى وكركوك أو إنهاء التكليف.

 ووجهت رابطة الملاكات التربوية والإدارية في ممثليات إقليم كردستان مناشدة إلى الوزير إبراهيم نامس الجبوري، بإبقاء كل معلم ومدرس وإداري ضمن ملاك دائرة تربية المحافظة التي ينتمي لها، ويكون مكلفاً على الممثلية في الأقليم.

واستغرب بيان الرابطة من نقل ملفات وخدمات المعلمين والمدرسين والاداريين من 14 محافظة  ممن يعملون في الممثليات في الإقليم منذ 10 سنوات، إلى تربيتي نينوى وكركوك، وطالبت بإبقاء جميع الكوادر التربوية مرتبطة بالممثليات في الأقليم  “وإصدار امر التكليف  على قسم أربيل إن استحدث”.

وأشار البيان إلى أن من كتب “موافق” على النقل في استمارة التكليف “اضطر لهذا الخيار حتى يبقى مكلفا على ممثلية أربيل”، ومن كتب “كلا” هو في الأصل “لايريد انهاء تكليفه ولايريد نقل درجته الوظيفية”.

الكاتب والباحث في الشأن المحلي، مراد زكي، يقول بأن قرار اغلاق المخيمات، ومن ثم غلق ممثليات التربية في أقليم كردستان، وبعدها التراجع عنهما، ثم ابدال الممثليات بأقسام تابعة للتربية وربط الكوادر التربوية من محافظات عدة بتربيتي نينوى وكركوك “تخبط واضح، لا يقدم حلولاً”.

ويرى بأن الأمر برمته مرتبط بالنازحين والمقيمين:”بدون حل مشكلة النزوح واقناعهم بالعودة الطوعية ستظل المشكلة قائمة، فلابد من تهيئة الأرضية المناسبة لتلك العودة، فهنالك مناطق يُرفض عودة نازحيها، ومناطق الكثيرون فقدوا فيها منازلهم ولم يتم تعويضهم، فضلاً عن افتقادها للبنى التحتية التربوية والصحية، الى جانب انعدام فرص العمل والفقر وغيرها من الأسباب”.

ويتفق معه في ذلك الناشط المدني سمير الفرج، الذي يؤكد أهمية “إعادة بناء المناطق المهدمة والعمل على مصالحة مجتمعية بين أهالي المناطق، وإعادة اعمار البنى التحية وإبقاء المدارس مفتوحة حتى لو تم اغلاق المخيمات”.

(ف، ع) معلم في مدرسة ابتدائية للنازحين في محافظة أربيل، طلب الإشارة الى اسمه بالحروفين الأولين لتجنب تلقيه عقوبات إدارية، يقول: “بدلاً من مكافأتنا على عملنا في ظروف صعبة خلال السنوات المنصرمة، هددونا بإلغاء الممثليات وغلق المدارس، والان بتنسيبنا الى تربية نينوى مع انني من محافظة في وسط البلاد”.

ويعتقد بأن المشكلة ليست في تسمية الكيان الإداري “ممثلية تربية او قسم تربية” بل “بالاستمرارية والاستقرار”. ويوضح:”كثيرون منا حسمنا أمرنا في البقاء بالإقليم، أبناؤنا اندمجوا في المجتمع هنا، وأسسنا حياتنا الجديدة فيها، ولسنا مستعدين للعودة إلى مناطقنا السابقة، خصوصا الذين فقدوا منازلهم واملاكم، كما حدث لي شخصيا”.

ويضيف وهو يزم شفتيه:”نشعر بأن حكومة بغداد تستهدفنا، قراراتها تؤثر على حياتنا، ماذا لو تم غلق الممثليات فعليا في المستقبل؟ أين سيجد هذا العدد الكبير من الطلاب مدارس تحتويهم في الإقليم حيث التعليم باللغة الكردية؟.. ماذا سنفعل؟”.

  • أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة”.
Opinions