الكُرد الفيلية في العراق: أين الحل؟ هل هم يتحركون عبثاً وحائرين بين مدينتي نعم ولا؟
العراقيات والعراقيون جميعاً عاشوا مأساة الكُرد الفيلية وعرفوا بها وسكتوا عنها لأنها لم تشملهم, ولكنها شملت الكثير منهم فيما بعد. عاشوا مأساة العائلات التي هُجرت عنوة إلى إيران بعد أن انتزعت منها كل ما تملك من أموال منقولة وغير منقولة, عاشوا مأساة العائلات التي قتلت بعد ان جردت من كل شيء بما فيها الحلي التي كانت على معاصمهم أو صدورهم, عاشوا مأساة الشبيبة الكُردية الفيلية التي اعتقلت وزجت بالسجون ثم صفيت وألقيت في المقابر الجماعية الصدامية, عاشوا مأساة الشبيبة الكُردية الفيلية التي أرسلت إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال مع إيران لتقتل على أيدي الجنود الإيرانيين أو دفعها للسير على الأرض المزروعة بالألغام لتموت هناك. إنها المأساة المستمرة لعدد كبير جداً من الكُرد الفيلية الذين نزعت منهم أولاً وقبل كل شيء الجنسية العراقية, هويتهم الوطنية.لقد ارتكب الدكتاتور المجرم صدام حسين أبشع الجرائم بحق الكُرد الفيلية, جرائم ضد الإنسانية ومحاولة لإبادة الكُرد الفيلية في العراق وبمختلف السبل المتوفرة لديه. ولم تكن هذه السياسة التي مارسها صدام حسين جاءت صدفة أو بسبب اعتقاده بأنهم يمكن أن يخدموا إيران في فترة الحرب, بل كانت تجسد فكراً وسياسة عنصريتين معاديتين للكُرد أساسً ومنهم الكُرد الفيلية, وهي ناتجة عن مواقف الكُرد الفيلية البطولية في الدفاع عن الجمهورية الأولى ضد انقلاب البعث الفاشي, وهي بسبب وطنيتهم الحميمة وانتمائهم لهذا الوطن الذي اسمه العراق, وهي بسبب رفضهم للحرب ضد الشعب الكُردي في كُردستان العراق وموقفهم الثابت من الحقوق القومية للشعب الكُردي الذي يشكل الكُرد الفيلية جزءاً منه.
لقد كان الكُرد الفيلية وعلى مدى عقود يجدون في حزبين سياسيين موقعاً لهم في النضال من اجل الحرية والديمقراطية والحقوق القومية, في الحزب الشيوعي العراقي وفي الحزب الديمقراطي (الكُردي) ومن ثم الكُردستاني. وكان هذا واحداً من الأسباب في كره وحقد صدام حسين وحزبه وكل القوميين اليمينيين المتطرفين على الكُرد الفيلية. ومن ثم تشكل حزباً ثالثاً ساهم مع الحزبين أيضاً في أعقاب العام 1976 في الدفاع عن حقوق الكُرد الفيلية, وأعني به الاتحاد الوطني الكُردستاني.
شارك الكُرد الفيلية في النضال ضد الدكتاتورية الصدامية وعانوا الأمرين من جراء ذلك. وكل الأحزاب السياسية العراقية المدنية منها والدينية أقسمت أغلظ الإيمان وأوعدت وتعهدت بتأمين كامل حقوق المواطنة للكُرد الفيلية واستعادة ما فقدوه من حقوق وممتلكات بعد سقوط النظام. ثم جاء السقوط وجاء الحنث بالوعد والعهد والقسم الذي أعطي للكُرد الفيلية من جانب كل الأحزاب التي تسلمت السلطة في بغداد دون استثناء, في ما عدا الحزب الشيوعي العراقي الذي تبنى ولم يستطع تحقيق شيء لهم لأنه لم يكن قادراً على ذلك. دعوني أقول, ومع كل الألم الذي يحز في نفسي, أن الأحزاب الكُردستانية التي تبنت قضية الكُرد الفيلية لم تلتزم بوعودها وعهودها, وإلا لكانت قد حققت لهم ما يجب أن يتحقق لهم. وهو ما يوجع الكُرد الفيلية كثيراً وما يقض مضاجهم يومياً ولهم كل الحق في ذلك.
أفهم تماماً حين يشير السيد طارق الهاشمي في رسالته الجوابية على رسالتي التي وجهتها له قبل عدة سنوات حول حقوق ومظلومية الكُرد الفيلية, إلى أن هذه مشكلة معقدة وفيها اراء مختلفة, فلارجل من القوى القومية والإسلامية المعروفة بمواقفها إزاء الكُرد الفيلية, وهم يضاف إلى ذلك من المذهب الشيعي, وهو يعتبرهم من التبعية الإيرانية! ولكني لا استطيع أن افهم قطعاُ أن لا تتضمن مطالب التحالف الكُردستاني للمشاركة بالحكم في بغداد موضوع حقوق الكُرد الفيلية التي اغتصبت في عهد الدكتاتور صدام حسين, منظم الأنفال وحلبجة وتهجير وتشريد وقتل الكُرد الفيلية والتعريب. ولا يمكنني أن أفهم ذلك ولا يمكنني كعربي عراقي مدافع عن حقوق القوميات أن أقبل بذلك. ولهذا أطالب الأخوة والأخوات في التحالف الكُردستاني ورئاسة وحكومة إقليم كُردستان أن يتبنوا فعلياً وعملياً مطالب الكُرد الفيلية ويضعوها في مقدمة مطالبهم في التفاوض مع من يريد تشكيل الحكومة العراقية القادمة.
جاء في رسالة جوابية للصديق الأستاذ عادل مراد على رسالة السيد عصام الفيلي حول الموقف من حقوق الكُرد الفيلية المغتصبة ما يلي:
الاخ الفاضل عصام أكرم
أعتقد بان العلة الاساسية تكمن فينا .. ولكننا نحاول بشتى الوسائل قذف قماماتنا على الاخرين والسبب يكمن في ضياع الذات والتعالي الواحد على الاخر والتقليل من شأن الاخر .. إذ لازلنا نعيش اجواء القرى النائية علما بأننا لم نر القرية وترعرعنا في قلب العاصمة ... فالحسد يمزقنا .. كالفلاح الذي يدعو السماء لان تهطل على ارضه لتجف ارض جاره. مع الاعتذار.
المخلص عادل مراد السليمانية
أتفق مع الأخ الكريم إلى أن الفرقة بين الكُرد الفيلية, وهي نتيجة منطقية لما يجري في العراق في المرحلة التي أعقبت سقوط صدام حسين ونظامه العفن, وأن وحدتهم أساسية لاستعادة حقوقهم المشروعة والعادلة. إذ إن كثرة منهم, وليس كلهم, موزعون بين الجانب القومي والجانب الديني المذهبي, وبين الجانبين الفكري والسياسي وكذلك المصلحي أيضاً. وقد لمست هذا بنفسي حين طلب مني أن اشارك في عقد لقاء لهم تحت مظلة التجمع العربي لنصرة القضية الكُرديةدون أن يكون لي وللأخوة في التجمع أي هدف أو قصد ذاتي تحت هذا المشروع سوى تجميعهم وتخفيف أو إلغاء الفرقة عنهم. إنهم بين مدينتي لا ونعم, وكما يقول المثل الشعبي العراقي "بين حانه ومانه ضيعنا الحانه"!
ولكن السؤال الذي يواجهني إزاء رسالة الأخ الكريم هو: هل هذا هو السبب في ذلك أم أن السبب يكمن في حقيقة الفكر والسياسة والمصالح الخاصة للقوى التي تحكم العراق؟ اعتقد أن من واجب الكُرد الفيلية أن يجدوا وحدتهم العملية بغض النظر عن الاختلاف الفكري أو السياسي في ما بينهم, إذ أن هناك الكثير الذي يوحدهم والقليل الذي يفرقهم.
ولكن أليس من واجب الأحزاب الوطنية الديمقراطية أن تتبنى قضيتهم وتدافع عنها, ومنها الحزبين الرئيسين في كُردستان العراق, الحزب الديمقراطي الكُردستاني والاتحاد الوطني الكُردستاني؟ أليس من واجب الأخ عالد مراد أن يسعى بكل الجهود الممكنة, رغم مرضه الذي أرجو له الشفاء العاجل, أن يبادر بالاتفاق مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني وبقية الأحزاب الكُردستاني إلى عقد مؤتمر كبير يوحد الكُرد الفيلية ويتبنى القضايا التي يطرحونها وهي عادلة كلية؟ أليس من واجب رئاسة الجمهورية ورئاسة الإقليم والحكومة الكُردستانية أن تتبنى ذلك؟ لا أنتظر أي استجابة من الأحزاب الإسلامية السياسية لقضايا الكُرد الفيلية, فهم في مواقفهم لا يختلفون عن موقف الحكومة الإيرانية من الكُرد الفيلية, خاصة إذا علمنا ما عاناه الكُرد الفيلية من الحكم الإسلامي الإيراني, وخاصة العراقيات والعراقيين من الكُرد الفيلية!
في الوقت الذي أتفق مع الأخ الأستاذ عادل مراد في ما ذهب إليه حول التمزق الكُردي الفيلي, ولكني أختلف معه في تقديره للمشكلة المركزية, أي فرقة وتشتت الكُرد الفيلية, وليس في الموقف الحكومي العراقي وعموم الموقف إزاء الكُرد الفيلية باعتباره العائق الفعلي لحل المشكلة. هل من المعقول والمفيد مثلاً أن لا ترشح الأحزاب الكُردستانية كُردياً فيلياً واحداً في بغداد ليخوض الانتخابات مثلاً بل ترشح اكراداً من مدن السليمانية وأربيل أو دهوك؟ ولمصلحة من يحصل مثل هذا الأمر؟
أثير هذه الأسئلة لا لكي أحرج الصديق الأستاذ عادل مراد, وهو الكُردي الفيلي المعروف الذي يتبنى جميع القضايا الفيلية العادلة, وهو فر سالته يعبر عن جرح عميق يعاني منه بصدد هذه المسألة, ولكن لكي أنبه الأخوة في الحزبين الكُرديين الكبيرين أن يلتزموا على الأقل ما يلتزم به الحزب الشيوعي العراقي إزاء الكُرد الفيلية, رغم عدم قدرته على إنجازها غلا أنه موقف مبدئي, إذ لو اتفقت هذه الأحزاب مع الحزب الشيوعي العراقي ومع قوى ديمقراطية اخرى ومع قوى الكُرد الفيلية, لكان بالإمكان تحريك الشارع ايضاً لصالح قضية الكُرد الفيلية.
أتمنى على الأخ الكريم أن يبحث هذا الموضوع مجدداً وأن يعيد النظر بمضمون رسالته لكي لا تكون ذات جانب واحد, بل تُعالج المسألة بجانبيها وتساهم باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة الموضوع.
أتمنى على اعضاء المؤتمر القادم الذي يراد عقده في لندن والخاص بقضايا الكُرد الفيلية أن يحقق ما عجز الجميع عن تحقيقه إلى الآن.
29/9/2010 كاظم حبيب