Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الكلدان في ميزان الاستحسان والاستهجان

في قراءة متفحصة للتاريخ الكلداني نجد إن الأمة الكلدانية لم تعش حياتها في خط مستقيم، بل شهدت حالات مد وجزر، نهوض ونكوص، وفي هذا السياق فإن الحالة التي تعيشها الأمة الكلدانية هذه الأيام، هي في إطار تلك المسيرة. وتلك هي حالة النمو والارتقاء والصعود ثم النكوص والهبوط في مسار الأمم، وحيثما يتوفر للأمة فرص النمو والنهضة في الزمان والمكان، تتعزز روح القومية، وتتوثب نحو التقدم وقطف الثمار، والمقصود بالفرص المتاحة، القيادة التاريخية المؤمنة بالأمة الكلدانية وثوابتها المبدئية.
وبناءً على ذلك هناك فرق بين من يتولى قيادة حزب أو منظمة أو دولة أو جزء صغير من دولة فهو يرى الأمور على حقيقتها ويدرك ما يعرقل خطواته نحو إنجاح مهمته والوصول إلى هدفه، وبين من يصدر الأحكام على نجاح القيادة في الوصول إلى أهدافها أو فشلها وهو خالي الوفاض من أي تبعة أو مسؤولية. فالناقد أحيانا يكون متجنيا أو متعديا إلى التجريح والتأثيم، وهو خارج دائرة المشكلة، غير مدرك لكل العوائق والعراقيل التي تحول دون وصول القيادة إلى أهدافها.
وهكذا نرى من تجاربنا المعاصرة في مجتمعنا المسيحي العراقي (كلدان وسريان وأشوريين) كيف جرت عمليات مزايدة لا تنتهي تحت اللباس التنكري للقيم والمبادئ، ومن طريق رفع شعارات صاخبة وبراقة أفرغت في النهاية من محتويتها، حتى باتت في وضع البؤس وصارت مثار تندر وسخرية. وذلك الخراب والهتك كله الذي أصاب القيم والمبادئ التي هي نتاج تجربة مجتمع وتطور ثقافته المتنوعة عبر قرون بفعل أخطاء وخطايا وحماقات جهات سياسية معروفة. حيث بلغ الطغيان السياسي والاجتماعي مداه حين ينتهك الحياة الخاصة للأفراد فيعصف باستقلال الفرد ويقمع ذاتيته ويذيب فرديته. وقد لا يشعر احدنا بلذعة السؤال إلا حين يجد نفسه وجها لوجه، وهي ترينا واقع الحال الذي علينا نحن الكلدان أن لا نستسلم له وأن نتصدى له مهما كلف الأمر... أليس من حق أي إنسان أن يتشبث بالهوية التي يؤمن بأنه ينتمي إليها؟ أليس هذا من حقوق الإنسان؟ وإذا كان مئات وآلاف يقولون نحن(كلدان مسيحيين كاثوليك)، فماذا يغضب الآخرين في هذا؟ هل المشكلة في محاولة فرض هوية واحدة على كل مسيحيي العراق( أشورية أو هوية مركبة هجينة ) أم المشكلة إذا كان هناك نفر من الكلدانيين الكاثوليك يعتقدون بأنهم أشوريين، فليكن لهم ذلك، كما هو الأمر بالنسبة إلى من يتمسك بقوميته الأشورية، ونحن نحترم رأيهم. ولكن بالمقابل عليهم احترام من يتشبث بهويته الكلدانية الأصيلة بسبب الخصوصيات التي لا تلغي المظلة كما يحلو للبعض أن يتهمنا، لماذا نهدر جهد كبير وطاقة عظيمة في قضية جدلية لن تفيد أحدا.
وعلى ضوء كل ذلك يبدو أن كلمة القومية الكلدانية صارت تثير حساسية لدى المرفوع عنهم القلم، إلى درجة نسف مفهوم الكلدان نفسه. ولا شك أن هذا المفهوم على مستوى الممارسات السياسية، جرى ابتذاله في كثير من الأحيان، لكن المفهوم في ارتباطه بالثقافة، وبمعنى الثقافة الكلدانية يظل مما لا يمكن نفيه ، لأنه واقع تاريخي وروحي وأنساني، بين مجموعة بشرية أصيلة متجذرة في تاريخ وادي بلاد الرافدين، تجمعهم لغة واحدة، ومنازع روحية ثقافية موحدة، وألام تاريخية وأمال تتشابه أكثر مما تتباين. فالثقافة القومية في مجتمعنا الكلداني هي عنوان مهم من عناوين الهوية الكلدانية، وهي إطار جامع لمفردات ثقافية مشتركة الجذور والطموح، تشكل مصدر قوة معنوية على الأقل ينبغي عدم التضحية بها لمجرد سخطنا على أخطاء السياسة.
أقول هذا بمناسبة ظهور عدد قليل من الكتاب في الصحف ومواقع الانترنت أصبح دأبهم توجيه سهام النقد السامة إلى الكلدان والنخب الكلدانية، ونعتها بكل الأوصاف القبيحة، والتشكيك في نواياها، والحكم على ضمائر أفرادها، وتشويه كل عمل تقوم به، والنيل من كل هدف نبيل حققته أو تسعى لتحقيقه، ولو كان نقدا بناء تسدى فيه النصيحة بالمعروف، وتذكر فيه الايجابيات إلى جانب السلبيات، لقلنا إنهم يسعون إلى تصحيح المسار، وإنجاح التجربة، لكنه النقد اللاذع، وتشويه الصورة، والنعت بكل قبيح، والرمي بكل نقيصة، وتفسير المواقف والتصريحات والأعمال بما يتوافق مع غرضهم الخبيث. وذلك ناتجة عن ثقافة خاطئة، ناتجة عن تسلط المفاهيم الشمولية والأحادية، وعن أسلوب إقصاء الأخر، سواء كان المختلف عنا في خارج محيطنا، أو في داخل هذا المحيط، السياسي، الفكري، كيف يمكن أن نوسع مثل هذا الفضاء ونحن نعاني وما زلنا نعاني انسدادا في طرق الثقافة الجادة وغيابا فادحا لحقوق الإنسان، ويبدو هنا أيضا سؤال مهم ... هل يمكن أن نوسع من دائرة الاختلاف مع من بنوا ويبنوا الثقافة الشمولية ويشيعوا في ممارسات الإقصاء وتحطيم الآخر؟ إن ثقافة الاختلاف واحترام الرأي، تجب عندما تتم في محيط ديمقراطي، وعندما تدور بين أفكار وتيارات وعناصر تؤمن كل منها بحق الأخر في الوجود، ثم الاختلاف، أما عندما يكون بعض هذه التيارات أو العناصر أو الأفكار، تؤمن بالأحادية، وتبغي تحطيم الأخر وإقصائه، فان من عدم المسؤولية، ثم من الخطاء، أن نحاورها، وان نتيح لها مكانا في فضائنا الديمقراطي أو الاجتماعي.

Wadizora@yahoo.com
Opinions