الكلدان وكوتا المسيحيين
كان من المفروض ان يكون للشعب الكلداني كوتا خاصة به تمثله في البرلمانين العراقي و الكردستاني ، وفاءاً من العراقيين لتاريخ بلدهم و حضارته التي سطرها الكلدان بحروف من ذهب ، و للمحافظة على هذه القومية العريقة التي أصاب ابنائها ما أصاب من إضطهاد مركب ، عرقي و ديني ، و في مختلف العهود التي مر بها العراق ، والتي ادت الى مقتل عشرات الآلاف تهجير مئات الآلاف منهم الى خارج بلدهم الاصلي ، حتى الزمن لم يسعف في اندمال جرح الكلدان وما زالت هذه المعاناة مستمرة الى يومنا هذا.ولكن الذي حدث هو العكس تماماً ، ففي مجلس النواب العراقي خصصت كوتا للأقليات ، منها مقعد واحد للصابئة ، و مقعد للأزيدية ، ومقعد للشبك و خمسة مقاعد حددت على اساس ديني للمسيحيين عموماً بكافة قومياتهم و طوائفهم و مذاهبهم و منها (مسيحيون من المذهب الكاثوليكي و من القومية الكلدانية ، و هؤلاء يشكلون نسبة ما يقارب 80% من مسيحيي العراق، طائفة السريان الكاثوليك ، طائفة السريان الأرثوذوكس ، الطائفة الآثورية من اتباع كنيسة المشرق الآثورية ، الطائفة الآثورية من اتباع الكنيسة الشرقية القديمة ، طائفة الأرمن الكاثوليك ، طائفة الأرمن الأرثوذوكس ، طائفة الروم الكاثوليك ، طائفة الروم الأرثوذكس ، طائفة اللاتين ، الطائفة الآثورية الانجيلية البروتستانتية ، طائفة السبتيين والطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية بالإضافة الى اتباع بعض الكنائس التي تأسست مؤخراً.) ، و بذلك فإن القومية الكلدانية التي تعتبر ثالث قومية عراقية من حيث عدد ابنائها بعد العربية و الكردية اصبحت خارج العملية السياسية في العراق الجديد دون أن يكون لها من يمثلها قومياً داخل قبة البرلمان.
أما في البرلمان الكردستاني فقد خصصت فيه كوتا للمسيحيين مؤلفة من خمسة مقاعد(دون ان يعدلوا في توزيعها حسب قومياتهم أو حتى مذاهبهم و نسبهم العددية ، و الكلدان هنا أيضاَ يشكلون النسبة العددية الأكبر منهم) و مقعد آخر للأرمن (لاحظ التناقض هنا، حيث الأرمن مسيحيون أيضاً الاّ انهم هنا اصبحوا يتمتعون بكوتا خاصة بقوميتهم) ، وثلاثة مقاعد للتركمان.
نلاحظ هنا بان إقليم كردستان و فيدراليته قد ثبتت على اساس قومي ، و البرلمان الكوردستاني خصص كوتا للأقليات داخل الإقليم على اساس قومي أيضاَ (التركمان و الأرمن) ، الاّ أن الكلدان و بقدرة قادر فرضت عليهم الكوتا الدينية بالرغم من إن نسبتهم العددية تضع قوميتهم الكلدانية في المرتبة الثانية بعد القومية الكردية في الاقليم!.
من خلال العدد الكبير نسبياً للمذاهب و الطوائف المسيحية في العراق كان من المفروض ان تكون الكوتا المخصصة للأقليات في البرلمان العراقي و الكردستاني مثبتة على اساس قومي للجميع كما هو الحال عليه بالنسبة الى التركمان و الأرمن (في برلمان اقليم كردستان) و ليس بشكل انتقائي ، و بذلك كان اتباع كل قومية ، و منهم الكلدان ، يتمتعون بحقوقهم في اختيار من يمثلهم قوميا تمثيلاً حقيقياً دون تدخل من أية جهة أخرى.
إن تثبيت الكوتا لكل المسيحيين من خمسة مقاعد على اساس ديني ( مسيحي) ، وعلى اختلاف قومياتهم و مذاهبهم ، أدى الى تأجيج الوضع الداخلي المسيحي ثم فسح المجال امام من يريد التدخل بشؤونهم بشكل استئثاري لكي يفرق شعثهم ويحدث ارباكاً داخل هذا الوسط من خلال ما تفرزه نتائج الانتخابات من التوزيع العشوائي الغير مستقر للمقاعد بين كل المذاهب و الطوائف و الأقوام المسيحية التي ذكرناها أعلاه ، بالإضافة الى فقدان التمثيل الحقيقي لأتباع كل مذهب أو طائفة أو قومية، لصبح الوسط المسيحي حرجاً تتحكم فيه القوى و الاحزاب الكبيرة من خلال محاولاتها للسيطرة على مقاعد الكوتا عن طريق دعمها لجهة محددة او موالية لها ، و هذا الدعم اصبح علنياَ و بأشكال مختلفة ، اعلامياً و مادياً و سياسياً ، كما هو الحال مع حزب (المجلس الشعبي الكلداني الآشوري السرياني) الذي اسسه السيد سركيس آغاجان أحد قياديي الحزب الديمقراطي الكوردستاني و وزير المالية في حكومة اقليم كردستان السابقة ، حيث تمكن هذا المجلس من خلال الدعم المادي اللامحدود و السياسي و الاعلامي و بضمنها تخصيص قناة فضائية (قناة عشتار الآشورية) لدعم هذا المجلس ، و خلال مدة قصيرة نسبياً منذ تأسيسه عام 2007 تمكن من الإستحواذ على معظم مقاعد كوتا المسيحيين في برلمان اقليم كردستان و كذلك في انتخابات مجالس المحافظات عن طريق استخدام وسائل غير حضارية من إغراء و وعيد. كما قام السيد آغاجان و بنفوذه الشخصي من الغاء القومية الكلدانية من الدستور الكوردستاني و تبديلها بأخرى مستحدثة و مزاجية لتناقض بذلك ليس فقط الدستور الفيدرالي العراقي ، وإنما لكي تشوه تاريخ العراق و أصالته في تنوع قومياته العريقة .
و علينا أن لا ننسى بأن الغبن و التهميش قد وقع على الكلدان أيضاً عندما دعم "بول بريمر" الحاكم الأمريكي في العراق الحزب الآشوري الآخر (الحركة الديمقراطية الآشورية) ، و فرض زعيم هذه الحركة وهو (السيد يونادم كنا) ليكون هو الممثل الأوحد للمسيحيين بكافة انتمائاتهم المذهبية و الطائفية و القومية ، دون مراعاة لأية طائقة أو كنيسة أو قومية أخرى ينتمي اليها المسيحيون العراقيون و خاصة الأكثرية المسيحية من القومية الكلدان.
من هذا يبدو الأمر واضحاً بأن الأحزاب الآشورية المدعومة من قبل احزاب متنفذه في الداخل او من قبل الأمريكان ، وبعد ان تلذذت باستحواذها على حقوق الآخرين و منهم حقوق الشعب الكلداني ذات النسبة العددية الأكبر ، و لكي تستمر على هذه الحالة أطول ما يمكن ، سكتت عن مطالبتها بحقوق شعبها القومية التي كانت تجاهر و تتغنى بها ليلاً و نهاراَ ، و منها التمثيل القومي في البرلمان، بعد ان اصبحت كوتا المسيحيين وسيلة تتمكن من خلالها الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الحزبية و الشخصية ، و في مقدمتها بالطبع هي المقاعد البرلمانية .
إن المطلع على الواقع السياسي داخل الوسط المسيحي يعرف بأنه من المستحيل على أي سياسي مسيحي آشوري الذي سيجلس تحت قبة البرلمان العراقي و القادم عن طريق كوتا المسيحيين أو غيرها من أن يكون ممثلاً حقيقياً عن أبناء الشعب الكلداني ( المختلف عنهم مذهبياً و قوميا) ، و السبب لا يعود فقط الى وجود هذين إلإختلافين ، و إنما كل السياسيين الآشوريين يحملون أفكاراً شوفينية تعادي الوجود القومي الكلداني ، وهذا واضح و جلي في كل أدبيات الأحزاب الآشورية دون استثناء.
كما وإن كل من له متابعة و دراية بتوجهات و ايدولوجيات الأحزاب الآشورية متأكد تماماً بأن كل من يفوز بمقعد لكوتا المسيحيين عن طريق أي حزب أو مؤسسة آشورية و في مقدمتها (زوعا و المجلس الشعبي) سيكون هدفه الأول الغاء و مسخ الاسم القومي الكلداني من الدستور العراقي كما حصل في دستور إقليم كردستان، وذلك لضمان استمرار مصالحهم السياسية والإدارية و الحزبية على حساب القومية الكلدانية ، علماً انه كانت هناك ولا تزال محاولات عدة من قبل الأحزاب الاشورية من أجل الغاء التسمية القومية و تبديلها في الدستور العراقي.
و عليه فإن الكلدان ، هذه الشريحة الوطنية العراقية الأصيلة قد طالها التهميش و العزل القسري و أصبحت الخاسر الأكبر في العملية السياسية في عراقنا الجديد بعد ان استولي الآخرون على حقوق أبنائها في التمثيل السياسي و القومي بأساليب لا تمت للديمقراطية المنشودة في عراقنا الجديد بصلة. و هذا الفعل الغادر يعتبر استخفافاً بالعراق و تاريخه وسكانه الأصليين و وسيلة للقضاء على خصوصية ابناء هذه القومية العريقة التي تمتد جذورها الى اكثر من سبعة آلاف سنة في عمق التاريخ.
ولو تم توزيع كوتا المسيحيين المؤلفة من خمسة مقاعد على اساس قومي بشكل عادل و منصف ، لكانت حصة القومية الكلدالنية بسبب زخمها العددي و توزيعها الجغرافي لا تقل عن (3) مقاعد في كل من البرلمانين العراقي و الكردستاني .
و من هذا يبدو كيف يتم استغلال الكلدان و يتم الإستحواذ على حقوقهم السياسية و القومية بعد ان فرضت عليهم الكوتا الدينية التي لا تلبي طموحاتهم ولا تعبر عن تمثيلهم الحقيقي ولا عن وجودهم القومي كمكون عراقي أصيل. .
لذا فإن مؤسساتنا الكلدانية جميعها ، السياسية و الثقافية و القومية و الدينية مطالبة بأن تعطي الموضوع اهمية قصوى و تبدأ بالعمل المنظم و التحرك الجاد للمطالبة بتثبيت كوتا خاصة بالكلدان في البرلمانين العراقي و الكوردستاني على اساس قومي و ليس ديني ، وهذا مطلب و حق مشروع ، عندها سيكون تمثيل الكلدان في البرلمان تمثيلاً حقيقياً ، و للتنافس على هذه الكوتا مؤسساتنا الكلدانية كيفما شاءت دون تدخل من الجهات الأخرى . كما ان هذه الكوتا ستضع حداً لكل الانتهازيين وأعداء أمة الكلدان ، و منهم بالطبع العازفين على وتر التسمية و لحنها النشاز.
و كذلك فإن كل القوى الوطنية و الخيرة في العراق مطالبة أيضاً في دعم مطالب الشعب الكلداني القومية لكي يتمكن من ممارسة حقه و تفعيل دوره بشكل سليم في بناء العراق الجديد.
سعد توما عليبك
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب و الأدباء الكلدان
saad_touma@hotmail.com
19/2/2010