الكلدانيــة أو الســريانيـة لغـة واحـدة لشـعب واحـد
الأنسان كائن اجتماعي : هذا التعريف للأنسان نابع عن طبيعته الأجتماعية ، لكن ثمة كائنات اخرى تتسم بدقة تنظيمها الأجتماعي ، ومنها مجتمعات النحل والنمل . لكن أرسطو قبل حوالي 25 قرن أراد تعريف الأنسان بسمة يتصف بها من دون الكائنات الأخرى فقال : الأنسان حيوان ناطق .أجل إن الأنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك مَلكة التعبير عن نفسه بالنطق او بالكتابة عبر ، وسيلة ، تعرف باللسان او اللغة وهي اصوات وكلام مُصطلح عليه بين قوم من الأقوام .
إن اللغة بالأضافة الى كونها أداة تواصل وتعبير ، فهي تعتبر خزين ثقافة الأنسان ونمط تفكيره ، وهذا ما يصادف الأنسان العربي ( الشرقي ) المشبع بالثقافة الشرقية ، وهو يعيش في المجتمع الغربي ، إنه يتكلم اللغة الأجنبية لكن بأفكار شرقية لا سيما المتقدمين في السن ( وأنا واحد منهم ) من الذين يهاجرون الى هذه البلدان .
في حالات كثيرة تعتبر اللغة من المقومات الحيوية للقومية باعتبارها لغة الأجداد وتحمل في طياتها كنوز الفكر والتقاليد والتاريخ والمآثر الشعبية . وكما هي الحالة في اللغة العربية ( العرب ) والكردية ( الأكراد ) والتركمانية ( تركمان ) ، ولغتنا الكلدانية او السريانية او الآثورية والتي تختزل في مصطلح ( السورث ، سورايي ) .
في حالات أخرى فإن اللغة لا تلعب هذا الدور كاللغة الأنلكيزية ( ألأنكليز ، والأمريكان ) ، والأسبانية والبرتغالية ( اسبانيا والبرتغال ودول اميركا الجنوبية ) .
مناقشة الأستاذ نذير حبش
قرأت للكاتب نذير حبش المقال الموسوم : بين اللغة ، او اللهجة الكلدانية صلاح امة او خرابها ، وقبل ان أناقش الأستاذ لما ألمحَ اليه حول ما كتبته ، أردفه بمقال آخر عنوانه : الكلدان .. هل سقط القناع ؟
في المقال الأول يورد الكاتب الجليل نذير حبش : ( وعليها نقش باللغة الكلدانية ... ) فالأصح هو ان نقول ( باللغة السريانية ، بلهجتها الكلدانية ) وهذه ليست بدعة مني بل هذا ما اتفقوا عليه ( الجماعة ) رسمياً ، فلا أدري لماذا استاذنا ما زال يتجاوز هذا الأمر ! ( انتهى الأقتباس ).
أقول : إن العبارة نقلتها من كتاب مار ميخا النوهدري ومدرسته للكاتب نوئيل قيا بلو ومراجعة بنيامين حداد ، ويقول الكاتب نوئيل بلو :
ــ استناداً الى الكتابة الكلدانية المنحوتة في الحجر ص79
ــ فوجدت فيه من الداخل كتابة باللغة الكلدانية والخط الأسطرنجيلي ص80
ــ وجدت عليه من الداخل كتابة كلدانية نصفها بالخط الأسطرنجيلي ونصفها بالخط الشرقي ص81
وكما ترى فإن الأمانة في الكتابة تقتضي نقل ما كتبه الكاتب حرفياً ، وليس من حقي ان أقول هناك كتابة باللغة السريانية او الآشورية في حين ان الكاتب كتب هناك كتابة كلدانية .
لقد اطلعت على موضوع عن التعليم في القوش كتبه نوئيل بلو والمرحوم ايليا سكماني في مجلة قالا سريايا عدد 19 و20 يستخدمان فقط مصطلح اللغة الكلدانية في بحثهما . وفي المجلات الصادرة في اميركا في الأعداد المتوفرة لدي أقرأ فيها مصطلح ( لغتنا الكلدانية فقط ) ، ولكن نفس الجماعة بعد ان هيمن عليهم الفكر القومي الأديولوجي الآشوري في العقد الأخير من القرن الماضي باتوا ينفرون من اسم الكلدانية وكأنها تدل على الصهيونية او تشير الى الكفر او تمزيق الوحدة ، في حين المصطلح ورثناه عن أجدادنا وهو جزء من تاريخنا وتراثنا .
مصطلح اللغة السريانية ام الكلدانية
يتفق الثقات ان لغات هذه المنطقة يجمعها مصطلح اللغات السامية الذي اطلقه المستشرق الألماني شلوتزر ( Schlozer )عام 1781 م عليها والتي يحددها علماء الفيلولوجيا باللغات : الآرامية ، العبرية ، العربية ، البابلية الآشورية ، الحبشية ، الكنعانية ... وليس من اليسير تحديد اللغة الأصلية التي كانت تعتبر اللغة الأم لعائلة اللغات السامية ، رغم الفرضية ( ا . ولفنسون تاريخ اللغات السامية 7 )التي يرجحها طائفة من الباحثين أن الآشورية البابلية هي بالنسبة للسامية الأصلية بمثابة السنسكريتية بالنسبة للآرية الأصلية .
إن اللغة الآرامية التي هي غصن من اغصان دوحة اللغات السامية ، وإنها لغة القبائل الآرامية التي انتشرت في الهلال الخصيب ، وفي الكتاب المقدس ينتسب الآراميون الى آرام بن سام بن نوح ( تك 10 ـ 22 و23 ) . لكن اللغة الآرامية كان لها انتشار اوسع بين شعوب العالم القديم من غير الآراميين ، ففي القرنين التاسع والثامن ق . م يقول سمير عبده في السريانية ـ العربية 47 ، اصبحت اللغة الرسمية للدولة وانتشرت كتاباتها في اصقاع الأمبراطورية وبلغت أقاصي اسيا الصغرى واليونان وأفغانستان ويضيف : وفي عهد السلوقيين منذ القرن الرابع ق . م . اصبحت اللغة السائدة في كل آسيا السامية أي في سوريا وبلاد الكلـدان والعراق وجزيرة العرب ... وكان المسلمون يدرسونها لكثرة فوائدها ، وقد كتب بها الأرمن قبل انتشار الأرمنية وحروفها ...
إن تأصيل السريانية الى الآرامية يكاد يكون أمراً متفق عليه ، ( يعقوب أفرام منصور ، موطن الآراميين وممالكهم 107 ، مجلة المجمع العلمي العراقي 2001 ) إذ ان لفظة السريان تعني الآراميين أمر لا جدال فيه .... ان لفظة السرياني في العهد الجديد حلت محل لفظة الآرامي في العهد القديم . واوسابيوس القيصري ( مؤرخ من القرن الثالث ) يسمي برديصان الفيلسوف السرياني بـ ( برديصان الآرامي ) . ومار يعقوب السروجي يصف مار افرم السرياني بأنه إكليل الأمة السريانية وتلميذاته الرهاويات ( آراميات ) .
تفرع الآرامية
وبهذا الصدد نراجع الفلسفة اللغوية لجورجي زيدان 27 ـ 32 ولا بأس ان نقبس لما فيه فائدة لموضوعنا :
الآرامية وفرعاها السريانية والكلدانية . فالآرامية هي لغة بابل القديمة الباقية آثارها مكتوبة نقشاً على بقايا بابل وآشور بالأحرف الأسفينية والأنبارية . والكلدانيــة هي هذه بعد ان لعبت بها ايدي الزمن فغيرت بعض ألفاظها . وقد كتب بها بعض أسفار العهد القديم كسفر دانيال وغيره ، وقد دعيت هناك بالآرامية تساهلاً ـ على ما أرى ـ لأن بينها وبين الآرامية الأصلية فرقاً واضحاً بين لفظاً ومعنى . ولغة آشور أبعد عن هذه من لغة بابل . أما ما يدعى بين السريانيين في هذه الأيام باللغة الكلدانية ، ليس إلا السريانية نفسها مع بعض التغيير في الحركات . والسريانية هي الكلدانية المشار اليها مع تغيير بعض الفاظها ودلالاتها تبعاً لما اقتضته الأحوال ، فكأن اللغة البابلية القديمة دعيت في أول أمرها آرامية ثم تغيرت قليلاً فدعيت كلدانية ثم وقع عليها تغيير آخر فدعيت سريانية ... انـتهى الأقتباس .
لقد لاحظت خلال قراءاتي للتاريخ العراقي بأنه هناك خلط بين القبائل الكلدانية والآرامية ، وهناك مشترك وافر بين تاريخ الشعبين وثمة قرائن كثيرة لهذا التفاعل ، التطرق اليها يضيق به المقال .
المقال الثاني : الكلدان .. هل سقط القناع ؟
المقال الآخر للأستاذ حبش يقول فيه : ... بل هو محاولة وصراع على ( محو ) الآخر حالهم حال الأخوة الآشوريين ، الذين هم موضع نقد من قبل الأخوة الكلدان أنفسهم ! بأنهم يحاولون احتواء ... الجميع تحت اسم الآشوريين ... الخ ويضيف الكاتب : هذا الأسلوب المبطن والغير الشفاف يقود الى لعبة خطيرة جداً ، ولها نتائج سلبية تعم على جميع تسميات مجتمعنا وتبني حاجزاً نفسياً ليس بالسهولة يمكن إزالته ... الخ ( انتهى الأقتباس )
أقول : أجل من حق الكاتب ان يكون له مثل هذا ( التخوف ) من محاولات إلغاء الاخر ، لكن ما هو معروف ان حالة احتواء وإلغاء الآخر بالنسبة لأبناء شعبنا قد سلكها حصرياًً الأخوة الآشوريين فحسب ، لأن الخطاب الكلداني المتفتح يختلف كلياً عن الخطاب الآشوري الأقصائي ، وهذا الأخير يتحمل المسؤولية عن انفصام عرى الأخوة بين أبناء شعبنا فكرياً وسياسياً .
إن الخطاب الآشوري اخترع ( لا أقول أكذوبة ) وإنما اقول ( بدعة ) سمجة ، وهي وجود مذهب كنسي مسيحي اسمه المذهب الكلداني ، ولا يمكن تمرير مثل هذا الوهم إلا في مخيلة مخترعيه .
نحن نعرف هناك كنيسة أرمنية ( الشعب الأرمني ) ، كنيسة أنكليزية ، الكنيسة الروسية ، الكنيسة الحبشية ، الكنيسة الآثورية ، الكنيسة الكلدانية ... وهلم جراً ولا يمكن لهذه الكنائس الوطنية ان تكون مذاهب كنسية إن محاولة تمرير هذه الفرضية يعتبر هراءً فارغاً ليس إلا .
أنا شخصياً أؤمن بأن يكون للكلداني مشاعره القومية وكذلك السرياني والآشوري والأرمني .. وليس من حق طرف من اطراف هذه المعادلة ان يفرض يقينياته المطلقة على الآخرين ، او يجعل نفسه وصياً على مصيرهم او منظّراً لهم .
أنا أؤمن أننا شعب واحد ولغتنا لغة واحدة إن كان اسمها الكلدانية او السريانية او الآثورية او السورث ، بشرط واحد ان لا يكون ثمة أديولوجية حزبية او فكر أيديولوجي يجبرنا على تسمية معينة لأسمنا القومي او أسمنا اللغوي او الأنتمائي .
إن دمج الأسماء بصورة تعسفية شكلية لا يمكن ان يكون رمزاً لوحدتنا ، فالوحدة الراسخة تكون بالأعتزاز بأسمائنا التاريخية ، وتعزيز علاقات التعاون والصداقة والمحبة بين أبناء الشعب الواحد إن كنا من الكلـــــدان او من السريان او من الآشوريين . فنحن شعب واحد ولغتنا واحدة مهما تغيرت المسميات .