Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الكلمة التي القاها المونسنيور الدكتور بيوس قاشا في المؤتمر الإعلامي المسيحي الثاني

نص الكلمة التي القاها المونسنيور الدكتور بيوس قاشا في المؤتمر الإعلامي المسيحي الثاني برعاية غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي  تحت عنوان الاعلام المسيحي ... نحو الاتحاد . والذي عُقد في لبنان في دير سيدة البير لجمعية راهبات الصليب ـــ بقنّايا – لبنان في 29 ايلول 2017 .

 

أقدم شكري الجزيل للقائمين على رعاية هذا المؤتمر "الإعلام المسيحي نحو الإتحاد"، وبالأخص الأخ نور وقناة نورسات وتيلي لوميار الفضائية. واسمحوا لي أنْ اقول: ما أنا إلا صفحةٌ تحملُ تاريخَ أمَّةٍ ووطنٍ أَحبَبْتُهُ وإنْ كان جريحاً، أحْبَبْتُ لبنان الأرز كما أحْبَبْتُ رافدينَ العراق، وأرزتُه تعانق نخلةَ العراق وشربل القديس يعانق سيدةَ النجاة، شفيعةَ شهدائنا وضحايانا. نعم، أنا بينكم صفحةٌ بيضاء فلنكتب عليها سويةً، أنتم وأنا، إعلامَ مسيحيتِنا في إتحادنا وليس في طائفيتنا.

إنَّ الكنيسة اليوم، وفي شرقِنا المعذَّب، تمرُّ بمرحلةِ إرتباكٍ وغليانٍ وأزمةٍ، في حالةِ ضياعٍ وفقدانِ الهوية الوجودية. والسؤال يبقى بلا جواب: هل ستدوم مسيحيتُنا؟، هل سيبقى وجودٌ للمكوِّن المسيحي في مجتمعاتِنا الشرقية؟، هل سيبقى الإنجيلُ محافظاً على كلمةِ البشارة؟، وهل سيبقى المسيحيون في ضبابيةِ المفاهيم الإنجيلية، التي لا تقتصر فقط على مجتمعاتِنا الشرقية بل تتخطّاها لتشمل العالَمَ بأسره؟، هل فعلاً سنتَّحدُ يوماً بعدما عُرِفنا بطائفيَّتِنا وانقساماتِنا؟، وهل نحن نؤمن أنّ لنا إيمانٌ واحد، وربٌّ واحد،  ومعموديةٌ واحدة، وإلهٌ واحد (أفسس5:4-6)؟، وإلا ما نفعُ كراسينا ومناصبِنا، وما نفعُ كلمةِ المسيح الذي قال:"أتركْ كلَّ شيءٍ واتبعني" (مرقس21:10)... نعم أسئلةٌ عِدَّة ترافقُ مسيرتَنا المشرقية.

   لاشكَّ أن الكنائس الشرقية ــــ والتي تضمّ العائلات الروحية المسيحية من كاثوليكية وأرثوذكسية وإنجيلية ــــ تنظر إلى الإعلام بوصفه وسيلةً فعّالةً في إيصال الرسالة المسيحية ، رسالة الخلاص والفداء، فكنائسنا ما وجودها إلا شهادةٌ للمسيح وعملاً بقوله:"إذهبوا وتلمذوا جميعَ الأمم وعمّذوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أنْ يحفظوا جميعَ ما أوصيتُكم به. وها أنا معكم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 19:28-20).

   إنّ مجيءَ وحلولَ عصرِ المعلوماتية أدخَلَ الكنيسةَ الشرقية في أزمةٍ حقيقية، وفي هذا المزيج الصاخب من المشهد المعلوماتي الجديد تجدُ الكنيسةُ نفسَها في مواجهةِ تحدّ،ٍ وهو تحديد موقعِها في علاقةٍ حِوارية بين متطلبات هذا الوضع المُسْتَجِدّ في فوائدِهِ كما في مخاطرِهِ، بحيث يجب عليها أنْ تحافظَ على هويَّتِها دون التخلّي عمّا تؤمن به. والسؤال هنا يطرح نفسَهُ: كيف تستطيع الكنيسة في مجتمعاتِنا الشرقية، وأمامَ هذا المشهد الإعلامي والمعلوماتي، حيث الثقافاتُ المتنوعة والعديدة، أنْ تُتِمَّ رسالتَها التبشيرية الإنجيلية، وأنْ تجيبَ على سؤالٍ يتردَّدُ باستمرار: ماذا يعني أنْ يكونَ الإنسانُ مسيحياً اليوم؟، وهل ستدوم المسيحيةُ في مجتمعاتِنا الشرقية كما دامت منذ ألفي سنة ونيفٍ، ونحن لا زلنا نعيش عدمَ إتحادِنا وإعلامِنا المنقسم.

   صحيح إنَّ هذه الضبابية في المفاهيم حول المسيحية والمسيحيين، لا تقتصر فقط على مجتمعِنا الشرقي بل تمتد الى مجتمعات أخرى ، والذي يقاوم الإرهاب والشرّ والخطيئة، خاصةً بعدما إستفحلَ داعش الإجرامي، الذي أبادَ كلَّ شيء دون وجهِ حق، ودمّرَ كلَّ شيء، ونحن لم يكن في يدِنا حيلةٌ، بل كنا ضحايا ومهجَّرين ونازحين وراحلين أمامَهُ وأمامَ غيره، ولا زلنا حتى الساعة. وحتى الذين إدَّعَوا حراستَنا وحِفْظَ أراضينا، تركونا وحيدين، فكُتِبتْ علينا الهزيمةُ، وهذا كلُه يدعونا إلى أنْ نسمّي الحقائق بأسمائِها كي نستطيعَ مناقشتَها واستيعابَها.

   من المؤكَّد إننا شرقيون، بل مشرقيون، بعودةٍ إلى سببِ وجودِنا. فالشرقَ وطنُنا، وفيه نجدُ مسكَنَنا ومستقبَلَنا، وفيه أملُ أولادِنا وأحفادِنا وسبب حياتِنا. وحينما يكون المواطن في حبّ وطنه يتجسّد الوطن في داخله، فيكون الوطن هو العنوان، وهنا يتكاتف الوطن والمواطن في إتحاده، وينتج عنهما حبّ الوطن، وما أغلاه، وما أجمله، بل وما أقساه!!!، وهنا تبدأ رسالةُ الإعلام في جعلِ مسيرةِ الحياة تتبلور بتقنيةٍ عالية، لذا يجب أنْ نُدرِكَ مَن نحن، وإلى أين متَّجهون، في إرادةٍ واحدة، لأنَّ استخدامَ وسائل الإعلام الحديثة بطريقة صحيحة ومعلوماتية مُوجَبَة، تساعدنا في نهضةِ الإعلام الكنسي في العيش المشترك، بيننا أولاً ثمّ مع أبناء وطننا، وخاصةً مع أبناء شرقنا بل مع مؤمني كنائسِنا، وإن كان هذا ليس سهلاً.

          نعم، إنَّ الأوضاع في شرقِنا مؤلمة، وهي تدعونا إلى إفراغِ البلاد والهجرةِ والرحيل، ولا تستطيع كنائسُنا الشرقية ومجتمعاتُنا أنْ تزرعَ وجوديةَ البقاء للشهادة في أرضِنا لسببٍ أو لآخر، فهي تنادي عِبْرَ الإعلام أنَّ قدسيةَ مشرِقِنا وطينَ شرقِنا مقدسٌ لأننا مخلوقون منه، وهناك يقابلها إعلامٌ رخيص ملؤه النفاق والتطبيل والمراءاة والكذب والمصلحة والطائفية، لذا عليها أنْ نُدرك ذلك كي ترسمَ كنائسُنا الشرقية سويةً رؤيةً واحدةً خاصة، في وحدة الكلمة واتحادِ الرسالة، وإنَّ ذلك لهو مَطْلَبُ الإرشادِ الرسولي "من أجلِ كنائس الشرق الأوسط" " شركة وشهادة" والذي عُقد في روما للفترة من 10-24 تشرين الأول (أكتوبر) عام  2010، وبطلبٍ من رؤساءِ الكنائس الشرقية الكاثوليكية من أجلِ معالجةِ أمورِ المنطقة بعد الإضطهادات التي حلّتْ بالكنيسة وبالمسيحيين وهجرتِهم، وسُلِّمَت الوثيقةُ إلى رؤساءِ الكنائس في بيروت من قِبَلِ البابا بندكتس السادس عشر في إحتفالٍ مهيب في 16 أيلول (سيبتمبر) عام 2012. فماذا تنفع الإنفرادية والطائفية والمحاصصة إذا كان كبارُ معابِدِنا قد علّموا مؤمنيهم بصورةٍ أو بأخرى هذه الطائفية المقيتة، وكأنَّ الإرشادَ الرسولي الذي أُعْطِيَ لنا قد وضعناه على رفِّ التاريخ ليكونَ كلمةً صامتةً بعد أن تجاهلناه إعلاماً وجودياً ومسيحياً وحياتياً، والذي كان يجب أن نسلك طريقه ، بدلا من تجاهله!، فرجال المعابد، هم أنفسهم مدعوون أن يعيشوا حقيقةِ وجودنا، فلا وحدة ولا إتحاد، كما لا إرشاد ولا رسالة، فلسنا بحاجةٍ إلى قراءةِ أسطرٍ ملؤها عبارات قواعدية إيمانية، وما فائدتها إذا لا تعمل فينا ولا في مسيحيتِنا، وخاصةً نحن أمامَ سيلٍ من المعلومات الضديّة، فتكون النتيجة حتماً إفراغَ الشرق والرحيل، وحينذاك نقول:"إقرأوا السلامَ على الشرق المسيحي"، فقد أفرغناه من وجودِنا لأننا لم نحيا وحدَتَنا ولا إتحادَنا، فضاعَ إعلامُنا، وماتت كلمتُنا في داخلِنا، وأصبحنا تائهين في صحراءِ الضياع،  والسبب سببُنا وليس تعاليمَ مسيحِنا والرسول بولس يقول "مَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ "( 1كو 5:3) ، نعم عذراً اقولها،  لنسلك طريق التوبة والمحبة والخدمة كي لا نكون طائفيين بل مسيحيين، نعم مسيحيين في إتحادنا وليس في فرقتنا وهذا من صميم إعلامنا وما يدعونا إليه إرشادُنا لكنائسنا..ومن له أذنان سامعتان فليسمع وليفهم ( متى 43:13) نعم وآمين. 

Opinions