(الكنيسة والأحزاب): التعددية والتشتت وما بينهما *
ويبقى الحديث عن الوحدة من أهم الأحاديث، وتبقى الحاجة إلى الوحدة في مقدمة حاجات شعبنا المسيحي في العراق مثلما هي لعموم شعبنا العراقي الكريم.ودعونا نقصر الحديث هنا عن شعبنا المسيحي في ظل واقع اليوم وعقب نحو ست سنوات ونيف من التغيير الذي أفضى، ضمن ما أفضى إليه، إلى كسر العديد من القيود وإلغاء أو تغيير الكثير من المفاهيم ومنطلقات التفكير والقول والفعل.
ودعونا أيضا نكون أكثر وضوحا وبساطة في الطرح بحديثنا هذا عن الوحدة التي لن نمل أو نكل من الحديث عنها والدعوة لتحقيقها حتى نطوي الصفحة الأخيرة من رحلتنا القصيرة على هذه المستديرة. وسننطلق في بداية مطاف هذا العدد، والحديث الجديد القديم عن هذه الوحدة، من بعض ما ورد بهذا الشأن في كرازات وكلمات قداسة أبينا البطريرك مار أدى الثاني الجزيل الاحترام في القداديس والصلوات التي أقامها واللقاءات التي أجراها خلال زيارته الرعوية الأخيرة إلى رعيات الكنيسة ولقائه بعض العناوين ورؤساء وممثلي المؤسسات في سهل نينوى ودهوك وتوابعها، والتي أصدينا إلى بعض من تفاصيلها في هذا العدد.
المعروف أن لشعبنا في وطنه أرض النهرين هويتان: دينية وقومية، فهو بهويته الدينية مسيحي، وكان بهويته القومية آشوري حتى عام 2003!!.. وبحسب معطيات التاريخ، ثم وبفعل ما أشرنا إليه إعلاه من نتائج التغيير، صار الحديث عن تسميات أخرى يؤكد المنادون بها أنها قائمة على أسس تاريخية وعلمية، ونحن هنا لسنا بصدد إعلان موقف محدد منها، وما يهمنا أن يكون القائلون بهذه التسميات من المؤمنين بوحدة شعبنا.
وبالعودة إلى جوهر الموضوع، فإن البعض من العناوين العاملة في الجانب القومي، ومنه السياسي لأبناء شعبنا، كان يتهم العاملين في الشأن الديني "الكنيسة ورئاساتها" بأنها سبب من أسباب الفرقة والتشتت بين أبناء هذا الشعب بسبب الانقسامات التاريخية وتعدد الرئاسات والمذاهب والتسميات ولأسباب كانت في حينه مجرد خلاف على مصطلحات لغوية ولاهوتية وشؤون إدارية، وامتدت عبر القرون حتى صارت في يومنا هذا سببا في عدم وحدة الصف.. لا سيما بعد أن أصبح للكرسي والرئاسة والمنصب دور في هذا الأمر.
وعندما سنحت الفرصة للرئاسات الكنسية بعد نيسان 2003 للحديث عن هذا الأمر.. ردت التهمة إلى سياسيي وأحزاب شعبنا فقالت أن معظمهم ينادون بنفس الشعارات ويحملون نفس الأهداف لكنهم يتوزعون على فرق وأحزاب لا اختلاف في نهجها القومي والسياسي العام والمعلن.. إنما الكرسي والمنصب.
وقد تناول قداسة أبينا البطريرك دور الكنيسة في هذا الشأن "التقارب ومن ثم الوحدة" في كرازاته الأخيرة، فأشار إلى مقترح الاحتفال بعيد الميلاد بشكل موحد، وإلى التقارب الحاصل بين الكنيسة الشرقية القديمة وكنيسة المشرق الآشورية، مثلما أشار إلى وجود مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في بغداد والذي يجتمع بشكل منتظم ويصدر بيانات ويعلن عن مواقف مشتركة وخطاب موحد في أمور شتى، إلى جانب السعي لتأسيس مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في عموم العراق لينحو نفس المنحى في الاجتماع والتشاور المنتظم والخروج بخطاب موحد في العديد من القضايا، ودعى قداسته الأحزاب السياسية والمؤسسات القومية إلى نحو هذا المنحى.. وهو أضعف الإيمان.
وبمعنى أدق: إن لم يمكن ممكنا توحيد الصف، فعلى الأقل توحيد الخطاب وتقريب وجهات النظر والمواقف من خلال اللقاءات المباشرة وتوظيف ذلك لخدمة القضية والمصلحة العليا.. بدلا من مواجهة قول قائل مستاء ومتذمر:
إذا كنا نؤمن بمسيح واحد وكنيسة واحدة ولا نتحد فإن الكرسي والمنصب هو ما يفرقنا لا شيء آخر.
وإذا كنا نؤمن أننا شعب واحد بأرض وتاريخ وإيمان ولغة وثقافة وتقاليد واحدة ولا نتحد، فإن الكرسي والمنصب هو أيضا سبب الفرقة والتشتت.. وقد تكون هناك أسباب أخرى "خارجة" عن الإرادة!!.
وأتمنى أن لا أكون مضطرا للاتفاق مع هذا القول مثلما أتمنى أن لا يكون المسوغ قائما على طروحات ليست بالضرورة صائبة في كل زمان ومكان، من قبيل أن التعددية ظاهرة صحية وممارسة حضارية من ممارسات الديمقراطية وما إلى ذلك. فالفارق كبير بين التعددية من جهة، والفرقة والانقسام من جهة أخرى.
فهل نحن في تعددية ديمقراطية طبيعية صحية؟، أم في انقسام وتشتت وصراع على الكراسي والمناصب والرئاسات؟.
* افتتاحية العدد الجديد من مجلة الأفق.