اللـــــــون
لا ادري لماذا اخترت عنوان المقال بتلك المفردة ، ولا ادري لم خطرت ببالي فكرة الكتابة عن اللون ، علما باني لست فيزيائيا – بل فنانا – فربما غلبت صفة الفن على خواطري في الاختيار وذلك بسبب تعاملي مع اللون مباشرة ومن خلال عملي سواء كان ذلك على صعيد اللوحة التشكيلية ام الاضاءة المسرحية ،، وحتى على صعيد النغمة الموسيقية .. اذ ان الفن وبجميع انواعه وتشعباته ما هو الا تناغم في ترتيب الالوان وتشعباتها وحسب رؤية الفنان الذي يقوم بذلك الترتيب ، فالفنان المسرحي يربط بين الوان ازياء الممثلين ومعنى الحوار ولون الديكور وحركة الممثل مع الاضاءة التي يفترض بالمخرج ان يقررها للحالة التي يفرضها المشهد المسرحي ، اما الموسيقي فعند صياغته للحن معين ، فانه يضع نصب عينيه لون النغمة من خلال درجتها السمعية وتدرجها وتوافقها مع النغمات الاخرى ، فيخرج بذلك بلحن لطيف ترتاح له اذن السامع ، اما الفنان التشكيلي فهو الذي يصوغ من اللون قصة وحكاية وربما دراما نفسية تعبر عن دواخله بتناسق الألوان سواء كان ذلك بريشته او قلمه وربما بالفرن الذي يضع فيه انيته الفخارية اذا كان يتعامل مع فن الفخار .. ومن ناحية اخرى فان الالوان تلعب دورا مهما في حياة الانسان وخصوصا حالته النفسية ، وهنا ياتي دور المحللين النفسيين في تفسير وقائع حالة الانسان وانطلاقا من اللون الذي يفضله الفرد ، فعلى رأي هؤلاء المحللين ، ان الذي يفضل اللون كذا تعتريه حالة من التشاؤم ، اما الذي يفضل اللون كذا فتغمره حالة من التفاؤل وينظر الى مستقبله بامل كبير ، والذي يختار اللون الفلاني فانه مصاب بالغيرة او الهيجان العصبي .. والخ .. اما الشمس فلها رأي اخر في قصة تحليل الالوان ، فالناظر الى الوان طيفها تنتابه حالة من السكينة والهدوء والتي تعطي انطباع الراحة والبهجة لعيون الناظر الى ذلك الطيف الجميل ، وذلك بسبب كون الوان الطيف الشمسي تاخذ طابعا تسلسليا متناغما مع بعضها البعض لا يمكن لنا مهما حاولنا ان نجعل احدها مكان الاخر سواء كان ذلك في المختبر ام خارجه ، والسبب هو ان الشمس ومن منطلق ثباتها على هذا النسق منذ الازل ، فان الوانها تبقى ثابتة في مكاناتها الى الازل ايضا وتبقى محافظة على تسلسلها المنطقي دون تغيير ، وهنا نقول ان محاولة تغير اماكن الوان الطيف الشمسي هو ضرب من المستحيل ، لأن العقل البشري مهما بلغ من التقدم والازدهار ، ومهما وصلت اجهزته من التطور ، لا يمكنه خداع الطبيعة ابدا ، ولكنه احيانا يستطيع ان يحتال عليها مستغلا طيبتها وكرمها وعطاءها اللامحدود الذي تقدمه خدمة للانسانية ، وعن طريق هذا الخداع يستطيع الانسان ان يعزل لونا معينا ويستعمله لغرض معين قد يفيد الانسانية احيانا وقد يضرها احيانا اخرى ،ومن هذا المنطلق اخذ بعضنا يعشق لونا معينا معتبرا ذلك الاختيار من اولوياته ونبراسا ودليلا لشخصيته ، ولكن بمرور الزمن وبتطور العقل البشري ، فان البعض منا لا تروقه لعبة التمسك باللون الواحد ، اذ يمل من تأثيرات ذلك اللون فيختار له لونا اخر ربما يستطيع من خلاله ان يحسن حظه ، فالذي كان يعشق اللون الاحمر مثلا ، اصبح اليوم يفضل اللون الابيض .. والذي كان يفضل اللون الاخضر ويعتبره مثله الاعلى والذي كان سمته وعلامته المفضلة حتى في طعامه ولباسه ، اصبح اليوم يعشق اللون الاصفر ، والذي كان بالامس القريب يعشق اللون الارجواني المريح للأعصاب اصبح اليوم عاشقا ومغرما باللون الازرق الذي يدل على زرقة السماء والبحار متناسيا بان السماء والبحار حين يصيبها الهيجان ، فان لونها الازرق الهاديء يفقد خاصيته فينقلب الى دمار شامل وكارثة لا تحمد عقباها ..ان اللون سمة من سمات نفسية الانسان وضميره وبناءه الفكري ، فحين يبدأ الانسان بتغيير حالة اللون الذي يفضله الى لون اخر ، تبدأ عندها حالة تغيير السلوك عند الانسان وربما تتغير لديه المباديء والقيم التي كان يحملها ايضا ، ثم تبدأ بعدها مرحلة الاتقلابات النفسية ثم تعقبها حالة التلاعب بالاخلاقيات الفردية وربما حتى على مستوى مجتمع باكمله ان استفحلت مثل تلك الحالة في مجتمع ما ، فمن كنت تدعي له العداء ، اصبح اليوم اعز صديق وقريب لك ،ومن كان بالامس ولي نعمتك وسترا لاسرارك وتحمل وزرك وجحودك ، وضعته الان في خانة الند .. وهنا يكشف لنا التلون عن حقيقة مبادئنا .. بل وتكشف الالوان عوراتنا التي كنا نعتبرها مستورة يوما ما وتجعلنا في حالة لا يحسد عليها امام الملأ ، وحينها لا يمكننا الا ان نعترف بالحقيقة المرة وهي ( ان اللون المفضل عند الانسان ما هو الا انعكاس لشخصيته ، فبتغيير ذلك اللون تكون شخصيته مهزوزة لا ترتكن الى حالة من الاستقرار ابدا ، ومن ناحية اخرى فان لون الانسان المفضل هو مرآة لشخصيته ففي حال فقدانها .. يكون قد فقد احترامه ووقاره ، وحينها لا ينفعه المال ولا البنون...)..