Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

اللامبدئية والفراغ الفكري في السلوك الفردي

قيل في الكثير من الأدبيات أن جمال المرأة الحقيقي هو في أخلاقها وحيائها , أما بالنسبة للرجل فأن أخلاقه تتبلور من خلال مجموعة من الصفات أحداها هي "المبدأية". كان أحد معاصري الفيلسوف والكاتب الساخر الراحل جورج برناردشو , ( 1856 – 1950 ) يتخذ مواقف مزدوجة ويغيّر ولائه ومبادئه حسب الجو السياسي العام في أنكلترا حينها, وعندما سئل برناردشو عن رأيه في هذا الشخص قال " أنه من أصحاب المبادىء النظيفة , لأنه يغيرها بأستمرار"!
وكما في زمن برناردشو لا بل في كل الأزمان ومنها الوقت الحاضر وبالذات في زمن العولمة هذا نجد البعض ممن يتكل على هالة مزيفة أكتسبها بطرق ملتوية معروفة ليرمي بآرائه في كل الأتجاهات ويعسر على المرء أن يعي ماذا يريد هؤلاء السذّج . أحدهم مثلا ينهض في الصباح الباكر وهو قومي حتى العظم ( وأقول حتى العظم لأنه لم يتوان الوشاية حتى بأقرب أصدقائه من الذين أولوه ثقتهم ) لتحقيق مآربه الأنتهازية , ثم نجده في فترة الظهيرة وقد صار شيوعيا ملتزما , لا بل يحاول المسكين أن ينظّر أحيانا للفكر الشيوعي , ولكن الشيوعيون لفظوه خارجا عندما وعوا لأنتهازيته, وما أن يحل المساء حتى نجده قد صار مؤمنا خاشعا يبكي وينوح على أحوال الرعيّة التي أشمأزت من تطاوله وعدم احترامه للآخرين , وقبل الذهاب للنوم بدقائق يتحول هذا الشخص الى دون كيشوت يمتطي صهوة وسائله الخبيثة ويرفع سيفه الورقي ويقدم أقتراحات مغلفّة بالوطنية ومبطنة بالحقد والكراهية والعقد النفسية والأجتماعية التي يعاني منها المسكين.
أن أمثال هؤلاء الأشخاص ذوي "المبادىء النظيفة !" وحبال الكذب القصيرة اللذين يبيعون أفكارهم وآرائهم ويبدلون أحبار أقلامهم لمن يدفع لهم , أو لمن يعينهم في تحقيق ما يظنونه أنتقاما من الآخرين ,فليتأكدوا بأنهم قد فقدوا ورقة التين الأخيرة التي كانت تسترهم, وأن نواياهم الحقيقية قد أصبحت معروفة لدى القاصي والداني منذ زمن ليس بالبعيد حتى لدى الذين يحركونهم , وأنهم قد فقدوا الأمانة الشخصية, لذلك فما خلا السذّج لم ولن يعير أحد الأهتمام لأفكارهم أو آرائهم. وأذا برر بعض من صاحبوا هؤلاء من قبل سلوكهم بممارسة الحريّة مثلا , فأننا نذكّر هذا البعض مع التقدير , بألمامهم بمسؤولية ممارسة الحريّة في كافة أشكالها وصيغها , فهناك فرق كبير بين الحرية المسؤولة والحرية اللامسؤولة , فالأولى بنّاءة ومحترمة وتغتني بالقيم وتتمسك بالمثل , أما الثانية فهدّامة ومعيبة وتفتقر الى الذوق وتتخلّى عن كل القيم الأنسانيّة , فلا يصعب والحالة هذه أن نختار أي من الأثنتين لنمارسهما .
وللأستطراد ننبّه أن الأنسان السويّ المهذّب ذو التنشأة الصالحة لا سيّما كلما تقدم به العمر , فلا بد به أن يسمو بسلوكه نحو الأفضل حتى يكون مبعث فخر لعائلته وأولاده على الأقل وليس عبئا أخلاقيا عليهم وعلى ذويهم , أن الأسوأ من أرتكاب الخطأ بحق الآخرين هو الأسترسال والتمعّن به والأصرار عليه , علما بأن ذلك سوف يؤدي بالنتيجة بالسوء والعري بهذا الشخص أيّ كان , ولن تنفعه أموال العالم كله ودعم أيّ من كان له ليستره أو يصلحه , لأن اصلاح الذات من الذات.
لا شك أن الحفاظ على المبادىء والقيم الأخلاقيّة والأجتماعية هي مسؤولية كل أنسان وفي كل زمان ومكان , وأولى الخطوات هي من خلال ممارستها في الحياة الشخصيّة , ثم محاولة نشرها في نفوس الآخرين كل حسب مسؤوليته وأمكاناته , وللمثقفين " وليس لأشباههم " والكتّاب ذوي المبادىء الأصيلة , النصيب الأكبر من هذه المسؤولية , حيث من خلال أفكارهم وكتاباتهم سترجّح كفة الميزان لصالح المبادىء والقيم السامية , وتدفع بأصحاب " المبادىء النظيفة " الى الحضيض .



وللحديث صلة .



المهندس
وميض شمعون آدم



Opinions