Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

اللغة الاشورية – السريانية وريثة الاكادية

اللغة هي واحدة من الابتكارات العظيمة التي تنمو بقدر ما تنمو الحاجات وتتعقد الاعمال وتمتد الانوار وتتغير اللغة من طابعها فتصبح اشد معقولية واقل عاطفية وتعوض على الانسان ومشاعره بالتعبير الصحيح والدقيق، وحافظت لنا اللغة مآثر اجدادنا العظام، فهي أي اللغة وسيلة التفاهم والتعامل بين البشر والتي تميزه عن غيره من الكائنات الحية، وقد تصاعد شكل الكتابة من البدائية حتى وصل لان يصبح وسيلة فاعلة في تدوين كل نتاج الفكر الانساني عبر مراحله الزمنية السحيقـة في القدم وجعلت بني البشر يقتربون الى بعضهم البعض بواسطة التعرف على لغات بعضهم.

المسمارية الصورية وتطويرها

استخدم الانسان في بداية نشوءه الحركات والاشارات كوسيلة للتفاهم والتعامل مع بني جنسه وهي وسائل ارادية بصرية رافقتها بعد فترة زمنية استخدام الاصوات التي هي وسائل ارادية سمعية التي كونت الاسس الاولى للغة، واخيراً استخدم الرسوم والعلامات الى جانب الاصوات ثم رافقتها عملية التدوين الاولى للكتابة اخذت شكل الكتابة التي نستطيع تسميتها الكتابة الاولى وشملت الكتابة الصورية وكتابة الشيء المراد عن طريق رسمه او صورة قريبة منه. ان بدائية الكتابة التصويرية في تصوير ورسم الاشياء المراد بها خلق صورة او صور كثيرة ومعقدة في بعض الاحيان لا يمكن تميزها وادى بالتالي الى صعوبة التعرف على الاصول التي تمثلها العلامات بسبب طبيعة واهمية الاشياء التي كانت تصورها، فالدقة في الرسم كانت تتفوق على اهمية المادة المراد رسمها.

ان تاريخ استخدام اول العلامات الصورية الكتابية يعود الى اواخر الالف الرابع قبل الميلاد (العهد الشبيه بالكتابي) وتمثل في العلامات الصورية الذهنية الاولى وتصويرها على المادة المخصصة لها وتمثيل الاشياء المراد التعبير عنها بالرسم.
رسم صورة الشيء كاملة او مختصرة:

السمكة
الثور
السنبلة


وهذه الطريقة أي الصورية كانت تحدد الكتابة لأنها لا تسمح للكاتب بان يعبر عن غير الاشياء المادية فاقتصرت على تسجيل ادوات المعابد وتدوين الامور المادية الخاصة وكذلك الحاجة الى التعبير عن امور كثيرة لا يمكن برسم صورها او اشكالها.

ظهرت الكتابة التصويرية على رقم صغيرة في بلاد سومر واكتشفت في موقع مدينة الوركاء ويرجع تاريخها الى حوالي سنة 4000 قبل الميلاد. واكتشفت هذا النوع من الكتابة بصورة خاصة على جدران الكهوف.

ان التطور الذي رافق الانسان في مسيرته الحياتية والذي جاء تكريساً لجهوده الجبارة في احداث التطورات قاده الى احداث تغير مهم في اسلوب كتابة العلامات الصورية فكانت الخطوة المهمة في اسلوب الكتابة هو بدء الكتابة على الواح طينية او حجارة عن طريق طبع العلامات او الرموز بواسطة قلم ذي نهاية مثلث او مستطيل في حدود سنة 2700 ـ2600 قبل الميلاد سميت الكتابة حينئذ بالكتابة المسمارية او الخط الاسفيني الذي ساعد على سهولة الكتابة وجماليتها.

ان تقليص عدد العلامات الصورية كــان من نتاج تبسيط الكتابة واختصارها وتطويرها، فمثلاً كان هناك 31 شكلاً من العلامة تعبر عن الشاة في الواح الطبقة الرابعة ثم اختصر العدد الى 3 اشكال

في الطبقة الثالثة والى شكلين في الطبقة الثانية من الوركاء وهكذا بالنسبة الى بقية المصطلحات وكذلك عملية ادماج علامتين او اكثر بهدف الاختصار وتبسيط اللغة ايضاً. وكانت الخطوة الجديدة نحو الكتابة هي كتابة رموز تهدف الى ان العلامة او الرمز المستخدم ليس فقط للدلالة على شيء مادي حسب، كما كانت العملية في السابق مادية صرفة، بل تعدته لتشمل الاسماء والافعال والصفات ذوات العلاقة بالشيء المادي الذي تمثله العلامة.
الصورية ــــــــــ القدم فقط
الرمزية ــــــــــ القدم + الوقوف + الشيء
الصورية ــــــــــ المحراث فقط
الرمزية ــــــــــ المحراث+الحارث+ الحراثة+ الفلاحة



رغم التطور الملحوظ في الكتابة الصورية والرمزية الا ان الكتابة ظلت قاصرة عن التعبير عن لغة التخاطب وكتابة الجمل الكاملة بما فيها الاسماء والافعال والادوات النحوية ـ جاءت الحاجة الملحة الى ابتكارطريقة جديدة للتعبير الى جانب الطريقة الصورية الرمزية فكانت الكتابــة الصوتية او المقطعيـة. ومحتوى الطريقة المقطعية هو استخـــدام القيــم الصوتيـة للعلامات الصورية والرمزية أي اختراع مقاطع صوتية ثم اطلاقها على هذه العلامات، ان العلامة تكتب من اجل قيمتها الصوتية دون الالتفاف الى معناها.

ان العملية التي رافقت الاختزال واضافة المقاطع الصوتية كانت اكثر متطورة واهمية بالنسبة للغة وهي عملية دمج علامتين (مقطع من كلمة + مقطع من الكلمة الثانية) لانتاج كلمة جديدة تعطي نفس المعنى وبنفس القوة، ولكن هذا النوع من الكتابة لم تستطع ان تعبر عن لغة الكلام على نحو دقيق. سميت هذه الطريقة اوالكتابة المشتقة بـ (المسمارية) أي الطريقة المقطعية في الكتابة المسمارية التي اصبحت بمثابة الحروف الابجدية السائدة الاستعمال اليوم لتكوين الكلمات، حيث الكلمات بموجب هذه الطريقة تستخدم كمقاطع صوتية والفرق بينها والابجدية هو ان الحرف الابجدي يمثل صوتاً واحداً، اما المقطعية فتمثل كما اسلفنا تقطيع الكلمة الى عدة مقاطع صوتية مثلاً اسم حمورابي يقسم الى اربعة مقاطع صوتية (ha – ma – ra – bi) وهذه الطريقة تطورت الى الابجدية لتمثل حروف ذات نفس الاصوات ومقسمة الى مقاطع (حمو.. را..بي)، وهـو شــأن طبيعي ان يحــدث نتيجة التطــور السائـد في اللغة وهو الامر الذي جعل الآشوريون القدماء يستخدمون اسلوب الاختصار في الكلمات ايضاً وامثلــة على ذلك كثيرة وهـذا الموضوع يحتــاج الى شرح مفصل ولكني سأسوق امثلة على ذلك لاوضح للقارئ بأبسط صورة ممكنة:

اسماء: بابل هي مختصر ـ باب + ايل = بوابة الاله
سركون هي مختصر ـ شرا + كينا = الملك الصادق أو العادل
ظرف مكان = يومنا هذا اليوم ـ (يوما + ىنا)
الحال والكيفية او النوعية: ايكنا: من ( اي الاستفهامية + ك التشبيه + ىنا)

الاكادية (الآشورية ـ البابلية)

دونت اللغة الاكادية بالخط المسمـاري الـذي ابتدعــه السومريون لتدوين لغتهم السومرية، واضحت المسمارية الوسيلة الاساسية لتدوين الاكدية بعد ان نقلت مراكز القوى من سومر الى اكد، واستطاع الاكاديون ادخال تغيرات وتطورات في اللغة السومرية وتسهيل نطق المقاطع الصوتية وكتابة الرموز واختصارها بما يتلائم حاجاتهم لاغراض التدوين والتجارة وغيرها. وظلت اللغة الاكادية التي تبنت السومرية تكتب بها على نحو ثلاثة آلاف عام على اقل تقدير، اطلقت تسمية اللغة الاكادية على (البابلية ـ الآشورية)، نسبة الى تداولها وثورتها في مدينتي بابل واشور، واختلاف استعمالها تبعاً للاختلاف المناطقي وتأثيره على لهجة المنطقة وبروز الاختلاف اللفظي على اللغة الواحدة.

اتبعت الاكادية طريقة اضافة وتعديل المقاطع الصوتية الموجودة في السومرية بادخال اصوات جديدة تجعل المقطع (صوتي ـ حرفي). بالاضافة الى استخدامها لمقاطع صوتية للدلالة على الحروف الصحيحة، فاستخدموا مقاطع تتألف من (حرف علة + حرف صحيح مثل im, ik, ib, ab) او حرف صحيح + علة = da,ka,ba او حرف علة + صحيح + علة = bar, bil, bid واستخدام المقاطع في نهاية الكلمة التي تسهل عملية نطق الكلمات وترتيب الجمل وزيادة عدد المرادفات للكلمة الواحدة.

ان الاختراع والتطور الكبير على اللغة الاكادية (البابلية ـ الآشورية) تجسد في اختراع الابجدية البابلية ـ الآشورية التي ساهمت كثيراً في تطور الكتابة وسهولة استخدام المفردات بعد ان اختزلت الرموز المسمارية المقطعية المكونة من اكثر من 2500 رمز الى اثنى وعشرون حرفاً وصوتاً في آن واحد. سميت بالابجدية، (ابجد، هوز، خطي، كلمن، سعفص، قرشت). يمكـن استخدام الابجدية في تركيب كـل ما يمكن تخيله من كلمات ومقاطع وحسب ما تقتضيه الحاجة. ان هــذا الاسلوب تبنته الدول المشتغلة بالتجارة وسرعان ما غدت الابجدية المنتشرة في الشرق اللغة الرسمية التجارية والدبلوماسية ومنها انتقلت الى الغرب وعملت هذه الشعوب التي اكتسبت الابجدية الآشورية الى ازدياد عـدد حروفها او تعديلهــا بما يلائـم بيئتها، اقتبس الفينيقيـون الابجديــة الآشورية من الابجدية الاوغارتية وهي نصوص مسمارية اكتشفت في مدينة اوغاريت (رأس شمرا) في سوريا في حدود سنة 1400 قبل الميلاد ضمت أي الاوغارتية ثلاثون علامة تمثـل الحروف الابجدية الآشورية. واقدم الكتابات الفينيقية تعود الى القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، اقتبس اليهود الابجدية الآشورية وحافظوا على حروفها عدداً ولفظاً ولكنهم غيروا شكل كتابة الحرف بما يتلائم العبرية المحكية آنذاك ويسمى الخط العبري السائد والمستعمل اليوم عند اليهود بـ (الخط الآشوري المربــع) وتعبر المرحلة الرابعة من مراحل تطـور الخـط الآشـوري.
الحركة العبرية وتسميتها
الحركات اليونانية وتسمياتها
الحركة السريانية وتسميتها
طريقة نطقها بلام مشكولة بها
القماص T
الزقاف
-ً زقًفًا (الزقاف)
لا قًلًا،
_ البتاح
الفتاح
_َ فةخا (الفتاح)
لَ اِمَر
ِ صيري
الزلام الشديد
_ زلما قشيا
لي كنشًا
سيجول
الزلام السهل
ـ زلما فشيقا
ل اَرعًا
. حيريق قطان، جدول
الحباص
ي خبؤا
لي دينًا،
حولام جدول
العصاص
وٌ ربٌـًؤًا
لو اوٌرخًا
حولام قطان
العصاص
وُ روًخًا
لو روُخًا





كان التطور الاكثر اهمية في اللغة العبريــة جــاء في فترة تدويـن الكتاب المقدس والكتب الدينية والشريعة والتلمود والجمارة وخصوصــاً اكتشــاف عدة نصوص مكتوبة باللغة الآشوريــة ـ البابليــة في بابل التي يطلــق عليهـا اليهود اليوم ايضاً اســم (آراميـة التـوراة) وهي مادة تدرس في كلية اللغات واهــم هــذه الاسفــار (سفــر دانيـال، ايشعيا وعزرا) التي لا زالــت الى اليــوم متداولــة بآراميـة التـوراة عنــد اليهـــود. تحتــوي اللغــة العبرية كالآشوريــة اليوم تماماً على 22 حرف (لبعضها نطقين وهي (6) احــرف، يصبح بذلك عددها 28 حرفاً وهي عــدد حروف الابجديــة السريانيــة المستعملـــة اليــوم وتلفظ بنفــس الطريقـــة دون أي اختــلاف يذكــر، وهي خالية من حـــرف الضاد والظــاء وتكتــب العبريـة من اليمين الى اليســار ولا تتصــل حروفها عنــد الكتابة مطلقاً وتستعمل في اللغــة العبريــة واليونانيــة (تمامــاً نفـــس الحركــات المستخدمــة في اللغــة الآشوريــة دون اختلاف.

اما العرب فاستخدموا حرف الضاد، (ض، ظ) بعد اقتباسهم الابجدية الآشورية ـ البابلية واصبحت لغتهم أي العربية تسمى لغة الضاد تميزاً لها عن السريانية فاصبح عدد حروفها 29 حرفاً.

ان اضافــة حـرف وصــوت الضاد عنــد العــرب ليس بجديـد على اللغــة الآشوريــة فهي تحتــوي على صـوت الضاد دون الحرف ولا تعــدو الضاد كونهــا دال مضخمــة باللغة الآشوريــة السوادية فان الكثير مــن المفردات عنـــد لفظهــا تعطي صوت الضاد ولكنها ليست ضمن الابجدية كحرف وسوف اسوق امثلة على استخدام صوت الضاد عند الآشوريين اليوم وفي كثير من اللهجات:

ردوفيــا تلفــظ عنــد الكثيرين بالضـاد
رودنـــا تلفـظ عنـد الكثـيرين بالضـــاد
شيدنا تلفظ عند الكثيرين مشددة بالضاد
شدةنا تلفظ عند الكثيرين مشددة بالضاد
دبٌلا تلفظ عند الكثيرين مشــددة بالضاد

ان الانباط استخدموا خطاً خاصاً بهم مشتقاً مباشرة من الخط الآشوري ـ الآرامي تمثل اقدم الخطوط المستخدمة لتدوين اللغات الجزرية (العربية) حيث بدأ استخدام الخط النبطي ـ الآرامي في تدوين حروفه متصلة ببعضها ومنه اشتق الخط العربي المتداول حاليا ووضع النقاط فوق الاحرف حيث كان بدون نقاط وتم هذا في القـــرن الاول للهجرة ولا نجد في العربية سوى ثلاث حركات وهي الفتحة والضمة والكسرة (عامر سليمان ص90). أما في الآشورية هناك خمس حركات الاولى زقفا، والفتاح تعادل الضمة في العربية:
الضمة = روخا، ربٌؤا
الفتحـة = فـةخـــا
الكســــرة = زلمـــــا

المقارنة بين اللغات السامية

من خلال البحث والمقارنات التي اجريت للغات السامية من قبل الباحثين اتضح ان اصول كلماتها واحدة مشتركة، وتشترك بعض الكلمات لفظياً مع التحوير في المعنى، وان التغيير في معنى الكلمة الواحدة في لغتين انما جاء بناء على التطور اللغوية في معاني الكلمات، وتتم المقارنة بين مجموعة اللغات السامية مقارنة عامة، اما بين لغتين فتكون المقارنة خاصة وبناء على ذلك نوضح بعض الخصائص المشتركة للغات السامية:

1ـ اعتماد اللغات السامية على الحروف الصامتة اكثر من اعتمادها على الاصوات.
2 ـ اغلب الكلمات يرجع في اشتقاقها الى اصل ذي ثلاثة احرف.
3 ـ يمكن احداث معاني جديدة باضافة احرف زائدة تتألف من حرف او اكثر الى الاصول الثلاثية.
4ـ الكلمات المؤلفة من حرفين مثل يد واب واخي و الخ.. هي اقدم من الافعال المشتقة من ثلاثة حروف والافعال الثلاثية اقدم من الافعال الرباعية.
5 ـ ان لمعظم هذه اللغات مظهرا فعليا.
6 ـ التشابه في تكوين الاسم (من حيث عدده ونوعه) وفي تكوين الفعل (من حيث زمنه، وتجرده وزيادته، وصحته وعلته).
7 ـ التشابه في الضمائر وفي طريقة اتصالها بالاسماء والافعال والحروف.
8ـ التشابه في المشتقات كاسم الفاعل والمفعول والزمان والمكان واسم الآلة.
9 ـ التشابه في صوغ الجمل وتركيبها.

بعد ان غدت اليوم الآثار الآشورية المكتشفة في كافة ارجاء العالم شواهد تاريخية على عراقة وقدم الحضارة الآشورية معها توضح للقارئ والمتطلع على التاريخ بان اللغة السريانية السائدة اليوم والتي يطلق عليها تارة سريانية واخرى آرامية واخرى آشورية وحسب ما يستهوي كتاب ومؤرخو ولغويو التاريخ فانها تبقى وبكل تسمياتها المتوارثة عبر قرون طويلة لغة الشعب الذي نقش اول حروفها على الحجر وبدأت تداول على السنة لم تعرف اللفظ من قبل وهي اللغة التي تكلم بها المسيح واكتسبت قدسيتها الدينية وحفظت لنا مآثر اجدادنا العظام. واليوم الحفاظ عليها ما هو الا واجب وطني وقومي مقدس.


الاختزال في اللغة الآشورية

اللغة بحد ذاتها تعتبر من اشهر الفنون التي رافقت ظهور الانسان واصبحت جزءاً منه عبر مسيرة حياته الطويلة، حاول جاهداً ان يطور اللغة التي بواسطتها استطاع شيئاً فشيئاً ان يؤرخ الاحداث التي تواجهه في معترك الحياة من افراح واحزان وانتصارات وحتى هزائمه ارخها له الزمن لتكون اليوم في متناول ايدينا، وتبقى اللغة رغم التطورات المستمرة التي شهدتها صعبة ومعقدة من حيث القواعد وكثرة المفردات المتعددة الاستعمال لغرض واحد، ومن اجل صقل اللغة وتقريبها الى الاذهان بصورة اسهل حاول الآشوريون ادخال تغييرات مهمة في اللغة شملت كافة النواحي، ونجحوا في محاولاتهم هذه فابتدعــوا فـن الاختزال، فعندما حاول الاكاديون تبسيط صورة الكتابة المسمارية ذات الرموز والمقاطع الصوتية الطويلــة واختزالهــا الى رموز ومقاطع يسهــل لفظها وامكانيــة اعطائها قــوة التعبــير وتبسيط صيغتهـــا لغويــاً وكتابيــاً، فـأدت هذه الطريقــة الى ادخــال تغيرات مهمة في شكل الكتــابة وكذلك طريقة لفــظ كلماتها وتعــدد الاغراض المستحصلة من ذلـك.

اللغة المسمارية قبل الاختزال احتوت على اكثر من 2500 رمز، اما بعد ذلك وبفترة زمنية استطاع الآشوريون ـ البابليون اشتقاق او اختزال هذه الرموز الى مقاطع صوتية ذات قيمة حرفية ثم اختزالها الى الابجدية او الاحرف الابجدية السائدة الاستعمال اليوم، ومع تطور اللغة ظل فن الاختزال وتركيب الجمل سائداً عند الآشوريين في لغتهم وحتى اليوم يستعمل مع السريانية الحديثة ولكن بصورة اخرى.

ففي الآشورية القديمة كان الاختزال يهدف الى تكوين كلمة واحدة من اختزال احرف من كلمتين وتركيبها بكلمة واحدة بحيث تعطي نفس المدلول وشملت هذه الطريقة اسماء المدن والملوك والآلهة بالاضافة الى الصفات والافعال والاحرف. ومقتضى الطريقة هو تكوين كلمة واحدة من كلمتين او اكثر تعطي نفس المعنى بعد اختزال احرف من كل كلمة وتركيب ما تبقى من الاحرف ليكون الناتج كلمة واحدة تعوض بالمعنى واللفظ عن سابقاتها،ولهذه الطريقة اهميتها الخاصة تكمن في اعطاء الكلمة او الجملة المختزلة نغمة موسيقية وقوة المعنى ودقة في التعبير.
وامثلة ذلك بالكلمات:

بب + ايل = ببل بوابة الله
شرو + كانا = شروكين الملك الصادق أو العادل.
شمو + رما = شميرم
شما + ايل = شميل اسم الله

توارثت اللغة العبرية هذه الطريقة او هذا الفن ولا زال يستعمل حتى اليوم وبصورة واسعة في اللغة العبرية لاختزال وتركيب المصطلحات السياسية وتكون العملية في العبرية بجمل كاملة باختزال الحرفين الاولين من الكلمة الاولى وحرف واحد من بقية الكلمات المتتالية فتكون بذلك كلمة واحدة لجملة من مكونة من اربع او خمس كلمات.
اما اللغة السريانية حديثاً فتوارثت فن الاختزال واتبعت طريقة اخرى تتلخص في اختزال الكلمة الواحدة أي تصغيرها فاسماء المدن والملوك الآشورية لازالت تستعمل لدى الآشوريين المعاصرين دون تغيرها اما بقية الاسماء والافعال والصفات الاخرى فأنها تختزل وامثلة ذلك:

كيوركيس ـ ككي أو ككو.
ميخائيل ـ ميخو.
شميرام ـ شمي

اما حروف المعاني فاختزلت وركبت بطريقة آشورية قديمة متوارثة.

يوما + ىنا = يومنا
اي + كـ التشبيه + ىنا = ايكنا
من + شليا = منشلي

الابجدية المسمارية – الاشورية السريانية اصل جميع الابجديات

ان اختراع فن الكتابة من الانجازات التي وضعت العالم في مساره الصحيح، رغم ان الكتابة المخترعة في بلاد آشور قبل اربعة الآف عام قبل الميلاد، تميزت برموزها وصورها المعقدة ورسومها المتعددة، ودخلت اطواراً ومراحل هامة جداً، وفي كل مرحلة احدث الآشوريون تطوراً ملحوظاً في شكل ووظيفة الاحرف والكلمات، واحدثوا تغييراً في اسلوب الكتابة عن طريق اختزال رموزها أو اعطاء كل رمز اكثر من مدلول، وبذلك تجاوزت الكتابة واللغة مرحلتها البدائية الصعبة لتنتقل الى مراحل تعاصر الانسان في كل مرحلة وتلازمه في تطوره لتأخذ طابعاً اشد معقولية من سابقها، وتسهل على الانسان تجاوز الصعوبات والاقدار ويهتدي بها في تدوين وتجسيد افكاره.

ان الحديث عن اختراع الابجدية وتداولها واستعمالها والمعروفة اليوم لدى شعوب المنطقة بالابجدية الآشورية (ابجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت) وتداولها بين شعوب عديدة في موطن اختراعها وانتقالها الى شعوب اخرى، اثار الجدل بين الباحثين والعلماء حول اصل هذه الابجدية وموطن تداولها، ولم يتفق الباحثون في اصل الحروف الابجدية من تحديد موطن الابجدية وايصالها بأصول منشأها ومراحل تطورها وتداولها اليوم في موطن اختراعها ونسبها الى الابجدية أو اللغة المتوارثة عنها والاكثر قرابة منها بدقة وعلمية. فقد اظهرت الدراسات والابحاث التي قام بها العلماء والباحثون والمنقبين، وخصوصاً في بداية القرن العشرين بعد اكتشاف آلاف اللوحات ذات الكتابة السومرية التي يطلق عليها بـ( المسمارية )، التي اظهرت حقائق كانت مدونة لآلاف السنين.

بعد اجراء الدراسات والابحاث على الآثار المكتشفة في بلاد آشوروتحليلها علمياً، اظهرت حقيقة انتسابها الى الآشوريين الذين بنوا حضارة لم يشهد العالم القديم مثالاً لها، واثبت العلماء العلاقة الوثيقة والصلة المترابطة بين اللغة السريانية المتداولة اليوم وبين لغة الآشوريين المتداولة في بابل وآشور، ووضعت العلماء والباحثين في علم الخطوط والكتابات امام حقيقة علمية، كون الخط السومري (المسماري) أو الكتابة السومرية (المسمارية) اصل ومصدر وموطن جميع الحروف الهجائية المتداولة اليوم ومنها انتقلت الى جميع شعوب المنطقة.

يعتبر الخط السومري ( المسماري ) اقدم واكمل نظام للتدوين في العالم خلال فترة الاكادية ـ الآشورية، تطور الخط ـ كما اسلفنا ـ من المراحل الصوتية والصورية والرمزية منذ بدء الالف الرابع قبل الميلاد، حتى بلغ مرحلة النضج والكمال، وظل متداولاً حتى القرون الاولى للميلاد. حاول بعض العلماء والباحثين في حقل دراسة اللغات الآشورية، اظهار نتاج ابحاثهم ودراساتهم، ونجحوا في ايصال الحروف الابجدية المتداولة اليوم باصولها السومرية، ولكن لم يوفق البعض الآخر في وصل الحروف الابجدية باصول تطورها، فقد ابتعد البعض بآرائهم ونسب اختراع الابجدية الى الفينيقيين، وانتقالها عن طريقهم الى اوروبا ومنها الى العالم، ويعتقد الباحث (ديفد درينجر) مؤلف كتاب ( الكتابة ) بان جميع الحروف الابجدية في لغات اوروبا متفرعة عن الحروف الهجائية اليونانية والاخيرة بدورها مقتبسة من الهجائية الكنعانية ( الفينيقية ). ان العلاقة التاريخية التي حتمها التطور الثقافي للآشوريين على جميع الشعوب القاطنة في المنطقة اثناء الامبراطورية الواسعة اثرت بشكل فعال ومباشر على حضارة وثقافة وعادات تلك الشعوب ايجاباً، في النواحي الثقافية والتجارية والفنية والعسكرية وغيرها.
انتقلت العناصر الاساسية واصبحت ثوابت في تاريخ تلك الشعوب المتأثرة بالحضارة والثقافة النهرينية. ومن هنا جاء استناد بعض الباحثين الى كون الابجدية انتقلت الى العالم عن طريق الفينيقيين، وعند اجراء المقارنة بين قدم الآشوريين واختراعهم فن الكتابة من جهة، وبين انتقال الابجديــة عن طريـق الفينيقيــين من جهة اخرى، نجد فترة اختراع الكتابة في الالف الرابع قبل الميلاد، التي كانت فترة ازدهار الحضارة السومرية مقارنة بهجرة الكنعانيين الى سواحل البحر المتوسط وفلسطين في حدود الالف الثالث قبل الميلاد، حيث كانت بلاد الكنعانيين متأخرة مقارنة بالدول السومرية التي قطعت اشواطاً متقدمة في مسيرة الحضارة والرقى، بالاضافة الى انتقال عناصر الحضارة النهرينية عن طريق الهجرات الى بلاد كنعان أو معها انتقلت الكتابة بعد اختراعها في بلاد سومر بخمسة قرون الى بلاد كنعان، والفارق الزمني له مدلولاته الخاصة على كون الابجدية الفينيقية استناداً الى النصوص المكتشفة في اوغاريت ورأس الشمرة وابلا، التي ضمت ثلاثين علامة مسمارية تمثل الحروف الابجدية، والتي ترتقي الى العام 1400 ق.م. فمن غير المعقول ان نجد اقوماً متأخرة ترتقي بطفرة واحدة الى درجة عالية من التقدم والرقي في سلم التطور الكتابي أو الهجائي دونما تأثير حضاري أو تسلسل زمني خاضع لعوامل التطور ومستلزمات التكامل الحضاري.

فهجرة ابراهيم الخليل من مدينة اور واستيطانه في بلاد كنعان، انتقلت معه عناصر مهمة من العناصر الحضارة النهرينية بالاضافة الى انتقال عنصر الكتابة، وتداولها لاحقاً في بلاد كنعان انتقلت ايضاً فكرة عبادة الاله الواحد حيث تؤكد التوراة هذه النظرية في الوقت الذي تدين فيه الآشوريين بـ"الوثنيين ـ آراميين" ومنها جاءت تسمية كتابة التوراة اليهودية عند الآشوريين بعد تقبلهم المسيحية اسم "اوريتا " نسبة الى "اوريةا دابرىم ـ توراة ابراهيم " وعلاقة وثيقة بين كثير من النصوص التوراتية مع مثيلاتها من النصوص الآشورية، وخصوصاً المتعلقة بالقصص والاساطير الدينية كقصة الخليقة والطوفان وغيرها).
والجدول يوضح اصل ومنشأ الابجديات الآشورية وتطورها، من الابجدية الام (السومرية) وتبعاً لاختلاف العصور واختلاف الشعوب التي تبنتها، تغير شكل الحروف ووصل الينا بصورة مختلفة، ورغم ان الاختلاف في شكل الحروف الا ان مضمونها كان متقارباً تماماً الى اليوم.
1ـ الحقل الاول من الجدول يمثل نموذج الام للابجديات، ومنه اخترعت وتطورت اللاحقة، وتمثل هذه الابجدية مرحلة متطورة من تطور الخط والكتابة السومرية، التي جاءت بعد سلسلة تطورات حدثت في سومر واكاد وبابل وآشور ولآلاف السنين، ويوضح الحقل الحروف الابجدية الآشورية المتداولة (ابجد هوز) التي تعتبر المرحلة الاهم بعد اختراع الكتابة، حيث منحت بهذه الرموز قيم صوتية، واصبح بالامكان تركيب الجمل واستخدام ترادف الكلمات بواسطتها لتعطي اكثر من معنى.
2ـ الحقل الثاني من الحروف السومرية ( المسمارية ) المستخدمة في بلاد آشور المبينة في الحقل رقم (1) مع احداث تطورات عليها، تمثلت في تغيير شكل الرمز السومري مع الاختصار في حجم وشكل الرمز أو الحرف. وتم العثور على هذه الابجدية مكتوبة على الواح بالسومرية ( المسمارية ) التي ترتقي الى القرن الرابع عشر قبل الميلاد في مدينة اوغاريت في سوريا، وتحتوي على ثلاثين علامة مسمارية تمثل الحروف الابجدية، وكذلك تم العثور على اكثر من 15 الف لوح مسماري في مدينة " ابلا " في سوريا، تمثل كتابات سومرية منسوخة عن اوغاريت، والتي تمثلت لاحقاً بالخط الآشوري المربع كما على الجدول (3 و8).
3ـ يمثل هذا الحقل الابجدية المربعة أو الحروف المربعة، وتمثل المرحلة الاهم من تطور الابجدية من حيث الشكل، وعليها استندت الابجديات اللاحقة، وتمثل هذه الطريقة صياغة الحروف على شكل مربع، وسميت هذه الابجدية لاحقاً بـ(الآرامية) وجاءت هذه التسمية من قبل العلماء، واستناداً الى فرضية التوراة التي اطلقت على هذه الابجدية نص الـ( وثنية)، واستخدمت في حدود القرن (11 و10 ق. م).
4ـ الحقل الرابع ويصنف من قبل العلماء بـ(الابجدية الفينيقية ـ الكنعانية)، ظهر استخدامها منذ مطلع القرن الاول قبل الميلاد، وهذه الابجدية مشتقة أو منسوخة مباشرة من الخط أو الابجدية المربعة، واطلق عليها الفينيقية أو الكنعانية لتداولها في بلاد كنعان، التي هاجر اليها ابراهيم ونقل اليها الابجدية من اور من بلاد سومر ومنها انتقلت الى اليونان ودول العالم.
5ـ النموذج الخامس ويمثل الخط أو الابجدية المربعة، والمشتقة من الابجديات السابقة لها، مع تحوير بسيط في شكل الحرف الذي اعتمدت عليه الابجديات الآشورية اللاحقة، من حيث الشكل والمضمون واكثر سهولة وجمالية، وهو الخط المتداول في القرن الاول قبل الميلاد بشكله المعروف بـ(المربع ومنه اتخذ اليهود خطهم اساس لابجديتهم ويطلق على خـط اليهود اليوم أسم الخط الآشوري المربع لاشتقاقه مباشرة من الآشوري المربع).
6ـ النموذج السادس ويشمل الابجدية المعروفة باليونانية القديمة، والمشتقة من الابجديات السابقة انظر التقارب والعلاقة بينها وبين النماذج (3،4) والنماذج الاخرى.
النموذجين (7 و 8) وتمثل الابجدية الآشورية المتداولة اليوم، والمشتقة من الابجديات الآشورية أو المتطورة عنها مباشرة، ويستعمل الخطان منذ القرون الاولى للميلاد، والنموذج الاول يستخدم للكتابات الخاصة بالتخطيط والتي تحتاج الى جمالية، وتفنن اما الخط الثاني فيستخدم في الكتابة العامة.
9ـ النموذج التاسع من الخط الآشوري معروف بـ(الخط الغربي)، وهو تطور للخط السابق له مع بعض التعديلات في شكل الحرف حيث ابتدع في حدود القرن السابع الميلادي.
ان هذه النماذج من الابجديات تمثل الابجديات التي تداولها الآشوريون منذ عهود سومر واكاد وبابل وآشور وصولاً الى اليوم، بالاضافة الى انتقالها الى كتابات شعوب اخرى كما ذكرنا كالفينيقية ومنها الى اليونانية وكذلك العبرية والعربية.




المصادر:

اللغة الاكدية (البابلية ـ الآشورية) ـ د. عامر سليمان
تاريخ اللغات السامية. اسرائيل ولفنسون
من نحن. بيرا سرمس
ملحمة كلكامش. سامي سعيد الاحمد
مجلة الدراسات الاشتراكية عدد خاص 1990
جريدة الحياة العدد 3174
1- Lost Languages. P.E.cleator.
2- extinct Languages: Jonannes Friedrich.


Opinions