اللغة الكلدانية والفضائية الكلدانية
يحلو للبعض ان يسمي اللغة السريانية بالكلدانية ، وهذا خلاف الحقيقة واسم هذه اللغة التاريخي . تاريخيا ، لم يذكر اي مؤرخ او اي من علماء الاثار ، من الذين نقبوا في ارض النهرين موطن الكلديين ، عثورهم على اي دليل او رُقيم يسمي لغة هؤلاء باللغة الكلدية ولا ( الكلدانية ) ولم ينسب اليهم اية لغة ، لقد حدد علماء الاثار اللغة التي استعملها اهل بابل ونينوى والتي تسمى اللغة البابلية الاشورية . ان الذين لديهم معلومات بسيطة عن تاريخ بين النهرين يعرفون جيدا بان الامبراطورية الاشورية قد تبنت اللغة الارامية التي سطع نجمها في سماء بين النهرين واتخذوها مع اهل بابل ايضا ، بديلا عن لغتهم البابلية الاشورية . ان قيام الاشوريون بتبني اللغة الارامية وتفضيلها على لغة ابائهم يعود لاسباب علمية ولغوية صرفة ، وهي كون اللغة الارامية لغة اكثر تطورا من لغتهم ، واكثر سهولة وسلاسة من تلك التي ورثوها من سلفهم ، وبالرغم من ان الاشوريين كانوا في اوج عظمتهم عندما تبنوا الارامية ، ومن بعدهم البابليين ، إلا ان اي من هاتين الامبراطوريتين لم تُسمّ ِ هذه اللغة الجديدة باسمها ، اي لم تنسبها لنفسها ، مع ان لهم فضلا كبيرا على انتشار هذه اللغة بين شعوب المنطقة ، لما كانتا عليه من قوة ونفوذ زمنئذ ، لانهم كانوا اسمى من أن ينسبوا لانفسهم لغة غيرهم. ومن ثم تطورت هذه اللغة على ايدي الاشوريين والبابلين ووصلت الينا بصيغتها السريانية التي يعتبرها اللغويون الوريث الشرعي للغة الارامية القديمة ، ومن بناتها ايضا العربية والعبرية ، ولكن العربية والعبرية لم تكن برفعة السريانية ايام ازدهارها في الرها في القرون الستة الاولى للميلاد ، قبل ان بدأت تنحسر امام العربية التي اتت بها جيوش الغزو الاسلامي للمنطقة ، وفُرضَت قسرا كونها لغة الفاتحين، ومقدسة ، لان الله اختار ان يُنزل بها القران كتاب المسلمين، بحسب اعتقادهم . وكون الاشوريون المسيحيون اصحاب علم وثقافة عالية، قياسا بالقادمين من الجزيرة العربية، لذا تم استخدامهم في المناصب العليا للدولة الاسلامية ، ودورهم معروف ولسنا بحاجة لتكرار فضل هؤلاء العلماء على اللغة العربية وعلى بقية حقول المعرفة الاخرى في زمن الدولة الاسلامية . ان هذه البديهيات التاريخية والعلمية تجعلنا نستهجن قيام البعض بتسمية اللغة السريانية ، باللغة الكلدانية ، لان اسمها الحقيقي هو اللغة السريانية ، وتسميتها خلاف ذلك هو نوع من السرقة والتجني على هذه اللغة .ولما كنا في موضوع فضائية الكنيسة الكلدانية المزمع تأسيسها ، فقد تطرق البعض ممن كتب في هذا الموضوع بان الفضائية سوف تستعمل اللغة الكلدانية ، ولا اعلم مصدر هذا التفاؤل ، لان الكنيسة الكلدانية اصلا قد نبذتها ، وبدأت منذ زمن بعيد بالتخلى رويدا رويدا عن هذه اللغة ، ولولا مقاومة وصلابة شعبنا امام هذا التغيير ، لكانت الكنيسة قد دفنتها منذ زمن ، وقبل ايام كان البطريرك (الكردينال) مار عمانوئيل الثالث دلى قد حط الرحال في عنكاوا احد معاقل الكنيسة الكلدانية المزدهر ، في طريق العودة الى الوطن ، وعند اقامته القداس في احدى كنائسها ، كان صوته يصدح عاليا بالعربية ليُسمع اهلنا في عنكاوا لغة ابائهم . اما اذا كان المقصود بالكلدانية لهجة قرى سهل نينوى التابعة للكنيسة الكلدانية ، فالواقع هو ان لهجات اللغة السريانية الدارجة لا ترتبط بكنيسة معينة ، انما تختلف باختلاف المنطقة الجغرافية ، وهذا ينطبق على معظم او جميع اللغات الاخرى ، اي ان اللهجات هي مناطقية وليست كنسية ، ونورد امثلة على ذلك ، فان لهجة ابناء الكنيسة السريانية في سهل نينوى هي اقرب الى تلك التي يتحدث بها اتباع الكنيسة الكلدانية من لهجة قرى صبنا التابعة للكنيسة الكلدانية ، وان لهجة اينشكي (القرية الجميلة) او ارادن التابعتان للكنيسة الكلدانية هي اقرب الى لهجة بيبيدي التابعة الى الكنيسة الشرقية ، منها الى لهجة تلكيف التابعة الى الكنيسة الكلدانية ، وهكذا الحال في قرى زاخو من جميع الكنائس . اذا اين هي اللهجة (اللغة) الكلدانية المزعومة ؟ هل هي لهجة زاخو ام لهجة صبنا ام لهجة سهل نينوى ؟ ام هي لهجة البازيين التابعين للكنيسة الكلدانية ؟ وهنا ايضا فان جهود الذين حاولوا تقسيمنا الى قوميات بحسب انتمائنا الكنسي ، او بحسب لهجاتنا السريانية ، قد ذهبت ادراج الرياح ، غير مأسوف عليها ، وان شعبنا سيبقى واحدا موحدا لا تحده الكنائس ولا المناطق ولا اللهجات ولا الاسماء .
انه لمثير للسخرية بان يتصور البعض من الكلدان الانفصاليين ، الذين يحاولون تقسيمنا الى ثلاثة قوميات ، ويعتبرون السريان والاشوريين حالهم حال الاكراد والتركمان بالنسبة اليهم ، يتصور هؤلاء بان ابناء امتنا لا يسرهم تأسيس فضائية كلدانية ، واذا وجدت اية اعتراضات على قيام هذه الفضائية فانه نوع من ردود افعال متسرعة بعض الشئ وبحاجة الى تأني ودراسة اعمق ، وبالامكان تفسير ردود الافعال الرافضة كون المبادرين الى تأسيس هذه الفضائية قد فقدوا مصداقيتهم قوميا . شخصيا لا اصدق قيام مثل هذا المشروع ونجاحة ، لان الداعين اليه والذين تبنوا الفكرة هم من الذين لايؤمنون بوحدة امتنا ، وهم قلة قليلة من الطائفيين ، وجهودهم ليس لها ثقل في ساحتنا القومية ، وهؤلاء معروف عنهم ايضا ، انهم يتحركون بدافع المُعاكَسة فقط للجهود الموحدة لابناء امتنا ، ومن ثم تخفت اصواتهم وكل يذهب في حال سبيله ، خاصة اذا انقطع الدعم المالي والمعنوي لمن يحركهم ، وغالبا ما تكون الكنيسة او الغرباء وراءهم، ولم تكن ابدا من اموال ابناء شعبنا او بدعم منهم . ان قيام مثل هذا المشروع يحتاج الى اموال كثيرة ، والمعروف عن هؤلاء بانهم غير مستعدين للتبرع لا بالمال ولا بالجهود ، وهذا المشروع هو بمثابة تحد كبير لهم ، ولا حظَّ له بالنجاح ، والحالة الوحيدة التي يمكن ان ينجح فيها هذا المشروع هو التجاء هؤلاء الى مصدر للتمويل مثل الحكومة الكردية والتي سوف توظفهم لديها وبهذا يكونوا قد اصابوا عصفورين بحجر ، او ان يتم تبنيه من قبل الكنيسة الكلدانية ، او احد مطارنتها ، كما تبنت من قبل تنظيماتهم السياسية اوالاجتماعية ، حيث ، ما ان سحبت الكنيسة يدها منهم حتى تلاشت تلك التنظيمات او بدأت بالتخبط .
ان قيام الفضائية الكلدانية يتطلب جهودا وتضحيات كبيرة ، وكلنا امل بان يمد الخيرين من ابناء امتنا ايديهم بسخاء ، ويتقدم المخلصين من ابنائها لرفدها بكوادر تؤمن بوحدة امتها ، لتعمل هذه الفضائية كمنبر اشعاع لتحقيق اماني شعبنا بالعيش الكريم على ارضه التاريخية . هنا يحق لنا ان نسأل: لماذا هذه الفضائية ؟ أليست فضائية واحدة كافية لنا ؟ واذا كان لدينا مشروع فضائية قومية قائم حاليا ، لماذا اذا لانعمل جميعا على دعمه وتطويره ؟ بدل تشتيت جهود شعبنا ، وان كنا نحن مع التنويع ، ولكن اذا توفرت الامكانيات ، ولم ولسنا ولن نكون مع تحكم جهة واحدة على اعلامنا القومي ، هذا اذا كانت الغاية من وراء تأسيس هذا المشروع هو خدمة ابناء شعبنا ، واحقاق حقوقه على ارض الوطن ، وان لايكون هناك اهداف مخفية وغير معلنة ، وان تقوم هذه الفضائية باموال ابناء امتنا وبجهودهم ، اما اذا كانت ستنشأ من اموال الغير ، فلما كل هذا الصخب ؟ فان فضائية عشتار موجودة ولا اعتقد بان الاكراد مستعدين لتأسيس فضائية اخرى لابناء الكنيسة الكلدانية ، واخيرا اتمنى ان تكون الدعوة الى تأسيس هذه الفضائية دعوة صادقة ومخلصة ، وان تعمل هذه الفضائية ، لو كتب لها ان ترى النور ، الى زيادة روابط التلاحم بين جميع شرائح شعبنا ، وتعميق الوعي القومي الوحدوي ، وان لاتكون بوقا لمزيد من التقسيم لخدمة مصالح الغرباء .