Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المالكي يقر بأنه يحتفظ بملفات الإرهاب للوقت المناسب

27 كانون الأول 2011
في المؤتمر الصحفي (1) الذي عقده إثر قضية اتهام الهاشمي، أدلى رئيس الحكومة العراقية، بعدة تصريحات خطيرة يبدو أنها لم تلق الإنتباه الذي تستحقه.
النقطة الأخطر كثيراً في القضية هي أن المالكي قال ما يستنتج منه أنه قرر شخصياً في الماضي تأجيل تقديم المعلومات التي لديه حول إتهامات إرهابية ضد كبار مسؤولي الدولة إلى القضاء، إلى الوقت الذي رآه مناسباً! وقال أيضاً أنه مازال مستمراً بممارسة ذلك، وأن "لديه الكثير" من تلك الإعترافات!
فعن سؤال إن كانت "هناك شخصيات سياسية أخرى" في الطريق إلى عرض ملفاتها.
أجاب المالكي: "لم نسكت على أحد ارتكب مخالفة كما لم نسكت عن هذه المخالفات وقد حذرنا أصحابها. أنا قبل ثلاث سنوات قدمت ملف باعترافات مصدقة إلى هيئة رئاسة الجمهورية وإلى سماحة المرحوم عبد العزيز الحكيم عن المخالفات التي ارتكبها نائب رئيس الجمهورية قبل ثلاث سنوات وكنت أصبر من اجل العملية السياسية واصبر"!
ولا يحتاج الأمر إلى بلاغة لنفهم أن السيد المالكي يعطي لنفسه هنا حق الإحتفاظ بمعلومات عن إرهابيين مازالوا طليقين يمارسون إرهابهم في العراق ويفجرون ويقتلون، وكل ما يفعله هو أنه "يصبر من أجل العملية السياسية"!
والسؤال الأول عن الحكمة في ذلك التصرف، والسؤال الثاني عن الحق بممارسته، وهل أن منع المعلومات من الوصول إلى القضاء ليست جريمة يحاسب عليها القانون، في "دولة القانون"؟
يبرر المالكي تصرفه بأن "الصبر في مثل هذه الحالات ضروري رغم أنه صعب وشاق، بالذات حينما يكون الصبر على مخالفات وعلى تجاوزات أمنية وأرواح ودماء".
ولا تعنينا هنا "صعوبة" و "مشقة" ذلك "الصبر"، فهذا اعتراف صريح بأن هذا التلكؤ في الإبلاغ عن المعلومات الإجرامية كلف ارواحاً ودماءاً، فمن له الحق بمثل ذلك "الصبر" وأين أجاز الدستور والقانون مثل هذا؟ وكيف يفسر رئيس الحكومة لأهالي الضحايا أن الوقت لم يكن مناسباً لوقف ذلك الإرهاب والقتل حسب قوله، وأن السماح بقتل أهلهم بصمت، كان ضرورياً لإستمرار العملية السياسية؟ لاحظوا أننا لا نتحدث عن إخفاء عملية قتل تمت وذهبت، وهي جريمة في عرف القانون، وإنما نتحدث عن التستر عن أعمال قتل جارية ومستمرة!
فماذا يعني هنا "لم نسكت على أحد ارتكب مخالفة" وهل يكفي القول "أننا حذرنا أصحابها"؟ هل نتحدث هنا عن عمليات إرهابية أم "مخالفات"؟ وهل أجاز القانون معاملة الإرهابيين بـ "التحذير"؟
المالكي يدرك بلا شك خطورة موقفه فيقول "ربما يقول البعض ان هذا تستر وخيانة"، وتبريره هو:"وإذا كان بغرض التستر فهو خيانة ولكن إن كان ضمن إطار الممكنات والإدارة..."
ولكن، من الذي يحكم على "الغرض" والنية و "الإطار"؟ هل سيقبل المالكي أن يبرر مواطن عادي أو حتى مسؤول أو وزير أو رئيس برلمان أو رئيس جمهورية غداً، إخفاء معلومات جنائية خطيرة، بأنه رأى شخصياً أن "مصلحة البلاد تتطلب إخفاءها"؟ وأن "السياسة فن الممكن"؟ وهل هناك أمتياز في الدستور أو القانون لرئيس الحكومة يسمح له بذلك دون غيره؟ ألا يطالب المالكي هنا لنفسه بثقة عمياء من الشعب ومؤسسات القانون، حول "غرض" ونية رئيس الحكومة، والإكتفاء بذلك دون تطبيق القانون؟
هل مقبول أن لا يُترك للدستور والقانون أن يأخذا مجرياهما إلا بعد ان يسمح لهما رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، وأن يمنعاهما متى ما اعتبرا "الغرض" شريف؟ هل يسمح لرئيس الحكومة أن يوقف عمل القضاء بقطع المعلومات عنه، بمجرد أن يقول أنه رأى أن السياسة "الممكنة" تتطلب ذلك؟ ألا يلعب رئيس الحكومة حين لا يسمح بتمرير اتهام إلا بعد موافقته وتقديره بأنه "ممكن" سياسياً، نفس الدور الذي طالما انتقده لرئيس الجمهورية في عرقلة عمل القانون والقضاء؟ بل أوليس ذلك أخطر مئة مرة، باعتبار أننا نتحدث هنا ليس عن عرقلة إعدام مجرم سجين وإنما عن إرهابي طليق ما زال يمارس الإرهاب والقتل؟
أية عملية سياسية وأية حكومة هذه التي يريد المالكي إنقاذها؟ وكيف تعمل حكومة لا يعرف كل وزير فيها إن كان زميله إرهابيا أم رجل لطيف؟ هل من حق رئيس الحكومة أن يجعل البلاد تعيش في حالة قلق هكذا وهل يمكن لمثل هذه الحالة أن تخدم أية عملية سياسية؟ وأين هو فصل السلطات وأين إطاعة القضاء الذي يقول السيد المالكي "أنه يأمرنا"؟ وأين القانون الذي يمنع إخفاء المعلومات الخطيرة ويتهم من يقوم بذلك بالتستر والمشاركة في الجريمة؟ أم أن رئيس حكومة دولة القانون فوق ذلك القانون؟
يقول المالكي في نفس الخطاب: "القضاء لا يسيس... وينبغي ان نفصل في القضايا التي تعترض طريقنا ، بين قضايا امنية تاخذ طريقها عبر القضاء وتنتهي عبر القضاء وتنتهي بنعم أو لا وبين القضايا السياسية والقضائية. الدستور يفصل بين السلطات وهي أهم فقرة في ا لقضايا الدستورية... دستورنا فصل بين السلطات".
لكن "تسييس القضاء" لا يعني فقط تقديم القضايا الكيدية لأعداء سياسيين، وإنما أي تدخل للأجندة السياسية والتقديرات السياسية في عمل القضاء. وعمل السلطة القضائية يعتمد على المعلومات التي تقدمها لها أجهزة الأمن التابعة للسلطة التنفيذية، فإن خضع سير المعلومات إلى تقديرات سياسية للسلطة التنفيذية، خضعت السلطة القضائية وقدرتها على ا لعمل، للتقديرات السياسية للسلطة التنفيذية، بل لرئيس الحكومة شخصياً في هذه الحالة.
ولو افترضنا أن المالكي لم يستطع كشف الملفات في الماضي، لصعوبته السياسية كما يقول، ولنفترض جدلاً أن ذلك من حقه، فما الذي فعله كبديل؟ وأين بحث عن حل لمثل هذا الكارثة التي تهدد بلده؟ هل أطلع حزبه على تلك الملفات واستشارهم وقرروا جميعاً أنه لا مجال لطرح القضية على القضاء وتحملوا المسؤولية معه، أم احتفظ بها لنفسه ليقرر توقيت طرحها؟ وإن كان فعل، فهل بحثوا معاً عن حل، أم احتفظوا لأنفسهم بالمعلومات وتركوا الإرهاب حر العمل في بلادهم؟

مثلاً هل أبلغ المالكي وحزبه الأمريكان بالمشكلة، خاصة أن الأمريكان هم من كان يصر ويلح على إبقاء الشركاء في الحكومة، وماذا قالوا له؟ إن لم يبلغوا الأمريكان فلماذا؟ وإن فعلوا فما فعل الأمريكان؟ ألم يكن كشف تلك الملفات لهم كفيلاً بمنعهم من دعم هذا الحزب وتزوير الإنتخابات من أجله في الإنتخابات الأخيرة؟ أم أنه لم يفعل لأنه مقتنع أن الأمريكان هم وراء الإرهاب، وأنهم سيدافعون عن الإرهابيين؟ ألا يعني مجرد وجود مثل هذه المشكلة، أن وجود الأميركان لم يكن له أي مبرر وأن الحكومة لم تستطع الإعتماد على مساندتهم حتى حين كانت تعرف الإرهابيين وتمتلك ملفات لمحاسبتهم؟ بل ألا يعني ذلك أنهم يدعمون الإرهاب حين يصرون على دخوله الحكومة، ويزورون الإنتخابات من أجله وهم يعلمون به، وأن التخلص منهم بأسرع ما يمكن كان واجب الحكومة الأول؟ ألا يعني أن المعاهدة التي أبقتهم ثلاث سنين إضافية كانت كارثة أبقت دعما للإرهاب ثلاثة سنوات إضافية ؟ هل إذن أن خروج الأمريكان هو ما جعل المالكي يرى أن الوضع أصبح يسمح بكشف تلك الملفات؟
لنسائل رئيس حكومتنا: ما هي الأشياء التي يمكن أن تجعل من كشف ملفات إرهاب، أمر "غير ممكن سياسياً"؟ لا يمكن أن يكون سوى أن وراء المجرمين قوة تستطيع الإنتقام وتدمير البلد او العملية السياسية. وإذا أخذنا قضية طارق الهاشمي التي أخفاها رئيس الحكومة سنوات، فمن الذي يمكن أن يدمر البلد من أجل الهاشمي حين تكشف أوراقه بوضوح وشفافية؟ العراقية؟ العراقية ليست حزباً، بل مجموعة سياسيين، كان لهم ناخبين كثر، ولا يمكنها بذلك أن تقوم لوحدها بالإنتقام. وناخبي العراقية لا يمكن أن يقفوا بصف قضية إرهاب واضحة، والدليل هو اليوم، فأن من وقف مع المحاكمة أكثر بكثير ممن احتج عليها، والذي احتج عليها لم يلجأ إلى العنف، فأين هي التظاهرات الصاخبة التي كنت تخشى على العملية السياسية منها، وأين هو احتلال الشوارع مثلاً؟ وإن لم يكن الشعب هو المشكلة، فمن هو المشكلة؟ أفلا يجدر برئيس الحكومة المنتخب، حين يعلم أن الشعب معه، خاصة إن تعامل معه بوضوح وشفافية، أن يكشف الأوراق لشعبه وأن يوحد صفوفه لمواجهة هذا التهديد، بدلاً من "الصبر" على الإرهاب لعله يهتدي؟ ألا يعني خروج الكثير من السياسيين عن العراقية أن الكثير منهم خدع في الموضوع، وأن كشف مثل تلك الأوراق كفيل بإنهائها سياسياً إن كانت وراء الإرهاب؟
ما هي الجهة التي يخشى المالكي أن تبقى تدعم العراقية حتى بعد كشف ملفات الإرهاب إذن؟ أن من وقف مع العراقية ليجبر الحكومة على إدخال منتسبيها إلى دائرة الإنتخاب رغم كشف ارتباطاتهم غير القانونية بالبعث ووجود قانون يمنعهم من الترشيح، لم يكن الشعب أو السنة وتظاهراتهما، وإنما السفارة الأمريكية والسفير الأمريكي الذي وصل الأمر إلى حد تهديده بالطرد من العراق من قبل المالكي نفسه، أذكّر بهذا لكي لا ننسى! أوليس أصحاب السفارة هؤلاء هم أنفسهم من يدعونا السيد المالكي لرهن مستقبل العراقي الأقتصادي والسياسي والأمني بأيديهم من خلال إتفاقيات الإطار الإستراتيجي؟ فهل أن أتفاقية الإطار الإستراتيجي كانت أيضاً ضمن سياسة مهادنة "الممكن"؟
لندفع بسؤال صريح: هل يمتلك المالكي أيضاً ملفات تدين الأمريكان بالإرهاب وأن "مقتضيات سياسة الممكن" رأت أن طرحها "غير ممكن"؟ إن مبرر الخوف من نقمة الأمريكان، على ضعفه، يبدو مبرراً مقنعاً أكثر بكثير من مبرر الخوف من نقمة الهاشمي وجماعته. ويبدو لي أن السيد الجعفري حين قال "لا مشكلة لدي مع البريطانيين" إثر اكتشاف جنديين متلبسين بعملية إرهابية وقتلهما لشرطيين عراقيين، كان أيضاً يرى أن الوضع السياسي لا يسمح بكشف الملفات، وربما كان محقاً، وأن الشهرستاني حين قدم قصة خرافية بأن محطة تصفية نفط انفجرت بفعل حرارة محرك سمتية مرت فوقها، كان أيضاً يرى أن الوضع السياسي لا يسمح بكشف الملفات بوضوح أكثر، فاكتفى بالتلميح، وربما كان محقاً. هذه نعرفها فيا ترى كم واحدة لا نعرف عنها شيئاً تم إخفاؤها لأن "الوضع السياسي لا يسمح بكشفها"؟
والآن؟ ما هي النية بالنسبة للمستقبل، هل هناك ملفات أخرى، وهل ستستمر سياسة إخفاء الملفات حتى يحين الوقت السياسي "الممكن" لها؟
قال السيد المالكي في المؤتمر: "ودعوني اقول بصراحة أن لدي الكثير و أتمنى على الأخرين أن يتوقفوا على الأقل عن عمليات التخريب والقتل ... أتمنى عليهم أن يقفوا على الأقل... وإلا كل الملفات ستخرج وستوضع أمام القضاء ولينظر القضاء ماذا يقول."

إذن فالمالكي مستمر في حكومة شراكة مع مجرمين يحتفظ لهم بملفات تطير بأعناقهم في اللحظة التي يقررها هو، وعلى الناس أن يقبلوا حكومة مثل هذه لا يعلم أحدهم كم وزير سفاح فيها وأيهم قاتل وأيهم لص وأيهم شريف! إذا كان المالكي يرفض "المساومات السياسية على ارواح الناس" كما يقول، فما هي المساومات السياسية إن لم يكن الوعد بعدم كشف ملفات القتلة، مقابل أن يتوقف القتل مساومةً سياسية؟
يقول المالكي أن الفترة "المقبلة تحتاج إلى المزيد من الوضوح والجدية والإلتزام والحاكمية .."
ويقول أن "ماكان لا يصلح 2005، و 2006 و 2007 يصلح الآن" فلماذا لا يواجه الأمر، هو وكل من يمتلك ملفات إرهاب، وتكشف الملفات كلها مرة واحدة، وفضح ليس فقط من يقوم بتنفيذ الإرهاب وإداراته الوسطية، وإنما كل الجهات التي تديره حتى رأس الهرم؟ بهذا فقط ، وليس بـ "الصبر" و التوسل للإرهاب لـ "يتوقف" يمكن أن ينتهي هذا الفصل الغريب القبيح من تاريخ العراق السياسي وما يحمله من دماء ودموع وخطر. أفلا تكفي الصور المريعة لضحايا تفجيرات بغداد وأطفالهم للإقرار بخطأ وخطر هذه السياسة؟
إنها أسئلة ننتظر بقلق من السيد المالكي وكتلته أن يجيبونا عنها لنفهم إلى أين تتجه هذه البلاد..

(1) فيديو المؤتمر الصحفي للمالكي حول قضية الهاشمي
(3/1) http://www.youtube.com/watch?v=kMRLSqrcdWE&feature=related
(3/2) http://www.youtube.com/watch?v=gi1Ri1cbpR0&feature=related
(3/3) http://www.youtube.com/watch?v=FYTfXgAY5m0&feature=related
Opinions