Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المثـقفون وصيانة وحـدة شـعبنا

تطلـق تسـمية ( المثـقف ) على المتـمكن في جانب أو أكثـر من الآداب والفنـون والعلـوم ، ولـه غنـى فكري ومعرفـة في مجـالات إهتـمامه . . ولـذا يشـكل المثـقفون نخبـة تمتـاز بوضـع بـارز ومسـموع في مجتـمعاتهم .

لقـد أبلغـنا التاريـخ ، أن المثـقفين كانـوا في غالـب الأحيـان المحـرك الأول للأحـداث الإصلاحية في زمانـهم ، بأقلامهـم التي هـي أمضى نفـاذا من سـنان الرماح ، وألسـنتهم التي هـي أقـوى هديـرا من دويّ المدافـع . . ولسـنا في مجـال عرض المثـقفين وإنجازاتـهم عبـر التاريخ ، فهي مـن المحـال أن تعـد وتحصى . . ولكنـنا نشـير إلى عـدد منهم على سـبيل المثـال لا الحصـر ، الذيـن قـرأنا عنهم الكثيـر ، ومنهـم : ـ
الفرنسـيون : مونتسـكيو ( 1689 ـ 1755 ) الذي كان تأثيـره بـارزا فـي تطـور الدسـتور الفرنسـي ، وفولتـير ( 1694ـ 1778 ) صاحب القلـم الرشـيق اللاذع والمؤلفـات التي دفعـت الشـعب إلى مقاومـة تزمـت السـلطتين المدنيـة والدينـية ، وروسـو ( 1712 ـ 1778 ) صاحب ـ العقـد الإجتماعـي ـ الذي تأثـرت بمبادئـه الثـورة الفرنسـية .

ومن العالمييـن أيضا ، نذكـر الأميركية هريـيت سـتاو التي كان كتابـها ( كـوخ العـم تـوم ) هو المحرك لأبراهـم لنكولن ( رئيس الولايات المتحدة 1860 ـ 1865 ) للعمل في سـبيل إلغـاء الرق والسـعي لتحريـر العبيـد .

وفي المجـال العربي ، نشـير إلى : عبدالرحمـن الكواكبي ( 1849 ـ 1902 ) المشـهور بدعـوته إلى التحرر والإصلاح ، والشـيخ ابراهيـم اليازجـي ( 1847 ـ 1906 ) الذي كان من أئمـة النهضة الأدبيـة والإنسـانية في لبنـان و يفتـخر بإتـقانه للسـريانية ، وسـلامة موسـى ( 1887 ـ 1958 ) الذي دعـا إلى الإنفـتاح والعـودة إلى الجذور بروح عصرية بعيـدا عـن التعصبات العرقيـة .

وفي مجـال شـعبنا ( الكلداني الآشوري السرياني ) لنـا لائحـة طويلة من أسـماء المثـقفين الرائعيـن وأعمالهم الرائعـة ، مع مسـار تاريخنـا الطويـل ، وللإشـارة نذكـر : نعـوم فائق ( 1868 ـ 1930 ) من رواد نهضـة شـعبنا القومية والوحدوية الحديثـة ، و يوسـف حبـي ( 1938 ـ 1997 ) الذي هـو أحد أبرز مثـقفي شـعبنا في العصر الحديث ومنشـئ مجلة بيـن النهريـن وصاحب فكـرة مهرجان أفرام ـ حنين ( بغداد 1974 ) ومن دعـاة وحـدة شـعبنا بمعـزل عن أسـاطير التوراة وغيرها . . وهو الذي قال في وصيتـه التي كتبها قبل نـحو خمـس سـنوات من وفاتـه :
حـق وحـب وحـياة ، شعـار حيـاتي ، وأمـلي أن يـكون شـعـار النـاس أجـمعـين .
أحـبـبت الأنسـان فـي كـل مكـان وكـل حـين .
أحـبـبت بـلدي ، كنيسـة المشـرق العـزيـزة .
أحـبـبت أهـلي وأقربـائي ، وأعـتبرت الأصـدقاء بـل كـل النـاس أهـلي وأقـاربـي .
أحـبـبت كهـنوتـي ، وعـملي والـثـقـا فـة .

وابروهـوم نـورو ( اللبنـاني ) الذي شـملت جولاته مراكز ( السريان الكلدان الآشوريين ) وجمعها في كتابـه ( جولتـي) المطبوع عـام 1967 الذي جعله باللغتين السـريانية والعربية وأكد فيه أن كل التسـميات هي إسـم واحد ، وطالمـا أوصى بذلـك خلال حضـوره مهرجـان أفرام ـ حنيـن ، الذي شـارك فيه مثـقفون من أنحـاء العالم ، وعلى رغم أن كتابه يخص الكنيسـة السـريانية إلاّ أنـه ركّـز على الجوانب الثـقافية لشـعبنا ودعـا إلى إلغـاء الخطين الشرقي والغربي في الإسـتخدامات الكتابية السـريانية وإتبـاع الخط السرياني الإسـطرنجيلي المشـترك بين الخطين الغربي والشرقي ، وقال عنـه المطران غريغوريوس بولس بهنـام ، إنـه " ينـادي كالبرق المرعـد الأبناء لربط جهودهـم بجهـود الآبـاء ، ويحرضهم إلى طبع حياتهم بحيـاة الأسـلاف " .

المثـقف والسـياسي
ـــــــــــ

تختـلف نظرة المثـقف إلى القضايا القوميـة والإجتماعيـة عـن موقف السـياسي ، فالمثـقف ينظر إليـها بحرية مطلقـة على أنها رابطة إجتماعيـة بين مجموعـة من الناس تربط بعضهم ببعض وحـدة اللغة والثـقافة والتاريخ والمصالح المشتركة وعليهم التـعاون والعمل التضامني لنصرة قضاياهـم . .
بينمـا السـياسة هي أشـبه ماتكـون بحرفـة عاديـة يمكن أن يلـوج مضمارها كل راغب بالعمل في مجالاتها المتباينة المقاصد داخل المجتمع الواحد والتحزب لأحد مبادئها العقائـدية والسـعي لتحقيقـه ، وهذا يجعله مقـيدا في إطار منهج يلتـزم بـه . .

وهـنا يبـرز الإختـلاف بيـن المثـقف الذي يلتـزم المجتمع وقوميـته كإطار موحد عـام لنشـاطه وينسـجم بسـهولة ومن دون حواجز مع غيره من أجل العمل المشـترك ، في حين أن السـياسي يكون متوجها لجـزء المجتمع الذي يلتـقي مع عقيدتـه وقـد يدخـل في صراع مع الأجزاء الأخرى وهذا يسبب المصاعب أمام لقـاء السياسيين ـ الذين تـتباين عقائدهـم ـ على رأي واحد ثابـت بسـبب صعوبة توافـر قواسـم مشتركة دائمية بينـهم .

وإنطلاقـا من هـذا الفهـم ، ولأن ترسـيخ وحدة الشـعب ( الكلدانـي الآشـوري السـرياني ) أمـر مصيري لايقبـل التسـويف والمسـاومة ، فإنـه يتعيـن على مثـقـفيه تولـي زمام المبـادرة في شـأن قضايـاه المصيريـة ، التي يمكـن أن تبـدأ بلـقاء بيـن مجموعـة من مثـقفيه داخل العراق في إحدى بلـدات سـهل نيـنوى أو ما جـاوره ، ووضع برنامـج للعمـل يقـوم على خطوات بالدعـوة إلى إجتماع أوسـع يفضل أن يشـارك فيه ممثـلو الكنائس والأحزاب والتنظيمات المختـلفة ، ويبحـث بوضوح وتعـاون المشـاكل التي يعاني منها شـعبنا وفي صدارتـها قضية التسـميات المتـعددة المنفصلة عـن بعضـها التي تـتعارض مع الوحدة المتوارثة وتؤدي عاجلا أم آجلا إلى التـقسيم ووبـاء الإنهيـار وبالتالي إلى الإنقراض الواقعـي ، ولـذا فإن التحرك لصيانة وحـدة شـعبنا راهنـا وترسـيخها مستـقبلا تتطلب مراعـاة مشـاعر التـفاؤل والإفـتراض بأن عـند الكـل إرادة صالحـة ، وإن وجـدت إختلافـات أو وجهـات نظر ، فينبغـي معالجتها بأعتـبارها داخـل العائلة الواحـدة .

نعـم ، العمـل القومي المشـترك يتطلب التـفاؤل ، على رغـم حقيقـة ان الأحـزاب السياسية لهـا مصالحها وتـفكر بأجندتـها الخاصة ، ونحن لا نعارضها في ذلـك مادمنـا نلتـزم إحتـرام الديمقراطية وتعـدد الآراء والتوجهـات السـياسية ، وإن كان بينها من ليس حـرا في قراره لأنـه يحتمي بجهـات أخرى داخلية وخارجيـة ، ومعتـمدا عليـها ماليـا . . أمـا قـادة الكنائس فهـم منقسـمون وبينهم من ينظـر إلى الأمـور خارج الزمـن الذي نعيشـه ، وحتى إهتمامهـم المتصاعـد بالدورات الدينيـة فإنـه ـ كما يبـدو ـ من أجـل ترسـيخ إنقسامات عقائدهم المذهبية وهو مايؤثـر سـلبا على مسـاعي إزالة معوقـات وحـدة شـعبنا ، وليس خافيـا أن قسـما منهم يرتبط حتـى مع جهـات تريد ترسـيخ تـقسيم شـعب ( الكلدان الآشـوريين السريان ) وتغييـبه وجعله مجـرد طوائف دينيـة لا أهمية لخصوصياته اللغـوية والقومية ، وحتى مانسـمعه منهم ـ أحيانـا ـ من رغبـات بالوحدة هو مجرد أقوال غير مدعومة بأفعـال حقيقية وجديـة دائميـة .

وإزاء هـذا الوضع ، وهو حقيقـة ينبغـي الإعتراف بهـا بشـجاعة ، أصـبحت القضية القومية لشـعبنا ومعالجـة عللها من المهمات الرئيسـية لمثـقـفيه ، وما يتطلب ذلك من دعـوة الجميع للمشـاركة الفعالـة والتوجـه الحثيـث نحـو قراءة علامـات الأزمنـة ودراسـة أمور شـعبنا بإمعـان لتحديد مصلحته وسـط مؤشـرات إنهيـار الكثير من مقوماتـه وتـفاقم موجات الهجـرة والتهجير إلى الخارج .

مؤشـرات مشـجعة
ــــــــــ

ليس خافيـا ، أن مؤتمـرات عقـدت واجتماعـات حصلت من أجل ترسـيخ وحـدة شـعبنا ( الكلداني الآشوري السرياني ) والإتـفاق على إسـم موحـد ، وقـد حقق قسـم منها نجاحـا ، ولكنـه حتى الآن كان وقتـيا وبعيـدا في محصلتـه الدائمـة عن الإنجـاز المطلوب ، ولسـنا هنـا في مجـال المحاسـبة والعـتاب وفحص الضمائر وتحميل المسـؤولية ، لأنـنا نريـد تضييـق الشـرخ وجعـل الجرح يندمـل . . والأسـلم هـو الإتـعاظ بمـا حصل وتـقديم التـنازلات والـتزام الذي لا خـلاف في شـأنه وتذليـل مشـكلات غيـره وصـولا إلى خطـوة بنـاءة باتجـاه ماهـو مقبـول على الأقـل مـن الغالبيـة .

أجـل ، قولا ، الكـل يكاد يتـفق بأن ( الكلدان الآشوريين السريان ) شـعب واحد ، ولكن لا تطبيـق كما ينبغـي يجسـد هذا القـول أفعـالا ، في وقت يتـركز الخلاف حول الإسـم الموحد ، إلى حـد التـزمت عند العديـد من مسـؤولي الأحـزاب وقـادة الطوائف الدينيـة لشـعبنا .

وفـي هـذا الخضـم المتـشعب المسـالك ، تبـرز مؤشـرات مشـجعة بتـنامي إتجـاه لتأسيس روابط تحمـل إسـم ( الكلدانية الآشـورية السـريانية ) ومـا ظهـر منها حتى الآن يمثـل مواجهة وحدويـة مع التنظيمـات التي تـقتصر على أحـد الأسـماء الثلاثة ، التي وإن ادعـى بعضـها الوحدة ، إلاّ أن تمسـكه ( هـذا البعض ) بالأسم الواحد من دون الإسـمين الآخرين ، يجعـل أمـره وموقـفه وإمكان دخـول المنتمين إلى كل الأسـماء فيـه مدعـاة للتسـاؤلات ، وفي الوقت نفسـه فإن هذا البعض لايوصـد بابـه في وجـه مناهضي الوحدة الذين همهم التـذرع وتوجيـه التهـم ، سـواء كانت حقـا أم بهتـانا وبذلك فهو يقـوّض الوحدة بـدل حمايتها ، كما يدعـي .

وهنـا يأتـي دور المثـقفين الذي نتطلع إليـه ، مشـكلا الحـل الوسـط الذي يقـتضي أن يرضى بـه الجميـع ، باعتـباره الأسـلم لأنـه غيـر خاضع لجهـة سـياسية معينـة . . ونـأمل ألاّ يظهـر من يعـارض هـذا الدور ، أمـا إذا خـاب ظنـنا وظهـر بيـننا هـذا ( المتمـرد ) فليس لنـا إلاّ أن نقـول :

" علـى كـل الخيرين تشـخيص الزّوان وإنقـاذ حقول شـعبنا من أضراره . . وتحجيـم خطر الطالح ، وأن يواصـل المثـقفون تصميمـهم على حسـم مصير شـعبنا ، فـلا خيـار غيـر المضـي في السبيل الصالح وتجاوز كل المعوقيـن والمعوقـات ، من كانـوا ومهمـا كان نفوذهـم حتى الوصول إلـى الهـدف " .


Opinions