المرأة..مومياء مكانتها الفطرية المقدسة ..
" من أراد أن يتخذ جارية للمتعة فليتخذها بربرية،ومن أرادها للولد فليتخذها فارسية،ومن أرادها للخدمة فليتخذها رومية".... ما قاله الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يلخص نظرة مجتمعاتنا للمرأة ويفصح عن ادوارها المعظمة في الحياة!
الحضارة مسؤولية الأنسان،اذا كان التطور الحضاري يحسب لصالح الأنسان فالتراجع يحسب ضده،وهذا يقربنا من اهمية الثروة البشرية وتفوقها على بقية الثروات الطبيعية،فهي الثروة العاقلة المنتجة الوحيدة على وجه الأرض،اي تدهور في القدرة او القيمة العاقلة لتلك الثروة سيؤول الى تدهور حضاري،اي تعويق او اعاقة لتحرير الطاقة الكامنة بتلك الثروة سيؤول الى تخلف..قكرة تخزين تلك الثروة ليست بفكرة موفقة فالثروة العاقلة لا تخزن بل تحرر،لا توظف ولا تستثمر إلا كثروة عاقلة، تشويه تلك الثروة والحط من قيمتها، مارثون جماعي واجتماعي نحو الإنكفاء، بينما شحذها وتنميتها بكل جديد مفيد، يجنبها العطب والتكلس ويحفظ قيمتها العاقلة...
المجتمعات التي اهتمت بثرواتها البشرية ونمت القدرة العقلية لتك الثروات، تطورت واندفعت نحو الإمام حتى وإن لم تمتلك من الثروات والموارد الطبيعية كثيرها..بينما المجتمعات التي لجأت الى هدر او تجميد ثرواتها البشرية،او أخفقت في تنمية القدرة العقلية لتلك الثروات، انحسرت وتراجعت الى الخلف وإن كانت تمتلك من الثروات والموارد الطبيعية ما يشار له بالبنان..
في مجتمعاتنا تشطر الثروة البشرية الى شطرين،الشطر الذكوري والشطر الأنثوي،ويسخر الشطر الأنثوي لخدمة ورعاية الشطر الذكوري بصفته الشطر العاقل والمنتج،ويسوق هذا التسخير على انه أمر الهي لا بد منه لتسهيل مهمة الشطر الذكوري وتمكينه من اداء دوره العاقل بفاعلية عالية وارتياح، ولتحقيق اكبر نفع ممكن للمجتمع،ورغم أن هذا التوظيف لم يؤد اغراضه وما زلنا مجتمعات مستهلكة لكل شيء واي شيء،فأن التفكير في استثمار وتوظيف الشطر الأنثوي بشكل مغاير ما زال مستبعدا،فهذا الشطر في الثقافة السائدة غير مسؤول حضاريا!، إلا انه في الوقت نفسه يمتلك مكانة مرموقة تحفها العزة والكرامة،كما ان التفكير بتنمية الشطر الذكوري والسعي لشحذ قدراته ما زال على طاولة المجهول..
ولو تفحصنا تلك المكانة سنجدها مرتبطة ارتباطا وثيقا بدور المرأة النمطي في الحياة،والذي لا يخرج عن مجموعة فعاليات ووظائف تقوم بها او تهيأ لها،مثل،الأمومة،الرضاعة،خدمة الرجل واشباع غريزته،القيام بالشأن المنزلي...الخ..بمعنى ان مكانة المرأة المرموقة مستقدمة من"دورها الفطري" الذي حظى بأهمية بالغة لدى الأمة الأسلامية،وهذا يفقد تلك المكانة موضوعيتها ولسبب بسيط هو ان الأنسان يعيش حياة عاقلة،وحياته العاقلة هي ما يميزه عن حياة باقي الكائنات الحية التى لا تؤدي اكثر من دورها الفطري،اما دورها العاقل فمسؤولية حضارية كونها نصف الثروة البشرية،ولا يبدو من الخير هدر اهم ثروة يمتلكها المجتمع ومن الجهل التفريط بها تحت اي ادعاء..
واذا كان اداء الدور الفطري هو ما يمنح الأنسان مكانته المرموقة،هذا يعني ان كل الكائنات الحية غير العاقلة تمتلك تلك المكانة المرموقة لمجرد أداء هذا الدور، وممكن مساواتها بالأنسان/الانثى..
فما الجديد الذي اضفته الثقافة الأسلامية للدور الفطري ليكتسب تلك الهيمنة على الوعي الجمعي بصفته مكانة مشرفة للمرأة..
وما الجديد الذي انفردت وتميزت به المرأة المسلمة عن مثيلتها غير المسلمة أذ بات أداء الدور الفطري مكانة مرموقة لها وموضع تعظيم وتكريم في الثقافة الأسلامية علما أن نساء الأرض قاطبة يقمن بهذا الدور، ولم نسمع عن انقراض الشعوب والأمم - منذ بدء التاريخ لغايته- بسبب عزوف المرأة عن فطرتها او رفضها اداء هذ الدور الذي فرضته الطبيعة وسنة الخلق..
لنقترب من هذا الدور اكثر لنتعرف على جديده..
لجأ الانسان لسن القوانين والدساتير لتنظيم حياته وضبط سلوكياته الأجتماعية والأخلاقية وترتيب شؤونه الحياتية،ومن ضمن ما لجأ اليه هو تنظيم دوره الفطري في الحياة،وقد اختلفت المجتمعات في تقييم هذا الدور كما تباينت قوانينها الضابطة له تبعا لثقافاتها ومعارفها الفكرية والعقائدية وذائقاتها الوجدانية،وقد وصل التباين بين بعض المجتمعات الى طرفي نقيض كما هو حاصل بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الأسلامية،فبينما تميزت الأولى بالإنفتاح اذ نظرت الى ممارسة الدور الفطري على انه حرية شخصية فكل انسان يملك جسده، ويملك عقله،وهو كفيل بتدبير دوره الفطري بما يناسبه،وسنت قوانينها لهذا الشأن بما يتناسب مع تلك الحرية المتاحة، ذهبت الثانية الى سن منظومة مهوولة من التشريعات والقوانين الصارمة لتنظيمه والسيطرة علية،ولأن الدور الفطري يرتكز على مجموعة فعاليات غرائزية ووظائف جسدية فقد ادغم بمنظومة الأخلاق، فبات جسد المرأة ممولا لشرف الأنسان المسلم ومتصدرا لقيمة هذا الشرف،كما بات اداء المرأة الفطري مشروطا ومحكوما بمعايير المنظومتين وما يقع بينهما، فكلما التصقت بدورها الفطري وفقا لتك المعايير كلما حققت واكتسبت مكانتها الأجتماعية،وكلما اخلت بتلك المعايير سقطت مكانتها بل نبذت كأنسان، لذا فأن قيمة الدور الفطري- الذي تنبثق منه مكانة المرأة- من قيمة الخضوع لتلك المعايير رغم ما تكتنفه من غلاظة وإجحاف،وبالتالي فمكانة المرأة من مستوى خضوعها، ليس لتك المعايير التي تبرمج جسدها وتدير شؤونه الوظيفية وحسب، بل لأي معايير تقترحها سلطات مفوضة في هذا المضمار مثل سلطة ألاب،الأبن ،الأخ،الزوج،العشيرة او اي سلطة ذكورية،ولأن المرأة المسلمة تفوقت في مستويات الخضوع بات هذا التفوق امتيازا لها امام نظيراتها ..
ومثلما اخفقت مجتمعاتنا في توظيف الثروة البشرية فانها اخفقت وما انفكت تخفق في مناظراتها حول مكانة المرأة المسلمة في العالم الأسلامي ومكانتها في العالم الغربي فهي مناظرات تتناسى وتتغافل مكانة المرأة الغربية كثروة بشرية منتجة،كقوة عاملة،قوة سياسية وفكرية وعلمية او على اقل تقدير فتحت لها النوافذ لتكون، فتلك ليست بمقاييس يؤخذ بها لأنها لا ترتبط بفرج المرأة ومنظومة الأخلاق المتربطة به،وكل ما لا يرتبط بفرجها لا يمنحها مكانة،كما تتناسى انه لا تمييز على اساس الجنس يشرع له في العالم الغربي،فمجتمعاتنا لا تفهم المرأة إلا ككائن بيولوجي قاصر عقليا، لذا فالمناظرات تقوم على هذا الأساس وتنطلق منه،والمقارنة تعقد بين جسدين ونواميس ضبطهما،لا بين مكانتين لكيانين عاقلين..
شوهت ثقافتنا الأسلامية المتداولة الانسان،واعاقت صلة العقل والفكر والإنتاج الحضاري بين الذكر والأنثى،بينما نفخت في صلة التواصل الجسدي والإمتاعي وارست دعائم تلك الصلة ورسختها حتى هيمنت على علاقة الانسان بنظيره الانسان من الجنس المختلف،اذ انها ثقافة تستحضر الشيطان- وتذكر به- برمشة عين للإيقاع بأي شراكة ممكنة تستبعد الغريزة الجنسية،وهي بهذا تزعزع ثقافة الإنسان بنفسه وبقدرته على ضبط شهواته الفطرية..
ثقافة هزيلة تسفه نفسها بنفسها،صرحها الأخلاقي لم يفلح بتهذيب الشطر الذكوري الهائج غرائزيا كما تصوره،رغم انها منحته سلطة القيادة لرزانته العقلية وقدرته على الموازنة،كما انها ثقافة مجحفة في الوقت نفسه اذ عزلت الشطر الأنثوي وكممته وطالبته بالإنزواء بينما تركت الشطر الهائج حرا طليقا..وهذا يذكرني بقصة ذلك القائد المجذوب الذي وضع جنوده في اقفاص مقفلة لحمايتهم من اسد جائع داهم معسكرهم..
ثقافة اخطبوطية تدس اذرعها في سروال المرأة بكل وقاحة وجرأة لتجتز ذلك الجزء الذي اخفق الاله في ضبط طولة وسمكه وغلاظته فهي ثقافة مصححة ومنقحة للخلق رغم انها تؤكد بأن الانسان خلق بأحسن تقويم..
..ثقافة قلبت جسد المرأة ونقبت فيه واذ ركزت على ما تحت السرة اجتهدت فجائتنا بفقه النساء....
ثقافة مضطربة ملتبسة،تشحذ نفسها بتراث عتيق اخفق بتقديم صورة واضحة عن المرأة،وتخلط بين ما هو الهي وما هو بشري وتسوق الأثنين بميزان واحد،ثقافة تدعي بأنها منحت المرأة مكانتها المرموقة وسطر تراثها الغزير،امتيازات تلك المكانة لبيان عظمتها مقارنة مع حضارات وشرائع الشعوب القديمة،اليونانية ،الرومانية،الفارسية،الصينية،الهندية..الخ..فهي ثقافة لم تأت بها ملة سابقة ولن تأت بها ثلة لاحقة كما هو راسخ في العقول..
ولو تبصرنا في كتب التراث والاحاديث وادبيات العرب سنقتنع باستحالة الإتيان بمكانة اكثر رفعة وعظمة للمرأة...لنلقي نظرة خاطفة...
ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة
الشؤم في ثلاث: الفرس والمرأة والبيت..
للمرأة ستران: القبر والزوج. قيل: فأيهما أفضل؟ قال: القبر..
المرأة تأتي على صورة شيطان … فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها
وقمت على باب النار فاذا عامة من دخلها النساء..
المراة كالضلع إن اقمتها كسرتها،وإن استمعت بها استمعت بها وفيها عوج
إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
وما أخاف على أمتي فتنة أخوف عليها من النساء والخمر
لولا المرأة لدخل الرجل الجنة..
ولا أحسب النساء خلقن إلا للشر
مشورة النساء من علامات الساعة
إلا أن النار خلقت للسفهاء وهن النساء، إلا التي أطاعت بعلها
وآخر عمر المرأة شر من أوله، يذهب جمالها، ويندب لسانها، ويعقم رحمها، ويسوء خلقها
إِن هذَا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجةٌ واحدة فَقَال أَكْفِلنيها وعزَّنِي في الخطَاب...والنعجة هي المرأة في لسان العرب
ولأن التراث يصفع المرأة بيد ويتوجها بيد فلا غرابة ان نمر بالنساء في بطونه فنراهن شقائق الرجال!
.. الأنسان هو وحدة قياس الثروة البشرية ،ولأنه مسؤول حضاريا ،فأن كل ما يؤسس وعيه ويؤثر في صياغته العقلية والفكرية سيؤثر بالتالي على مسؤوليته الحضارية..
من يصوغ عقلية المسلم ومن يؤثر في الوعي الجمعي للمجتمع؟
الثقافة السائدة والمتداولة- بارصدتها التراثية- في المجتمع ومؤسساته التربوية والأعلامية تلعب الدور الأكبر في صياغة عقل الأنسان، وهي ثقافة اسلامية بغالبها في المجتمع الأسلامي، وتقف المؤسسات الدينية بسلطة الخطاب الديني خلف رسم ملامح تلك الثقافة،تشذيبها او مهادنتها، وبالتالي فهي سلطة مؤثرة في صياغة الوعي العام..
كما تلعب السلطة السياسية دورها التكافلي في الصياغة،فهي سلطة القرار، والقوة التي تمتلك غالبا او تسيطر على مؤسسات التربية والتعليم،وتتملك اجهزة الاعلام او تسيطر عليها..
ولعل الوعي العام في مجتمعاتنا التي اخفقت حضاريا او ابدت تراجعا حضاريا يشير الى ..فساد السلطتين...
فاتن نور
07/02/25