المرجع اليعقوبي : مشكلة البطالة لا تحل إلا بتنشيط القطاع الخاص
09/12/2008شبكة اخبار نركال/NNN/
اصدر مكتب المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي بيانا حول مشكلة البطالة في العراق وطرق معالجتها وفيما يلي نص البيان:
القى المرجع الديني سماحة اية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي خطبتي صلاة عيد الاضحى المبارك في مكتبه بالنجف الاشرف .
وتطرق المرجع اليعقوبي الى عدة امور ابرزها :
تداعيات مشكلة البطالة واثرها على المجتمع والاقتصاد العام للدولة .
اثر تفعيل القطاع الخاص في حل هذه المشكلة وقد الفت النظر الى تسعة نقاط اساسية.
ونرفق اليكم خلاصة الخطبة الثانية ليتسنى لكم نشرها على الوسائل الاعلامية.
مشكلة البطالة لا تحل إلا بتنشيط القطاع الخاص
نعاني اليوم مشكلة كبيرة وهي البطالة وكثرة العاطلين عن العمل، وكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية، ولهذه المشكلة تداعيات اجتماعية ونفسية واقتصادية وحضارية وحتى أمنية لسنا بصدد تحليلها، وإن أي حكومة عاجزة عن استيعاب كل القادرين عن العمل في مؤسساتها وتوفير وظائف لهم، وقد بلغ عدد موظفي الدولة اليوم حوالي (2.5 مليون) عدا المتعاقدين وغيرهم وهذا لا يتناسب مع حجم مؤسسات الدولة مما يؤدي إلى ترهل وبطالة مقنّعة وأعباء كبيرة على ميزانية الدولة، فالعراق ربما هو البلد الوحيد الذي تزيد ميزانيته التشغيلية أربعة أضعاف الميزانية الاستثمارية.
وحل هذه المشكلة لا شك هو من واجبات الحكومة بإيجاد منافذ لتشغيل العاطلين ومن أهمها تنشيط القطاع الخاص ودعم المشاريع الزراعية والصناعية والثروة الحيوانية وغيرها وهذا الجزء من الحل له همومه وآلامه ومعوقاته.
لكننا نريد أن نتحدث عما نحن مسؤولون عنه من المشكلة وذلك لأن الأعم الأغلب من القادرين على العمل جعلوا همّهم كله في تحصيل وظيفة لدى الدولة وسدّوا على أنفسهم أبواب التفكير في منافذ أخرى ضمن القطاع الخاص أو ما يسمى بالمهن الحرة، أقول هذا وأنا أعلم أن صعوبات جمة تحيط بهذه الأعمال، لكن من الضروري أن نفكر ونخطط ونناقش الخيارات وندرسها ثم نشرع في الفرصة المتيسرة مع مساعدة بعضكم لبعض وكل بحسبه وحينئذٍ ستجدون البركات وتتأكدون كيف أن تسعة أعشار الرزق في التجارة والاستثمار.
وإذا أردتُ أن أتعمّق وأتوسع في بيان الحاجة وجدوى التوجه لتنشيط القطاع الخاص فأقول: أننا أمام مشاكل وتحديات خطيرة:
(منها) أن عدد الأيتام والأرامل والمعوقين والمعوزين والمرضى وغير القادرين على الزواج والمحتاجين للوحدات السكنية بلغ الملايين ولا شك أن مسؤولية الجميع مساعدتهم ورفع معاناتهم وأن كل المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني تقريباً تعتمد على المبالغ المخصصة لها فتستهلكها وتبقى مكتوفة الأيدي وهذا لا يحل المشكلة ولا بأبسط صورها وإذا بقيت هذه المؤسسات استهلاكية فإنها ستفشل في أداء وظائفها بينما إذا فكرت بجانب الاكتفاء الذاتي وتوفير الأموال بالدخول في أعمال اقتصادية فإنها ستنجح في سد الكثير من الاحتياجات.
(ومنها) إن الأمن والاستقرار كلما ازداد في العراق فإن الشركات الأجنبية ستأتي إلى العراق وتسحب البساط من تحت أهله شيئاً فشيئاً وهذا ما بدأ فعلاً على ارض الواقع حيث انتشرت الأيدي العاملة الأجنبية وذكرت وسائل الإعلام قبل عدة أسابيع أن الحكومة العراقية طلبت من الحكومة الفلبينية رفع الحظر عن استقدام العمالة إلى العراق فما لم يتدارك العراقيون أمرهم وتصبح لهم قدرة المنافسة فإنهم سوف لا يجدون لهم مكاناً على أرضهم لا سامح الله.
تنشيط القطاع الخاص والمواجهة الحضارية:
إن السير في هذا الاتجاه أي تنشيط القطاع الخاص يحقق لكم خير الدنيا والآخرة من خلال الالتفات إلى أمور:-
1- استيعاب الأيدي العاملة والقضاء على البطالة بدرجة كبيرة.
2- إنها مساهمة كبيرة في ازدهار البلاد وإعمارها وتطويرها إذ من المعلوم اقتصادياً أن مساهمة القطاع الخاص في اقتصاد وإعمار الدولة لا يقل شأنا عن مساهمة القطاع العام الذي ترعاه الدولة خصوصاً في العراق الناهض من ركام الحروب والدمار والقتل والتخريب.
3- إنها خطوة لمعالجة الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه الدولة بسبب تصدي التجار والفاسدين والشركات الطفيلية لمقاولات البناء والإعمار والتجهيز وغيرها فيكون الحل بتسلم البديل الصالح لهذه المسؤولية.
4- إن التوجه في العراق الجديد يسير نحو الاقتصاد الحر وسيكون في يوم ما مسرحاً لتنافس الشركات العالمية بكل ما تحمله من تأثيرات أخلاقية وثقافية واجتماعية واقتصادية فلا بد لأبناء هذا البلد من الاستعداد لملء الفراغ بالمقدار الذي يمنع التداعيات والتأثيرات السلبية لهذا الانفتاح الذي تقتضيه العولمة.
وهذه المنافسة لا تولد في لحظة وإنما تتطلب شروعاً مبكراً وتضافر جهود الجميع.
5- إن لدى الناس فوائض نقدية لا تنتج شيئاً بمفردها لقلتها كمليون أو مليوني دينار وهم يرغبون باستثمارها فيكون الحل بتأسيس شركات مساهمة تجمع هذه الأموال وتشغلها في مشاريع تعود بالنفع على الجميع وإلا فإنهم لحرصهم على عدم تجميد أموالهم يقعون في فخوخ الشركات الوهمية والمحتالة التي تعتمد التسويق الشبكي وأمثالها فنتحمل نحن مسؤولية إيجاد البديل.
6- إن الأزمة المالية العالمية المستمرة إلى اليوم منذ أشهر وتعرض النظام الاقتصادي الرأسمالي للنقد والإشكال دفع الخبراء إلى دراسة المشروع الإسلامي في الاقتصاد وإدارة الأموال الذي كان الناجي الوحيد من هذه الأزمة، ومن مقومات النظام المالي في الإسلام البنوك التي لا تعتمد الفائدة الربوية ولكي تنجح هذه البنوك في إقناع زبائنها وتقديم الأرباح لهم لا بد أن تهيئ فرص استثمار هذه الأموال قبل تسلمها من المشتركين، فتكون الخطوة الأولى إذن قبل تأسيس المصارف الإسلامية هي تأسيس الشركات الاستثمارية وتنمية قدراتها على تشغيل تلك الأموال وتكون هذه الحركة المباركة وسيلة من وسائل المواجهة في الصراع الحضاري مع الذين أعلنوه.
7- إن بعض الوظائف الحكومية سواء كانت مدنية أو عسكرية فيها ظلم وعدوان وارتكاب للمحرمات الشرعية وإن الموظف المنتسب لا يمكنه التخلف عن تنفيذ الأوامر فهو مضطر للاستجابة وإلا يفصل من وظيفته وهكذا يتحول إلى أداة للظلم وهو ما حذّر منه الأئمة (سلام الله عليهم) والقرآن الكريم وأن عاقبته أليمة فالأسلم للإنسان المؤمن أن يبتعد عن مثل هذه الوظائف ويطلب الرزق الحلال في غيرها.
8- من المعلوم أن الاقتصاد عصب الحياة ومن يملك زمام الاقتصاد ويكون له دور مؤثر فيه فإنه سيكون مؤثراً في كل معالم الحياة الأخرى السياسية والاجتماعية وحتى العقائدية، ولقد كان من تخطيط أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لأتباعهم هو استقلالهم اقتصادياً عن الحكومات مما ساعدهم على حفظ هويتهم وخصوصياتهم وجنّبوا أنفسهم من الذوبان في الأنظمة الحاكمة التي التفتت إلى عنصر القوة هذا في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فعملوا دائماً على تجفيف المنابع المالية لأتباع أهل البيت ومصادرة أموالهم فكان الاستقلال الاقتصادي وسيلة لحريتهم وكرامتهم.
9- إن رواتب الموظفين الحكوميين غالباً -عدا ذوي الدرجات الخاصة- لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية للمعيشة فضلاً عن تلبية متطلبات الحياة الكريمة لذا فالموظف إما أن يبقى يعيش حالة الكفاف وجشوبة العيش، أو يتوجه إلى الوسائل غيرالشريفة والعياذ بالله أما التوجه إلى القطاع الخاص فإنه يفتح فرصاً وآفاقاً واسعة للكسب والاسترباح بلطف الله تعالى.
10-
لقد تضمن عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر لما ولاه مصر اهتماماً خاصاً بتنشيط القطاع الخاص، فإنه (عليه السلام) بعد أن ذكر شرائح المجتمع من الجنود والقضاة والعمال والكتاب قال (عليه السلام): (ولا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم).
ولا شك أن التجارة والأعمال الصناعية ونحوها من الفنون لا يجيدها كل أحد فـ(الإنسان ميسّر لما خلق له) كما في الحديث فهذا المشروع الذي نذكره الداعي إلى نهضة واسعة في القطاع الخاص موجه إلى من عنده الكفاءة والفطنة لمباشرته وإلى المتمولين وذوي النفوذ الذي يستطيعون مد يد العون لإخوانهم لمساعدتهم في مرحلة التأسيس، وقد قلت هذا الكلام لرفع الهمة والحماس والطموح وعدم الاقتصار على الحالة الوظيفية الرتيبة، لأن الأنظمة الجائرة خصوصاً نظام صدام المقبور قتل كل طموح لدى العراقيين وأحبط كل همة عالية، حتى استرخى الأكثر لحالة هي دون الكفاف فضلاً عن الحياة الكريمة التي ورد طلبها في الدعاء. وهذه الحالة أكثر وضوحاً عند العراقيين الذين لم يتركوا العراق ولم يطّلعوا على العالم الخارجي.
لقد أشرنا في خطبة عيد الفطر الفائت إلى أن من المعاني الإيجابية للانتظار والتمهيد للظهور الميمون: هذه الحركة المباركة.