Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) 2009

أخواتي اخوتي اصدقائي الاكارم
اعود اليكم ثانية ، ونحن نستهل عامنا الجديد ، مبتهلين الى العلي القدير ان يحفظ بلدنا وكل البلاد العربية من شرور الاعادي ، ويمن علينا بالامن والسلام والاستقرار .. لنواصل معاً كتابة وقراءة تكملة المحاور المقامية التي بدأنا مرحلتها الاولى في نيسان April من العام الفائت 2008 واستمرت حتى نهاية العام المذكور .. حيث وصل عدد المحاور التي تم نشرها الى تسعة عشر محورا مع بعض الاجزاء التي احتوتها بعض المحاور في مرحلتها الاولى .. محاولين جميعنا الافادة من هذه المحاور التي تخضع بكل تاكيد الى نقدكم وملاحظاتكم التقويمية المفيدة خلال سير نشرها ، ولا يسعني هنا إلا أن اتوجه مرة اخرى بالشكر والعرفان لكل العاملين في المواقع والشبكات الالكترونية التي كان لها اليد الطولى والفضل الكبير في ايصال هذه المحاور اليكم اعزتي القراء وانتم متواجدين في كل بقاع العالم ، كل حسب اقامته .. كذلك بعض الصحف العراقية والعربية التي ســـاهمت في نشر هذه المحاور على صفحات جرائدها ..
ومما يجدر ذكره في هذه المحاور في مرحلتها الثانية التي نبدأها الآن بالمحور رقم (1) استمرارا وتكملة للمحاور السابقة في مرحلتها الاولى ، وذلك بإلقاء الضوء على مجموعة من المغنين والمغنيات ، ممن مارس أو مارسن غناء المقام العراقي خلال القرن العشرين ، وعلى بعض نتاجاتهن في هذا المجال ، بصورة اقرب الى المقالة وليس الى البحث التفصيلي .. فقد سبق ان صدرت لي بعض الكتب تتحدث ببعض الاسهاب عن ابرز مغني المقام العراقي بصورة بحث منهجي مستفيض .. وهي نفس الاسماء التي سنتناولها في هذه المحاور بشكل موجز ..
والله من وراء القصد ..
حسين الاعظمي
الاردن ، عمَّان 2009
محاور في المقام العراقي
دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي
يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعيل الاعـظمي











الاردن / عمـَّان
كانون الثاني January 2009
اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) التي تم نشر تسعة عشر محورا في المرحلة الاولى من العام الماضي 2008 ، وها نحن نستهل عامنا الجديد 2009 بالمحور رقم (1) تكملة لمحاور المرحلة الاولى واستهلالاً للمرحلة الثانية .. مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحاور في مرحلتها الاولى أوالثانية أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
***
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا في هذه المواقع والشبكات

المرحلة الثانية
من المحاور المقامية

نستهلها بالمحور
رقم (1)
Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112

المحـور رقـم
(1)

*******
محمد عبد الرزاق القبانجي
(مطرب القرن العشرين في العراق)
( 1901 – 1989 ) *

كنتُ قد كتبتُ مقالة عن الفن المقامي في أداء أستاذنا القبانجي قبل وفاته بسنتين وذلك في كانون الثاني January 1987 .. وعندما توفاه الله عز وجل بعد سنتين ، وفي ذكرى وفاته الأُولى نشرَتْها جريدة القادسية في صفحتها السادسة بتاريخ 19/4/1990 في العدد 3230 وهذا نصها ..

*****************

لمناسبة الذكرى الأُولى لوفاته الطريقة القبانجية














محمد القبانجي

(كان المرحوم القبانجي مطرباً نادرَ المثال في جوانبه
التاريخية والفنية ، فهو إِسمٌ لامعٌ في عالم الغـناء
العراقي والعربي في العـصر الحديث ..)

إن غناء الأُستاذ القبانجي ، لم يكن نتاجَ مُغنٍّ عاش في عصر من العصورالغنائية الموسيقية فحسب ، وإنما وثيقة فنية واضحة المعالم تُبَيِّن للسامع والمتتبع حال التطور الفني والنضوج والابداع وكذلك تبلور طريقة الاداء في غناء المقام العراقي بعد أن إستلمها من أسلافه بأمانة ، الذين أعطوا للمقام العراقي مكانة مرموقة أمثال رحمة الله شلتاغ واحمد الزيدان ورشيد القندرجي وغيرهم .. (يرحمهم الله جميعا) ويعتبر عصر القبانجي قمة في الابداع الغنائي للمقام العراقي وأفضل فترة زمنية برز ونضج فيها المقام العراقي ، إن هذا العصر في محتواه يمثل تظاهرة خاصة في كونه صورة ناضجة ومتبلورة لغناء كلاسيكي تمتد جذوره الى عدة قرون ماضية ، عـَكَسَ فيها المسيرة التاريخية والفنية لمدينة بغداد .. وهو بعد ذلك النموذج الواضح للتلمذة الغنائية وتطورها في الغناء العراقي عموماً ..
ولم يقـَدَّر لأي مطرب من مطربي المقام العراقي أن تتضارب حوله الآراء كما قـُدِّر للمرحوم القبانجي ، فقد ظلـَّت أصابع الاتهام تشير إليه مثيرة الشكوك حول إبداعاته وابتكاراته وآرائه ، كما أُشير اليه بالبنان من قبل آخرين وجدوا فيه مثالاً عصرياً صادقاً مقتدراً في غنائه ثابتاً في آرائه ، ولم يقف هذا التناقض في الآراء عند حدود تاريخ المرحوم القبانجي وفكره ومعتقده ، وإنما إمتد الى الجوانب الأدبية حيث كتب بعضاً من القصائد والزهيريات التي كان يغنيها ، وغناها آخرون من بعده ، فهناك من النقاد القدامى ومُؤرخي الادب من أنكر إمكانيته الأدبية ومنهم من أثنى عليها ، وهناك ايضاً الكثير من هؤلاء من نظر في غنائه نظرة فاحص ومدقق ليستشهد به ويبرز إبداعاته وإمكانياته ، ولم يكن هذا التناقض في الرأي عند مرحلة بعينها ، فما زالت الآراء المحدثة لمحبي المقام العراقي والمهتمين بشؤونه تتناول الأُستاذ القبانجي مختلفة حوله بين الإِعجاب الواسع والإِشارة الصريحة الى بعض الجوانب الابداعية في غنائه ونعتها بالجمل الغنائية غير العراقية ..! لتأثره بالغناء الشرقي في إشارة الى عدم الرضا عن هذا المنحى في إبداعه ..
وأرى أنَّه يتوجَّب عليَّ أن أدلوَ بدلوي مُقرِّباً للقارئ الكريم المنهجَ الواضحَ في مسيرة فناننا الكبير محمد القبانجي وابداعاته وامكانياته الهائلة كوني من الكثيرين الذين أُعجبوا وتأثَّروا بأُستاذهم القبانجي ، ولكوني قد إستمعت الى معظم أو كل تسجيلاته الصوتية والمرئية ، إضافة الى كوني مختصَّاً في تدريس مادة المقام العراقي في معهد الدراسات الموسيقيَّة منذ عام 1980 محاولاً أن أكون بعيداً عن الإنجرار وراء العاطفة ، لأجلو هذه الصورة الطريفة في جوانبها التاريخية والفنية ، ولأزيل بعض الغموض الذي أحاط تاريخنا الفني ..
فعلى من يزمع الكتابة عن الأَفذاذ روَّاد التجديد وذوي الابداعات والابتكارات والتغييرات والتطويرات في المعالم ، إصطحابُ خيالِه معه ، مُرتكزاً على المنطق متَّكِئاً على المعقول محاولاً مسك زمام العاطفة لئلاّ تجيـش فتمتلك الناصية وتصبح الكتابة مجرَّد إسترسال واستطراد عاطفي لا تعدو أن تُعَد على سبيل المديح ليس إلاّ ..!!
إن أحد هؤلاء الأفذاذ الذين تركوا البصمات الظاهرة والآثار البيـِّنة والعلامات النيـِّرة هو أُستاذنا الكبير الرائد محمد القبانجي أطال الله في عمره ..
والفنان القبانجي ، يُعد من الرواد المجتهدين الذين إن قالوا يُستشهد بقولهم وإن حكموا قُضي بحكمهم .. فقد كان ظهوره كفنان مبدع في النصف الاول من القرن العشرين يكاد أن يكون حداً فاصلاً ، أونقطة صفر في تاريخ المقام العراقي ، الأمر الذي أدّى الى حالة شبه نسيان عام لكل المغنين المقاميين الذين سبقوه من خلال ما أنجزه من تسجيلات غنائية إبداعية فنية فاقت التصورات .. فمن سبقه من عُظماء المغنين ، توَّجه ُ الخبراء أعظمهم ، ومن خلفه من مغنين كبار ، حكم الخبراء بأنه قد سبقهم بهذه الجودة بل فاق عليهم ..
وهذا لا يُنْكر ، ولا يمكن إنكارُه .. وذلك بإِعتراف الكبار أنفسهم .. فليس فقط أنَّهم قد أخذوا منه بل حاول معظمُهم تقليده ، ولكن أبى الابداع إلا أن يشير الى مستحقه ومبدعه ، وقد فضــــــحهم هذا الإبْداع أيَّما فضيحة ..!
كثيراً ما أذهلتني تلك اللحظات الإلهية التي أعلنت عن ظهور وميلاد الطريقة الجديدة في غناء المقام العراقي ، (الطريقة القبانجية) وتساءلت مع نفسي .. هل يمكنني إعتبارها من فلتات الزمن .!؟ ولطالما أيضا ، إستوقفتني مسألة إندثار أو نسيان أسماء المغنين الذين سبقوه .. يا ترى لماذا ..؟ كذلك كثير من أسماء الذين أتوا من بعده ..! لماذا إن ذُكر أحدهم ، إقترن ذِكره بالشيخ القبانجي ..!؟ وإن صرَّح أحدهم بحديث لصحيفة .. لا يمكنه إلا أن يزيِّن حديثه بسنا القبانجي ..؟ وأن يدلل على نهجه هو في إقتدائه بالأُستاذ الكبير ..!؟
لا أكتم سرَّاً إن قلت بأني قد صنعت ومنذ زمن بعيد تمثالاً جليلاً في ضميري لهذا النابغة ، وليَ الشرفُ أن أقولَ أنّي تـُلمِذْتُ حيناً بوهج توجيهاته القيمة عند زيارته الشهيرة لمعهد الدراسات النغمية العراقي يوم 11\11\1974 حين إستمع إليَّ في مقام الحجاز ديوان .. وأتلذذُ بفخر دوماً سعادتي التاريخية عندما إمتدحني في بداية ظهوري بكلمات خالدات لا أزال أحتفظ بتسجيلها الصوتي في مكتبتي الموسيقية ، وستبقى كلمات شابة ضمن تراثي الشخصي ..
وبالرغم من الوقع التاريخي لهذه الزيارة التي ذاع صيتها بين الأوساط الفنية والجماهيرية والإعلامية ، ورفعتني الى مصاف المغنين المشاهير وأنا في بداية ظهوري الفني ، ورغم تأثُّري الكبير بهذا الأُستاذ الشيخ محمد القبانجي .. إلا أنني صرَّحت يوماً بعد سنوات قليلة من هذه الزيارة في إحدى الصحف الفنية في بغداد ، وأعتقد في مجلة القيثارة عام 1978 ، وهو التصريح الذي يشير الى دعوتي المستمرة وانا في بداية ظهوري نحو التطور والابداع ، بكثير من الثقة والتأمل .. حيث قلت (إن كل المغنين المقاميين الذين سبقوني ، والذين عاصرتهم وأُعاصرهم الآن ، قد إقتفوا خطوات أُستاذنا محمد القبانجي ، وهم لا يمتلكون معظم مؤهلاته ، ولكنني أمتلك الكثير من هذه المؤهلات , إلا أنني لن أقتفي خطوات أُستاذنا القبانجي ، بل سأنحو منحاه التجديدي والسير في منحاه الإبداعي واحاول ان أرفد المقــــــام العراقي بحياة وروح جديدة ترفع من شأنه التاريخي ..!) ..
وأخيراً أود العروج على الطبيعة الأخلاقية لأُستاذنا الكبير ، وهي بنفس الوقت دلالة أكيدة مضافة تَدُلُّكَ على عظمة هذا الرجل وأصالته وعلى ثقته بفنه الإبداعي .. فطبيعته الأدبية تتجلَّى في كثير من الصفات الحميدة وتشجيعه للنشىء الجديد ومتابعته وعدم الإنتقاص منه مطلقاً ، وبذلك فقد إختطَّ أُستاذُنا الجليل محمد القبانجي – خطّاً جديداً – وسنَّ سنَّةً جديدة ، يمكنني وصفها بمنهج الأب المربي للأجيال اللاحقة كلها .. وبذلك أسمِعَ صوتُه الى من به صَمَمْ..!
حسين إسماعيل الأعظمي
كُتِبَتْ في بغداد / كانون الثاني January
1987 ونشرت في 19/4/1990
مقالة اخرى
بمناسبة الذّكرى الثالثة لوفاة مطرب الأجيال محمد القبانجي ..

الطَّــريقة القبـــانجية










صورة / القبانجي بين تلاميذه من اليمين عبد الرحمن خضر
ويوسف عمر ومحمد القبانجي وناظم الغزالي

عندما تجتمع دقـَّة أصول غناء المقام العراقي وشروطه ، وتجتاز إمتحانها وتحوز على أعلى الدرجات الجماهيرية عند مغنٍّ مّا ، ومن ثم يستطيع هذا المُغني أن يميـِّزَها ويظهرَها فيُعطِّر سيرتها ويذكي شذاها من سمع وإستمع ودرس وتدارس وفهم وإفتهم منها ، يكون هذا المغني قد إبتكر منحاً غنائياً خاصاً به أولاً ، ثم يتبعه الآخرون ويتأثرون به ثانياً ، حتى يمسي قائداً لطريقة جديدة في غناء المقام العراقي ، لجيل أو لأجيال من مُغنّي المقام العراقي ، وعليه فإن إطلاقَ مفردة – طريقة غنائية – أمرٌ ليس بالهيـِّن ولا يمكن أن يأتي إعتباطاً ، فلا تحـــدُّه حدود ولا تؤآخذهُ دقـَّة .. وفيما يخص الطريقة القبانجية فإنها قد حازت على كل هذه المقوِّمات والدلائل .. ووصلت الى مستوىً كبيرٍ ورفيع بحيث بقي تأثيرُها حتى يوم الناس هذا .. فلم يَعُد يُذكر من الأساليب القديمة إلا الرموز الشاهدة منها ، وكأنَّها لم تكن أو لم تعد مؤثرة .. فالطريقة القبانجية التي إستفادت من مضامين الطرق الغنائية القديمة ، غير أنها إبتنت قصراً مميـَّزاً شامخاً حجب الرؤية عمَّا عداه .. وهي أيضا يمكن إعتبارها حداً فاصلاً بين عصرين .. أو إعتبارها نقطة بداية لعصر جديد ، كما يمكن إعتـــبارها الذروة للعصر الذي سبقها ..!!
إن شيوخ الغناء المقامي السابقين قد ربتوا على كتف قائد الطريقة الجديدة (الشاب اليافع محمد القبانجي) إعترافاً وإكراماً .. فلا يعرف قدر العالم إلا العالم .. ولا الفنان القدير إلا الذي يوازيه ، وقديماً قالوا (لايفلّ الحديد إلا الحديد) ..
أما المعاصرون .. فقد إنبهروا بهذا البريق الجديد وساروا على هداه وإعتنقوه ، فهو خير موجِّهٍ ونصير لهم .. فالطريقة هذه قد أثرت بلا ريب على جميع مغنّي المقام العراقي اللاحقين بلا إستثناء ..
وشيخنا محمد القبانجي ، كان يمتلك قدراً كبيراً من الذكاء الميداني ، وسرعة البديهة والمرونة في العلاقات ، وحسَّاً مرهفاً وأسلوباً أرستقراطياً في حضوره الأدائي ، بعقلية فاهمة جداً لـِما يحيطها من الاذواق المتباينة وعقل إعلامي مثير .. مستفيداً من حيــاته مع والده في التجارة ..
وفي جلسة ضمت فطاحل الجيل الأسبق من المغنّين المقاميين والقبانجي جالسٌ معهم .. وقد طُلب منه أن يُغنّي ..! فأجابهم أن أُطلبوا أنتم ، فكان جواباً يتضمن التحدي والثقة كما يحتوي على النبوغ والعبقرية .. وقد إستفزَّهم .. فكان أن ضمروا له أمراً .. فطلبوا منه أن يغنّي مقام الإبراهيمي وهو من المقامات الكبيرة .. وبعد إنتهاء الشاب العبقري من الغناء إنتشى الجميع طرباً ولسانُ حالِهم يقول (إنَّنا سمعنا أمراً عجبا) ..
ولعلَّ دراسة هذه الإمكانية الفذة من الناحية الفنية ، مالها وما عليها تعتبر بداية ضرورية ومنطقية .. فالناحية الفنية بلا شك إيجابية تميل بوضوح الى جانب الموهبة الفذة .. مهارة طاغية ، فن جميل ، ذوق مرهف ، امكانيات مبدعة ، سيطرة ادائية ، نظافة في الصوت ، صوتاً متكاملاً ، فـــيه القرار والوسط والجواب ..
أمّا إِذا تكلمنا عن الناحية المهارية والفكرية في الأداء فلا بُدَّ لنا أن نتطرقَ الى إبداعاته الابتكارية لعدد من المقامات العراقية الجديدة منها مثلاً مقام النهاوند واللامي والحجاز كار والحجازكاركرد والهمايون والقطر وغيرها ، من التي كانت سلالمها موجودة في بعض البلدان الأُخرى .. فقد إستنبط لها شيخُنا القبانجي ملامحَ تعبيرية عراقية وصمَّم لكلٍّ منها شكلاً أصولياً مناظراً لـِما في الاصول المقامية الغنائية .. وعلى هذا الاساس ذاع صيته وانتشرت طريقته وتبعها الكثيرون ..


حسين إسماعيل الأعظمي
بغداد نيسان April 1992
نشرت في جريدة الجمهورية بمناسبة
الذكرى الثالثة لوفاة القبانجي ..

************








مقالة اخرى

في الذكرى الرابعة لوفاة أُستاذنا القبانجي كنت قد كتبتُ مقالة ًبالمناسبة ونُشِرت يوم 28/3/1993 في جريدة الجمهورية الصفحة السابعة في العدد N, 8436 .. وقد كتب الشاعر الصحفي حسن عبد الحميد مقدمة لهذه المقالة هذا نصَُّها ..

نصُّ مقدمة حسن عبد الحميد
(تقرعُ الذكرى الرابعة لرحيل المطرب الكبير – محمد القبانجي – مسامع مُحبّي فن المقام العراقي الذي إنتصب شامخا ًمتواصلا ًبفعل جرأة وإصرار فرسانه الحقيقيين ، على بقائه فنا ًراقيا ًبكلِّ أساليبه ومدارسه ، والقبانجي يُعدُّ واحداً من اكبر اعمدة الغناء العربي ، حيث حلق بجناح المقام العراقي عاليا في اصقاع العالم مجددا وثائرا على الطرق الادائية التقليدية في اصول غنائه ، يحدوه الامل المشفوع بالموهبة والخبرة ، ويزيد من إصراره ثقافته الفنية العالية لاضفاء عناصر التجديد في فلك هذا الفن العراقي الخالص ..
إنَّنا اذ نستذكر ذكرى رحيل هذا المطرب الكبير ونحن نعيد للاذهان ضوع ورائحة هذا الصوت وحلاوته للحديث عن فنه من قبل طلبته ومحبيه وفاءا له ولمدرسته المقامية التي ارسى دعائمها – محمد القبانجي – فهذا مطرب المقام العراقي – حسين الاعظمي – يدلي بدلو حديثه وثقافته الاكاديمية في اصول غناء المقام العراقي ، عن استاذ خاض غمار تجربة التجديد والبحث وساقه في افلاك النغم الحقيقي بحثا عن مسارب أخرى لإِنتشار هذا الفن الضارب عمقا في جذور الحضارة العراقية بكل مدن العالم ..)

نصُّ مقالة حسين الاعظمي ..


(في الذكرى الرابعة لرحيل شيخ المقام العراقي القبانجي)
(مطرب المقام العراقي حسين الأعظمي في حديث عن أُستاذه الكبير)
(القبانجي مطرب بكل المقاييس)

كان القبانجي الذي ترأس حملة التجديد في طرق الاداء المقامية منذ العقود الاولى من القرن العشرين قد شُنـَّتْ عليه حملات نقدية شعواء ، بين معارض ومؤيد ..! بحيث احتدم الصراع والجدل في تلك الحقبة من الزمن ، ولاتزال آثارها باقية عند المحافظين القدماء حتى الاجيال الحالية ، وصار النقاد والصحفيون والكتاب والمهتمون بشؤون المقام العراقي يتبادلون عجالات جدلية متحمسة … تسقط طريقة القبانجي … تحيا طريقة القبانجي … ولم يقفل باب الجدل والمناقشة لهذا السبب ، بل استمر ويستمر او سيعاود الموجودون الآن الهجوم في الوقت الحاضر وحتى في المستقبل ، بين من ، مازال يعارض ، وبين مؤيديها الكثيرين ، بسبب التطور المستمر الحاصل لوسائل الانتشار والتعليم الموسيقي … فالأداء المقامي والمكونات النغمية الموجودة في البناء اللحني للمقام العراقي الموروثة عن القرون الكثيرة الماضية توحي بإنطباع من التماسك ، بحيث نشعر بقدم الاصالة التأريخية وما يحويه من تراكمات حضارية عريقة .. كذلك نشعر بصعوبة مواءمته كشكل ومضمون للواقع المعاش ، وهي حاجة طبيعية لاختلاف روح العصر لكل جيل من الاجيال ، والمغني الذي يريد حث المستمع على الالتزام وتنبيه شعوره الى شكل ومضمون العصر الذي يعيش فيه ، انما يسبغ على هذه المشاكل معنى اعتباطياً ..!! كل شيء إذن في المقام التقليدي ، تمويه ، ومن الواجب اعادة التفكير في طبيعة طرق ادائه ، ويبدو ان هذه المشاحنات التي دارت حول المقامات وطرق ادائها ادت بصورة خاصة الى نتيجة معينة ، هي المحاولات الجدية ، الى تجديد الطرق الادائية للمقام بعمق ، والتي بدأت بشكل بسيط حتى تعمـَّقتْ وتبلورت عند المطرب الكبير محمد القبانجي ، فقد اعقبت آثار القبانجي التي غدت نموذجاً للمقام المعد المصنوع ، مقامات معدة شملت كل مقاماته ، حتى التي استحدثها بإبداع فذ مثل مقام اللامي والحجاز كار كرد والحجاز كار والقطر وغيرها .
ان القابلية الفذة التي يمتلكها استاذنا محمد القبانجي في عملية الانتقال من نغم الى نغم ، ومن سلـَّم الى سلـَّم ، وإدراكه العجيب بتماسك هذه العلاقات ومن ثم صياغتها بشكل انسيابي مريح ، مما ساعد على خلق حال لا يستطيع فيه المستمع ، بل حتى احياناً المتخصص ، ان يفهم تفصيلات المحتوى الموسيقي الفني لأدائه … وهو في حاله هذا ، ينطلق من هذه الامكانية والمعرفة التجريبية بالانغام والسلالم الموسيقية وعملية التنوع والتجول بها وربطها مع بعضها بشكل جميل فذ ، بيد انه في نفس الوقت لا يترك المستمع تائها وحده ، فهو يرتبط معه بمحاكاة تعبيرية تجعل الصلة بينه والمستمع وثيقة جدا .. تـُغْني عن الغموض الفني الموسيقي الذي قد يشعر به المستمع اثناء سماعه للقبانجي ..!! لذا فان القبانجي همه وهاجسه المستمع … فهو اذن ، يوازن بين الفن والتطريب ، وهي عملية نسبية ، وبصريح العبارة اقول ، انني لم استمع الى أي مطرب ، سواء إستمعت اليه عن طريق جهاز التسجيل الصوتي ، او من الذين عاصرتهم ، الى وجود مثل هذه الامكانية الفذة في التجول بين الانغام والسلالم داخل العمل الواحد ، مثل وجودها عند استاذنا القبانجي ، فهو قائد في غنائه .. ومدير لعمله الغنائي كله … يمسك بتلابيب المستمع ولا يتركه ، إلا بعد ان ينتهي من الغناء ، بعد ان يتأكد من تطريبه وانتشائه ، عند ذلك يشعر انه وصل الى غايته النبيلة في تحقيق رسالته ..
هي موهبة اذن !! وهي خبرة .. وهو يفهم من خبرته ان الركيزة الاساسية في العمل الفني الغناسيقي حصيلتها هي علاقته بالمستمع ، فهو اذن وعلى الرغم من إلتزامه بالاصول التقليدية للمسارات اللحنية للمقامات ، او إلتزامه بالشكل الغنائي المقامي عند الاداء ، يختزل بعض الاجزاء الثانوية بتصوره على الاقل ، واللا داعي لوجودها مع اضافة الكثير من عندياته ..! من هنا فقد جاء بالكثير من الجديد ، حتى امسى صاحب اسلوب وطريقة غنائية فردية خاصة لا تضاهى ، بزَّت الطرق التي سبقته بحق .. وقد سمعتُ مرة من احد الاصدقاء ، بأن القبانجي قال مرة ( ان العمل الغناسيقي ، القضية فيه قضية تطريب ، يمكن فيها التساهل ببعض الاصول التقليدية ) .. اذن هو يحاول ، بل يجيد ربط وتقوية علاقته بالمستمع حتى لو ضحى ببعض الامور المعتادة .. انها عملية موازنة ذكية ، وهو في اسلوبه هذا يريد ان يقول بأن بعض الاجزاء او الجمل الغنائية التي تدخل ضمن قضية الاصول التقليدية للمقام قد استهلكت ولا داعي لتكرارها في هذا العصر .. فهو اذن يجنح الى الارتباط بروح العصر ومتطلباته …
قد تتصور عزيزي القارئ وانت تقرأ هذه الاسطر ، بأن القبانجي قد تجاوز على المقام ..! فاقول لك تمهل ولا تسرع في تصورك .. ذلك ان القبانجي مطرب فذ بكل المقاييس ، وهو يفهم مهمته ، وهو عبقري عملاق ، في كيانه اصالة ، وثقافة تقليدية لهيكل المقام العراقي وتعبيره وحلاوته … وهو حريص كل الحرص على كيانه التاريخي الحضاري كتراث امة عظيمة سادت العالم في احدى مراحل التاريخ ، وهو قد اكد ذلك فعلا من خلال تسجيله للمقامات في بداية ظهوره ، على وضعها التقليدي القديم ، فهو اذن دوَّنـَها تاريخيا ، وهو اذن لا يحاسب على معرفتها او فهم اغوارها ، ولكنه بعد تسيده للساحة الغنائية في العراق وبغداد على وجه الخصوص ، بدأ بتهذيب الكثير من متطلبات الاداء المقامي الملائم للفترة الزمنية التي عاشها ، وجاء بالكثير من عندياته من خلال الابتكار والاضافة وغيرها ، وعرضها بشكل يواكب روح عصره ، بل سبقه في التعبير واحدث وضعا فنيا قلب فيه جميع الموازين في الاوساط الغنائية المقامية ، حيث تخلى في بعضها عن المحلية في الابداع من خلال تأثره ببعض مشاركاته الخارجية في بعض المهرجانات واطلاعه على حال الفن خارج حدود العراق ..
من خلال متابعتي ومعايشتي للوسط المقامي ، وممارستي لغناء المقام العراقي والاستماع اليه من شتى المؤدين ، فقد لاحظت منذ البداية ان معظم الابداعات المقامية التي ظهرت في القرن العشرين لدى المؤدين الآخرين ، كانت جذورها من اشعاعات وانجازات وافكار محمد القبانجي النيرة ، التي استطاع في معظمها ان يصل بها الى الذروة في الابداع ووصلت بعدها الآخر ذروة اخرى من الابداع لدى بعض من اتباعه اللاحقين من الذين تأثروا به واتبعوه وحملوا لواء طريقته الرائعة قدماً لتكملة مسيرة التطور الادائي للغناء البغدادي ..
وليس من الغريب ان تكون معظم المقامات العراقية التي سجلها القبانجي في تاريخه الحافل سواء على الاسطوانات او على الاشرطة المسجلة او في الاذاعة والتلفزيون ، كانت ناجحة بحق ، من حيث المنظورالفني العام للاداء المقامي ، وجماليات ادائه ، ولو استمعنا الى هذه المقامات لبدا لنا مدى الحبكة المتقنة في ادائه لها وصياغتها الفنية الغناسيقية ، رغم بعض تعقيدات البناء اللحني لبعض المقامات ، بيد انه كما عهدناه ، يغلفها ويؤطرها بالتطريب والتعبير المقامي البغدادي ، وبالنتيجة فإننا نشاركه عواطفه ومشاعره ..

*******************









مقالة اخرى

مقالة قصيرة مقتطعة من كتاب كان مخطوطاً ، بعنوان – الفن الجمالي في الأداء المثالي- وبعد عدة سنوات ، طبع الكتاب بعنوان جديد هو – المقام العراقي الى أين ..!؟ - عام 2001 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .. والمقالة هذه نشرت في الذكرى الخامسة لوفاة المرحوم القبانجي في جريدة القادسيّة بالصفحة الأخيرة يوم 4/4/1994 في العدد 4434 .. هــذا نصُّها ..


الأعظمي
يتحدَّثُ عن
القبانجي والتجديد

يقوم البناء الفني لأداء المقامات العراقية على مفهومٍ اساسيٍّ هو – ديناميكية الأداء – أي الحركة الفنية المتصلة في التغير والتنوع والتصرف بين المواد من أجناسٍ وأنغام لمُكوِّنات وعناصر المقام العراقي والإستمرار في أدائه كوحدة متكاملة ، وبطبيعة الحال فإن امر هذه الديناميكية وحبكتها الفنية مرهون بامكانية المؤدي الفنية ، لذا فإنِّ ظهورَ القبانجي على المسرح المقامي في مطلع هذا القرن وتمتعه بالكثير من المُؤهِّلات الفنية التي تجسدت في ديناميكية أدائه الفذ للمقامات قد أحدثت هزة عنيفة في الطرق الأدائية القديمة التقليدية للمقام العراقي ..
والنُّقاد والمتتبعون والجماهير المحبة للمقام والمهتمة بشؤونه يتحدثون عن هذا العنصر الديناميكي لعملية البناء اللحني لأداء المقام العراقي بتناقض ..! وهذا التناقض هو في الحقيقة تناقضٌ فكريٌّ وجماليٌّ ، حيث إنقسموا الى فريقين ، كل فريق يريد أن يُؤَكِّدَ سلامةَ منظورِه .. فكان من يدعو الى ديناميكية الاصول القديمة التقليدية في الاداء والحفاظ عليها .. وهناك من يدعو الى نبذ الاساليب القديمة وإحلال ديناميكية جديدة في تماسك المواد الأولية لمكونات وعناصر المقام التي غالبا ما تدعى بالقطع والأوصال ، أمّا في إختزالها او تهذيبها او إحلال الجديد محلَّ بعضها .. وهذه القوى تتجلى بوضوح عندما نستمع الى تسجيلات مقامات القبانجي بصورة خاصة لما كان من أمر نجاحها ، وكذلك عندما نستمع الى المؤدّين الذين جاؤوا بعد القبانجي المبدعين منهم والتقليديين .. لهذا يجدر بنا أن ننظرَ الى هذا الأمر بعين العلم والفن والمعاصرة .. بدلاً من التعصب الى أحد الفريقين ، مع التذكير أنَّه ينبغي علينا أن ننطلقَ من منطلقٍ وأساسٍ علميٍّ ثابت توضحه لنا المفاهيم والأفكار والنظريات التي سار عليها العالم أجمع في تعامله مع تراثه والتجارب القيِّمة في عرض النتاجات التراثية مستمدين ذلك من المدارس والنظريات التي تتابعت على علم الفولكلور من الكلاسيكية حتى المعاصرة ..
من حيث المبدأ أنَّ الاداء المقامي عموما ينجذب نحو منظور هذين الفريقين ، كون المادة التراثية ، وفق إختيار يبدو وكأنَّه متروك لأهواء المؤدي وميوله ونشأته ، ويستطيع السامع المتذوق تحديدَ كلِّ أُسلوب من الفريقين إذا ما كان تقليديا او تجديديا بعد سماعه بضع جمل مقامية ، لاشك أنَّ القبانجي تعرض في خضم نضاله الابداعي شأن كل المبدعين ، الى بغض الكثير من النقاد والمُتَخَصِّصين والجماهير المعارضة لروح الإبداع والتجديد .. بيد أنَّ النهاية كانت كشأن نهايات الابداع الاصيل ، لصالح القبانجي الذي إستطاع دحض معارضيه وبزِّ أفكارهم السلبية لروح التجديد ..

حسين الأعظمي




Opinions