قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان (٨ آذار ٢٠٢٣) إن النساء العراقيات يُعنفن ويُقتلن من قبل الجميع، أسرهن، ومجتمعهن، وحتى مؤسسات الدولة العراقية، ويبدو أن الجميع يشترك في ما يجري لهن.

لم تجد المرأة في العراق حماية من مؤسسات الدولة، التي باتت هي الأخرى شريكة وفي أحيان كثيرة في الجرائم المرتكبة ضدها، فلطالما أهملت السلطات ملاحقة ومحاسبة ومعاقبة الجناة، وأسهمت في إفلاتهم من العقاب.

ما زال العراق من دون قانون يناهض العنف الأسري، بسبب عرقلة تشريع قانون يتطابق مع مبادئ حقوق الإنسان من قبل قوى متطرفة في مجلس النواب العراقي. ورغم مرور كل هذه السنوات ومساعي المنظمات غير الحكومية، لم تفضِ الجهود إلى تشريع مناسب، لكن الجهود ذاتها منعت تشريع قانون لا يساعد على إيقاف العنف الأسري بل يعززه.

تعيش المرأة العراقية واقعاً فيه الكثير من المشكلات، تشريعية، ومجتمعية، وأسرية، حتى على مستوى المشاركة السياسية والمساواة في فرص العمل والوظائف والأجور، فضلاً عن النظرة التمييزية والتنمر الذي تواجهه الكثير من النساء على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما زالت فئات مجتمعية عديدة تعتبر المرأة “عاراً” وتحرمها من التعليم والعمل وممارسة حياتها الطبيعية بحجة “العادات والتقاليد”. وما زالت الكثير من الفتيات يحرمن من التعليم ومن عيش حياتهن التي حلمن بها. فضلاً عن ذلك كله، لم تولِ التشريعات العراقية اهتماماً للمرأة ولم تنصفها.

ارتكبت خلال الأشهر الأخيرة مجموعة جرائم بحق النساء، أغلبها كانت بحجة “الشرف” وهو المصطلح الذي يبرر الجريمة التي ترتكب ضد المرأة ويشجع الجناة على تحصين أنفسهم من المحاسبة على اعتبار أن ما قاموا به “رجولة وحماية لشرف العائلة” رغم أن بعض الجرائم ليس لها أي علاقة بـ”الشرف” بل يتعكز الجناة على هذا المصطلح الذي يساعدهم على الإفلات من العقاب بسبب وجود ثغرة قانونية.

في ٢٩ شباط ٢٠٢٣، أعدمت فتاة في العشرين من عمرها بالرصاص في محافظة النجف ذات الطابع الديني جنوبي العراق. ونقلت وكالة شفق نيوز المحلية عن مصدر أمني قوله إن “الفتاة في العشرينيات من عمرها تلقت رصاصة في الرأس على شكل تنفيذ عمليات الإعدام بمنزلها في قضاء المناذرة جنوبي النجف. إن ذوي الفتاة تقدموا بشكوى ضد زوجها، فيما لا تزال قضية القتل غامضة، حيث نقلت الجثة للطب العدلي”.

وفي ١ كانون الثاني ٢٠٢٣ عثر على جثة فتاة تبلغ من العمر (٢١) عاماً في منطقة سبع قصور في بغداد، وحصل المرصد العراقي لحقوق الإنسان على معلومات تفيد بأن رأس الفتاة كان منفصلاً عن جثتها. لم تعرف هوية الفتاة، لكن آثار تعذيب ظهرت على جثتها وفق ما أبلغ به المرصد العراقي لحقوق الإنسان.

وفي ٣١ كانون الثاني ٢٠٢٣، قتلت فتاة تبلغ من العمر ٢٢ عاماً، وتدعى طيبة العلي على يد والدها خنقاً في محافظة الديوانية جنوبي العراق. يذكر أن طيبة العلي مدونة عراقية، مواليد ١٩٩٩، اشتكت سابقاً من تعرضها للتحرش من قبل شقيقها.

قال مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون خلال مقابلة تلفزيونية على قناة العربية تعليقاً على حادثة مقتل طيبة العلي إن “الفتاة طيبة العلي تعرضت للتعنيف من قبل والدها. العنف ضد المرأة والجرائم التي ترتكب ضدها، ما زالت تغطى بما يسمى جرائم الشرف، وهذه تغطية قانونية للجرائم المرتكبة ضد النساء”.

وأضاف أن “قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ يحتاج إلى تعديل المادة ٤٠٩ التي تساعد على إفلات الجناة من العقاب وتحصنهم من المحاسبة”.

وتنص المادة ٤٠٩ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو أعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة”.

في ٥ شباط ٢٠٢٣ أصدرت الأمم المتحدة بياناً صحافياً بشأن الجرائم المرتكبة ضد النساء في العراق، وحث مسؤولون أمميون مجلس النواب العراقي على تعزيز الإطار المؤسسي بما في ذلك إلغاء المادتين ٤١ و٤٠٩ من قانون العقوبات العراقي. ودعوا إلى سن قانون يجرم بوضوح العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان إلى جانب تحسين الخدمات للناجين والمعرضين للخطر.

وتنص المادة ٤١ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ في الفقرة الثانية على: “أن تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً، يعتبر حقاً يُمكن استعماله”.

وفي ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٢ قتلت امرأة وابنتها في مقبرة بمحافظة النجف. ووفقاً لنشطاء أبلغوا المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإن “المرأة وابنتها تسكنان في محافظة المثنى جنوبي العراق، وطوردتا من قبل عائلتهما إلى محافظة أخرى وقتلتا بطريقة الإعدام في مقبرة وادي السلام في محافظة النجف”.

وبحسب المعلومات التي توفرت، فإن سبب القتل يعود أيضاً وفقاً لما يُعرف “غسل العار”. لكن السلطات لم تعلن عن ملاحقة الجناة أو محاسبتهم أو معاقبتهم.

قالت ريزان الشيخ وهي عضو سابق في لجنة المرأة البرلمانية، وناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة خلال شهادة للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “الحكومات العراقية ليس لديها أي استراتيجيات أو خطط لتحسين أوضاع المرأة، وكل ما قدمته هو فقرات بسيطة في برامجها الحكومية، وحتى هذه الفقرات لم تنفذ على أرض الواقع”.

وأضافت: “نحتاج إلى تعديل العديد من القوانين، مجلس النواب العراقي وفي كل دوراته لم يفكر بفقرة أو بقانون يتعلق بالمرأة، ليس لديه أي شيء يتعلق بوضع المرأة. يهمشون المرأة بشكل كامل. العقلية الذكورية تسيطر على كل شيء. حتى الأحزاب السياسية تختار المرأة وفق مواصفاتها، ولا تريد النساء اللاتي يطالبن بحقوق المرأة، بل تريد نساء يصمتن عن كل ما يتعلق بالمرأة، حتى وإن دُفنت وهي على قيد الحياة”.

تشير إحصائيات مجلس القضاء الأعلى في العراق، إلى أن “عام ٢٠١٨ شهد مقتل ٢٠ امرأة، بينما شهد عام ٢٠١٩ مقتل ١٥ امرأة، وفي عام ٢٠٢٠ قتلت ٢٠ امرأة”.

قالت رازاو صالحي، الباحثة المعنية بشؤون العراق في منظمة العفو الدولية إن “العراق يفتقر إلى آلية إبلاغ مركزية وفعالة يمكن أن تستخدمها الضحايا والناجيات من العنف الأسري أو العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”.

وأضافت: “في حالة رغبة المرأة في تقديم شكوى عن تعرضها لعنف أسرى أو ما شابه ذلك، فإن أمامها مكتبين فقط يمكن أن تقدم لهما الشكوى، لكن كلاهما يفتقر الأساس القانوني”.

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن النظرة التمييزية والدونية إلى المرأة، هي التي تحفز على ارتكاب جرائم بحقها، خاصة في المجتمعات التي يقل فيها التعليم وتقل فيها مشاركة المرأة في الحياة العامة وتُمنع من العمل.

على مجلس النواب العراقي تعديل قانون العقوبات العراقي الذي يتيح في مادته رقم ٤٠٩ على إفلات الجناة من العقاب على الجرائم التي ترتكب ضد النساء، وعلى أعضاء البرلمان من النساء أن يناضلن للدفاع عن حقوق المرأة، وألا يبقين تحت رحمة قادة الكتل السياسية ومواقف بعضها المتطرفة ضد المرأة.

قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، لا يُمكن أن ينتهي العنف ضد المرأة وكذلك الجرائم المرتكبة بحقها، ما لم تكن هناك تشريعات تحميها، ونظرة مجتمعية لا تستضعفها ولا تعتبرها “عاراً”.