لم تفد الحلول الشكلية والخطابات النخبوية ، في وقف هجرة وتهجير مسيحي العراق الذين تناقصت اعدادهم على مدى قرن ، بحروب داخلية وعوامل خارجية يطول شرحها ، لكن محصلاتها مأساوية حقا ً، حين تراجع حصيلة اعدادهم المتلاشية والمتاكلة رويدا ً رويدا جراء العنف المستمر ضدهم ، يعود ذلك التناقص المستمر والمريع للحروب التي احاطت مدنهم وحياتهم معا ، منذ مائة عام على الاقل ، جراء وقوعهم في دائرة الصراعات القائمة بين مواطنيهم المسلمين عربا وكردا وتركمان وسواهم ، حروب لاناقة لهم فيها ولاجمل ، وصراعات طائفية حينا ، قومية احيانا ً ، تنال من حياة وممتلكات وكنائس الامة المسيحية المسالمة في العراق الملتهب دوما ،
والمسيحيون ليسوا ديانة وشعب طارئ على العراق ، فهم اوائل مواطنية منذ زمن ( الحيرة )، المدينة العاصمة المسيحية الواقعة قرب الكوفة ، والتي كانت في دولة المناذرة العرب المسيحيين ، الذين استوطنوا بلاد ما بين النهرين وانتجوا حضارته السريانية -الكلدانية – الاشورية المسيحية ، فهم ملح الارض العراقية وعنوان حضارة أكثر من الف عام، لكن الرياح جرت بما لاتشتهي الاقوام العرب المسيحيين ممن تعلقوا بهذه الارض ومنحوا ارواحهم لهذا الوطن ، وساهموا بدأب في بناء حضارته وشكلوا ثقافته ، وكانوا اول المترجمين في بيت الحكمة العباسي الذين نقلوا العلوم والفنون والاداب عن الارامية واليونانية والرومانية ، وكانوا خير معين للحكم الرشيد ، لكن السنوات العشرين الاخيرة بعُيد الاحتلال وجراءه ، خسر المسيحيون اكثر من نصف اعدادهم في العراق بل اكثر ، جراء دوامات العنف التي شهدتها البلاد ، حيث يؤكد الكثير من ابناء الديانة المسيحية من العراقيين ،سيما قياداتهم بان اكثر من مليون مسيحي فر ّ مهاجرا عن الوطن ، ونهبت املاكهم وبيوتهم : كما يؤكدون ذلك بمرارة ، وبات الوجود المسيحي مهدد بشكل حقيقي حيث تتراوح اعداد الباقين 300- 500 من مجموع مليوني مسيحي ‘ حيث لايتوانى بعض المختصين منهم يؤكدون بان سنة الفين وثلاثين سوف لن يبق مسيحي واحد في العراق ، جراء العنف المستمر والوقوع في دائرة المشروع الفكري المحتدم والمتقاتل في البلد الذي لايراعي في تشريعاته وسبل العيش المدني للاقليات بصورة جدية ، دون فرض ارادات دينية طائفية ، كما يقول كبارهم ، وهذا يؤشر انحسار دورهم في الشراكة في الحياة والتمثيل المجتمعي رغم الكوته ( الحصة ) التي منحوا اياها بخمس مقاعد نيابية لثاني ديانة في البلاد ، تدلل التمثيل الشكلي الذي فرض عليهم ، والذي استحوذت عليه احزاب السلطة ايضا ، بترشيح اتباع منهم لتلك الاحزاب كما يؤكد ناشطون مسيحيون بعضهم كانوا نواب.
هذا الواقع المرير في حياة ثاني اكبر ديانة في البلاد ، يكشف المرارة والاحباط الذي يعيشه اهلنا ابناء اقدم الديانات العراقية ‘ ممن نذروا انفسهم في كل معارك البلد وتحولاته ، لكنهم يعاملون كما يقولون بجفاء وتسويف ومماطلة لمطالبهم العادلة ، سيما الحفاظ على كنائسهم واديرتهم واحياءهم التي مكثوا فيها قرون ، لاتوجد استراتيجية حماية الاقليات في العراق ، وبقاء التنوع الجميل في الطوائف الشريكة في الوطن والحياة ، فقد دمر داعش الامن المجتمعي لاعتداءاته على كنائس واديرة المسحيين وعلى اماكن سكنهم في شتى المحافظات وكان سهل نينوى نموذج للعدوان والمصادرة والقسوة التي تعرض لها السكان العراقيين المسيحيين وباقي الاقليات ، تحت مسوغات وتهويمات لسرقة المال العام والخاص منهم ، كما ان ثقافة التسامح المسيحي وعدم استخدام واقتناء الاسلحة مكن اعداؤهم من الهجوم عليهم ومصادرة املاكهم التي تحتاج الى وقفة جادة من الدولة ومن الحماية المجتمعية ، واصدار قوانين لحماية الاقليات في العراق المبتلى.