Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المسيحيون و الاسلام اخوة منذ مئات القرون في وادي الرافدين

المقدمـة

في عصرنا هذا نرى ان كل شيء قد تغير، وتطور نحو الأحسن والأفضل من جميع النواحي. حيث تقدمت الشعوب والمجتمعات، والدول، والأديان، والطوائف الدينية كلها، وان شعوب العالم انفتحت بعضها على البعض، وتتجه كلها نحو تحقيق الوحدة، أي الوحدة في التعددية والعيش بالمحبة والاتفاق من أجل تحقيق السلام في العالم.
ان التاريخ يعلمنا بان لا فائدة من الحروب، والمعارك، والاضطهادات، والظلم والتهجير القسري. لانها تجلب لنا الآلام والويلات والدمار وكثير من الهرطقات والانشقاقات، ولكي نعرف كيف ان ابائنا وأجدادنا من المسيحيين والمسلمين في بلدنا العزيز الغالي أرض الرافدين، العراق العظيم أرض الحضارة العريقة والتمدن والرقي، وكيف كانوا يعيشون فترات طويلة مع بعضهم البعض بالمحبة، والمودة، والسلام والاحترام المتبادل. حيث كانت تربطهم نقاط أساسية مشتركة من العادات والتقاليد الاجتماعية، والمبادئ، والقيم الإنسانية رغم الاختلاف الديني بينهم.
لكي نتعرف على هذه النقاط الأساسية التي كانت تجمعهم من العادات والقيم والمبادئ المشتركة لضرورتها وأهميتها وخاصة في عصرنا هذا، وخاصة الآن.
لاننا بأمس الحاجة إليها اليوم من أي وقت آخر، وذلك بسبب الظروف الصعبة والمؤلمة التي نمر بها نحن أبناء هذا البلد العريق الواحد بكل مكوناته القومية والدينية من جراء الاحتلال البغيض والظالم التي فرضته علينا قوات البغي والظلام والشر، وكذلك من الأفكار المسمومة الشريرة الغريبة والعنصرية، والطائفية الحاقدة التي دخلت بلدنا الغالي في الأواني الأخيرة.
لذلك فاني في مقالي المتواضع هذا، سوف أوضح وأتطرق لبعض نقاط الالتقاء بين المسيحية والأسلام من خلال الكتاب المقدس، والقران الكريم بصورة مبسطة، ومن خلالهما نستطيع أن نفهم وجهات الاختلاف، وأحاول في تقريب وجهات النظر في ما بينهم.
ومن الواجب علينا اليوم نحن المسيحيين والمسلمين. أن نفتح قلوبنا واحداً إلى الآخر. بكل تواضع ومحبة، وأن نكون واعين ومتفهمين ومتعقلين، لنستفيد من هذه النقاط في عيشنا المشترك مع بعضنا البعض باخوة ومحبة وسلام لخدمة بلدنا الغالي، وشعبنا المؤمن والصابر ضد الأفكار الطائفية والعنصرية الحاقدة، والاصولية المتشددة.

الايمان بإله واحد

المشكلة المعقدة بين المسيحية والاسلام. هي إن أغلبية المسلمين يعتقدون بأن الثالوث يعني ثلاثة الهة ( الله، عيسى، مريم )، لكن هذا الاعتقاد خاطئ. لان المسيحيين يؤمنون بالله الواحد، وان المثقفون من المسلمين يفهمون هذا الشيء كما يقول الباقلاني : ( اعلم ان النصارى اذا حققنا معهم الكلام في قولهم ان الله جوهر واحد ذو ثلاثة اقانيم لم يحصل بيننا وبينهم خلاف إلا في الاسم) فان نقطة الالتقاء الأساسية بين المسيحية والاسلام هي إيمان بالله الواحد، وان المسيحيين ليسوا مشركين، وان الأقانيم الثلاثة هي صفات ذاتية. أي ان الله عند المسيحيين هو واحد وثالوث.
أما من جانب الأخوة المسلمين، فان الله عندهم واحد ويؤمنون به أيضاً، نلاحظ ان القرأن الكريم يفرق بين النصارى والمشركين بقوله : ( لتجدن أشد الناس عدواه للذين آمنوا، اليهود والذين اشركوا، ولتجدن أقرب الناس مودة للذين آمنوا، الذين قالوا انا نصارى بان منهم قسيساً ورهباناً وانهم لا يستكبرون) .
ان النصارى هم أقرب مودة إلى المسلمين لانهم يؤمنون بان الله واحد، وان شهادة المسلم هي( أشهد ان لا إله إلا الله) وشهادة المسيحي هي ( بسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين ) وشهادة المسيحي والمسلم تقر بان الله هو واحد لا شريك له، وهكذا فان الثالوث لا يلغي قطعاً شيئاً من إيمان بسر وحدة الله الذي يفوق ادراك البشر، ولا توجد آية قرآنية تهاجم، أو ترفض العبارة ( إله واحد في ثلاثة أقانيم ) .
هكذا فان المسيحية والاسلام يؤمنون بان الله واحد خالق السماوات والأرض، وكل ما يرى وما لا يرى، وهو حي محب غفور للبشر، غير مقيد بزمان ومكان، وهو خارج الزمن، أزلي وأبدي، لا ينام، ولا يمرض، ولا يموت، ولا يحقد، رحمن رحيم، ينبوع المجد والحق، روح، وغيرها من الصفات واسماء تعطي له، ولكن لا تستطيع لغتنا البشرية ان تعبر عنه لانها عاجزة كل العجز عن وصفه.

الانبياء

من أهم نقاط الالتقاء بين المسيحية والاسلام. هو الاعتقاد بان الله لم يترك البشر على حالهم. بل انه بشرهم وأرسل لهم أنبياء، وقد كلم البشر بواسطة الأنبياء، وان الأنبياء هم نموذج رائع للإيمان، ولكن هناك اختلاف جوهري بين المعتقد المسيحي للنبوءة والمعتقد الاسلامي.
في المسيحية النبوءة الكاملة النهائية قد تحققت في يسوع المسيح. غير ان المسيحية تعتقد بان روح النبوءة لا يزال يظهر، ويعمل بين البشر المؤمنين من جيل إلى جيل.
أما في الاسلام فان النبي محمد ( ص ) هو خاتم الأنبياء، وان الاسلام يعترفوا بان حياة يسوع المسيح لها أبعاد خارقة للعادة من حيث ولادته ومعجزاته ورفعه إلى السماء.
مهما يكن من الاختلاف بين المعتقد المسيحي، والمعتقد الاسلامي للنبوءة، فان هناك نقاط مشتركة بينهما، وهي ان الله هو يرسل الأنبياء، وان أسماء الأنبياء المذكورة في القرأن الكريم. هي مذكورة أيضاً في الكتاب المقدس. مثل ادم، ونوح، وابراهيم، واسماعيل، واسحق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وداود، وسليمان وعيسى وغيرهم، وان المسلمين يعتقدون ويعترفون ( بان ابراهيم هو مسلم أي أول من اسلم وجه لله ) ، وهو نموذج إيمان وبطل التوحيد، حيث رفض السجود للنجوم، وحطم الأصنام، وانفصل عن شعبه الوثني، وترك والداه وهو أول من أسلم ذاته لله، وذلك من خلال تقديمه ابنه اسحق للذبح.
كذلك موسى هو النبي الذي كشف له الله عن اسمه في العليقة، وأرسله إلى فرعون، وهو الذي أخرج شعبه من مصر، وسار في برية سيناء.
هكذا فان المسيحيين والمسلمين يؤمنون بالنبوءة ويكرمون الأنبياء ويطلبون شفاعتهم.

مريم العذراء

من نقاط الالتقاء بين المسيحية والاسلام، هي تكريم مريم العذراء، فالمسيحية تؤمن بان الله اختار مريم العذراء لتكون اماً للمسيح وتبقى بتول طاهرة. ان مريم تتعجب من قول الملاك جبرائيل عندما بشرها وتقول ( كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ) ( لوقا 1 : 34 )، فيجيب ملاك الرب (الروح القدس يحل عليك وقدرة الله تظلك لذلك أيضاً فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ) ( لوقا 1 : 35 ) وبعد ان قال لها الملاك هذه البشرى سلمت إرادتها بيد الله، وبكل حريتها وقالت ( ها أنا خادمة الرب، فليكن لي كما تقول ) ( لوقا 1 : 38 ).
وهذا ما يؤكد بتولية مريم العذراء، وان الكنيسة تكرم مريم العذراء لانها شاركت بعمل الخلاصي مع ابنها في بشارتها من ولادة يسوع المسيح، وكانت معه حتى الصليب. حيث حملت صليبها معه، وكانت أيضاً مع تلاميذه حتى بعد قيامته، وهكذا فان مريم عاشت كل أيام حياتها بطهارةً وقداسة.
ان القران الكريم يكرم مريم العذراء ويذكر اسمها في آيات عديدة، وتوجد أيضاً سورة باسمها وهي ( سورة مريم )، ويؤكد القران الكريم بأن ولادة مريم كانت باعجوبة. حيث قال الامام الفخر الرازي حديثاً شريفاً قال فيه ( سمعت رسول الله يقول : ما من مولود ادم إلا نخسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من نخسته اياه إلا مريم وابنها ). أي ان الله صان مريم ويسوع وحفظهم من الخطيئة، ويذكر القران الكريم بان مريم قالت: ( اني يكون لي ولد ولم يمسني بشر.. ) ، وان هذه الآية تشبه الآية المذكورة في إنجيل لوقا ( كيف يكون هذا وانا لا أعرف رجلاً ) ( لوقا 1 : 34 ). ويذكر القران الكريم أيضاً بان الله اختار مريم وطهرها ( واذ قالت الملائكة : يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالميين ) ان القران الكريم يقول بان لا يوجد بين الملائكة والبشر أشرف منها على ما نص به القران الكريم جازماً. لا أم موسى، ولا أم غيره من الأنبياء والمرسلين، وكذلك يذكر القران بان مريم وابنها هم آية للعالمين.
هكذا فان مريم هي آية للعالمين في اصطفائها وميلادها وفي حداثتها، وبمعجزة حبلها البتولي بالمسيح، وولادتها للمسيح ومع المسيح في حداثته وفي حياتها كلها وشخصيتها، وتكاد أيضاً كل أسرار حياة مريم مذكورة في القرأن الكريم، الحبل بها بلا دنس، البشارة، والميلاد، التقدمة، ورقادها، كذلك في التقوى الشعبي الاسلامي والمسيحي مكانة خاصة لمريم .

يسوع المسيح ( عيسى)

ان نقاط الاختلاف الأساسية بين المسيحيين والمسلمين هي بمسالة المسيح، وهي ان المسيحيين يؤمنون بان المسيح هو ابن الله، وهو الاقنوم الثاني، وان المسيح جاء ليخلص العالم، ويبذل نفسه من أجل العالم، وان المسيحيين يؤمنون بأن المسيح قد صلب كما هو مذكور في الأناجيل.
أما المسلمين يقولون بان المسيح ليس ابن الله. بل هو نبي من الأنبياء، وانه لم يصلب بل شبه به، وهذا من أهم الخلافات الرئيسية بين المسيحيين والمسلمين هي في مسألة المسيح. لكن هذا لا يمنع بان يكون هناك نقاط الالتقاء بين المسيحيين والمسلمين في هذه المسالة أيضاً.
فان اسم المسيح ( عيسى ) ذكر في القران في ( 93 ) آية وقد اضفى القران الكريم عليه صفات وكرامات تميزه عن بقية البشر ( كلمة الله ) و ( روح الله ) ( آية الناس ورحمة منا ) ( الوجيه عند الله ) ومن نقاط التقارب بين الإنجيل والقرأن بالنسبة للمسيح ( عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) واتيانه بالمعجزات ( واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس ) ونسبته إلى الله ( وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه يقيناً، بل رفعه إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) ان القرأن الكريم رفض مسألة صلب المسيح احتراماً لمقامه العظيم حسب رأي الشخصي.
هكذا فان المسيحيين والمسلمين يؤمنون بان يسوع هو مرسل من الله، وانه سيكون وجيهاً في يوم الآخر، وان الشهادة الجامعة بين المسيحيين والمسلمين بالنسبة للمسيح هي أشهد ان لا إله إلا الله، وان ( المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وكلمته ألقاه الى مريم وروح منه ) .

العبادة

المسيحيون يقولون كما يؤكد المسلمون بان لا خلاص للإنسان إلا بالإيمان. فيقول القديس بولس: ( فمن المستحيل إرضاء الله بدون إيمان اذ ان من يتقرب إلى الله لا بد له ان يؤمن بأنه موجود وبانه يكافئ الذين يسعون إليه ) ( عبرانيين 11 : 6 ).
الإيمان هو ثقة بالله، وان الإيمان لا ياتي، أو لا يتقوى إلا بالصلاة، والصوم والزكاة. ان العبادة وان اختلفت بين المسيحيين والمسلميين إلا ان قصدها واحد فكلهم يجتهدون لعبادة الله تعالى.
العبادة الحقه في الكلام، والقول والفعل، وان الصلاة، والدعاء، والذكر، والتأمل، والتضرع والاعتكاف كلها عادات قديمة أصلية يشترك فيها المسيحيون والمسلمون على السواء.
ان الصلاة فيها الشكر، والحمد، والتسبيح، والطلب، والابتهال والاستغفار، وان الصلوات الخمس في الاسلام هي متقاربة من صلوات الساعة عند المسيحيين.
كذلك ان الصيام موجود في المسيحية والاسلام، وفيه يحاول الإنسان الصائم ان يصوم من أعماله السيئة، ويصوم من الطعام، أو من أي شيء تعود عليه ويعطيه للفقراء والمحتاجين.
ان المسيحيين منذ بداية الكنيسة وحتى الآن، كانوا يساعدون الفقراء والمساكين لانهم يعملون بوصية يسوع المسيح الكبرى وهي ( احبو بعضكم بعضاً كما انا احببتكم )، وان يسوع المسيح كان من عائلة فقيرة، وولد في حظيرة، وكان يحب الفقراء، والمساكين ويساعدهم. كذلك ان الصدقة هي من أحد أركان الاسلام، وان النبي محمد ( ص) كان يحث المسلمين على الصدقة، ومساعدة الفقراء، والايتام والارامل، كما ان النبي محمد ( ص ) كان من عائلة فقيرة وكان يتيماً أيضاً.

الإيمان باليوم الآخر والقيامة

من نقاط الالتقاء بين المسيحيين والمسلمين هي الإيمان بقيامة الأموات والدينونة، حيث يجازي الله كل إنسان حسب أعماله، البار يذهب إلى الملكوت، أما الشرير يذهب إلى الهلاك.
ان اللفظ الاصلي لكلمة ( دينونة ) هو ( شافاط ) الذي يعني عادة ( الحكم ) في الديانة المسيحية هي انتظار عودة يسوع المسيح كديان للأحياء والأموات، وهو جزء لا يتجزأ من قانون الإيمان المسيحي ( وسياتي في المجد ليدين الأحياء والأموات )، كما ان مار بولس يقول : ( اذ لا بد ان نقف جميعاً مكشوفين أمام عرش المسيح لينال كل واحد منا استحقاقات ما عمله حين كان في الجسد، أصالحاً كان، أم رديئاً ) ( 2كورنتوس 5 : 10 )
ان المسلمين يؤمنون أيضاً بقيامة الأموات والدينونة، ويعتقدون ان عيسى سيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات، وان القرأن الكريم يذكر بان الله يجازي كل واحد حسب أعماله ( يومئذ يصدر الناس اشتراكاً ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً بره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) ، ويؤكد المسلمون والمسيحيون على السواء. ان هناك دار الثواب وهي الجنة، ودار العقاب وهي الجهنم، ولو اختلفوا كثيراً في وصفهما، وهناك أيضاً عقائد يشترك فيها المسيحيون والمسلمون مثل وجود مخلوقات اخرى من ملائكة وشياطين.

الخاتمة
ان من أسباب عدم التفاهم والتعصب بين المسلمين والمسيحيين هو ان كثير من المسيحيين والمسلمين يجهلون الكتاب المقدس والقرأن الكريم معاً. ولو قراؤها بقلب منفتح وصادق، وبعين الإيمان، وبروح الفهم، والعقل، والادراك من دون التعصب والأنانية والحقد.
انهم سيجدون الكثير من نقاط الالتقاء فيما بينهم ومن أهمها الايمان بالله الواحد، والأنبياء والرسل التي هي كلها مبنية على الإيمان، والمحبة، والرجاءن والتسامح، والغفران، وبذل الذات، والخدمة ومساعدة الآخرين بكل تواضع ومحبة.
ولكي يعيشوا المسيحيين والمسلمين ويتفهموا في ما بينهم. يجب من إقامة علاقات قوية ومتينة فيما بينهم، والتي تأتى من خلال المشاركة في الأندية الاجتماعية، والنشاطات الثقافية، واقامة الندوات، واللقاءات المشتركة، والقاء المحاضرات، وفتح الحوارات، والمناقشة والانفتاح، ومشاركة الجميع بأفق واسعة وصدر رحب، وبحرية كاملة واحداً إلى الآخر بروح المحبة، والتسامح بدون التعصب والتشدد، ومن خلال هذه الأنشطة الثقافية والاجتماعية والدينية يمكن خلق أجواء مناسبة، لزرع بذور المحبة، والغفران والتسامح بين الاخوة، ومن خلالها يستطيعون العيش بعضهم مع البعض في هذا البلد العريق والأصيل منبع الإيمان والحضارات بكل سلام ومحبة أكثر مما هي الآن. Opinions