المطبوعات الناطقة بلسان شعبنا نوافذ ثقافية مهمة وأفكار خلاقة تزيد مواطن الجدل
زادت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وتيرة إصدار المجلات الثقافية التي تتناول أحوال شعبنا مع رصدها لبوابات الثقافة السريانية مما قسم فئات عديدة حول رأي مفاده إن الكم الهائل من تلك المطبوعات يقودنا لقراءة سيرة شعب برهن على مديات ثقافته المفعمة ببلورة تلك الثقافة إلى واقع ملموس عبر هذا الكم، فيما عبر الرأي الآخر عن مدى إمكانية هذا الكم من إيصال تلك المورثات الحية والمتبادلة بين الأجيال إلى الجيل الحالي أو القادم والذي يعرف عنه ابتعاده عن مناهل القراءة وتمسكه بالتقنيات الحديثة من حاسوب وإنترنت وما تبعهما من أجهزة الاتصال الخليوية بعيدا عن كل ما يشغله من القراءة ومتابعة النصوص الإبداعية التي تزيد هذا الجيل رسوخا وثباتا في أرض الأجداد.ولعل المفارقة التي تكمن في إصدار هذا الكم تقودنا إلى حادثة طريفة كنت أحد شخوصها، فقد بادرت إحدى الجمعيات إلى الاتصال بي لغرض التنسيق من أجل تحرير وتصميم مطبوعة خاصة بها، فاستعنت بأحد الأخوة المصممين واتجهنا إلى مقر تلك الجمعية الكائن في إحدى مناطق سكنى شعبنا، وبعد اطلاعنا على حجم وكمية المطبوعات التي أصدرتها تلك الجمعية آثرت أن أتجول في المنطقة، فعلق زميلي المصمم بسخرية على عدد القراء الذين تجمعهم تلك المنطقة والذي لا يتناسب مع كميات ما يطبع من مجلات وصحف في هذه المنطقة وحجم التكاليف التي تصرف على هذا الإعلام الذي لا يجد من يقرأه في ظل انشغال الكثيرين منهم في أعمالهم التي تبتعد كليا عن مجال القراءة.
ومن خلال محاور تساؤلي الذي وضعته على طاولة إعلاميين ومبدعين حول إمكانية ترك تلك المطبوعات لبصمة راسخة خاصة في ظل تاريخ متذبذب يريد تهميش شعبنا ويقصيه من أرضه بشتى المحاولات، فإن الحصيلة جعلتني أتأمل بدقة ما تناوله في رده الشاعر المبدع شاكر مجيد سيفو حيث قال: "إن تعددية الفئات التي تدخل في صياغة المكون الأساس لشعبنا هي التي تشترط في أغلب الأحيان ممارسة النشاط الثقافي عبر مختلف طرازاته الميثولوجية والروحية، مما يشكل عاملا أساسيا في مدى العمل الذي تضطلع به العناصر العاملة في مؤسساتنا التي يعمل بها أبناء شعبنا بمعزل عن مسمياتها الدينية والثقافية". ويضيف الشاعر: "إن عملية توافر المطبوعات تشير إلى أنها ظاهرة ثقافية صحية، لكنها في ذات الوقت تتقاطع مع التوجهات الفكرية والثقافية أو بما يصح في التسمية بأنه خلاف عقائدي"، ويتابع الشاعر شاكر سيفو: "لدينا مجلات عديدة لكن التساؤل يفرض نفسه حول إمكانيتها في إيصال صوت شعبنا وتبلور مخياله الثقافي والإبداعي، وهو السؤال الذي يثير إشكالية فلسفية برأيي الشخصي".. فحسب قراءات الشاعر تتصدر مجلة الفكر المسيحي قائمة المجلات التي يحرص على قراءتها لما فيها من حلقات تبلور صوت شعبنا وتحقق غاياته الثقافية بالشكل الشمولي، وتحاول جذب القاريء إلى محاور أخرى نحو الفلسفة والاجتماع وعلم النفس، ويصف الشاعر مصدر انطلاقها بمسوغات تكاد ترى منذ انبثاقها ولحد هذه اللحظة. كما تندرج مجلة الأفق في هذا المحور ضمن نطاق انتشارها المتزايد، أما المجلات التي توالى إصدارها في بحر الخمس سنوات فإنها تراوح في اشتغالاتها الثقافية، فبعضها يتميز بهويته الفتية المليئة بالمغالطات، والبعض الآخر يزيد من درجة انغلاقه غير منفتح على بوابة الصحافة التي تزيد من رحابة استقبالها للرأي والرأي الآخر، والآخر الذي يبدو ركيكا، ومن هذا الواقع لا تشير تلك الظاهرة إلى جرعة تفاؤل منهجية مهمة.
أما الإعلامي جرجيس العطوان فيقول: "إن كثرة المطبوعات التي بدأت بالبروز فرصة مهمة لمن كان صوته مهمشا وقلمه مغيبا لايستطيع أن يحاول رصد واستقراء الواقع في ظل سلطة التفرد السائدة". ويضيف العطوان: "الحالة التي يمكن تناولها تجعلنا أمام تعددية آراء تمثل ظاهرة تنفيس لما كان يعتصر هؤلاء الكتاب والمحررين الذين تشكلهم تلك المطبوعات والتي باتت نافذتهم الإعلامية التي يمكن أن يطلون عبرها إلى قراء كانوا يقرؤن الرأي ذاته والفكر الأوحد الذي كان معمما على مختلف المطبوعات".
فيما يحاول الدكتور بهنام عطا الله رئيس تحرير مجلة الإبداع السرياني أن يحلل مشهد التعدد الذي يصيب مشهد المطبوعات التي تصدرها جهات شتى من قبل أبناء شعبنا فيقول: "إن لصدور هذه الأعداد الكثيرة من الصحف والمجلات والمطبوعات الناطقة بلسان شعبنا أهمية كبيرة، لعل في بدايتها يأتي اطلاع أبناء شعبنا على موروثهم الحضاري والثقافي والعلمي والأدبي، ولكن إلى جانب ذك تظهر العديد من السلبيات التي ترافق صدور هذا الكم من الدوريات، ذلك لأن صنعة الصحافة ليس بالأمر الهين كما هو معروف إذا ما عرفنا أن العديد من النعوت الخطيرة تطلق على الصحافة كـ "السلطة الرابعة" أو "صاحبة الجلالة"، وإن الذي يعمل بها لابد أن يكون متسلحا بالخبرة الأكاديمية، أو المتراكمة ولسنين طويلة، لكي يكون المطبوع عند مستوى الطموح". ويتابع الدكتور عطا الله فيقول: "إن دخول مجموعة ربما هي طارئة على العمل الإعلامي، يرافقه العديد من المشاكل ابتداءً من ضعف المطبوع وهزالته إلى ضعف المحتوى والمضمون والإخراج الفني، ومن ثم الاعتماد على الإنترنت بصورة كبيرة في انتقاء النتاجات والمقالات لنشرها، من هنا لابد من وضع النقاط على الحروف من أجل إخراج صحف ومجلات تكون عند مستوى المسؤولية التي يمر بها شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه".
ويختتم الدكتور عطا الله رأيه بالمطالبة بفحص ومتابعة وغربلة هذه الإصدارات الصحفية لتكون عند مستوى الصحافة الحقيقية، ولكي تعم فائدتها للجميع، ولكي لا تكون رقما بين الأرقام فقط.
وبين تعددية الآراء فإن المحصلة تضعنا أمام نهضة فكرية تبدو كواحة خضراء تقاوم التصحر الذي يمثل ابتعاد الجيل القادم عن النهوض بواجباته من خلال متابعة تلك المجلات والنهل مما تتيحه من أفكار وتواريخ ورؤى تبدو واجبة لإيقاظ سبات فئات شتى تحاول أن تطمس هوية وعراقة هذا الشعب العريق.