المعقول والامعقول في المشهد العراقي
اثبتت الوقائع والتجارب على مر الايام ان التصيد في الماء العكر والتجاوز على حقوق الاخرين ومصادرة إرادتهم لن يجد صاحبه نفعا ، ولن يبني وطناً راسخاً ومستقراً ، وان الامر الواقع المبني على الباطل والمفتقد الى الشرعية لا يمكن ان يدوم مهما طال به الزمن ، فما يبنى على الباطل .. باطل .. ولن يكتسب المشروعية يوما وهذه البديهيات لا تنطلي على المواطن البسيط المراقب للأوضاع في العراق ، والذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الوعي وغير الملم بتجاذبات الللعبة السياسية ومناورات الأطراف الأساسية التي تتتشكل منها المعادلة السياسية العراقية ، فكيف يمكن لبعض الأطراف المتنفذة في واقعنا اليوم أن تنطلي عليها هذه البديهيات أو أن تتتجاهلها .إن من يبحث عن إستقرار العراق والحريص على حقن دماء أبنائه حاضراً ومستقبلاً ومن أجل قطع دابر الألغام المستقبلية التي يمكن أن تفجر الوضع فيه مجدداً في أية لحظة إذا ما كتب الله له الإستقرار والأمان من بعد سيول الدماء المراقة وطول الألم والعناء ، عليه أن يكون معقولاً في مطاليبه وواقعياً في طروحاته ، وأن يبتعد عن نهج الإستئثار بكل شيء أو السلبية والتهديد بالتصعيد وإستغلال الظرف القائم ، لتمرير ما هو غير مسوغ وغير مشروع . ومن الطبيعي أن كل طرف يعرف ما له وما عليه ويدرك ما ينبغي المطالبة به وما يجب الترفع عنه ، على هذه الأطراف أن تدرك أن تمرير مخططاتها على هذا النحو مستغلة الخلل القائم في المعادلة السياسية وعدم توازن الإمكانات والمساومات الجارية على قدم وساق بين الكبار بغية إبتلاع "الصغار" والهيمنة على مقدراتهم وقرارهم لا يمكنها أن تبني عراقاً آمناً مستقراً وديمقراطياً كما يحلو لهم أن يرددوا ليل نهار ، عبر وسائل الإعلام وفي شتى المناسبات ، وإذا قدر لهذه المخططات أن تمر ولمنطق الهيمنة والإستئثار والإبتلاع أن يسود فسوف يمر ويسود ولكن إلى حين وليس للأبد ، فغفوة الشعوب ليست أبدية وعدم التوازن القائم في الوضع العراقي ليس دائمياً ، وإذا كانت ظروف العراق اليوم وتداخل المصالح الإقليمية والدولية المؤثرة في الحالة العراقية تحتم على أطراف كثيرة محلية وأقليمية ودولية التغاضي عن المطالب غير الواقعية وغير المشروعة لبعض الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي العراقي فإن على هذه الأطراف أن تكون على قدر أكبر من الوعي والحكمة والعقلانية ، وأن لا تطالب بأكثر مما تستحق كي تثبت للآخرين سلامة نواياها وحرصها على وحدة العراق أرضاً وشعباً ومقدرات ...
أما إذا إستمر نهج المطالبة بالمعقول واللامعقول فأنه سيضر بأصحابه وبالأطراف الأخرى على حد سواء وعلى المدى الطويل ، وسيكون ضحيته كل الشعب العراقي الذي دفع وسيدفع المزيد من التضحيات من دماء أبنائه وثرواته وفرصه الحضارية ، وسوف يعود القهقرى بالوطن أعواماً وأعواماً ، وعندها سيكون الجميع خاسراً ، ولن تنتهي دورة العنف والألم أبداً .
فهل يتعظ "العقلاء" من دروس الأمس؟ ، وهل يعتبروا من فصول الألم والظلم الذي حيق بهم في عهود الإستبداد؟ .. فيكونوا حريصين على تجنب إلحاق الظلم بالغير وتكون حقوق إخوتهم في الوطن محل إحترامهم ، ام ان الفرصة الذهبية السانحة امامهم اليوم سوف تغريهم وتغويهم وتدفعهم قدماً نحو المطالبة بما هو حق وغير حق ، معقول وغير معقول ؟ سؤال يطرح نفسه اليوم , وقادم الأيام حتماً سيجيب ..