Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المهجر تحت المجهر / الحلقة 4

قررت أن أكتب الأن قبل فوات الأوان وتتلاشى قواي الجسدية والذهنية والعقلية تماما فأسقط صريعا في غيابة بئر عميق لا قرار له وأصبح في خبر كان وأخواتها....لكم أكره أن اعيش في المدن السياحية الصاخبة والمكتظة والمزدحمة بالسكان والمختلطة بكافة الأعراق والأثنيات والأجناس كمدينة مثل برلين....أشعر بالقرف والتماهي والانصهار مع الشقاء الأبدي الذي لا خلاص فيه انها تماما تتضاءل معالم الاشياء في عيني ، لا أرى شيئاً أنوء تحت حمل ثقيل الى متى سأرزح تحت هذا العذاب... ذاك التراجع القهقري... الموت البطيء....فيخيفني أكتشافي فجأة وكأنني أكتشف معه ملامح وجهي الجديدة ، فهل تزحف الشيخوخة هكذا نحونا حقا ؟ ... بليل طويل واحد....وبعتمة داخلية تجعلنا نتمهل في كل شيء ، ونسير ببطء دون اتجاه محدد ؟؟ ...فكل مرة أحاول جاهدا أن أضع شيئاً من الترتيب الداخلي لأتخلص من بعض الترسبات والافكار والتراكمات وألارهاصات القديمة في الأنا الصغرى والعليا ، أليست أعماقنا في حاجة ماسة الى نفض كأي بيت نسكنه للغبار العالق على الاثاث القديمة ، ولا يمكن أن ابقي نوافذي مغلقة هكذا على أكثر من جهة !!.. ولكن كل هذه المحاولات لا جدوى منها ما دام كوني سائح لمدينة جاءها في زيارة سياحية منظمة كل شيء معد وموقوت سلفا فيها !!.. حتى ساعة الرحيل ، ومحجوز فيها مسبقا.... المعالم السياحية التي سيزورها ، وأسم المسرحية التي سيشاهدها ، وعنوان المحلات التي سيشتري منها الهدايا للذكرى ، فهل كانت هجرتي مضجرة الى هذا الحد ؟؟؟

سبع سنوات عجاف مرت في المهجر ، لم يكن فيها ما يستحق الدهشة جميعها بمثابة صفحة واحدة ، يوم يشبه يوم وأسبوع فشهر وسنة ، لمفكرة واحدة لا تاريخ لها سوى الغرابة والمنفى وغربة قاسية الملامح ، كنت احاول جاهدا أن اختصرها بعملية حسابية كاذبة ، تتحول فيها السنوات الى سبع مفكرات لا غير ، مسجلة لا حسب تواريخها / الكلدانية ، الأشورية ، العبرية ، اليونانية ، الرومانية ، الميلادية ، الهجرية / ... اٍنما حسب سنوات هجرتي الأختيارية أو الأجبارية!!....الم يكن الفيلسوف الفرنسي المتنور (فولتير) محقا في قوله المأثور...علامة المجنون أثنان لا غيرهما...اٍما يفكر وبأستمرار بشيء واحد طوال الوقت... أو يفكر بأشياء عديدة في وقت واحد فقط.... فياعزيزي المهاجر أليس الجنون في المنفى والمهجر شيئاً عاديا تماما كالميلاد والحب والزواج والمرض والشيخوخة والموت ؟؟؟...أم هروب من ماضي تليد وخوف من مستقبل مجهول والبقاء في الحاضر المبهم...والى الملتقى



بقلم/ الكاتب

عامرحنامتي حداد

برلين

Opinions