الناشط القومي الآشوري سنحاريب بالي ( 1878 – 1972 )/الحلقة الثانية
أعزائي القراء كما وعدتكم عندما تحدثت في الحلقة الأولى عن المغفور له " يوسف مالك " بأنني سأعقبه عن غيره من الآشوريين الجهابذة ، وهنا معذرتي لأنني لم أتحدث عن ترجمة حياة المناضل الآشوري يوسف مالك على أساس أنه أشهر من نار على علم ، وبما ان موضوعي ينحصر بالأشياء التي جرت معي فقط ولكن مرة ثانية المعذرة لذلك وشكرا . وفي هذه الحلقة سوف أتحدث عن الرجل القومي الآشوري من الطائفة الأرثوذكسية في الولايات المتحدة الأميركية المغفور له سنحريب بالي .في الحقيقة كقادم جديد الذي أم الديار الأميركية في نهاية سنة 1966 ( 19تشرين الأول ) لم أكن أعرف شيئا عن المغفور له " سنحاريب بالي " وذلك رغم أنه كان نشيطا جدا في القضايا الآشورية القومية ورغم أن والدي كان بحوزته كثيرا من المنشورات القومية والسؤال الذي يطرح نفسه وهو ، إذا ما الذي حصل ؟ الجواب واضح وجلي حيث المغفورله كانت جل كتاباته ونشاطاته عامة باللغة العربية والتي كان ينشرها له صديقه المرحوم " فريد إلياس نزها " المقيم في بلاد الأرجنتين وفي العاصمة الفضية بوينس ايرس وفي مجلته الجامعة السريانية. وقد كانت هذه المجلة محصورة ومعروفة عادة بأعضاء الطائفة الأرثوذكسية في أكثر الأحيان .
وهنا قبل أن أسرد مذكراتي الشخصية عن المرحوم من الضروري أن ألقي الضوء ولو بإختصار عن ترجمة حياته الشخصية :
المرحوم سنحاريب بالي كانت ولادته سنة 1878 م في مدينة " آمد / ديار بكر " من بيث نهرين وحاليا ضمن الأراضي التركية .
إبان الحرب الكونية الأولى وبعد أن فقد كثيرا من أفراد عائلته بأحداث " سيفو " المعروفة على أيدي الأتراك العثمانيين هاجر إلى العالم الجديد ( الولايات المتحدة ) وذلك عام 1912
كان المرحوم نشيطا جدا في القضايا الآشورية وكان يعمل كما ذكرنا أعلاه مع المرحومين فريد الياس نزها ونعوم فائق ، حيث معظم كتاباته تجد لها أثرا في مجلة " الجامعة السريانية / أو الآشورية ASIRIA " حيث باللغة اللاتينية تسمية الآشورية هي ASIRIA والتي تقابلها Assyria باللغة الانكليزية .
كان للفقيد بنون وبنات ، وبالمناسبة نجله " ريموند بالي " تبوأ رئاسة الاتحاد الآشوري القومي الأميركي وإبنته شميرام هي الآخرى كانت نشيطة جدا في القضايا الآشورية .
لقد غادر سنحريب بالي عالمنا في عام 1972 بعد عمر يناهز 96 عاما ، حيث ترك فراغا في القضية الأشورية والتي كانت ديدنه الأوحد من الصعب ملؤه ، ولكن ذكراه ستبقى دون شك إلى دهر الداهرين .
إثر وفاته أسست عائلة المرحوم ما يسمى ب ( حساب مالي آشوري / Assyrian Book Fund " في جامعة هارفارد الأميركية Harvard University وفي قسم الشرق الأوسط بغية صرفه للحفاظ على الثقافة وكل ما يتعلق بالقضية الآشورية .
ومن الجدير بالذكر ، أثناء وجودي في الولايات المتحدة الأميركية انتسبت إلى منظمة قومية آشورية تدعى " Assyrian National Effort / العمل أو الجهد القومي الآشوري " والتي كانت تصدر نشرة قومية المسماة " مهادينا / المرشد " وكانت عادة تصدر باللغة الآشورية والانكليزية والعاملين الرئيسيين في موادها كانا المرحومان الأستاذ الموسيقار والأديب " وليم دانيال " الذي كان يكتب باللغة الآشورية والانكليزية والأستاذ صليو سامانو الذي عادة كتاباته كانت محصورة باللغة الانكليزية على الغالب .
بعد فترة قصيرة جدا شاركت في نشر بعض المقالات باللغتين الآشورية والعربية ، وكانت اللغة العربية بهكذا خطوة تظهر في المجلة لآول مرة . كان هناك البعض يمانع بالكتابة باللغة العربية كوننا قاسينا الأمرين من العرب ، ولكن ردي لهؤلاء كان على الوجه الآتي : إن كثيرا من أبناء شعبنا القادمين الجدد إلى أميركا لم يكونوا قادرين القراءة سواء باللغة الآشورية أوالانكليزية ، وإدخال اللغة العربية مع الإحتفاظ وخصوصا بلغتنا بكثافة لن يؤثر ، بل سيساعد هؤلاء على تفهم مجريات الأمور في الساحة العالمية والآشورية خاصة هذا من من جهة ومن جهة أخرى ما ذنب اللغة العربية فيما إذا العرب لم يعاملوننا كما كان يجب وبهذا نجحت في إدخال اللغة العربية في نشرتنا هذه .
لقد كانت ترسل هذه النشرة " مهاديانا " إلى شعبنا الآشوري وخصوصا في الولايات المتحدة ، ومن المؤكد أن المجلة هذه كانت تصل إلى الأخ ريموند وخصوصا شقيقته " شاميرام " التي كانت ترعى والدها الطاعن في السن وبهذا قرأ ما كنت أكتبه باللغة العربية ( حيث المرحوم لم يكن يعرف جيدا اللغة الإنكليزية ) كما أخبرتني شميرام إبنته ، حيث قال لها " أريد أن أشاهد هذا الشخص بأقرب وقت وقد كان طاعنا في السن وعادة لا يفارق الفراش تقريبا " إبنته الفاضلة كتبت رسالة عاجلة باللغة الانكليزية إلى منظمتنا ، حيث ذكرت مطلب والدها وذات يوم الأخ المرحوم صليو سامانو الذي كان عادة يستلم البريد للمنظمة قرأ الرسالة وأخبرني عن الأمر وقال لي ما رأيك ؟ قلت له رغم أن هناك صعوبات كشخص قادم جديد ولم يؤسس نفسه بعد ولكن وضع الحالتين على الميزان ضميري ينحاز إلى تلبية الدعوة وهي الأفضل لكي أبعث في نفس هذا الآشوري القومي الفرح والطمأنينة وهي أبسط خدمة بوسع الفرد أن يسديها لأبناء قومه وخصوصا لمثل هذا الرجل الذي كرس حياته في خدمة قوميته الآشورية ورفضها عندي لهي جريمة نكراء في وقت كما علمنا من الحلقة الأولى حيث أنا أبحث بنفسي عن رجال قوميين لأشاهدهم والآن هذا القومي يطلب مني مشاهدته ، إذا لهي فرصة ذهبية لي أن أحققها وهكذا لبيت الزيارة التي حدثت في أوائل شهر إيلول من عام 1969 .
وهكذا على التو في اليوم الثاني أخذني الآخ المرحوم صليو سامانو بسيارته مع عدد من الزملاء الذين شاركوا في توديعي في المطار ( شيكاغو ) ومنها جوا إلى مطار " نيويورك " .
بعد طيران ساعتين تقريبا وصلت مطار" كنيدي " في نيويورك حيث كانت إبنته " شميرام " بإنتظاري كما كان المتفق عليه ، والمشكلة التي وجدنا لها حلا مسبقا كوني لا اعرف السيدة بالي اطلاقا ولا هي تعرفني ، حقا نسيت ما عملناه ولكن من الأغلب إتفقنا حول نوعية اللباس وكذلك هي وهكذا لم تكن صعوبة حيث وجدنا أنفسنا وكم كانت فرحتها عظيمة بلقياي وأردفت وقالت لا تصدق مدى فرحة والدي عندما أعلمته بقدومك هذا وشكرا جزيلا لك ، قلت لها - لا شكر على الواجب - أختي الكريمة والدك يستحق ويستأهل أكثر من هذا .
بعد ها غادرنا المطار بسيارتها إلى منزل والدها وبعد مرور ردحة من الزمن وصلنا مكان إقامته وبدخولنا وإذ والدها طريح الفراش يستقبلني بابتسامة عريضة رغم معالم العناء والشيخوخة الظاهرتين على محياه حيث عانقنا بعضنا البعض وكانت فرحته عظيمة جدا ، إذ قال حيث لم يكن لي علم بأن أحد أبنائه كان اسمه " آشور " أيضا مات وهو في ريعان الشباب والآن وكأني أرى إبني مرة ثانية ، وقلت إني متأسف جدا وهذا شئ أكيد مؤلم جدا للأباء إذ أعرف جيدا الحالة النفسية التي يعيشونها بفقدان أحد أبنائهم وهذا ما حصل لنا عندما فقدنا أخ لي المرحوم " يوخنا " وهو في ريعان عمره ( 21 سنة ) أيضا وأنا وقتها لم أكن أتجاوز الحادية عشرة من عمري . على كل شاركنا سوية بآلامنا وأتراهنا ومنها انتقلنا إلى مواضيع أخرى حتى كان وقت النوم لكي نكمل الحديث في اليوم التالي .
وفي اليوم الثاني تحدثنا كثيرا عن أوضاع الأمة الآشورية وقد عبر عن عدم الرضى من الكنيسة الارثوذكسية التي تحاول قدر المستطاع تعميق الهوة بيننا قوميا وخصوصا واصفة الكنيسة المشرقية / النسطورية بالهرطقة والإلحاد في وقت أننا كنيسة واحدة وشعب واحد . إن المرحوم صادق في قوله حيث وجدت جهوده القومية تتمشى مع القوميين الآخرين إذ ينتمي الى ذلك الرهط التقدمي الآشوري من أمثال المرحوم نعوم فائق ، يوسف درنا ودافيد برلي برصوم ، والإثنان الأخيران كانا من رؤساء الإتحاد الآشوري الأولين في الولايات المتحدة الأميركية وكذلك صلته الحميمة مع القومي والصحافي الآشوري الآخر والمقيم في الأرجنتين المرحوم فريد إلياس نزها وهنا من الضروري أن أستشهد ببضع فقرات من المراسلات بينهما :
" ... أقول ( المرحوم فريد نزها ) من مدة أرسل إلي صديقي الأديب سنحاريب بالي عدة تقاويم ( روزنامات ) أصدرها أدباء السريان النساطرة باللغات السريانية والفارسية والإنكليزية وهي في غاية الاتقان والفن تزدان برسوم طائفة كبرى لكبار الفضلاء من أحبارهم وعلمائهم وعدد كبير من أساتذة المدارس ورجال العلم والأدب من كتاب ومحامين وأطباء وغير ذلك . وهم بالأزياء الأوربية الحديثة حتى لتحسبهم من نوابغ أدباء الغرب زيا وأدبا وثقافة ...."
كما علمت أنه كان يملك مكتبة لا بأس بها حيث أخبرتني إبنته أنه أعطى منها ولكن أمر أبنته أن تعطي لي شيئا من المتبقي ، وبالحقيقة ما حصلت عليه ليس إلا عبارة عن كتابين وعدة مجلات وأدبيات فريدة من نوعها مثلا ، أعداد من " الجامعة السريانية / ASIRIA "وأقدم عدد منها يعود إلى سنة 1936 وعدد واحد من مجلة " بيث نهرين " أو كما سماها باللغة الإنكليزية (The Assyrian Paper ) العدد 5 لشهر حزيران 1929 للمرحوم نعوم فائق باللغة السريانية وعدد واحد من " لشانا دأومثا / لسان الأمة أو كما جاءت التسمية باللغة الفرنسية JOURNAL ASSYRIEN من أربع صفحات والمؤرخة ليوم الجمعة 15 حزيران 1928 لصاحبها " إبراهيم حقوردي وهي عبارة عن صحيفة بالأحرف السريانية ولكن اللغة المستخدمة كانت اللغة التركية ، وكذلك حصلت على عددين من مجلة " بيث نهرين أو كما جاء اسمها باللغة الإنكليزية " The New Beth-Nahreen or Mesopotamia An Assyrian Bi-Monthly والمؤرخين لشهري آذار ونيسان ، ولتشرين الثاني وكانون الأول لعام 1947 .
وبعدها حيث كان الوقت بعد الظهر أقفلت راجعا إلى شيكاغو .
الحلقة الثالثة بإذن الله ستكون عن الصحافي الآشوري الكبير " فريد إلياس نزها " من الأرجنتين.
تنويه :
أقدم شكري الجزيل إلى أخ آشوري نبيل من روسيا الذي قام بترجمة الحلقة الأولى عن المغفور له يوسف مالك إلى اللغة الروسية ، أدامك الله عزيزنا الأخ رولاند بيدغامون /Mr. Roland Bidgamon ودم لأمتك الآشوري سالما ومعافى ، من أخيك / آشور بيث شليمون – أميركا