الهجرة وتأثيراتها على جميع مجالات الوطن... هجرة المسيحيين نموذجا
محاضرة السيدة باسكال وردا في مؤتمر منظمة حمورابي في بغدادمؤتمر منظمة حمورابي لحقوق الانسان بالتعاون مع CSIحول
عودة كريمة للاجئين العراقيين و بحث مستقبل الوجود المسيحي في العراق
بتاريخ 11-12/12/ 2009 فندق المنصور- بغداد
الهجرة وتأثيراتها على جميع مجالات الوطن
هجرة المسيحيين نموذجا
باسكال وردا
وزير سابق
و مسؤولة العلاقات العامة لمنظمة حمورابي لحقوق الانسان
المقدمة
قبل ان تكون الهجرة ظاهرة تعكس اما بالسلب على بعض المستويات أو بالايجاب على بعضها الآخر, فالهجرة هي ايضا حق من الحقوق الاساسية للانسان.
عبر تاريخ العراق الطويل (بلاد ما بين النهرين), تمثل حركة الهجرة من والى العراق ظاهرة حاضرة خلال جميع الحقبات. والاسباب لذلك عديدة منها اسباب تعود الى استراتيجية موقع وجغرافية البلد ومنها بسبب الكفاءات البشرية سواء كانت روحية ام علمية وعلى مختلف المستويات التي اتصف بها وادي الرافدين منذ القدم ليكون اول البلدان الذي فيه اوحى الله تعالى عن اسمه الى البشر كالاله الاوحد الذي لا بداية ولا نهاية له وذلك باستخدام شخص النبي ابراهيم أبا جميع المؤمنين الذي يمكن اعتباره المهاجر العراقي الاول, وان كان ذلك ضد ارادته الشخصية, فقد قبل بامر الله ليترك اور الكلدانيين في جنوب العراق( الناصرية) ويتوجه الى أرض الميعاد فلسطين. لكن في وقتنا الحالي هناك تباين كبير في حجم و تاثير هجرةالعراقيين من مكون الى آخر وهجرة المسيحيين نموذجا.
ظاهرةالهجرة فريدة من نوعها
ان السبب الاكثر قوة وشراسة في تواصل ظاهرة الترحيل والهجرة المستدامة في العراق هو الضغوطات المتواصلة وخاصة ضد المسيحيين وباقي الامم القليلة العدد والذين يبدو مصيرهم مجهولا. لان هذه الضغوطات تتحول الى استبداد كلما اشتد الوضع العام سوءا في العراق , وقرن بعد قرن يسير نحو الاسوء . جعل هذا الواقع العديد من حقبات تاريخ العراق حقبات دموية تميزت بمذابح جماعية مثل مذابح الآشوريون الكلدان السريان والارمن في مناطق حكاري (المناطق الحدودية بين العراق وتركيا حاليا ) خلال الحرب العالمية الاولى 1915 ومذابح سهل السليفاني الواقعة بين دهوك وزاخو والتي نفذت في بلدة سميل بقيادة بكر صدقي , سنة 1933 السيئة الصيت حيث اكثر من 4000 شخص بين اطفال ونساء وشيوخ وشباب تم ذبحهم وحرقهم بدم بارد ودون اي معاقبة لاية جهة. ومن بعدها مذبحة صوريا الواقعة في سهل سليفاني (صليوانا) شمال غربي دهوك على ضفاف نهر دجلة سنة 1969 والتي نفذها الملازم في الجيش العراقي آنذاك عبد الكريم الجحيشي حيث ذبح 34 شخصا بكل بشاعة بينهم كاهن القرية المذكورة وهم عزل.
القتل و التهجير القسري الشامل
خلفت مذابح سميل لسنة 1933 سلسلة من 34 قرية من اللاجئين الى سوريا على ضفاف نهرالخابور تركوا الحدود بحثا عن ارض آمنة لانقاذ ما يمكن انقاذه من المسيحيين التابعين لمختلف الكنائس حيث لا تزال بيوتهم بهيئة الاعمار المؤقت اشبه بمجمعات استقبال اللاجئين لان الآباء والأمهات احتفظوا بفكرة وحنين العودة الى وطنهم الأم . يقدر عدد الكلدان الآشوريين السريان بما لا يقل عن ثلاث ملايين عبرالعالم منهم ما يقارب من مليون او اكثر في العراق يتواجدون في اكثرية المدن العراقية واكثرهم في بغداد والموصل نتيجة الهجرات القسرية والشاملة لسنين الستينات بسبب اندلاع الثورة الكوردية1961 حيث تم ظلما حرق وهدم وتهجيراعداد من القرى المسيحية في المناطق الشمالية و المعروفة باقليم كوردستان حاليا. ثم حرب 1974- 1975 حيث كان المسيحيون بتضامنهم بين حاملي السلاح ليحموا انفسهم وعوائلهم وكانوا بين رواد التضامن مع الحركة الكوردية واخلص للقضية الكوردية من الاكراد انفسهم (شهادة الرئيس مسعود البارزاني خلال لقاء رسمي في اربيل 1994) وهذه الحقيقة كانت على المستوى السياسي كما في الجبهات المختلفة وهم آخر من ترك تلك الجبهات لدى سقوط الثورة المذكورة( شهادة من المحاربين القدامى). هذا ناهيك عن التضحيات التي قدمتها عوائلهم بالرغم من الظلم واللاستقرار بسبب التهجير والقتل المتواصل الذي كان يستهدفهم بشكل غريب بالاضافة الى الحصار الاقتصادي المفروض على المنطقة من قبل السلطلت البعثية .وعاشوا في الوديان خارج بيوتهم خلال الحرب المذكورة في الامطار والثلوج هربا من القصف المدفعي الموجه يوميا ضد قراهم آنذاك. كذلك في سنين 1984-1985 حيث تواصلت جريمة توقيف القيادات السياسية المسيحية امثال الشهداء يوسف ويوبرت ويوخنا وروفائيل وغيرهم من الذين اعدموا شنقا حتى الموت في سجن ابوغريب ومنع ذويهم من اقامة صلاة الجناز على ارواحهم ليواصل القتل والتهجير والهدم الجماعي ليصل الى ذروته في عمليات الانفال لسنة 1988 التي بالاضافة الى استهداف القرى الكوردية, هدمت ايضا 120 قرية مسيحية بما فيها الاديرة والكنائس القديمة و قتل اكثر من 155 شخصا واختفاء العشرات و مطاردة الآلاف في عملية انفال شاملة الى دول الجوار مثل تركيا وايران وسوريا حيث خلال هذا "الخروج" المتوحش والدامي مات اعداد منهم في الطرق الوعرة هربا من البطش والاستبداد الصدامي.
هذه التضحيات المسيحية تم التعتيم عليها اذ لم يورد ذكرها حتى خلال محاكمة رموز النظام من المنفذين لعمليات الانفال في المناطق المسيحية بالرغم من الملفات والشهادات الحية التي قدمت للمحكمة بغرض تدوينها في المطالعات القانونية المستوجب محاسبة منفذي الجريمة عليها . لا يمكن ان ننسى بان المنطقة الشمالية وبعض القرى المجاورة لسهل نينوى قد افرغت من سكانها الاصليين جراء التهجير المتكرر وحرق وهدم القرى باكملها ومصادرة الاملاك بغرض خلق منطقة عسكرية في خدمة القصور الرآسية على قمم الجبال العالية .تلك القصورتم هدمها من قبل الأهالي المتجاورة بعد اقامة المنطقة الآمنة اى خط عرض 36 سنة 1991 من قبل الامريكان واقامة ادارة خاصة بالمنطقة اثر الفراغ الاداري الذي تركه النظام البائد بانسحابه من المنطقة. لا زلنا ننتظر عودة المئات من المفقودين خلال العمليات المذكورة بالاضافة الى ضحايا احداث انتفاضة 1991 . فالغبن واللاستقرار المزمن هو اساس هروب العراقيين عامة والمسيحيين خاصة.
التضحيات لا تقاس
ان نسبة التضحيات التي قدمها هذا الشعب العريق(الكلداني الآشوري السرياني) تفوق حجمه. . فالواجبات كانت من حصة ابناءه وهم بكل اخلاص لم يمر مشروع وطني ولم يشاركوا فيه سواء كان على مستوى الخدمة والتطوع العسكري لحرب ما او قضية كان العراق طرف فيها, كحرب فلسطين وسوريا. كذلك في الثورات الكوردية منها ثورة 1961-1975 حيث المئات الضحايا البشرية والخسائر المادية سقطت على حساب انفسهم. و من يعلم بالجهود المبذولة من قبل النساء والرجال في ظروف قاسية اقتصاديا وامنيا لا يحسدون عليها. والى يومنا هذا لم يلق هؤلاء تعويضا ينصفهم . وجدير بالذكر ضحى مسيحيو العراق في حرب الخليج الأولى والخليج الثانية باكثر من 000 60 الف رجلا من الذين استشهدوا في حرب القادسية بالاضافة الى ألآلاف من الجرحى , والتي لم تمت اليهم بصلة كونها انتهت وهي حرب طائفية. وكل هذا بسبب اخلاصهم لشعورهم الوطني وتعلقهم بارض اجدادهم . وهكذا تميزوا بشجاعة وحضور ليس في المعارضة العراقية فحسب بل وايضا في حرب نزع العراق عن دكتاتورية البعث سنة 2003 . وذلك بقيادة السيد وليم وردا, ساهمت قوات القروثاني الابطال مكونة من تنظيمات وتشكيلات منهم متطوعين و منهم مقاتلين ابطال تابعين للحركة الديمقراطية الآشورية والبالغ عددهم اكثر من 1200 رجل آنذاك , والمتحالفة مع القوات الكوردية بقيادة رئيس اركان الجيش السيد بابكر الزيباري وزير البيشمركة في دهوك آنذاك. يالطبع تم وذلك بقيادة القوات الامريكية التي رفعت السلاح بوجه النظام البائد في عملية الدخول الى الموصل بمهمة مطاردة سلطة النظام البائد , وحماية السكان القاطنين في مناطق سهل نينوى حيث يشكل الكلدان السريان الاشوريين ثقلا واضحا فيها . كما ركزت القوات المسيحية المذكورة على حماية الناس وممتلكاتهم بغض النظر عن انتماءاتهم . كذلك حماية الاماكن المقدسة وايضا المنشآت الحيوية التابعة للدولة كجامعة الموصل والمدارس ومحطات الوقود التي تعرضت للسلب والنهب من قبل الأهالي كما من قبل مختلف المسلحين والميليشيات خلال الوضع العارم بالفوضى لدى السقوط.
خانة الحقوق غير لائقة بوجود المسيحيين بالرغم من انهم روادا
وبالرغم من كل ما ورد ,المؤسف هو ان هذا المكون العريق لازال يدفع دماء العشرات من ابناء شعبه الابرياء في الموصل وتوابعها شهريا (تقاريرخاصة لمنظمة حمورابي لحقوق الانسان لسنة 2007 و2008 و2009 افتح موقع: www.hhro.org سواء كان في الهجمات الارهابية المنظمة ضدهم كما حدث في تشرين الاول 2008 من التهجير القسري والخطف والقتل والتفرقة, او قتل الرموز البارزة على الهوية , كالمرحوم الشهيد مار فرج رحو مطران الموصل للابرشية الكلدانية, والاب بولص اسكندر كاهن كنيسة السريان الارثودوكس والاب رغيد كني وغيره ...كما كبار الاطباء والعلماء الذين خدموا العراق بقلبهم وكفاءتهم وتضحياتهم امثال الدكتور عماد سرسم والقاضي اسماعيل يوسف صادق الالقوشي وغيرهم عديدون ... أما خانة الحقوق فهي غيرلائقة لابوجود المسيحيين ولا تعوضهم عن الأسى الذي لحق ولا يزال يلحق بهم جراء الظروف الموضوعية كما الظروف الذاتية في آن واحد بالرغم من كونهم روادا. يشرفنا بفخر واعتزاز ان نكتب عن واقع ملموس شهد له الشعب الآشوري الكلداني السرياني امام القاصي والداني وهو : بينما كانت اتباع العديد من الجهات العراقية, الموجودة في زمام الحكم حاليا منشغلة في فرهدة البنوك وآثاث وممتلكات وأجهزة دوائر الدولة, كان الآشوريون الكلدان السريان ,بادارة القائد المذكوراعلاه قد بدء بالبث باول تلفزيون وطني عراقي في بغداد يوم 23 ايلول 2003 بعد سقوط النظام يوم 9 نيسان 2003 والذي سرعان ما تحول الى فضائية ( فضائية آشور) وباكثر من لغة, كالعربية والسريانية والكوردية . ولهذا الغرض تم استبدال السجن الاحمر في مركز فدائيي الدكتاتورالبائد الى استوديوهات الاعلام والتثقيف بحقوق الانسان والديمقراطية ونشاطات نسوية وغيرها ما ادى الى اختيار السيد وليم وردا مؤسس فضائية آشور بين صحفيي العالم , من قبل مؤسسة حرية وامن الاعلام الايطالية بتاريخ 27 تشرين الاول 2006 لمنحه جائزة مجلس مدينة سيينا الايطالية التي تمنح سنويا لاحد الاعلاميين في العالم , يتم اختيارهم لتميزهم في قيادة اعلام موضوعي وحيادي ومهني. وخاصة انه كان خلال اصعب الفترات ترك اثرا مميزا لتحديه المتواصل خلال الاستهداف الصارخ للصحفيين في العراق ...
والجدير بالذكرانطلاقا من نفس المكان (السجن الاحمر سابقا) و بقيادتنا , لعبت المرأة الكلدانية السريانية الآشورية دورا فعالا عبرمنظمتها اي اتحاد النساء الآشوري والمتحالفة آنذاك كما قبل التغيير, مع عدد من منظمات المجتمع المدني في بغداد والاقليم حيث ساهمت في توعية المئات لا بل الآلاف من العراقيين بحقوقهم و واجباتهم لبناء اسس المسار الديمقراطي نحو الحرية وحكم سيادة القانون في العراق, ناهيك عن المئات المشاركات في النشاطات النسوية والمحافل العراقية والدولية العاملة والمطالبة بالتعديلات القانونية الخاصة بحقوق النساء وفرض النسبة المئوية لمشاركة النساء في المجلس التشريعي ومواصلة المطالبة بها في الادارات المختلفة كذلك الغاء قرار 137 الخاص بقانون الاحوال الشخصية ناهيك عن التدريبات الخاصة بخلق كوادر نسوية واعية قادرة في استخدام التطورا لتكنولوجي والاحتراف المهني بشكل نشط داخل وخارج العراق.
الضعف في تنظيم وتوحيد صف سياسي حقيقي
ان هذا الوضع المأسوي ليس وليد اليوم بل ومنذ الحرب العالمية الأولى وبعد تاسيس الدولة العراقية المعاصرة لسنة 1921 من قبل البريطانيين يتواصل الغبن والاذلال بحق المسيحيين .الغيت وعود معاهلدة سيفرلسنة 1920 في معاهدة لوزان ما ادى الى تعزيز الضعف السياسي لهم وقتل عدد كبير من اتباع هذه الشريحة ودحر مشروع آغا بطروس بنفيه ا لى فرنسا دون اي امكانية الدفاع عن النفس كما سبق وذكرنا في المذابح . وعدد كبير منهم اجبر على المغادرة ليس فقط الى دول الجوار بل الى دول و قارات اخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واوربا, وفي السنوات الاخيرة الى كندا واستراليا ونيوزيلندا التي اصبحت من المراكز الرئيسية لاستقطاب العراقيين من مختلف الانتماءات وبشكل خاص الكلدان الآشوريين السريان هم من يحتفظون بمكانة الصدارة للهجرة بالتواصل.
للاسف الشديد ,على المستوى الذاتي, يفتقر القادة المسيحيون , كغيرهم من العراقيين, الى خبرة و حنكة سياسية وخاصة من يعتبرون انفسهم قيادات سياسية او غيرها. . والسبب في ذلك هو أولا الافتقار الى الفكر السياسي اللازم لمعرفة ولعب السياسة كغلاف يحمي مصالح المجتمع وليس المسابقة للبقاء في المقاعد الحزبية والرسمية الى ما لا نهاية حيث تصبح في قمة الاولويات التفنن بالوصول الى المزيد من المكاسب الشخصية.
أما السبب الثاني هو انعدام ارث سياسي وطني حقيقي كان ضروريا للمساهمة في تنظيم صف سياسي جديد وموحد في تركيبة مبادئه و يحترم التنوع في الآليات والسياسات لمختلف المجاميع والتنظيمات ,ويتحلى بايمان فعال بقضيتهم, يمكنهم من استيعاب و تمثيل الحركات والاحزاب المسيحية التي مطلوب منها ان تكون قادرة على الاضطلاع بمسؤولية التمثيل الرسمي في معنى فرض حقوق امة تعيش ويلات متتالية وبحاجة الى من يفتح لها آفاقا مستقبلية تبشرها بفرج وتساهم في انهاء مأساتها اي نقلها من وضع التهميش والخوف والاستعباد السياسي الى خانة الحق في التمتع بجميع حقوق المواطنة اسوة بغيرهم من المواطنين , منها المشاركة الحقيقية في عملية صنع القرار . هذا ما سوف يؤدي الى اعادة بناء الثقة المتبادلة وفرض احترام جميع الحقوق المشروعة في بلد للمسيحيين تاثيرهم واثرهم قديما وحاضرا في بناء و تطوير الحضارات والتاريخ الرافديني الطويل وعلى جميع المستويات بما فيها بناء الحركات السياسية كما كان أمر نقل الثقافة والعلم . وبالطبع يشمل ذلك الاثر حتى عصور الحضارة العربية الاسلامية وان افتقرت هذه العصور المتواصلة الى الاقرار بهذه الحقائق واعطائها المقام الذي تستحقه في الثقافة التربوية والمناهج الدراسية والاعمال الفنية والملتقيات الثقافية وغيرها. في حين يمكن القول بان المسيحيين بعطائهم المتواصل وولائهم للعراق لا يقارن حبهم واخلاصهم للوطن مع غيرهم من العراقيين سواء كانوا اكثريات ام أقليات. وذلك بسبب النفوذ النوعي الذي شهدوا به الكلدان السريان الآشوريون, في بلدهم الأم (العراق) الذي جعله آباءهم من قبلهم مهدا للحضارات.
أما اليوم كما اشرنا مسبقا فالضعف يكمن في امكانية توحيد جهود المسيحيين العراقيين وتطوير حلول لقضيتهم . لذا انهم غير مؤهلين لردع شتى محاولات التفكيك والاستعباد السياسي . هذا لان الامرمرهونا باصلاح وبتغيير لا محال منه في الصف القيادي للمؤسسات السياسية وغير السياسية المسيحية. وهذا ما يعني ان يكون احتراما متبادلا بين مختلف المؤسسات ودور العاملين فيها للصالح العام بكل ما تتطلبه خصوصيتها باستخدام المعايير الخاصة بالتمييزالايجابي ليس للتفكيك بل للتكامل بين الاختصاصات والمهامات , ما اعتبره أمرا ممكنا جدا بالرغم من انه تحديا بحاجة الى جهود الجميع. باعتقادي يمثل هذا الباب المسلك الوحيد نحوالتكاتف ومواصلة التمسك بالوجود على ارض الاجداد من جانب وتحفيز عودة المسيحيين من جانب آخر.
التاريخ يعيد نفسه
في الشرق عامة والعراق خاصة نتج عن الستراتيجيات السياسة للحدود المصطنعة لاتفاقية سايكس- بيكو سنة 1916بين بريطانيا وفرنسا حول اقتسام ممتلكات الدولة العثمانية تفاقم لمشاكل عدة لتركها عالقة من غير حلولا جدية بذلك تعززت ممارسات التفرقة العنصرية والبطش والتهميش الذي ادى فيما بعد الى خلق انظمة استبدادية مثل البعث. هكذا تبنت السلطات سياسات التغيير الديمغرافي وتفضيل مجموعة على حساب مجموعة أخرى ما آل الى التجاهل والتمزيق بين اهل المنطقة لتبقى الانظمة المتعاقبة تفتك بوجود ابناء آشور وبابل ونينوى وحضر و اور الكلدانيين وارميا وطورعابدين..., الى ان وصلت العملية الى ما هي عليه اليوم , منقوشة عن سابقها, لكن بمختلف الرداءات في بغداد والموصل وغيرها من المناطق. والنتيجة كانت تعميق الشرخ لتبقى المكونات الاساسية الاصيلة في تناحر دائم بخصوص هويتهم وانتمائهم الاصيل باتهامهم واعتبارهم تارة بتبعية وتارة اخرى بالعمالة لتبرير سياقات الاستبداد الذي لم يتمكن بعض القادة السياسيون العراقيون تجاوزه الى هذه الساعة. فالى متى سوف يعيد التاريخ نفسه؟ والموروث من التراكمات الدكتاتورية لا يزال هو الصبغة التي تطغي على ممارسات الاحزاب السياسية العراقية سواء كانت في السلطة ام خارجها وبصرف النظر عن انتمائهم الديني او توجههم السياسي. فالوضع الذي انتجته السياسات الخاطئة اتبعتها قوات التحالف باستشارة وبدعم من قبل جهات عراقية , منها حين اخذت قرار حل الجيش وتركت قوات من مختلف الاتجاهات تسيطرعلى شوارعنا باستخدامهم الاسلحة دون اية ضوابط قانونية تحترم الموازين الدولية الخاصة بحقوق الانسان. فكان الانفلات الامني الذي لا يزال يثقل كاهل السلطات العراقية وعلى جميع المستويات كون الارهاب اصبح له اكثر من منبع والتفجيرات تطال حياة المواطنين الابرياء كما مؤخرا طالت مؤسسات الدولة بشكل متتالي.
هل من أمن للعائدين من المكونات المختلفة ؟
ان تصاعد عدد المهجرين من الآشوريون الكلدان السريان منهم قسرا مثل اهالي منطقة الدورة والبغداد الجديدة –وكرادة مريم والموصل وغيرها من المناطق الساخنة حيث تعرضت عوائل كثيرة الى شتى انواع المضايقات والاضطهادات تركت مساكنها خوفا من تكرار التهديدات والمذابح والخطف الذي طال حتى الاطفال . فمنهم من استهدفت عوائلهم مباشرة بعد العودة من التهجير القسري , ومنهم من استلموا التهديدات لاجبارهم على ترك المكان , واعداد كبيرة لم تعود بعد. أما قصف الكنائس المسيحية في بغداد والموصل وكركوك, وقتل شخصيات الصابئة المندائيين في البصرة, كما استهداف مصادر الرزق لعدد ليس بقليل منهم ممن عمل في محلات بيع المشروبات الروحية من الايزيدين والمسيحيين استهدفوا باشكال حملات منتظمة جعلت هذه الفئات العراقية الأصيلة تشعر بفقدان الثقة وبخيبة أمل من مستقبل افضل. بالطبع هذه الجرائم التي لن ينجو منها الجامع ولا الحسينية كما الكنائس والمعابد الاخرى هي حصيلة التصعيد الطائفي المعزز لعمليات الترهيب بشتى الوسائل الذي وصل الى حد التدخل المباشرحتى في امرالمبادىء الدينية للاديان الغيرالمسلمة وطلب منهم ترك اديانهم ناهيك عن فرض اسلوب اللبس الشرعي على النساء من قبل جماعات جهادية ارهابية الى درجة دخول هذه الظاهرة الى عدد من الوزارات ايضا بالاضافة الى تهديدات ضد النساء الناشطات منهم بعدم مواصلة العمل خارج البيت.
ما هي الاحصاءات التي يمكن اعتمادها
حسب التقارير التي اعدت من قبل وزارة المهجرين والمهاجرين سابقا والى ما قبل سنة كان يقدر عدد العراقيين المهجرين والمهاجرين بما لا يقل عن اربعة ملايين موزعة عبر العالم منهم مليون ونصف من المرحلين داخليا في العراق. في سوريا ما لا يقل عن 2 مليون شخص والاردن بما يقارب هذا العدد وفي لبنان ما لا يقل عن 1500 عائلة منهم 500 عائلة من المسيحيين بهذا القياس هناك في تركيا بالتأكيد لقد تطورهذا العدد في الآونة الأخيرة بسبب حركة التوطين الى دول امريكا واوربا واستراليا حيث ما زلنا لا نملك الاحصائيات الدقيقة. يمكن اعتماد احصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي ايضا تختلف من شهر الى آخر حسب الأوضاع وحيث اكدت بان 40% من اللاجئين الى دول الجوار سنة 2007 كان من المسيحيين العراقيين.
تبدو السلطات العراقية على مستوييها المركزي كما الاقليمي فالمحلي عاجزة عن توفير اي حلولا مستدامة لاخراج هؤلاء المهجرين من محنتهم . واحد الاسباب الاساسية هو تاجيل عملية الاحصاء العام للعراقيين ما يعيق عملية وضع ستراتيجيات وسياسات خاصة بالحد من مسالة الهجرة والبحث عن الحلول الحقيقية لانهاء ظاهرة التهجير. اننا كمنظمة تعاوننا مع وزارة المهجرين والمهاجرين وخلال اوضاع الموصل قبل سنتين قدمنا لهم الاحصاءات التي توفرت لنا بوسائلنا . ومن المأكد في حينها لم تكفي الحلول المؤقتة مثل التضامن بين اهالي المنطقة والنازحين حيث كل بيت كان ياوي ما لا يقل عن عائلتين. كما تضمنت آلية أخرى لايواء المحتاجين وهي جعل المزارات الدينية والاديرة مراكزا لاستقبال المتوجهين اليها من العوائل التي لا اقارب ام اصدقاء لها هناك. وكان يصطدم نقل البطاقة التموينية مع العديد من عمليات الروتين من وفى مكان نقلها.
الاصلاح السياسي
في ايامنا هذه هناك حاجة ملحة الى اصلاح سياسي مجرد عن اي نوع من المزايدات لبعض المتسلطين العراقيين سواء كان من المسيحيين ام من غيرهم . لان اللاجئين والمهجرين والعائدين مثل غيرهم من العراقيين لا يزالوا بانتظار الوضع الطبيعي وهم محرومين من احتياجاتهم الحياتية والحصول على ابسط حقوقهم الاساسية . من هنا الحاجة الى حلول سياسية, تتأتي من السياسيين وليس من المراجع الدينية للذين اكن كل الاحترام , ومشورتهم لا بد منها ان كان ذلك ضروريا. اما الحل السياسي فليس منهم بل من الساسة الذين للاسف الشديد يلعبون لعبة السياسة للعراق باكمله في اطار وتوجهات ومنافع شخصية وتحزبية ضيقة النظر تمنعهم عن الخروج من الاطر الرجعية والطائفية التي ادت الى تشكيل حكومات محاصصاتية شهدت بعدم قدرتها على تكوين رؤى نحو مستقبل افضل بتحليل الاوضاع وايجاد منافذ سياسية حقيقية للخروج من الخلل السياسي المتجذر في تاريخ العراق المعاصر وبناء ادارة رشيدة للاجابة لمختلف المشكلات التي يعاني منها العراقيون بشكل عام والمستضعفين بشكل خاص .هذا الخلل يكمن في سوء الادارة وافتقارها الى خبراء في اكثرية مفاصل الدولة .هكذا ضمن هذا السياق لا يمكن للذين وصفوا جهرا "بالاقليات" , ان يكون لهم اية أهمية تؤدي الى حسم امرهم بقانون او بغير قانون كما حصل طول التاريخ بشكل يختصرلاجل تقزيم شانهم كما يحدث لجميع المكونات التي لا تعتبر اكثريات عددا ويتم وصفهم "بآخرين" . وها بعد زوال النظام البائد وبعد اعلان الدستور الجديد فالضمان الذي تكفله المادة 125 تقول:"يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والآشوريين وسائر المكونا ت الأخرى وينظم ذلك بقانون",
هل سيكون التنظيم المطلوب بقانون تعزيزا لنظام التبعية والوصاية التمييعية الموروثة عن تاريخ الانظمة البالية ؟ ام هل ستبقى كلمات هذه المادة مجرد كلام بلا مضمون؟ هذا هو ما رايناه بالممارسة الحية خلال تشكيل الحكومة الاخيرة حيث وزعت الحقائب الوزارية فيما بين القوائم الكبرى وحسب ما هو ستراتيجي لسياساتهم الخاصة. أما امرالآشوريين الكلدان السريان والتركمان والايزيديين ولكورد الفيليين فسلم بايدي جهات متنفذة قامت بتسمية وزراء من هم موالين لاحزابهم من ابناء هذه الامم بما ان المستقلين منهم كما التجمعات السياسية الغير موالية لتلك الجهات اعتبرت غير ضرورية بكل بساطة. وسمعنا نصا بان "القائمة الكوردستانية تبنت التمثيل المسيحي باعطائها اياهم حقيبة وزارية واحدة" , وكأنه من حسناتها, وزارة للمسيحيين من حصتها؟!! "والكورد الفيلين والشبك فهم من حصة قائمة الائتلاف"! أليس هذا بكل وضوح تعزيزا لنظام الوصاية البالي وسلب لارادة وحقوق غير الموالين ؟ اليس في هذا تعميقا للخلافات الداخلية بين رؤساء الطوائف المسيحية المختلفة والصف السياسي الخاص بهذه القوميات من جانب وتشظي التجمعات السياسية الخاصة بهم من الجانب الآخر؟. أ ليس هذا ما تعنيه سياسة فرق تسد؟ و تاكيدا لذلك للاسف الشديد اتى سباق رؤساء الطوائف الكنسية الى فرض و تثبيت اسماء الطوائف في الدستورالعراقي الدائم لينتج عن هذا العمل الانشقاقي تعدد اسماء امة واحدة وشعب واحد الى ما آلت اليه الانشقاقات الكنسية عبر المجامع الكنسية المختلفة ابتداءا من المجمع المسكوني الثالث في افسسسنة 431 م.
هذه العمليات تشهد على عدم استيعاب النخبة السياسية العراقية الحالية لمفهوم الديمقراطية ولا حتى الديمقراطية التوافقية التي يتحدثون عنها. وما زالت تلك النخب لم تباشر باستبدال الى سيادة القانون اية سياقات الدكتاتوريات الموروثة وآرائهم الخاصة وانماط سيادة احزابهم وحركاتهم وتجمعاتهم البعيدة عن اي مشروع وطني ما سبب التلكؤ في صقل ساحة سياسية قادرة على التمييز المباديء الاساسية و بين الاهداف الواسعة لاعادة بناء عراق كوطن الجميع لا زال يعاني من هدم ليس فقط على مستوى البنى التحتية والفوقية في آن واحد بل وخاصة كان قد تدمر على المستوى البنى النفسي والثقافي الذي قلب النفسية العراقية الى اناس متلهفون الى نكران الآخر وغض النظر عن كل ما هو مهم فيه بدلا من ان يروا الامور من خلال نظرة جديدة وبناءة بعيدة عن شعور الثأر والتنكيل. فالحقوق انتهكت في بعض المناطق بالدفع نحو حرب طائفية كادت تدخل العراق الى قائمة الدول التي اختبرت الحرب الاهلية , وفي بعضها الآخر منع التعبير عن مظاهر الديمقراطية لارغام الناس على الرضوخ لاغراض شخصية وحزبية بحتة ما ادى الى حرمان قائمة الرافدين في انتخابات 2005من استحقاقها الحقيقي واعلنت لها اصوات لمقعد واحد فقط لان بقية اصواتها ذبلت تحت اقدام التزوير والتخويف والمساومات السياسية للمتسلطين من المسيحيين وغيرهم ممن يستخدمون سياقات وسياسات الاستملاك الكلي والارضاءات (شيلني واشيلك) التي مورست في حسم نسبة (10%) للاصوات التي استغرقت وقتا طويلا للعد ليتم الترتيب لصالح غيرهم من المستفيدين, كما حدث في القوائم التعويضية!! في المقابل ال 90% من اصوات الناخبين العراقيين قد حسم امرها خلال الاربعة وعشرون ساعة الاولى بعد الانتخابات ! كل هذه المنابع الحقيقة للفساد والسياقات الفوضوية تسبب استهداف وهجرة الكفاءات وبشكل خاص الشريحة المسيحية المهمة التي تعاني من ازمة ثقة باية قيادة كانت فتختار التخلص من نتائج افعال لم يرتكبونها, و ذلك بقفزهم على الوضع وتفضيل خيار الهجرة. لان شريحة الكلدان الآشوريين السريان تعي جيدا بانها بامكانها ان تكون نوعية ومؤثرة في المعادلة السياسية كما هو في الاوساط العلمية والخدمية وغيرها , كونها عبر التا ريخ لعبت دورا مهما في جميع المجالات الفكرية كما الادارية . وشهادة وجود ما لايقل عن 35% من الكفاءات العراقية خلال سنين الثمانينات نبعت من هذا المكون الاصيل والتي تقلصت الى ما يقارب ال 16% حاليا هو خير دليل على القوة النوعية لوجودهم ومثابرتهم ,اذ تفوق نسبة المستوى الكمي لغيرهم من المكونات العراقية.
لكن المؤسف هو, ان في حالة فرزالحقوق, فالمذكورين مظلومين وبشكل يتطلب الحساب الذي نأمل تحقيقة بعد ارساء سلطة القانون ما كان غير ممكن تحقيقه في ظل السلطات الحزبية.
والحال ان العراق بحاجة الى اصلاح سياسي واضح وسريع, يتطلب تشريع عاجل لقوانين تنظم العمل السياسي كأداة في خدمة رعاية المال العام والمصالح العامة كامانة باعناق المسؤلين ومعنى علاقة المواطن بالسلطة ومسؤولية السلطة في صيانة حقوق الناس. فعلى الساحة السياسية ان ترتدي رداء السؤولية تجاه الآخرين وان تتفنن في مارسة السياسة لتوجد الممكن و تعمل بالسياقات السياسية لما تقتضيه العملية السياسية وليس التفنن بفرص الانتهازعلى حساب حقوق المواطنين المشروعة لبلد باكمله . الحقيقة هذا هو ما يعزز الفساد في جميع القنوات الى درجة ان لا امل في انهاءه الا بتغيير الاجيال بكاملها, وهذا يتطلب وقتا طويلا وآليات عديدة في ظروف أمنية طبيعية وهادئة وتكنولوجيا متقدمة يفتقر اليها العراق لايجاد نظام تربوي جديد وعلى جميع المستويات.
الحاجة الى تدخل سلطة وحلول سريعة
اما الفساد السياسي واستخدام المباديء الديمقراطية في خدمة الدكتاتوريات الحزبية التي لا تزال آثارها على اساليب بعض القيادات السياسية الحالية في العراق, تؤدي الى تقشي الفساد الاداري المنتج للفساد المالي والى تواصل التهميش والمحاصصات المدمرة, وبشكل خاص, لحاضر ومستقبل الشعوب المستضعفة والمسماة جهرا "بالاقليات".
ان الظروف التي يمر بها الشعب العراقي عامة والمسيحيين منهم خاصة, تستحق وقفة ونظرة مسؤولة للحد من تفاقم الوضع . أما ما يتطلب الاستجابة عليه من قبل الحكومة هي مطالب وحقوق العراقيين في التنمية والرفاه وتهيئة لاستقبال المهاجرين والمرحلين داخليا بعودة كريمة توفرها الحكومة حيث تحفز الذين في دول الجوار بشكل طاريء كما الذين في دول التوطين البعيدة من خلال ليس فقط بارساء الامن والسلام, بل بايجاد حلول عملية كالسكن والخدمات وفرص عمل تسمح لضحايا الحروب والعنف الطائفي باعادة بناء حياة جديدة لهم ولاسرتهم . لان الحكومة تملك السلطة والامكانية المالية اللازمة للقيام بذلك اي القيام بالبرامج التطويرية والعمرانية لوقف نزيف الهجرة القسرية وتامين عودة من يرغب بالعودة .
اما بخصوص وضع الشعب الكلداني السرياني الآشوري والارمن اي المسيحيين وما يسمى"بالاقليات" بشكل عام يشهد بخطورة واضحة وبحاجة الى تدخل سريع وحلول سريعة وخاصة لحماية قانونية التي ما زالت بانتظار تشريعات عادلة خاصة باحوالهم الشخصية كمسيحيين لا تطبق عليهم مواد من الشريعة الاسلامية في حالة ممارسة الحرية الدينية مثلا . والمعمول به في القضاء العراقي على المستوى القانوني حاليا هو هناك غبن واضح بما يخص الحرية الدينية في حالة المطالبة بالرجوع الى المسيحية لمن ارغم على الاستسلام ضد ارادته فيعتبرمرتدا ويستحق القتل او يختارالمنفى !كما ان الاطفال و بشكل آلي عليهم ان يتبعوا آبائهم او أحد الوالدين المأسلمين ... و على المستوى الامني التدخل الحكومي في بعض المناطق مثل الموصل يبدوا محدودا و ليس مضمونا في الوضع الحالي والمساومات السياسية بين مختلف الاطراف المتسابقة على السلطة تحتل الحيز الاكبر في اولويات المسؤولين بدلا من هموم الموا طنين. وعليه يتساءل الضحايا هل يمكن ان يكون الحل في التدخل الدولي لحمايتهم؟ أم الحل في تجنيد الشباب من اهل المناطق المذكورة ضمن الجيش والشرطة النظامي لحماية انفسهم ليس بحلا وطنيا ؟ هل تعزيز بناء نظام ديمقراطي للاستفادة من تجربة سيادة القانون للدول الاخرى وبشكل خاص باستخدام الوسائل الفعالة للدول التي سلكت سبيل ارساء الديمقراطيات في مختلف البلدان منها الدول المكونة للاتحاد الاوربي مثلا والولايات المتحدة كاعضاء في الجمعية العامة للامم المتحدة و منهم اعضاء دائمين في مجلس الامن الدولي . أ ليس بين مهاماتهم ضمن سياق تطوير العلاقات الدولية, تقديم الدعم المطلوب من التكنولوجيا الحديثة وسبل تمكين قيادات سياسية حقيقية لحكومة عراقية جديدة حيث بذلك المساهمة في بناء هذا الصرح العظيم الذي سيكون الديمقراطية في العراق؟ ربما هذا هو الحل ليمكننا من المباشرة بتطويرالمناطق الهادئة والامينة نسبيا ما يمكن ان يكون له مردودا ايجابيا على العراق عامة والامم الصغيرة خاصة مثل سهل نينوى وتوابعها واقليم كوردستان العراق وغيرها من المناطق التي يمكن ان تساهم في توسيع رقع الامن والسلم والتآخي في خدمة المصالحة الوطنية الشاملة وحيث التاكيد على فرض احترام حقوق الانسان بالتركيزعلى حقوق المسيحيين وغيرهم من القوميات الصغيرة .
ان اعادة البناء البنى التحتية في سهل نينوى وضواحيها في المناطق التي يقطنها المسيحيين ,الارض التاريخية للاشوريين السريان الكلدان, واعطاءهم الثقة في ادارة شؤونهم بنفسهم يمكن ان يكون احد الحلول للمساهمة في تحديد هجرة هذه الشريحة العراقية التي اكثرها من الكفاءآت. أما خروجهم من العراق يعمق الخلل في عملية بناء ويخل بعملية دمقرطة العراق التي بتهميشهم او بتقييدهم حسب ارادة غيرهم ستبقى العملية بحاجة الى توازن مطلوب لانهم يرفضون العيش كاهل ذمة في بلد اجدادهم.
ان العراق لا ينبغي تفريغه من مسيحييه الذين بالاضافة الى انهم يعدون من الشعوب العراقية الاصيلة ومازالوا يرفضون بان يقلل من شأنهم بوصفهم "كاقلية" لانهم ترجع اصولهم الى الحضارات القديمة , يشهدون الى يومنا هذا بحضور ومشاركة نوعية في التضحية كما في البناء لبلد لا يزال يبخل بحقهم كمواطنين عاديين لدى تحديد الحقوق الاساسية له بالرغم من اخلاصهم وكمالهم في الواجبات. أما الخاسر الأكبر في عملية اخلاء العراق من مسيحييه فهو الشعب العراقي برمته .
أزمة سياسيون حقيقيون
ان غياب سيادة القانون وانعدام الاجراءات بحق من يقوم بممارسات متطرفة باسم الدين او اي انتماء آخر يعزز تواصل غيرالمسلحين العيش في خوف وظلم دائم بخصوص هويتهم واملاكهم كما غياب تطوير مشاريع البنى التحتية في مناطقهم. ما يتطلب كما قلنا سابقا , تعديل وصياغة القوانين التي تتلائم و خصوصيتهم ابتداءا من الدستور ونزولا الى القوانين الوضعية الاخرىففي ظل الفراغ القانةني الواضح, حتى الذي يعود الى قريته ويعيد اعمار داره يتركه بعد الدخول في اللاستقرار المتواصل جراء سياسات تفضيل المنافع الخاصة والنظرة التحزبية الضيقة والمحاصصة الطائفية اضافة الى الفساد المالي والاداري الذي دائما وقبل غيرهم يعكس سلبياته على المستضعفين. هذا ما جعل المسيحيين فريسة سهلة بايدي الارهاب حيث يتواصل استهداف كنائسهم ومرجعياتهم الدينية كما المدنية بدون اي معاقبة لمرتكبي الجرائم و لا حتى فضح الجهات التي تقوم باستهدافهم وبهذا المعنى كل وصولي لا يعني انه سياسي وفي ايامنا هذه ما اكثر الوصوليين الى المناصب العليا باسم وعلى ظهر السياسة باستخدام الوسائل الديمقراطية كالانتخابات التي فوجأ العديد من الاشخاص بانهم قد كرموا بالصدفة ليصبحوا في البرلمان والحكومة.
من المسؤول ؟
يتحمل مسؤولية الوضع الحالي في العراق كل من السياسيين العراقيين والامريكان في آن واحد. ذلك لعدم وضع استراتيجيات وسياسات خاصة باعادة الامن والاعمار لبلد غير نظامه السياسي تغييرا جذريا من اعلى اقطاب الدكتاتورية الى الديمقراطية بغرض بناء دولة المؤسسات والحريات ما كان يتطلب ليس فقط الستراتيجيات والسياسات اللازمة بل وايضا آليات قانونية تفرضها السلطات لتطبيقهما. هذا ما كان يصنع بدلاء حقيقيون ومختلفون عن نظام اورثنا تركة ثقيلة من الدمار على جميع المستويات. لأننا جميعا كمعارضة سابقا, كنا متفقين ومقتنعين لوحدة هدفنا الرئيسي والكامن في اسقاط النظام الفاشي. وتحقق ذلك والفضل يعود الى تدخل التحالف الدولي بقيادة الامريكان والبريطان الذي وضع نهاية منتظرة للنظام الذي كان سرطانا على صدور العراقيين . لكن المؤسف والكارثي هو ان ما من حزب من الاحزاب المعارضة آن ذاك , ولا حركة منهم كبيرة مثل الصغيرة منها لم تقدم مقترحا اوأسسا واقعية تنطوي على استراتيجيا, وسياسات وآليات داعمة لعملية التغييرعلى اي من المستويات قصيرة ام متوسطة او بعيدة المدى. هذا بلا شك يشكل الخلل السياسي الاساسي والصارخ الذي ينبع من الفقر السياسي في السا حة السياسية العراقية. لانه الحنكة والخبرة السياسية الحقيقية تؤسس على ثوابت ومتغييرات تتيح القيادة السياسية امكانية ارساء سيادة القانون وصيانة حقوق الناس وبذلك تصبح تلك القيادة بديلة حقيقية لدكتاتورية نالت من كرامة الشعب العراقي وحقوقه جملة وتفصيلا خلال اكثر من 35عاما. ما يشهد لعمق جذور الازمة الخطيرة العراقية والمتمثلة في ازمة السياسيون الحقيقيون. واليوم نلمس نتائج هذا الخلل الكبير ببقاء النظام الجديد بعيدا عن رسم وتنفيذ ابسط المشاريع الحيوية لاعادة بناء واع ومدروس لمستقبل بلد يعاني من الانهيار السياسي و التدميرالامني والنفسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي... . والنتيجة هي لا زال الحلم العراقي لم يتحقق طالما هناك ضحايا يومية والعراقي لا زال يئن لابسط حقوقه.
هل هناك امل نحو تحسن ملموس؟
لا بد من ان ينتصرالأمل. تظهر منظمتنا احصائيات حققتها في 2008 و ايضا 2009 عن انخفاض مستوى العنف تجاه العراقيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص الى حد كبير قياسا بعام 2007 والذي كان قد انطوى عن انتهاكات خطيرة ,اشار اليها تقريرها السابق شملت ممارسات الخطف والقتل والاكراه الديني والتهجير القسري للمسيحيين. هذا كان سببا للنزوح باعداد كبيرة الى اماكن اكثرأمانا في بغداد والموصل او الى المحافظات الاخرى و قسما منها ترك البلاد الى الخارج . كما تم توثيق الحملات الارهابية المختلفة ضد اكثر من 51 كنيسة ودير تعرض الى اعتداءات مختلفة من قبل مسلحين او هجمات بسيارات مفخخة او عن طريق عبوات ناسفة منها استهداف كنيسة مار افرام ودير الراهبات الدومنيكيات في الموصل وكنيسة الطاهرة مريم مؤخرا. والمؤسف هو ان التهديد والاستهداف والخطف والقتل متواصل الى هذه الساعة و بشكل يومي في الموصل وسهل نينوى
.
اصواتا غير مسموعة
اذا رجعنا قليلا الى سنوات الثمانينات نرى هؤلاء المسيحيون هم ايضا من الضحايا غير المسموع صوتهم ان كان ذلك في سجون النظام باحكام الاعدام على اعداد من الشباب المسيحي المطالب باحترام ابسط حقوقهم كتسميتهم باسمهم ويعترف بهويتهم الاثنية وحقهم في المواطنة العراقية دون الانتقاص بسبب الدين او الانتماء السياسي او القومي ,أو خلال عمليات الانفال السيئة الصيت ... والسؤال لا يزال مطروحا تكرارا و مرارا منذ سنين التسعينات حول من ولماذا قتل ا لبرلماني المهندس الشهيد فرنسيس شابو في دهوك ليلة الأول من حزيران 1993 وهو في طريقه الى منزله, وبيرس وسمير في اربيل (عنكاوة) سنة 1994 ولازار(ابو نصير) وادوار في قريته...في محافظة دهوك وهلما جرى العشرات الرموز الابرياء المتطوعين في الحقل الوطني والقومي والسياسي للدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية لأمة لا يخلو تاريخها من تضحيات تفوق نسبة وحجم وجودها. والمؤسف هو ان الدفاع عن ابسط الحقوق الانسانية للمسيحين العراقيين كتمسكهم بارضهم وممتلكاتهم لا يلقي الدعم الجدي من اية جهة دولية او اقليمية. صوتهم غير مسموع, لانهم دون شك يعتبرون بانهم لا يمثلون نفعا كميا بما ان ديمقراطية الاكثريات المتنفذة هي المعمول بها في العراق. كما ان على المستوى الوطني حتى صراخ آلامهم يخمد بطرق فنية لا يتصورها العقل عبر سياسات التعتيم الاعلامي وتفكيك الصف, والتفريق مقابل أموالا واغراءات متنوعة تصبح شروطا اساسية في تمييع القضايا واندثار طابعها الحقوقي لا بل في بعض الأحيان يساهم هذا الأمر في جعل حتى المراجع الدينية ان يعتقدوا ويرشدوا المدنيين بان "ما الفائدة من المطالبة بالحق لاحقاقه" وصولا الى تقزيم لاهمية لغته وحقه في تشريع خاص بوضعه, ووصولا الى تبسيط امر القتل والمذابح والحيلولة دون المطالبة باي انصاف امام المؤسسات الرسمية ما يؤخذ على المسيحيين كنقطة ضعف.
استحالة تحقيق خطابا موحدا
بالاضافة الى تعدد الأسباب الموضوعية التي ترسخ التعقيد والمعناة في وضع المسيحيين و تجعل العالم بعيدا عن تلك االمعناة هناك اسباب ذاتية ايضا منها:
1- ضعف لا بل انعدام التنظيم السياسي المسيحي الجدي وتفكك الموجود.
2- صعوبة الانسجام بين مختلف رؤساء الطوائف المسيحية الذي ينعكس سلبا على باقي المستويات ويعززانعدام الثقة بين المواطنين والقيادات ما يمثل احد الاسباب الرئيسية للهجرة المتواصلة والنتيجة هي استحالة تحقيق خطابا موحدا .
ان التهجير ألقسري للمسيحيين لم تعزى اسبابه إلى الحقائق التي أوقعت بين الشيعة والسنة من العراقيين في بغداد ومختلف المدن العراقية كما من يقتلون بعضهم بعضا في سبيل السلطة والمكاسب او تصفية حسابات قديمة بين البعض الآخرمن الذين يعتبرون أهمية الثأر والانتقام وحيث بتعزيزهم للفوضى يغيبون القانون مما يؤدي الى الافلات عن عواقب تطبيقه في الوقت الحاضر. كل هذا لم يوصف به العراقيين من المسيحين. لانهم لم يحاربوا أحدا في سبيل السلطة كما ليس لاجل اقل ما يمكن من حقوقهم الأساسية سواء على المستوى الإنساني أوالاجتماعي أو الحقوق المدنية والسياسية ,.والدليل على ذلك هو عودة اعداد كبيرة من المستهدفين الى الموصل بعد التحرك الحكومي لتأمين أمنهم وتقديم دعم مالي يساعدهم لفترة اعادة اسكانهم في بيوتهم. ما لا يمثل بالضرورة العمل الأمثل الذي على المسيحيين ان يفعلوه لانه ومع ذلك جزاءهم كمسالمين كان شرعنة تقزيم وجودهم بالكوتا (نسبة تمثيل بمقعد واحد) نتيجة النقض المادة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافضات لسنة 2009 من قبل فخامة رئيس الجمهورية السيد جلال الطلباني. ما ادى الى التلاعب بحق تمثيل صوت المسيحيين بالتحديد . وهذا اتى بخيبة أمل جديدة بسبب التقليل من قيمة هذا الوجود واعتباره رقميا فقط لجعله اقل من رمزيا وتخفيض استحقاقه بمقعد واحد حتى في المحافظات حيث تركيزهم يستحق اكثر من ذلك في بغداد والموصل.
نأمل ان تتغير هذه النظرة حاليا للانتخابات التشريعية القادمة حيث تم تعيين كوتا 5 مقاعد لجميع المناطق التي يتواجد فيها المسيحيون . بالطبع هذه الاحصاءات تبقى كيفية حيث كل جهة تقدر وتفتي دون مرجعية احصائية كاملة وواقعية وبغض النظر عن وجودهم الكثيف خارج العراق جراء الهجرة المدمرة لمستقبلهم في بلد اجدادهم. فاذا كانت الدائرة الواحدة للكوتا الذي خصص لهم تحرمهم من اصوات باقي العراقيين الذين طوعا يرغبون اعطائهم الأصوات فهذا سوف يمثل هدرا آخرا لأحد حقوقهم السياسية اي ان ينتخبوا من قبل اي عراقي وان يمثلوا العراقيين بصرف النظر عن مختلف انتماءاتهم .
هذا هو اعتبار أحد اكثر المكونات العراقية أصالة . انجز له حصة مقارنة بحصة المكونات التي لا تملك نفس مقومات الوجود لا على المستوى الكمي ولا النوعي. غض الاطراف السياسية النظر عن التأثير المبين الذي يخلفه غيابهم في بغداد والموصل ومناطق اقليم كوردستان ايضا. فالخاسر الكبير في جميع الأحوال هوالشعب العراقي برمته وفي مقدمته المسيحيون. والسبب في ذلك هو اننا خرجنا من سيء الدكتاتورية الى فوضى الاحزاب السياسية و المحاصصة الطائفية و الانفلات الامني خلال بناء مسار االديمقراطية . هذه الديمقراطية التي تطبق حرفيا عندما يتعلق الأمر بالمسيحيين وباقي الامم الصغيرة فالجميع يصبح خبيرا في الاحصاء التخميني للتوزيع السكاني. بينما هذا الأمر لا يشاور كثيراعندما يتعلق الامر بالجهات المتنفدة التي يمكن لها ان تقرر الاعداد حسب ما يحسن لديها . اذن المسألة تتعلق ب"شيلني وأشيلك" في الساحة السياسية العراقية . هذا ما لا ينطبق على المسيحيين . هذه الحقيقة هي الواقع المسيطر ليس على العملية السياسية برمتها بل و حتى على الدستور الجديد الغير منتهية تعديلاته الى هذه اللحظة لانه يحتوي على الكثير من المساومات السياسية بعيدة عن ان تكون مباديء القانون الاساسي تتصف بروح القانون الدستوري الذي من المفروض ترجمته على أرض الواقع بالقوانين .
ضرورة دفع السياسيين للعمل السياسي
بغية احترام سيادة القانون الذي هو أيضا بحاجة الى تعديلات بما يخص القوميات القليلة العدد خاصة , نكرر بان الجزء الاكبر للمشكلة يكمن في الوضع الذاتي المر والمسبب لانعدام وحدة الخطاب والعمل بين جميع المسيحيين في العراق حيث مطلوب من رؤساء الطوائف الموقرين ضرورة دفع السياسيين للعمل السياسي في خدمة المشاركة وادارة الشؤون المدنية في الحقل العام بغض النظرعن انتمائهم الطائفي او السياسي . و ليبقى احترام الرموز الدينية واجبا مقدسا يلتهم منهم هؤلاء السياسيون المشورة لتنويرالضمير لدى الحاجة
كلنا يعلم بان شعبنا مرتبط ارتباطا قويا بالابوة الروحية لقيادات كنائسهم وهذه نعمة كبرى , بالمقابل المرجو من عظمة الاباء هو رفض خلط المهامات وخاصة رفض ادخال السياق الطائفي الى الحقل السياسي والاداري ليتسنى للمعنين تحقيق البرامج الانتخابية التي وعدوا الشعب بتحقيقها للصالح العام. بذلك تربية الشعب والوعي لاهمية الصالح العام واحترا