Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الهرب إلى الإقليم – الشيعة ايضاً في خطر


في خبر أثار الكثير من التداعيات، قالت النائب عن ائتلاف دولة القانون د. حنان الفتلاوي انها “قد تدعوا يوما ما الى تشكيل الاقاليم في حالة الحصول على تطمينات”، مشيرة الى انه “لا يمكننا ان نبقى دائما بقرة حلوب”. واضافت ان “تشكيل الاقاليم يجب ان يكون عبر تمويل كل اقليم لنفسه، حيث اقليم الغربية يمول نفسه وكذلك اقليم الوسط والجنوب” بالاضافة طبعا الى اقليم كردستان” ، مشيرة الى ان “الشيعة سينفذ صبرهم في ظل مايرونه يوميا من شحن طائفي ضدهم ينتج عنه الاف الضحايا, بالاضافة الى مواقف الشركاء السياسيين”.(1)

والحقيقة هي أن النائب البزوني في البصرة والذي كان ضمن دولة القانون قبل أن يتركها، كان داعية شرساً للأقاليم، إلا أن الكلام عن لسان نائب مهم وفعال كالفتلاوي، يثير علامات استفهام كبيرة، لكنه يلقى في حقيقة الأمر تأييداً أكثر مما يلقى معارضة ضمن ناخبي "دولة القانون"، كما نستنتج من متابعتنا لتعليقات قراء "عراق القانون" التي تعد موقعاً لدعم دولة القانون والمالكي بشكل عام. سنتحدث في مقالة أخرى عن مدى فعالية حل الإقليم، لكننا سنركز هنا على ردود الفعل على الخبر أعلاه. 

رفض بعض قراء عراق القانون التصريح:

فقال أحدهم: "التقسيم منزلق دموي خطير , أكثر مماهو حاصل الآن . الرجاء الكف عن هكذا طروحات." 

وكتب آخر: "طروحات غير موفقة بفترة حرجة …."

وآخر: "لن يأتي اي خير من تكرار تجربة اقليم كردستان الذي اصبح سكينا في خاصرة الدولة العراقية التي لا يزال غالبية الشعب العراقي يؤمن بوحدتها رغم رغبة بعض السياسيين. تقسيم العراق على اساس ديني وطائفي سيفتح ابواب جهنم امام الشعب والدولة العراقية." 

واعترض آخر بأن هذا ليس الحل لأن مجالس المحافظات أنفسهم : "فاشلين ومزورين ومرائين لاتهمهم سوى مصالحهم ولازالت محافظاتنا تفتقر للعديد من الخدمات والتنظيم وهذا يحتاج الى اناس يرون مصالح غيرهم دون مصالحهم وامتيازاتهم"

وخاطب أحدهم إدارة الموقع قائلاً: "هذه المقاله تحوي على فكر هدام ومن الاجدر ان تقبر على ان تنشر. انا مصدوم ... الحزب الذي تنتمي اليه النائبه ايضا مسؤل عن تصريحاتها."

إلا أن الردود القياسية تنحو نحو تأييد الفكرة وبحماس: 

"هو هذا الكلام الصحيح سيدتي وكفى مزايدة .. لقوم يستغلون خيراتنا ويقتلونا"

"جحا أولى بلحم ثوره .نحن اولى بخيراتنا" 

"ماذا تنتظرون ياسيادة النائبة لاعلان الاقليم وتنقذون الشيعة من هذا الحرمان والفقر؟...الى متى هذا السكوت ولا اريد ان اسميه الخنوع؟"

"الاخوه السنه تحديدا لو اعطيتهم ملك السموات والارض لن يرضون به الا بارجاع الحكم لهم أو أبادتهم جميعا فهل لكم ياشيعه العراق قابليه القضاء عليهم أو هل لكم ياشيعه العراق قابليه ارجاع الحكم لهم؟" 

وهذا ليس حاقد بالدرجة التي يبدو فيها، فهو يكمل "...موارد نفط العراق وبقيه معادنه بما فيه موارد كركوك تودع عند منظمه الامم المتحده وهي في هذه الحاله تكون المسؤله على تقسيم تلك الموارد على ثلاثه حسب سكان كل جهه من هذه الثلاثه وابوكم الله يرحمه ( وكفانا الله شر القتال ) حتى يعيش الثلاثه بامن وامان وكل بطريقته الخاصه".

وتنطلق هذه التعليقات القياسية في مثل هذه المواضيع من منطلق صار ثابتاً بفضل كثرة الترديد: "السنة يقتلون الشيعة بالإرهاب"، ورغم أن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن ضحايا المناطق السنية من الإرهاب أكثر، ورغم اكتشاف أدلة على تفجير قام به صبي شيعي في مدينة الصدر والذي يبرهن أن الإرهابيين يتم اختيارهم بشكل عشوائي، وأن المنفذ سواء كان سنياً أو شيعياً فلا يعني ذلك شيء يرتبط بالعقيدة. إلا أن عدد من الكتاب والمعلقين ساهم بشكل نشط في تثبيت تلك العلاقة وجعل من جميع السنة ضحايا لذلك الإتهام وجعل من الخط المذهبي، الفاصل بين العدو والصديق محققاً أعز أماني المتآمرين على البلاد، بل أدخل هذا الإتهام في "جيناتهم" و "تربيتهم" والصقت بهم وحدهم وحشية صدام والبعث رغم الحقائق النافية التي يتم مسحها من الذاكرة بشكل نشط ومستمر لتأكيد الوهم والحفاظ عليه من الخدش. وقد ساعد عدد من العوامل، منها تخاذل السنة في دحضه مقابل جيش المروجين له، على تثبيت هذا الرأي وصار أصحابه يعتنقونه ويتمسكون به وينطلقون منه وهم غير مستعدين لأية مناقشة لـ "حقيقته". 

ومن الطبيعي أن ينتج من هذا المنطلق القسوة الشديدة والتعامل مع السنة عموماً كقتلة، فنرى في التعليقات:

"بغداد فيها 8 مليون شيعي كيف يحكمها النواصب الاقلية ب 50 كاولي اذا تريد فقط المنطقة التي اعيش بها نستطيع تجهيز 100 ألف مقاتل والله لا يرحمون ابدأ"

وهناك دائماً عدد من الشتائم والتعليقات الواطئة التي تهدف إلى التهييج والتي أدهش أن ينشرها الموقع رغم أنه لا ينشر أي تعليق بدون موافقة مراقب:

فكتب أحدهم وهو مختص بمثل هذه التعليقات:

"السنة يقطعون الرؤس ويعدمون البشر بسهولة… ولا يفرق بين طفل وامرأة وشيخ …ويأكلون الاكباد ويقودون التفجيرات ويتهجمون بألفاظ نابية على اكبر مذهب… فبعد 2003 ارسلت السعودية لهم مميات للرضاعة مملؤة ببول البعير… ورضعوها لصغيرهم وكبيرهم ورجعوهم الى ماقبل الاسلام… فلذلك يطلقون علينا فرس ومجوس واولاد متعة ووو....الحل الوحيد هو يجب ان نؤدبهم وحتى يخرجوا بول البعير من عقولهم…" 

وآخر: "هذا هو الحل الوحيد ..لان القوم سوف يستمرون بممارسه النكاح ..عفوا الجهاد ما دام الشيعه في السلطه وهذا هو السبب الرئيسي لعهرهم منذ 2003 "

ولا ينجو من الهجوم القاسي من يعارض هذا النهج التهييجي حتى من الشيعة أنفسهم، فنشر الموقع تعليقاً لأحدهم يقول: 

"بعض البهائم التي تعارض هذه الفكره لا تمثلنا هؤلاء يطبقون اجنده الموت ضد الشيعة وسرقة ثرواتهم ... السنة لا تطيق العيش معنا ونحن كذلك لن ننسى الدماء الطاهرة للشهداء التي سفكها السنه بالملايين" 

حتى من يعارض هذا الإندفاع من الشيعة، يتهم بأجندة لقتل الشيعة!! نلاحظ إنها نفس الطريقة المنتهجة للهجوم على اليهود الذين يعارضون سياسة إسرائيل، إنما فقط بكلمات أخرى. 

لإنتشار هذه الأوهام بين الناس لم يعد سهلاً تمييز المشبوهين المتخفين بينهم، فنقرأ: 

"وين جنتوا نامين يا دولة القانون وحزب الدعوه. الناس تنصحكم وتكتب لكم منذ 2003 الى الان وانتم تصرون على وطن وهمي حيث دفع الشيعه بسبب سياستكم هذه مئات الالاف من القتلى والجرحى. على الاقل الان قولوها بصراحه وبدون مستحى وتخلوا عن سياسة التوسل للعرب بأعطاء نفطنا لاشد اعداء الشيعه من الاردنين والفلسطينين والمصرين."

ونلاحظ هذا التعليق يضع "العرب" في مقابل "الشيعة"، وهو يكتب منذ 2003 بهذا الإتجاه وقبل أن تكون هناك أية مشكلة طائفية في البلد بعد، اي أنه يكشف نفسه بأنه من مروجي الطائفية منذ البداية وضد العرب، فهل فعل ذلك عن قناعة شخصية أم ماذا؟ 

آخر يذكرنا تعليقه بالأوراق الإعلانية المبسطة التي تلقى من الطائرات على الناس في الحروب، فيقول: 

“يااخي الشيعي نظر لوضعك ووضع مناطقك ... نظرتك دعها تكون قبل خرابها وكذلك الايصيبك بعد تقسيم الموارد على الاقل ثلاثون او ثلاثين او يزيد من المليارات الدولارات ايهما احسن واوفر لك عزيزي ؟”

وآخر فضحه أسلوبه حين كتب: "افضل حل هو تقسيم العراق الى ثلاثة دول كوردستان و شيعستان و سنستان و كل واحد يأخذ حقه و يمضي في حال سبيله…خريطة العراق بشكلها الحالي ليست مقدسة حتى تبقى بهذا الشكل الى يوم القيامة..العراق. الافضل لنا ان نعيش في بلد حجمه يكون ثلث عراق الحالي مثل بلجيكا و سويسرا او حتى قطر و امارات و نعيش في امان و ازدهار في ان نعيش في بلد كبير الحجم و المساحة مثل سودان و اثيوبيا و هند نعيش في فقر و تخلف و حروب..بصراحة وحدة العراق لا يخدم الشعب العراقي" 

الأخطاء في استعمال الضمير حروف الجر واختفاء أل التعريف من كلمات "سودان" و "إمارات" ، وكتابة كلمة "كوردستان"، تشير إلى أن الكاتب ليس عربياً رغم استخدامه أسماً عربياً وتظاهره بأنه شيعي ومظلوم، ومن المفهوم جداً أن "خريطة العراق" بالنسبة له ليست مقدسة، وأن تفتيت البلد إلى أقطار صغيرة مثل قطر والإمارات يعتبر هدفاً له!

الرد الأقوى جاء من الدكتور حسين حامد ألذي نشر مقالة غاضبة بعنوان: "تهديد حنان الفتلاوي بتشكيل اقليم الوسط والجنوب اعترافا بالتخاذل امام الارهاب السني - البعثي ....!!!" (2) جاء فيها: 

"ما الذي حصل بالضبط؟ وكيف للاحداث ان تسير هكذا وبهذا التصور والطموح اللاعقلاني ، بحيث تتجرأ نائب في دولة القانون ان تعلن بصراحة تهديداتها بتقسيم العراق وعزل الوسط والجنوب في اقليم؟ ... ومن فوض حنان الفتلاوي حتى تجاهر “بالتخاذل الشيعي” هكذا امام الارهاب لبعض من السنة المارقين والخونة؟ وكيف بنينا تصوراتنا على ان العراق لا يمكن ان يحل مشاكله بنفسه؟.... اذا كانت أيديولوجية دولة القانون وحزب الدعوة وطموحاتهما المستقبلية تنصب في نفس النهج الانفصالي ولا فرق بينها وبين الايديولوجية الانفصالية للنجيفي والتي يجاهر بها السيد رئيس البرلمان...

لا نزال في بداية الطريق الطويل المليئ بالعثرات ... ولماذا لا نجعل شعبنا يهنئ بنصره الحالي على كلاب داعش؟ ولماذا لا نجعل الطيبين من شعبنا يهنئون بتحقيق الحلم الكبير في بقاء عراقنا موحدا وعصيا على الاعداء؟ هل فقدنا ألامل والارادات حتى بدأنا نعتقد أن ابن الانبار او ابن الموصل او ابن تكريت هم اعدؤنا فعلا وان علينا ان نحكم عليهم بالابتعاد عنا هكذا؟ لا يستطيع المأجورين ان يجعلونا نعتقد ان (الكل) اعداءا لنا ، ...علينا ان لا نجعل اي أحد يكشف عن ضعفنا واهتزاز ايماننا او مواقفنا أبدا .

انها ليسة (منة) ان يمتلك جنوب العراق الخيرات ولا تمتلكها المناطق الغربية حتى (نهدد بقطع) الخيرات العراقية ونستحوذ عليها من قبل الشيعة فقط . الشيعة وأنا من هذا المذهب ، لا يستطيعون ان يعيشوا وحدهم متوحدون أبدا، هذا مستحيل طالما ان ايران باقية وهي تتطلع بلهفة وسرور الى تصريحات ضالة متخاذلة كتصريحاتك يا دكتورة . ايران ستبتلع (العراق الشيعي) ، ... فكيف نحاول ان نمحوا بارادتنا حضاراتنا وتأريخنا الرائع العظيم ، لا لسبب عقلاني ، سوى اننا لا نريد اخينا العراقي في الغربية ان يشاركنا الخيرات العراقية… انها هبة الخالق جل وعلا للجميع.. في الوحدة العراقية فقط يا سيدتي الكريمة ، سيظل العراق عصيا على الخطط والاهداف الخؤونة ..فهذا الوطن يجب ان يبقى ، وباذن الله تعالى عصيا على اعدائه، ولكن ، ليس بالتراجعات والتخاذلات"

(إنتهى الإقتباس)

وكما هو متوقع فقد كتب البعض مآزراً الكاتب وهوجم من البعض الآخر بتهم تتراوح بين عدم الواقعية والخوف من الإتهام بالطائفية "من قبل قتلتهم"، إلى اتهام بـ "ترديد كلام ميشيل عفلق وتكرار أخطاء وجرائم صدام"، وصولاً إلى "الخزي والعار للبعثية وجهلة الشيعة التي تطالب بالوحدة مع القتله" وآخر قال أن "من يقف ضد تقسيم العراق هم البعثية وجهلة الشيعة الخونه"، وتكرار مصطلحات التعليقات تشير إلى أن بعض المعلقين يكتبون بأسماء متعددة، ويحاولون الإيحاء بأنهم كثرة. 

يذكرني خطاب الدكتور حسين القائل بأن الثروات "ليست منة من أحد" واستهجانه للتهديد بقطعها عن الغربية، بما كتبته أنا في الماضي حين وصفت خطاب طه الدليمي بقطع الماء عن الشيعة في الجنوب، بادنى الأوصاف وأهنته بأقسى الإهانات، وتمنيت له أن أراه يموت في الصحراء عطشا، فلا اقدم الماء له، والشيء بالشيء يذكر.

يجب أن نقر للدكتور حسين بالشجاعة الكبيرة في مثل هذا الموقف أمام تسونامي الهجوم المتوقع والذي لم يكن غريبا احتوائه على العبارات المنحطة، ليس فقط لأنه يهاجم مباشرة وبلا مداراة، رمزاً صعباً لدولة القانون، وإنما أكثر من ذلك لمهاجمته موقفاً يتبناه الكثيرين باقتناع أو بتكليف، لدفع العراق إلى التفتيت، وهؤلاء ليسوا مستعدين لخسارة التقدم الذي حققوه دون مقاومة شرسة. إن كون الدكتور حسين شيعياً، وهو ما يذكره في مقالته صراحة، وتلك وحدها دلالة مهمة، لا يحميه من اللسعات المؤلمة. المروجون لتقسيم العراق لا يتورعون عن مهاجمة الشيعة من المعترضين على آرائهم بنفس القسوة التي يهاجمون بها السنة، وأحياناً أكثر، فهؤلاء الشيعة المعترضون يمثلون بالنسبة لمروجي التفتيت، الخطر الأكبر على مشروعهم، لأنه لا يسهل التخلص منهم باللجوء إلى إثارة المشاعر الطائفية لدى القراء ومحو الكاتب بضربة واحدة بوضعه في خانة "القتلة" و "آكلي الكبود"، ولا إبعاد آرائهم بالإتهامات الجاهزة المعدة للسنة من أنها تنطلق من "تربية صدام" أو "أساليب معاوية" او "الإدمان على الحكم" وغيرها.  

تصوري هو أن نفس الأجهزة التي تهدف إلى تمزيق العراق وشعبه، تعمل على الجانبين الشيعي والسني معاً، وكلما اكتشفت لها أسلوباً أو نشاطاً في أي من الجانبين فإني أبحث عن نظيره في الجانب الآخر، وفي الغالب أجد تطابقاً مثيراً للدهشة! 

ففي مقالتي " هنا تدرب ملثمو تظاهرات السنة، والسعدي في خطر"(3) نجد كيف أن أحد أهم المشبوهين بالأجندة الإسرائيلية في الأنبار، الشيخ علي حاتم سليمان يقول مشجعاً الإنفصال عن العراق : إن «عراقاً لا يحترمنا لا نريده»! ويمكنكم أن تروا صدى نفس العبارة لدى الجانب الشيعي، مع تحوير بسيط هو "أن عراق يقتلنا لا نريده!"

ومثلما يهاجم دعاة الوحدة من الشيعة، سبق وإن هوجم الشيخ عبد الملك السعدي بنفس الطريقة تماماً، لأنه وقف بقوة ضد مشروع الإقليم السني وقال أنه خطوة نحو الإنفصال وأنه محرم، وتم تشويه سمعته من قبل العملاء العاملين في الجانب السني إلى حد التشهير الرخيص بأنه مصاب بالخرف، وهو رغم التشويش على المعلومات التي تصله ودفعه أحياناً إلى مواقف غير دقيقة، يبقى بين كل من دخل ساحة الإعتصام، الأكثر عقلاً واتزاناً، وأشد ما كان يخشاه هؤلاء في حقيقة الأمر، هو دخول "العقل" ساحة الإعتصام! وعندما لم يكف ذلك التشويش، لجأ هؤلاء حتى إلى تزوير خطاباته وقد رد على ذلك في الماضي، فقال: "ومن ينسب إليَّ أنِّي أمرتُ بالجهاد أو بالنفير فهو كاذب ومفترٍ وبياناتي واضحة وصريحة".  وادان السعدي قتل الجنود الخمسة قائلا " أُدين بشِدَّة وأستنكر قتل المُسالمين صبيحة هذا اليوم من قبل أُناس قد يكونون مُندسِّين أو مدفوعين من جهة أخرى لأجل إشعال نار الحرب؛ فإنَّ قتل المُسالمين جريمة لا تُغتفر وأُكرِّر تحريم قتل الجيش والشرطة من أيِّ مكوِّن كانوا ما لم يبدئوا بالهجوم ويفتحوا عليكم النار فعند ذلك يكون مقدار الدفاع عن النفس واجبا لا غير".

ومثلما تضمنت الهجمات على دعاة الوحدة من الشيعة تهديدات مبطنة من خلال اتهامهم بالبعث وصدام وأنهم ينهجون نهج "قتل الشيعة" أعلاه، فأن حاتم سليمان لم يكتف برفض "اية وساطة للتهدئة".، ولكنه قال صراحة أيضاً أنه "لن يسمح"(!) لأي شخص مهما كان بان يكون طرف ثالث او وسيط يدعو الى التهدئة"، وقال: "ومن يدعو الى التهدئة فهو انسان عفن ولا يملك من الدين ذرة". 

ومن الواضح أن الإشارة إلى الدين تلمح إلى الشيخ السعدي، كما تلك العبارة تتضمن تهديداً صريحاً بالقتل، خاصة في ظروف الأنبار. 

إن دعاة تقسيم العراق في الطرفين يبرهنون أنهم لا يهتمون، لا بشيعة ولا بسنة ولا يحترمون أحداً ولا يريدون الخير لأحد حتى لطائفتهم وأنهم لن يتورعوا عن أي أسلوب أو عمل من أجل تمرير المشروع الذي كلفوا به. ومثلما لم يكتفوا بالهجوم على دعاة الوحدة من الجانب السني من المثقفين والناس العاديين واستمروا بهجومهم ليشمل الرموز الدينية السنية، فإنهم يفعلون نفس الأمر على الجانب الشيعي.

ولو أخذنا أحد رموزهم الأكثر شهرة، ياسر الحبيب، لوجدناه لا يكفر أهل السنة فقط،(4) وإنما يذهب إلى وقاحة تكفير رموز الشيعة الكبار مثل الخميني والخامنئي(5) والدكتور أحمد الوائلي(6) والسيد حسن نصر الله(7) وأخيراً هاهو يكفر السيد الصدر! (8)

ولو راجعنا الخط الذي يجمع هؤلاء الرموز، لوجدناهم يتميزون ليس فقط بالرفعة الخلقية والشجاعة والعلم، وإنما أيضاً بالوعي الشديد للمؤامرات على الإسلام وبشكل خاص محاربة التفرقة والتفتيت، فهذا الخامنئي يحرم الإساءة لزوجات الرسول ورموز أهل السنة(9) وهذا الوائلي في واحدة من خطبه الإسلامية الإنسانية الكثيرة التي أثارت أصحاب الأجندات ضده أكثر من أي شخص آخر(10) ونفس الأمر لدى السيد حسن نصر الله الذي يكرر هنا الدعوة إلى مراجعة من يدعم ياسر الحبيب(11)

وقد عاني السيد الجليل محمد حسين فضل الله الكثير بسبب ومن أجل نفس المبادئ والمواقف والشجاعة

لقد كتبت في الماضي أدعوا السنة إلى الحذر من الخطر المحدق بهم والمؤامرة التي تسعى إلى تحويل السنة إلى مجاميع محتقرة يرمز لها علي حاتم السليمان وطه الدليمي. وأن ما يسمى بـ "خطر التشيع" إن كان موجوداً فسيكون ليس من الشيعة، بل بسبب الصورة السيئة التي تنتشر عن السنة دون أن يفعل هؤلاء شيئاً لتصحيحها. وأرى اليوم أن الشيعة أيضاً في خطر. ليس من السنة، وإنما ممن يهدد بتحويل مذهبهم من مذهب رموزه حسن نصر الله والوائلي والصدر ومحمد حسين فضل الله وأمثالهم من الفاضلين، إلى مذهب رموزه ياسر الحبيب ومحمود شحاته من التافهين الذين لا يعلم أحد من اي "زاغور" خرجوا. إن المشروع واحد للطرفين، مهما اختلفت التفاصيل والإدعاءات، وعندما تسوء سمعة السنة والشيعة تسوء سمعة الإسلام كله ويصبح كله في خطر.

نلاحظ أيضاً تشابها آخر يتمثل في التدخل الكردستاني الخبيث على الجانبين، ونذكر هبة مسعود البرزاني لنجدة الغربية ورفع علمه على تظاهراتها، ونلاحظ وجود الصوت الكردي في التعليقات التي تحث على الإنفصال متنكراً بشخصية شيعية، ولكن في بعض الأحيان تخون هذه الشخصية الذكاء اللازم فتكشف نفسها كما في التعليق أعلاه، وما يكشف ليس سوى رأس جبل الجليد المغمور معظمه داخل الماء. لقد لعبت كردستان دور الهراوة لتفتيت العراق ودعمت كل دعوة لإقامة الأقاليم بحجة حضارية الفدرالية، سواء كانت تلك الدعوات في البصرة من قبل المشبوه البزوني ورفاقه أو في الغربية أو إقليم الوسط والجنوب أو مشروع بايدن. لم تتردد كردستان، التي تحولت إلى هراوة إسرائيلية بوجه العراق، في دعم اي مشروع إقليم في العراق ابداً، لكن حين هددت "التغيير" باقليم منفصل للسليمانية، ثارت ثائرة مسعود، فهو يعلم أن الأقاليم تدمير للبلد، ولا يريد هذا التدمير لكردستان، لكنه يرحب به ويدعمه بكل قوة إن كان للعراق، فلينظر الشيعة والسنة ما يخبئه لهم المؤتمرون بأوامر أميركا وإسرائيل ممن يسير الأمور في كردستان! 

ليس هذا الموقف الكردستاني بالجديد، ولم يتقصر على مشاريع مثل محاولة استضافة مثير الفتن المذهبية الشيخ القرضاوي (رغم تاريخه المسيء للقضية الكردية! فمن أجل تحطيم العراق، التطوع مفتوح في كردستان لكل الحثالات) بل يعود إلى سنوات سابقة، ويمكن لمن تتحمل اعصابه قراءة مقالتي: "أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم -2 - الشعب الشيعي المجيد والسنّة القذرين!" (12) والتي أشرت فيها إلى مقالة مميزة في انحطاطها العنصري للمؤرخ الكردي الدكتور مهدي كاكائي، تكشف بعض مستويات الثقافة التي تشاع في كردستان والموجهة بشكل بشع لإهانة السنة والعرب ودفع الشيعة بعيداً عن أصلهم العربي وإنكاره، (وهو أيضاً اتجاه منتشر في تعليقات قراء عراق القانون) وبشكل عام لتمزيق شعب العراق، وليس أبشع ما فيها تأكيده بأن “العراق...كيان مشوه من شعوب ليس بينها سوى العداء التاريخي”، ولا غرابة أن يكرر نفس هذا الخطاب في التعليقات أعلاه وفي الكثير من المقالات التي تتجه في الإتجاه نفسه، وكل ذلك يشير إلى أنهم يتلقون التعليمات والتوجيه من مصدر واحد.

أكرر هنا أن ليس كل من تبنى هذه الطروحات مشبوهاً بالعمالة لإسرائيل وأميركا، فقد ترك لها الوقت الكافي لتمتلك عقول وعواطف حتى الخيرين من الناس فكرروها دون وعي حتى صار تمييز خطابهم من خطاب العملاء أمراً عسيراً رغم أهميته القصوى. لاحظوا أن المعلق الذي سأل إن كان بإمكان الشيعة القضاء على السنة في سطره الأول، عاد ليدعوا إلى تقسيم عادل معهم في سطره الثاني، فاي ضياع!

لاحظت أخيراً أن المشبوهين يعمدون إلى إعطاء من كلفوا بإثارتهم، إنطباعاً مبالغاً بقوتهم، وأنهم قادرون، إن كانوا بالشجاعة الكافية، أن يسحقوا "المعتدين القتلة" من الجانب الثاني وان يعيشوا بعدها بهناء. ونقرأ ذلك بوضوح في التعليقات على المقالة أعلاه، وليس من الصعب أن نجد الخيط الذي يربط تلك التعليقات بالخطاب السفيه لعلي حاتم سليمان وسعيد اللافي في الجانب الآخر فأحدهما يتحدث عن "جيش العزة والكرامة"(13) والثاني لا يكتفي بتهديد بالقتل لوزير الدفاع "الدليمي الصفوي"! (فكل من يقف بوجه مشروع تقسيم العراق، "صفوي" حتى لو كان سنياً) بل أيضاً يذهب هذا الطرطور الذي "لا يسرّح بنعجة" كما يقولون عندنا، إلى تقمص شخصية هولاكو فيهدد بالزحف على بغداد وأذى "الأسر البغدادية" إن لم ينتفضوا لإسقاط المالكي! – لقد لاحظت في الماضي أن عملاء إسرائيل عموماً يتميزون بوقاحة فائقة!

هذا الإيحاء بالقوة والدعوة للشجاعة ليس سوى وهم فارغ وعلى الجانبين، وقد كتبت سابقاً أن سنة العراق وشيعتها حتى إن توحدوا فسوف يبقون بحاجة إلى عمل كثير لسد ثغرات الضعف الهائلة التي في مجتمعهم ووطنهم قياساً بالعالم، أما إن تفرقوا، فلن يكون أي منهما أكبر من نملة يسحقها الآخرون (وليس القوى العظمى) دون حتى أن يحسوا بها! وعلى أية حال، فإن نفس الطرف المهيج الذي يقول للسنة "أنتم الأقوى" يقول للشيعة "أنتم الأقوى" ولسبب واضح. وهو ينوي وقادر في حالة نجاحه في إشعال نزاع مسلح، أن يدعم الجانب الأضعف في ذلك النزاع بقوة تكفي لصموده وإطالة النزاع حتى يتم تحطيم الجانبين وبلادهما، بالضبط كما فعل مع العراق وإيران! وهذا سبب آخر لكي لا يغتر أي من الأطراف بقوته، حتى لو كان متفوقاً حقاً. 

إن دعوتي هي ذات الدعوة التحذيرية التي ساقها الدكتور حسين حامد في مقالته المحورية أعلاه. على الشيعة والسنة ليس فقط أن يعوا الأكاذيب التي تحاك حولهم، وإنما أن يكون واضحاً بشكل تام أمام أعينهم حقيقة ضعفهم الخطير، وأن لا توهمهم جيوش الكرتون من "العزة والكرامة" أو "الطريقة النقشبندية" من جهة، أو "البطاط" و "الصولات" المرتبة بموافقات وترتيبات عليا، والطبول التي تحاط بها، وتصور لهم ان لديهم القوة والقدرة على البقاء منفردين، وأن الأقاليم أو الإنفصال ستحل لهم مشكلة ضعفهم الشديد. بل إنها ستزيده أضعافاً مضاعفة وستكون القشة التي تقصم ظهر جملهم وتقضي على ما بقي لهم من أمل بالبقاء، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه. 

أن كل من يفتح عينه لن يفشل أن يرى الخطوط التي يتآمر من خلالها المتآمرون على شعبه، وأن يرى مدى التشابه في العمل على الطرفين من قبل نفس الجهات. ولن يفشل في ان يرى حقيقة هول الضعف الذي نحن فيه جميعاً، مثلما يرى أن اتهام الجهة الأخرى بالإعتداء والقتل والرغبة بـ "إبادة" الآخر، لا اساس لها من الصحة، وأن من قام بكل ذلك هم قتلة مدربون وآخرون مغفلون وقلة مأجورة قليلة جداً، صرخت فهتفت لها جماهير حائرة وخائفة تلجأ إلى من يوحي لها بالقوة ولو زيفاً، وتتظاهر بالقوة والهجومية لردع المقابل الذي تم إخافتها منه وتصويره كعدو غادر، وقد تحدثنا وسنتحدث عن ذلك في مقالات أخرى. 

لا مفر من أن يكتشف حتى الواهمون من السنة والشيعة كل ذلك يوماً، كما فعلت شعوب عديدة مرت بما يمرون به، ويعرفون حجمهم وموقعهم في العالم ومن هو عدوهم الحقيقي ومن هي ذيوله السامة. 

السؤال هو فقط ما إذا كان ذلك سيتم قبل أو بعد فوات الأوان.


(إن أعجبتك المقالة عزيزي القارئ، فأرجو أن تدفع لي ثمنها البسيط: أن ترسلها إلى معارفك!)


(ستتوفر نسخة ملخصة لمقتطفات مختارة من المقالة على الموقع التالي: https://www.facebook.com/SaiebKhalilQ )


(1) الفتلاوي : صبر الشيعة بدأ ينفذ .. وقد نلجأ الى تشكيل إقليم الوسط والجنوب 

http://www.qanon302.net/news/2014/01/04/8893 

(2) أ . د . حسين حامد: "تهديد حنان الفتلاوي بتشكيل اقليم الوسط والجنوب اعترافا بالتخاذل امام الارهاب السني - البعثي ....!!!"

http://www.qanon302.net/in-focus/2014/01/07/9108

(3) صائب خليل :هنا تدرب ملثمو تظاهرات السنة، والسعدي في خطر

http://www.bahzani.net/services/forum/showthread.php?59832-

(4) الرافضي الشيعي ياسر الحبيب يكفر أهل السنة

http://www.youtube.com/watch?v=kwvZXXwamZs

(5) ياسر الخبيث يكفّر الخميني والخامنئي وأنهم دعاة إلى النار 

http://safatv.net/videos.php?action=show&id=285

(6) الشيخ ياسر الحبيب- الوائلي فاسق ولا قيمة لتنزيهه عائشة

http://www.youtube.com/watch?v=lWhUNK0o7SA

(7) الشيخ ياسر الحبيب يتكلم على سيد حسن نصر الله و على الخامنئي و

http://www.youtube.com/watch?v=_lnC1wqlop0

(8) عاجل ياسر الحبيب يكفر السيد الشهيد محمد باقر الصدر

http://www.youtube.com/watch?v=_ytx2xpFiqc

(9) فتوى لـ"خامنئي" تحرّم الإساءة لزوجات الرسول ورموز أهل السنة

http://www.alarabiya.net/articles/2010/10/01/120857.html

(10) ‫المقطع الذي هز متعصبي الشيعة والسنة د احمد الوائلي 

http://www.youtube.com/watch?v=kRB7m0XagVw

(11) ‫حسن نصر الله يهاجم من جديد الشيخ ياسر الحبيب‎ 

http://www.youtube.com/watch?v=XzUBSf61zv8

(12) صائب خليل: "أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم -2 - الشعب الشيعي المجيد والسنّة القذرين!"

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/22krd2.htm

(13) سعيد اللافي :"جيش العزة والكرامة جيش عشائري من ابناء عشائر الانبار كافة "

http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/34217-2013-04-28-09-41-52.html

9 كانون الثاني 2014

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
التظاهرات وسياسة منع الحل صائب خليل/ سواء كانت التظاهرات "السنية" الجارية في العراق قد بدأت عفوية أو مسيسة، فمما لا شك فيه أنها اليوم مسيسة بامتياز، بل وتمتلك علامات "الثورات الملونة" التي انتهجتها الإدارات الأمريكية لتغيير من هي المرأة التي حكمت العراق 40 عاماً؟ من هي المرأة التي حكمت العراق 40 عاماً؟ اسطورة لملكة عراقية منذ 2800عام ألهمت عقول الأدباء والفنانين والمؤرخين الأوروبيين طوال عدة قرون ماضية، وفرضت حضورها في الأدب، والتاريخ، والرسم، والموسيقى، والسينما، والمسرح.. تمثل الجمال والحكمة من ناحية، والقدرة على إدارة الدولة وخوض الحروب من ناحية أخرى العلاقة التاريخية بين تقسيم البلدان والحروب الأهلية صائب خليل/ هدفت الإدارة الأمريكية للإحتلال في العراق إلى تقسيم البلاد إلى عدة أجزاء. الانتخابات وقانونها نــزار حيدر/ ان حجم الجدل الجاري في العراق بشان قانون الانتخابات، دليل على امرين في غاية الاهمية، الا وهما: اولا: ان الكل يشعر بان العملية الانتخابية لازالت طور النشوء ولم تكتمل بعد،
Side Adv2 Side Adv1