الهوية القومية التي طالب بتثبيتها مجمع اساقفة الكنيسة الكلدانية
من المواضيع المهمة التي ناقشها مجمع أساقفة الكنيسة الكلدانية الدائم ( الذي يترأسه غبطة البطريرك الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلّي ) بجلسته المنعقدة بتاريخ 29/7/2009 موضوعين على درجة عالية من الأهمية ولم يسبق لأحد أن تطرق إليهما ، ألا وهما : ــ1 ـ موضوع الهوية القومية .وسنناقشه الآن
2 ـ موضوع الموارد المالية وقد ناقشناه في حلقة سابقة .
لقد أوضح المجمع ماهية رسالة الكنيسة ( أية كنيسة كانت ) في المجتمع البشري وماهي أدواتها وأحتياجاتها ، وعلى مَن تعتمد ، وما هو مصدرها المادي ، أنقل لكم نصاً ما ورد في البيان الصادر من بطريركية بابل الكلدانية العدد 64 / 09 عنكاوا ـ أربيل 3 / 8 / 2009 " الفقرة الأولى ": ــ
"1. موضوع الهوية القومية : ــ
إن مجمع أساقفة الكنيسة الكلدانية الدائم يؤكد على ما أعلنه سابقاً المجمع العام من وجوب الإقرار الدستوري بالوجود التاريخي الثابت للقومية الكلدانية بهويتها الخاصة ، ووجوب ضمان حقوقها المشروعة كاملة، إسوةً بالقوميات العراقية الأخرى ، بموجب الدستور الأتحادي المادة 125 ، طالبين ثانيةً تعديل المادة الخامسة من مسودة دستور أقليم كردستان لكي تُدرَج القومية الكلدانية فيه قائمة بذاتها ، هذا حق أساسي من حقوق الإنسان والشعوب .
إنَّ التأكيد على خصوصية الهوية الكلدانية ، لا يعني البتة الإنغلاق على الذات ، بل إن تجذّر الكلدان والسريان والآشوريين في قومياتهم هو أساس أنفتاحهم على إخوتهم بتنوع قومياتهم وثقافاتهم ودياناتهم من عرب وكورد وتركمان وإيزيديين وصابئة ، وتعبير عن رغبتهم في السعي إلى تواصل إسهامهم في بناء العراق وتقدمه ."
إخوتي الأكارم
لقد كانت الكنيسة الكلدانية متمثلة بغبطة بَاطِريَرْكِها والسلك الكهنوتي عامةً ، هي المحامية والحريصة على أبنائها الكلدان ، وعلى لغتهم الأصيلة ، ولم يثنِها عن ذلك شدة ظلام الأيام المعتمة التي مرّت بها وعليها ، وهناك مواقف وبطولات كثيرة لمع فيها أسم بعض من كهنتنا الأفاضل لمواقفهم البطولية الجريئة المشرفة حيث عَرَّضوا حياتهم للخطر في سبيل إعادة فتاة حادت عن جادة الصواب ، أو عودة رجل بعد أن هجر أهله وعائلته وأرتمى في أحضان الرذيلة ، وغيرها من المواقف التي لا تُعَد ولا تُحصى ، يعود فيها الفضل الأكبر لرجال الدين ، ومن ضمن ما حافظت عليه كنيستنا هي لغتنا الكلدانية وهويتنا القومية ، ولولاها لما كان هناك اليوم لغة تسمى الكلدانية .
لقد حافظ قادة كنيستنا الكلدانية على لغتنا الكلدانية الجميلة ، وعلى ثقافتنا الكلدانية ، كما أنها أستماتت في سبيل الدفاع عن الطقوس الشرقية الكلدانية مُصِّرة وبشكلٍ قاطعٍ على أستخدام هذه اللغة في إقامة الصلوات والقداديس وكل ما يتعلق بالطقس بها ، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن قادة الكنيسة الكلدانية أحتفظوا بالهوية القومية وحافظوا عليها من خلال المحافظة على اللغة التي هي إحدى مقومات القومية ، ولم يؤثر أرتباط الكنيسة بروما على أيٍ من هذه الثوابت التي بدونها لا يمكن أن نسمي الشعب بالشعب الكلداني ولا الكنيسة بالكنيسة الكلدانية ، لأنه لو لم يكن هناك شعب كلداني لن تكون هناك كنيسة كلدانية ، ولا ننسى الدور الكبير الذي لعبه رجالات كنيستنا ومواقفهم المشرفة في خدمة قضية شعبنا والحفاظ على جوهر هويتنا ، فعلى سبيل المثال ، لا يمكن مطلقاً أن ننسى الدور الكبير الذي لعبه البطريرك مار يوسف أودو المتوفي عام 1878 م في تأسيس المدارس الدينية الكلدانية " السمنير " وشراء المطابع وأستيرادها وبناء الديورة .
نعم لقد وقف رجال كنيستنا الكلدانية كالطود الأشم الشامخ صامدين بوجه أعتى الحملات الهمجية التي واجهت الكنيسة وشعبنا ، حيث كان الشعب يلتجئ وما زال إلى الكنيسة عند ما تنوبه النائبة ، وكانت الكنيسة على الدوام أمينة للعهد الذي قطعه على أنفسهم قادتها بأن يكونوا أمناء محافظين على هذا الشعب حافظين له تراثه وهويته ولغته وتقاليده وتاريخه ، وكانت أبواب الكنيسة مشرعة بوجه الكلدان بشكلٍ خاص والمسيحيين والعراقيين بشكلٍ عام في الأيام الحالكة السواد وفي ازمنة الضيق والشدّة والقهر ، وبذلك كانت تثبت اصالتها وصدق أنتمائها وإنسانيتها تجاه البشر أجمعين ، وما زالت على نفس الدرب سائرة ، وعلى خُطى الآباء والأجداد مستمرة .
تذكر كتب التاريخ بأنه مَرَّت على العراق أيام حالكة السواد ، برز فيها أسمٌ لامعٌ من قادة كنيستنا الكلدانية ، ألا وهو البطريرك مار عمانوئيل الثاني حيث كان يتفقد شعبه أثناء المحنة ويوزع عليهم الغذاء بيديه الكريمتين ، ولما أراد مرافقوه ثنيه عن واجبه هذا ، قال مقولته المشهورة : ــ
" لن أتحول عنهم حتى تروني متسولاً مثلهم " هكذا هي الرجال وهذا هو النوع النادر من القادة ونِعْمَ الرجال .
إن الخصوصية الدينية للكنيسة الكلدانية هي التي حافظت على الهوية القومية للكلدان ، وتفعيلاً للدور الشجاع الذي أقدم عليه مجمع أساقفة الكنيسة الكلدانية والمسؤولية الكبيرة التي تقع على كاهل كهنتنا الأعزاء ذراع الكنيسة الكلدانية هي مسؤولية كبيرة جداً بلا أدنى شك ولا يقوى على حملها إلا الرجال وتتلخص بما يلي : ـــ
1- يقوم كل كاهن وفي حدود مجال خورنته في بلدان المهجر والوطن بفتح دورات تعليم اللغة الكلدانية يشرف عليها بنفسه ويتابعها متابعة جدية ويفرد لها من وقته ،ويهئ شمامسة أكفاء ليساعدوه في هذه المهمة الشاقة والعسيرة ، فبدون لغة كلدانية تنتفي الحاجة إلى كاهن كلداني في بلدان المهجر ، ويكون الكاهن مسؤولاً عن سير العملية التعليمية وعليه مسؤولية متابعة الشمامسة المعلمين والتلاميذ والطلاب المتعلمين وتوفير مستلزمات التعليم من كتب منهجية لتعليم اللغة ووضع خطة ومنهج ، وأن لا يفتر أو يبرد عنده هذا الأندفاع حتى لو كان عد المنتسبين في كل دورة أثنين أو ثلاثة ، فإن تعلم واحد فقط هذه اللغة نضمن أستمرارها خمسون عاماً على الأقل .
2- فتح دورات تعليم اللغة الكلدانية للصغار وللكبار نساءً ورجالا .
3- تشجيع الجميع على الأنخراط في هذه الدورات وتبيان مدى علاقتها بهويتنا القومية وتاريخنا القديم والحديث .
4- أن تدخل هذه الفقرة " أي التشجيع على تعلم اللغة الكلدانية " ضمن كرازة الكاهن ، وفي حال عدم تمكن الكاهن من تعليم أبناء رعيته لغتنا الكلدانية عليه أن يحزم حقائبه ويعود أدراجه ، لأنه ستنتفي الحاجة لوجود كاهن كلداني هناك ، إن كان القداس يقام بلغة بلد المهجر ونتبع طقوسهم وننسى لغتنا ، فما الحاجة إلى كاهن كلداني هناك ؟ إن كان أولاد الجالية في البلد ( س ) من بلدان المهجر لا يعرفون التكلم بالكلدانية ولا يفهمون شيئاً ويتكلمون بلغة أهل بلد المهجر مع أهلهم وذويهم بالتأكيد سوف لن يحضروا القداس الكلداني بل قداس بلغة أهل البلد التي يتقنوها جيداً ، لذلك على الكاهن أن يأخذ هذا الأمر بجدية تامة ويتابعه برعاية وأهتمام ، لكونه موضوع مصيري يتوقف عليه مصير هويتنا الكلدانية في بلدان الأغتراب .
5- تشجيع المتعلمين والمنتمين لهذه الدورات بأن يقدم هدية للمتفوق الأول ، أو ان يقيم لهم أحتفال بمناسبة التخرج ، أو ينظم سفرة لمكان ما .
6- حتى لو كان عدد الحضور ضعيفاً ، فإن النتيجة ستكون كبيرة جداً وعظيمة .
7- على الكاهن المجاهرة الحقيقية بهويته القومية فالإيمان بسيدنا يسوع المسيح له المجد لا يلغيان التوجه القومي مطلقاً ، كما أننا مؤمنين ولنا أسماء شخصية لنا كذلك نحن مؤمنين ولنا هوية قومية تميزنا عن غيرنا ، وإن المجاهرة بالهوية القومية لا تتضارب أو تتعارض مع مبدأ الإيمان أو الأخوّة أو المواطنة أو الأندماج في ذلك البلد ، وأحترام خصوصيات الآخرين .ولا ننسى في هذا المجال كيف جاهر مار بولس الرسول بهويته " جنسيته الرومانية " كما جاء في أعمال الرسل 16 : 37 بعد أن أفرج عن مار بولس وسيلا " فأحتجَّ بولسُ قائلاً : جَلَدُونا أَمامَ النّاسِ بِغَيرِ مُحاكَمَةٍ ، مَعَ أَنَّنا نَحْمِلُ الجنسيَّةَ الرُّومانيَّةَ ، وزَجّوا بِنا في السِّجنِ ..... " فهل تعارض ذلك مع إيمانهِ ؟ أو مع رسالته الدينية ؟ أو مع وحدة المسيح ؟؟؟؟؟
" فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟ " سؤال كبير بحاجة إلى إجابة !!!
أليس فقدان الهوية والتنكر لها هي جزء من حالة خسارة النفس ؟
أليس خسارة الهدف المنشود هو خسارة للنفس ؟
حفظ الله لنا قادة كنيستنا ورعاهم
عشتم وعاشت أمتنا الكلدانية بكل خير.
08/10/2009