Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الوقاية من الفساد خير من علاجه

ماجستير في القانون ـ نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً

الحقيقة إن الحكمة من تأسيس هيئات للنزاهة في مختلف دول العالم كما أوصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد جاء للفصل بين أعمال التحقيق وأعمال تطبيق القانون (القضاء) وهو ما نص عليه أمر تأسيس الهيئة صراحة، والحكمة من ذلك هي إن القاضي وهو يمارس مهامه القضائية وإصدار الأحكام لا يقوم بدور وقائي مباشر وإنما يقوم بدور علاجي، من خلال فرض العقوبة التي تهدف إلى زجر الجاني وردع غيره، وهذه الميزة هي التي ميزت أعمال القضاء عبر التاريخ، بينما الدور الوقائي من الفساد بأشكاله المختلفة هو عمل مؤسساتي ينبغي أن تتولاه هيئة متخصصة تتولى بشكل أساسي وضع خطط إستراتيجية للوقاية من الفساد وتقوم في نفس الوقت بالتحري عن وقائع الفساد والتحقيق فيها وإحالتها للمحاكم المختصة بعد أن تتوافر لديها الأدلة الكافية للإحالة، وفي كل الأحوال يجب أن لا يطغي جانب التحري والتحقيق على الجانب الوقائي في أولويات عملها، لسبب واضح إن مهمات التحري والتحقيق تقوم بها أيضا، أو ينبغي ان تقوم بها كأولويات، جهات رسمية أخرى مثل مكاتب المفتش العام وديوان الرقابة المالية والوزير المختص فضلاً عن هيئات المجتمع المدني المتخصصة والإعلام بوسائله المختلفة التي تعمل من موقع الدعم والتنسيق لهذه الجهات وتقديم المعلومات الموثوق بأسلوب مهني لا بأسلوب خلق الفضائح الصحفية.
والوقاية بشكل عام ما هي إلا عمل مخطط يراد به الإعاقة الكاملة أو الجزئية لوقائع شاذة أو مرضية متوقعة الحدوث في بيئة اجتماعية معينة. كوضع خطط لمنع انتشار مرض معين أو الآفات الزراعية وغير ذلك، أما في نطاق علم الإجرام فان الوقاية من الجريمة تعني وضع الخطط الملائمة لإعاقة بروز جريمة أو جرائم معينة تنتشر في بيئة اجتماعية معينة، وعلى ذات السياق فان وضع خطط وقائية لإعاقة بروز ظاهرة الفساد كظاهرة جريمة بات في الوقت الراهن من أولويات عمل الأجهزة الرقابية وهيئات الرقابة، بل ان بعض هيئات النزاهة في بعض التجارب الدولية تعتبر ان قسم الوقاية والشفافية من اهم أقسامها، وتقوم هذه الأقسام بوضع الحلول الوقائية لكل وزارة أو مؤسسة على حدة مستعينة بمختصين في مجال القانون والعلوم الأخرى ذات العلاقة ومستندة إلى دراسة كل حالة فساد ووضع الخطط التي تلائم مكافحتها.
وعلى سبيل المثال إن بعض الدول تبنت فكرة إنشاء دائرة خدمة المواطن التي تتولى مهمة استلام معاملات المواطنين ويقوم موظفوها بمراجعة الدوائر المختصة لانجاز تلك المعاملات ثم تطورت الفكرة إلى أن تضم هذه الدائرة مكاتب للوزارات المختلفة تتولى انجاز ما يمكن انجازه مباشرة وإذا تطلب الأمر إجراءات داخل الوزارة المعينة فإنها تتولى القيام بذلك وفي كل الأحوال لا توجد صلة مباشرة بين المواطن وموظفي هذه الهيئات وفي الدول المتقدمة بات انجاز معاملات هذه الدوائر عن طريق البريد والحكومة الالكترونية التي تربط جميع مؤسسات الدولة بشبكة عنكبوتيه تتولى انجاز المعاملات وتدقيق الوثائق المقدمة من المواطن وسلامتها من التزوير والانتحال عبر تلك الشبكة وخلال دقائق معدودة.
ومن تطبيقات ذلك ما جرى في الهند في ما يتعلق ببيع الأسمدة لملايين لفلاحين الهنود ففد كانت إجراءات المعاملة محل فساد ورشاوى ومحسوبيات كبيرة وقد يفوت الوقت على الفلاح فلا تصله الأسمدة إلا بعد الحصاد، فتم إتباع أسلوب تقديم المعاملة ودفع الأجور عبر الانترنيت لتأخذ المعاملة تسلساً وتاريخياً يحدده الحاسب الآلي للدائرة دون تدخل الموظفين لتصل الأسمدة إلى المزارع في باب مزرعته في الوقت المحدد بالضبط. وبعد أن كانت المعاملة تستغرق ثلاثة أشهر لا يتعدى الوقت ألان سوى دقائق مع نظافتها من الفساد.
ان الأفكار الوقائية متنوعة ولا يحدها نطاق أو حد معين ودائماً هناك أفكار جديدة مبدعة وخلاقة مادامت هناك رغبة صادقة في خدمة أبناء الشعب وإنقاذهم من براثن الفساد وأهله.
********************
farisalajrish@yahoo.com

http://farisalajrish.maktoobblog.com/
Opinions