الى الالقوشي الغيورعمانوئيل تومي, التشويه يطال العراق كله
قبل بضعة أسابيع , نشر مقالا للأستاذ عمانوئيل تومي تحت عنوان (انهم يشوهون ألقوش) , أعرب فيه الاستاذ عن قلقه وشجبه لما وصفه بالتشويه الذي أحدثته بناية ً تم تشييدها مؤخرا في الزاويه الشماليه الغربيه من مدينة القوش , أي بجوار مزار المار يوسب, وقد جذب إنتباهي إهتمام الأستاذ بهذه الظاهرة التي تستحق الوقوف عندها قليلا .إن نداءكم يا أستاذ عمانوئيل جدير بإهتمام كل من يعنيه أمر إرث و تراث الآباء وجمالية أصالة المكان وهويته الجغرافيه التاريخيه العريقه علاوة على ان المسؤوليه التاريخيه تحتم على الاوفياء التنبيه والتحذير من اي مساس وتشويه لمعالم المنطقه سواء كان ذلك بحجة تجميل المكان او تقديم خدمة بالامكان تقديمها في أماكن وفسح أخرى كي لا تعتبر تشويها بقصد او بدونه , او محاولة لزرع ما يشبه مسامير جحا للقادم من الايام .
التضامن مع دعوة الأخ عمانوئيل تومي , يجب أن لا يقتصر على ابناء هذه البلدة التاريخيه العريقه فحسب , بل واجب كل عراقي غيور أن يتصدى لكل هجين يراد فرضه وقبوله حاله حال التشويهات التي خلفتها ماكنة الديكتاتوريه التي عبثت في شتى مناحي الحياة , والمؤسف أن هذه التشويهات التي إزدادت في مقدم المحتل يتم الترويج لتنفيذها من قبل أناس إتخذوا من لون رداءهم الماضي غطاء لهم من اجل تحقيق منافعهم الشخصيه على حساب تاريخ وهوية بلداتنا واصالة شعبنا .
علينا إن كنا صادقين في حبنا لوطننا ولبلدتنا القوش , ان نقولها بملئ فمنا وبالقلم العريض بأنه على مدى ثمان سنوات من الفوضى العارمه , استطاعت جهات بفضل تزايد الإنفلات الأمني و تفاقم التدهور المعاشي أن تتسلل بأساليب المافيات المدججه بالاموال والاعلام وتسخر ضعفاء النفوس وأصحاب الأقلام الهزيله التي فضحت نفسها في تملقها وسفاهة ترويجها من اجل حفنة دولارات أو قطعة أرض او لقطة مصوره تظهره مع مسؤول هنا او هناك , وقد تزامن ذلك مع توافد منظمات سياسية غريبه متخفية تحت اسماء شركات إعماريه اوانسانيه أو أمنيه لكن مهامها الحقيقيه كانت بعيدة كل البعد عن هموم الناس وإحتياجاتهم بل جيئ بها للعمل لصالح جهات وأجندات سياسيه خارجيه.
ربما سيعتبر البعض كلامنا نيلا من الاخرين او يضعه ضمن خانة نظرية المؤامره التي أصبحت تهمه جاهزة ضد كل من يحذر من مخاطر ما يدور في العلن ويعري ما تخفيه الأحداث وراءها من ألغاز وأهداف مبيته , ولكن عندما تغدو دقات الحقيقه موجعة كطرقات الجواكيج على الجامجم والذاكره , يصبح التذكير بها والتحذير من خطورتها واجب كل انسان وطني يعتز بتراث شعبه وتاريخه .
على مستوى العراق , قبل عام او أكثر بقليل , كان هنالك جلسه برلمانيه مخصصه لموضوع الانتهاكات التي تمت بحق آثار مدينة بابل على أيدي القوات الأجنبيه (البريطانيه والبولونيه والامريكيه),حيث وقعت العديد من التشويهات والتخريبات التي تتطلب ترميمها وإعادة ما سرق منها , وقد تم تشكيل لجان خاصة لمتابعة الموضوع , ومازلنا ننتظر ما ستفعله هذه اللجان .
و في تصريح صدر في حينه عن مديرة آثار بابل , الدكتوره مريم عمران, أكدت فيه بأن وزارة الدوله لشؤون السياحه والآثار قد شكلت لجنه لإعادة تأهيل المناطق الاثريه في عموم البلاد ومن بينها مدينة بابل وذلك لإزالة جميع الأبنية والتشويهات التي أضيفت اليها في زمن النظام البائد,ومن بين ما قدم من إقتراحات, إزالة الابنيه والإضافات والبحيرات الإصطناعيه . ونحن من جانبنا نتمنى أن يسري مفعول هذه المقترحات في عموم العراق لأن التشويه طال وما يزال يطال عموم الاماكن والمواقع الآثاريه في العراق, وفي نفس الوقت نطالب تجمع التنظيمات السياسية الكلدواشورية السريانية بتشكيل لجنة تكون مهمتها متابعة موضوع حماية معالم وآثار مدننا وقرانا من محاولات تشويهها والعبث بها.
وحسب تقرير الدكتور( إيرفينج) من المتحف البريطاني ,حول ما حصل للمتاحف والمواقع الاثريه في عموم العراقي, اليكم مقتبس من تقريره:
((كان يمكن إيقافها بسهوله (يقصد ايقاف عمليات التشويه والتخريب والسرقات), لقد كان متحف بغداد ضحية هجوم مخطــّط ومنظــّم بعنايه فائقه,فقد سرق اللصوص أغلب التحف والآثار الثمينه, وكانوا مجهزين بمعدات لرفع الأثقال التي عجز موظفوا متحف بغداد أنفسهم رفعها, وأكثر من ذلك, كانت معهم مفاتيح السراديب والاقبيه التي تم تخزين أهم وأندر الآثار فيها, مما يدلل أن اللصوص كانوا ينتظرون سقوط بغداد لتنفيذ جريمتهم )).
أما ما نــُقـِلَ عن المرحوم الدكتور دوني جورج ( مدير عام الاثار والمتاحف في العراق) قبل وبعد هروبه من العراق بسبب التهديدات التي تلقاها من جهات عديده. الرجل رحمه الله حمل معه الصور والوثائق التي تثبت وقوع جرائم سرقات منظمه للمتحف العراقي في بغداد مما يشير الى انها لم تكن سرقات ارتكبها اناس عاديون بل قد تم التخطيط لها عالميا, ويصف لنا المرحوم العالم الأثاري دوني كيف ان البوابه الاشوريه التي كانت في مدخل المتحف اصبحت هدفا للدبابه الامريكيه بحجة أختفاء مسلح وراءها, ويصف لنا ايضا كيف تم حرق الالاف من الوثائق والاوراق وتهشيم المئات من الألواح, اي انهم كانوا يحرقون ويحطمون كل شئ لم يستطيعوا أخذه.
يقول البروفسور جل ستاين,وهو أستاذ قسم الآثار في جامعة شيكاغو: إن سماسرة وتجار الآثار أوعزوا الى اللصوص المعروفين بدرايتهم الدقيقه بالأهداف والمواقع بوجوب إقتناص الفرصه وسرقة أهم القطع الاثريه,وهذا ما يؤكده الخبير ريمانيسكي الذي وصف السرقات بانها مخطط لها مسبقا من قبل القوات الامريكيه والبريطانيه .
أما رئيس الرابطه الامريكيه للأبحاث في بغداد,المدعو ماك جويير جيبسون,أكد بالدلائل على أن عملية سلب ونهب الآثار , وتشويه المتبقي منها هو عمليه منظمه مسبقا ومبرمجه خارج العراق وعلى أعلى المستويات.
ومن جامعة كامبريج البريطانيه أيضا , يؤكد الدكتور أونيل برودي, بأن المنظمات الثقافيه والآثاريه سبق وأن حذرت من وقوع جرائم هذا النهب والسلب والتدمير للآثار ولزوم توفير الحماية اللازمه لها لكن لم يستمع اليها أحدا, وقد شدد على نفس الامر العالم الياباني المعروف كوشيرا ماتسويرا وهو أحد المسؤولين في منظمة اليونيسكو حيث قال بان مسؤولية ما حصل من سرقات وتدمير لآثار العراق تقع على عاتق قوات الأحتلال لانها تعمدّت في عدم توفير الحماية اللازمه للمتاحف والمواقع الاثريه.
و الامر الأكثر إثارة جاءنا من على قناة اسرائيليه,عشية شن الهجوم العسكري على العراق في نيسان 2003, حين كادت السيده اليهوديه( حايموفيتش) تطير فرحا اثناء تقديمها برنامجها وهي تقول: كم انتظرنا هذا اليوم الذي نرى فيه العراق تحت وابل القنابل والصواريخ وهي تدعو الطيارين وتتمنى منهم عدم ترك اي موقع اثري عراقي دون قصفه وتدميره لانه أخطر من اسلحة الدمار الشامل حسب تعبيرها, ثم أثناء ذلك قدمت للمشاهدين مهندسا إسرائيليا مختص بالعمران, ليعبر عن فرحته وفخره لانه تبرع بتقديم خرائط مفصله عن الأماكن الاثريه العراقيه للقوات الامريكيه.
هذا غيض يسير من من فيض دلائل سوء نوايا الغزاة وضغينتهم التي لا يشفي غليلها سوى تدمير الاثار وتشويه معالم كل شئ تاريخي و اثري يثبت ان للعراق مكانه الثقافي والحضاري في الأمم.
في الختام نقول ,يجدر بكل عراقي وطني وبلده يمر في فوضى عارمه وأزمات متفاقمه ,أن يحذر أهلنا ويحثهم على التصدي للمساعي التي تستغل الوضع المرتبك في تنفيذ مثل هذه التشويهات و تمرير مخططاتها عن طريق خداع البسطاء وإستغلال الأنتهازييين, ولا يستبعد أن تكون عراقة بلدة القوش وثقافة اهلها الوطنيه ومكانتها القومية والدينيه التاريخيه المعروفه سببا يدفع بالاخرين الى تشويه مواقف مناضليها وتحوير معالمها وتراثها وتغيير ديموغرافيتها , لكن الاحداث أثبتت إن أهلنا في القوش واعون بما يجعلهم قادرون على كشف النوايا التي تستهدف هوية وتاريخ بلدتهم العريقه .
اليوم سيتم في ألقوش إفتتاح نصب المناضل توما توماس .
(( مبروك للعراقيين إفتتاح هذا النصب في بلدة القوش ))
الوطن والشعب من وراء القصد