اليمن السعيد أم الشيعي
تتصاعد إحتجاجات الحوثيين في اليمن وتتقدم مجموعات منهم كبيرة في محاور عدة من البلاد لإحداث المزيد من الضغط على حكومة هادي التي قدمت التنازل تلو الآخر دون جدوى بعد إعلان زعيم الحركة الحوثية عن خطوات تصعيدية لتنفيذ كل المطالب التي لم توفق الحكومة بحسبه من تحقيقها حتى اللحظة، في المقابل فإن دعما شعبيا ورسميا حصل عليه هادي من جماعات سياسية ودينية وقبلية نتج عنها مواجهات عنيفة بينهم والحوثيين في مدينة الجوف، وأسفرت عن قتلى كثر لكنها أنتجت معادلة مختلفة. فبرغم القصف الجوي العنيف، والحشود التي دعمت الجيش النظامي إلا إن عناصر الحوثيين سيطرت على مديرية الجوف، وتمكنت من فرض حضورها بشكل واضح في مناطق عدة قريبة من العاصمة صنعاء، أو متصلة بها.
مساعدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب أدانت الحشود الحوثية التي وصلت حد محاصرة العاصمة، ومن ثم التغلغل فيها والوصول الى قلبها ثم نصب خيام الإعتصام عند وزارة الداخلية ووزارتي الإتصالات والكهرباء، وربما تمثل الإدانة الأمريكية دعما للرئيس هادي، لكنها قد تثير سخطا شعبيا يرى في النظام اليمني تابعا للأمريكيين والسعودية الحليف الإستراتيجي لواشنطن في المنطقة، وهو مايفتح أبواب جهنم على اليمن الفقير والمضطرب منذ سنوات طويلة، ولايمكن فصل الدعوة السعودية لنائب وزير الخارجية الإيراني لزيارة الرياض، وإستقبال الأمير سعود الفيصل له في منزله، عن التطورات الأخيرة في اليمن، فالرياض تعد صنعاء عاصمة ثانية لجزيرة العرب، ولايمكن التفريط بها تحت أي ظرف، بينما تبدو صنعاء مدينة محاصرة ومهددة بالسقوط تحت سطوة الحوثيين الذين ربما يغيرون شكل الدولة اليمنية المعروف، ويحكمون قبضتهم على السلطة، ويثيروا المواجع للسعوديين،وتكون الخاصرة الجنوبية مكانا موجعا في جسد مهدد من حدود مختلفة، لكن الإيرانيين حذروا هادي من أي رد فعل عنيف ضد الحشود الحوثية، وهو مارفضه هادي، وطلب من طهران عدم التدخل ودعم فصيل بعينه.
لايبدو إن الحوثيين في معرض التراجع عن مواقف معلنة، وأخرى تنتظر الإعلان مع تطور الأحداث لصالحهم، ولممارسة المزيد من الضغوط بهدف محاصرة مؤسسات الحكومة بالكامل، فهم يعلمون جيدا عدم قدرة المجتمع الدولي على التحرك في هذه المرحلة العاصفة، والإنشغال بمواجهة تنظيم داعش، والصراع في أوكرانيا، وحجم التحديات الإقتصادية التي تواجه الغرب عموما، وهو مايرجح إمكانية نجاح الحوثيين في تحقيق مكاسب كاملة على الأرض، وتغيير المعادلة السياسية في اليمن، والسيطرة الكاملة على صنعاء، أو على الأقل تحقيق العديد من المطالب التي كانت محط خلاف دائم بين الحوثي والسلطة.
ليس واضحا ماإذا كان اليمن سيكون دولة شيعية صاعدة، لكن وفي كل الأحوال لايمكن إغفال إن نجاح الحوثيين، وتصاعد نفوذهم في هذه الدولة الفقيرة والممزقة سيكون عاملا مساعدا في تغيير شكل اليمن وشبه جزيرة العرب والشرق الأوسط مع دعم إيراني كبير، وصراعات إقليمية، وحتى عربية كصراع الدوحة والرياض الذي سيوفر للحوثيين القدرة على المزيد من النجاح في المرحلة المقبلة. والسؤال هل ستوافق طهران على إنعاش الجسد السعودي المتهالك، وماهو الثمن لو وافقت طهران على مطالب الرياض وتوسلاتها؟ سنرى ذلك قريبا.