انتخابات 7/3 /2010 ستضع النقاط على الحروف ديمقراطيا
سعيدة هي البلاد التي ليس لها تاريخ .. هذا ما يقوله المثل الداينماركي . الحقيقة للوهلة الاولى لم اعر اي اهمية تذكر لهذا المثل ولكن خبرات الشعوب وتجاربهم لا يمكن الاستهان بها فالايام يوم بعد اخر تثبت لي صحته .نعم التاريخ وان كان ماضي لكنه يتحكم بمستقبل البلدان والافراد . فالعراق وبعد الاف السنين لايزال يطلق عليه بلاد وادي الرافدين او بلاد مابين النهرين ولا زلنا ورثة حمرابي واحفاد اشور , وبابل لازالت بوابة العراق, نهاهيك عن العصور اللاحقة وما جرته علينا من ويلات .اذن العراق تحصيل حاصل لتاريخ طويل بكل حسناته وسيئاته ولا يمكن ان ننسلخ عنه ابدا . ولهذا التاريخ تبعات لا يمكن ان نمحيها لا من الحياة اليومية ولا من الذاكرة الجماعيه وبما ان هذا التاريخ ثقيل وله تأثيراتة على كافة الشعوب ولو نسبية , لكن تأثيره على العراقيين كبيرا جدا , فحسناته هو اننا من صنع هذا الارث العظيم و هو الذي جعل للعراق مكانه مميزة بين دول العالم , كانت ولا تزال محط اعجاب الجميع وغبطهم له ولشعبه بنفس الوقت ! وسيئاته هو انه اضفى علينا بتركيبة عجيبة غريبة اصبحت صفة لنا الا وهي لا يعجبنا العجب ولا الصيام برجب ! فالحضارات المتتالية في العراق لا تزال مفرداتها الثقافية متداولة بين العراقيين بوعي منهم او بغير وعي كل حسب انتمائه فنجد البابلي والسومري والاشوري والنينوي والاكدي الخ ..وهذه المفردات الثقافية ومن مختلف الحضارات شكلت نفسيات مختلفة للشعب العراقي واضفت عليهم الصفات الخلقية والاخلاقية التى من الصعب ان تعمم على جميع العراقيين ولكن لله الحمد تركت ايضا بيننا قواسم مشتركه لا تعد ولا تحصى منها ان الشعب العراقي اليوم من الصعب ان يحكم بسهولة رغم كل اساليب الطغاة المنصرمين ومن ثم من الصعب ان ترضيه او الضحك عليه فهو يتمتع بسرعة البديهيه وفهم المقابل مهما كانت اساليبة ملتويه اضافة الى انه حساس الى ابعد الحدود ولا يحب ان يجرح الاخرين .وعليه فما يحصل في العراق اليوم من قبل الاحزاب بأتباعهم مختلف الوسائل والاساليب لاقناع العراقيين ببرامجهم الانتخابيه ومن ثم كسب اصواتهم باعتقادي ستكون النتائج غير متوقعة وستذهل الداني والقاصي استنادا الى ما ذكرناه فالعراقي بالفطرة وبالتركيبة التاريخية سينبذ كل من يعتقد انه لا يعرف ان يميز بين الصالح والطالح .
فالعراق اليوم هو تحصيل حاصل للتاريخ وللفلسفة معا .نعم للشعب العراقي اليوم فلسفته في معرفة الحقيقة التى بها سيهزم الفساد والظلم والانتهازية وستعرف الساحة العراقية اكبر تحدي لاثبات الوجود فبهذه الانتخابات سنكون او لا نكون .سنضيف للتاريخ سطرا ذهبيا او سيركلنا في سهلة مهملاته, هذا ما سنراهن عليه وسيشهد العالم ولاده حفيد اروع تاريخ حضاري الا وهو بلد عراق الديمقراطيه و سيلفظ كل من اراد له ان يكون متناحرا بمسميات ما انزل الله بها من سلطان مرة بأسم الطائفيه واخرى بأسم الحزبية وثالثه بأسم القومية ورابعة مهددين بها .
فتاريخ العراق اذن لا ينصف العراقيين اذا اخطئو اليوم ولم يثبتو وجودهم في هذه الانتخابات .ناهيك عن شماتت الاعداء وحزن الاصدقاء . فأخطاء العظماء لا تقاس بمقياس اخطاء الجهلاء وتصرفات العلماء ليس كتصرفات البسطاء لان تاريخ كل واحد منهم يحتم علينا ان نفرق بينهم وبين غيرهم و من ثم كيف يجب ان نحكم عليهم في نهاية المطاف . فتاريخ الشخص اذن هو الذي يجعل منه عظيما او فاسدا واستنادا الى تاريخه سنرفع من شانه او ننبذه , فالتاريخ اذن هو مقياس الحاضر , ولولا تاريخ العراق الذي جعل منه ان يكون عظيما لكان اليوم اكثر سعادة بأن يدع الامور تجري على ما هي عليه وها نحن نرى ونسمع كيف تتحرك الائتلافات والاحزاب والشخصيات لاقناع العراقيين بأنتخابهم فأجتهدو في صياغة برامجهم واعلاناتهم الانتخابية وسنرى هل التاريخ له دور في وعي العراقيين ام اننا نعيش اوهام الماضي .
فالمثل الذي ذكرناه والذي يؤكد على سعاده البلدان التي ليس لها تاريخ يتحكم بمستقبلها ويححد معالمه ! يعني ان التاريخ هو من يصنع الشعوب والعظماء او المجرمين والطغاة !وعليه تتشكل سعادة او تعاسة البلاد وكافة افعالهم .
التاريخ اذن سلاح ذو حدين اذ يمكن ان يرفع الشخص ويجعله ذكيا او العكس يجعل منه غبيا لا نفع منه , مصلحا او فاسقا , ولهذا يقول الفيلسوف Bertnard Russel الانسان يولد جاهلا وليس غبيا ولكن تعليمه يجعل منه غبيا ! نعم التعليم هو الذي يرفع او يحط من شأن الافراد . ولتعليم وتربية طفل ما , نحتاج الى بلدة كاملة حسب مفهم الدراسات الحديثه في علم التربية .
بمعنى ان تربية الطفل هي حصيلة تربية البلد بكاملة اي المجتمع من يعلمه ان يكون من سيكون وبكافة مؤسساته الاجتماعية والعلميه والاعلامية والاسريه ناهيك عن ميوله واهتماماته . بالاضافة الى الذاكرة الجماعية التى سيكون لها اليد الطولى في التربية العامة وبهذا ستكون تربية الطفل وتشكيل اخلاقياته المستقبلية تحصيل حاصل لاخلاقيات البلد باكملة .
اذن الاساليب والطرق والمعلومات التى نعلم ونغذي بها اطفالنا هي التي تجعل منهم اغبياء او اذكياء كل حسب تربيته .
لابد للاشارة هنا ان التعليم هو ضخ كم هائل من المعلومات بغض النظر عن ان هذه المعلومات ستنفع الطفل في المستقبل ام لا . اما التربية هي تجسيد ما تعلمه الطفل على شكل افعال , فمثلا نعلم الطفل مفهوم الديمقراطية لكن نربيه ان يكون ديمقراطيا بممارساته وافعالة وتصرفاته التى تجسد مفهوم الديمقراطية كالحوار المتبادل واحترام الرأي الاخر والاعتراف بالخطأ وما الى ذلك .
فالتعليم اذن اسهل من التربية ولكن لا تكون تربية بدون تعليم ومن هنا ارتبطت اكثر وزارات التعليم في العالم بمفهوم التربية .
وعليه لكي نعرف ان نحكم على تصرفات العراقيين وافعالهم في الوقت الحاضر لابد ان نتعرف على الفترة التي عاش وتربى عليها الشعب العراقي خلال حكم الصنم المقبور.
وسأوجز الحالة المنصرمة بهذه الاسطورة , التي تحكي قصة بلد عاش شعبه بكل بساطه قانعين بما قسم الله لهم احبوا العمل وعشقوا مهنهم وانتجوا وانجبوا وتمتعوا بحياة شبة هادئة وان لم تكن هي الحياة التي يصبون اليها بالرغم من خيرات البلد التي لا تعد ولا تحصى , وكان حاكمهم جاهلا متعجرفا قليل الخبرة وعديم الحكمة , ظالما لا يحبه الناس , كرس الشعب والخيرات لخدمته وخدمة عشيرته , لكن الوقت لم يحن بعد لابعاده خوفا من ردود افعاله وافعال الجهلاء من هم ضمن حاشيته , فأخذ يتحكم بالبلاد والعباد وحسب ما يحلو له معتمدا مبدء التجهيل والاقصاء بين ابناء البلد .
وذات يوم اشيع بين ابناء البلد من خلال حاكمهم بوجود غول على مشارف بلدتهم يتربص بهم في كل شاردة و واردة وازداد الطين بله واصبح الشعب محاصرا بغول من الخارج وجاهل من الداخل وبدل ان يستقطب الحاكم اصحاب العلم والمعرفة للتدبير والتفكير في طرد او القضاء على هذا الغول المفتعل, ذهب وكعادته للاستعانة بمن هم اغبى منه الا انهم اكثر حيلة وتدجيلا و خبثا .
فالتجأ مستعينا بأحدى الساحرات و طلب منها ان تخلص بلاده من هذا الغول ! ان كان حقا غولا او وهما . فأخبرته بأنها لا تستطيع ان تخلصهم من هذا الغول لكنها تستطيع ان تخلق غولين من رجاله لهم القدرة على مواجهه الغول الخارجي وهنا باتت البلدة على غول واصبحت على ثلاثة اغوال !
وعاشت البلاد في خوف ورعب ودعمار نتيجة صراعات هذه الاغوال وترك الشعب العمل و التعليم وكافة الامور الاخرى وبأسم هذا الغوال الوهمي تمت تصفية كافة اعداء الحاكم ومن لا يرغب بوجودهم وتركت الامور تجري على أهواء الاغوال وانقلبت الامور رأسا على عقب واختلطت الاوراق وتغيرت المسميات والمفاهيم وهاجر من هاجر وتصدى من تصدى وقتل من قتل وضاعت الحقوق وترملت النساء وتشردت الاطفال والشباب معا , وشلت قدرة العلماء الى ان شاء القدر ان يأتي من يخلص البلاد من شر هؤلاء الاغوال حينها لم يفكر الشعب بهذا المخلص من ومن سيكون وكيف جاء وكيف سيتعامل معه .
كان همه الاول والاخير هو القضاء على هذه الاغوال الجاثمة على صدره , فأحتضنه الشعب متفائلا على اساس هو من سيخلصه من هذه الاغوال ولم يكن يعرف انه رمى نفسه في وكر من الاغوال ... وهذا يعني ان الشعب كان غائبا عن الوعي من جراء ما فعلته به تلك الاغوال .
هذه هي اسطورة الشعب العراقي وغفلته الزمنية التى عاشها , ولكن اليوم وبعد كل هذه السنين والعذابات والاغتيالات نجد الشعب العراقي يصحوا من هذه الغفلة وبدء يعود لحياته الطبيعية وقراراته السليمة معتمدا على انه ابن حضارات كان لها شأنها ولا تزال .
وها هو عرس الانتخابات الرائع والصحوة العقلانية لكل الشعب العراقي الامر الذي اربك المرشحين وجعلهم يتخبطون في افعالهم واقوالهم فالمهاترات والمماحكات والتصريحات والمشادات والاتهامات والتلفيقات فيما بينهم جعلتنا نعرف ما هي نواياهم الحقيقية ومن هو الذي فعلا سيكون على مستوى عالي من المسؤلية ويستحق ان يكون ممثلا لابناء شعبه ومن هو مأجور ودخيل لأعاده الظلم والاضطهاد وخنق الحريات واشاعة التفرقة بين ابناء الشعب الواحد .
فالعراق تاريخ وتاريخ لا يمكن ان نقفز فوقه وان كانت غفلته قد طالت نسبيا الا ان الشعب لازال حيا وذاكرته اقوى مما يتصورها اعدائه فأهلا بيك يا يوم الانتخابات وقرة اعين كافة العراقيين وسعادة الاحرار و المحرومين يامن ستضع النقاط على الحرف ويتوج بك العراق ديمقراطيا .