Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

انتصارات ثمينة سجلت بالدم فهل تستثمر؟

 

في ظل الظروف العسيرة والإحباط الشديد الذي تسبب به عملاء إسرائيل في الجيش بتسليم ثاني مدينة في العراق بلا قتال إلى الفرقة الإرهابية الإسرائيلية المسماة "داعش"، والدوار الذي يغشوا الرؤوس بتأثيرها، علينا أن ننتبه أن هناك انتصارات تتحقق أيضاً، وأنتصارات لا تقل حجماً عن تلك الهزيمة، وأعني بها ردع الإرهاب الإسرائيلي عن "تلعفر" و "سامراء". 


بالتأكيد ليست سامراء وتلعفر مجتمعتان، بالحجم الذي يقارن بالموصل، إلا أنهما أكثر خطورة منها لسلامة العراق لعوامل مذهبية حساسة يمكن أن تحدث تداعيات كبيرة وخطيرة قد تكمل الطريق إلى حرب أهلية لا يعرف أحد مداها. 


فـ "تلعفر" مدينة مختلطة تسكنها أغلبية شيعية، إن هي سقطت بيد داعش، فلن توفر هذه العصابات التي جمعتها إسرائيل من الدول الساقطة والساقطين، الفرصة لقتل الآلاف من سكانها، ليس دفاعاً عن السنة أو انتقاماً لهم كما لا يصدق أحد، بل لتكمل الخطة الإسرائيلية المكلفة بها: إشعال الحرب الأهلية في العراق. أما في سامراء فمن المؤكد أن تلك العصابة لو انتصرت فسوف تلجأ إلى إعادة تفجير مرقدي الإمامين العسكريين كما فعلوا من قبل مكررةً محاولتها السابقة للفتنة، والتي لم تنجح بفضل فهم الشعب العراقي ومراجعه للمؤامرة ووأدها في مهدها. 


إن أردنا النصر على الإرهاب حقاً فإن هذه الإنتصارات يجب أن تدعم وأن تثبت وأن يتم الحديث عنها بأكثر مما يتم الحديث عن الهزائم، وأن تكون روحها هي التي تسيطر على الجو العام في البلد، وأن تكون عامل جمع وتوحيد مثلما كانت الهزائم عامل تفرقة وشقاق، كما أريد لها أن تكون. 


ومن الناحية الأخرى فإن محاسبة العملاء الكبار في الجيش (وغير الجيش) ضرورة قصوى لإعطاء الثقة لمنتسبي القوات المسلحة وللشعب أيضاً بأن من يخونه ينال جزاءه قاسياً مدوياً، وبأننا في مرحلة جديدة يدفع العملاء فيها الثمن وليس كما كانوا يتمتعون بحصانة لا نعلم من اين تأتي ولا أين تذهب، وكل ما يحدث لهم هو الأكاذيب والكلام الحماسي المجاني ولجان تحقيق مكلفة بتضييع الوقت ودفن غضب الناس في النسيان. إن من يريد للعراق النصر في هذه المعركة يجب أن يبين للشعب جديته وأن تقطف رؤوس عفنة وتكشف رؤوس عفنه أخرى تقف خلف تلك القيادات. 


لقد أفلت الشعب العراقي من مذبحة الحرب الأهلية حين فوت أبطاله في الجيش الفرصة وأفشل احتلال تلعفر وسامراء، ولنا أن نحتفل بذلك، ولكن علينا أيضاً أن لا نتخاذل ونعطي فرصة لخندق إسرائيل وعملائها للضرب بمحاولة ثانية، فليس "في كل مرة تسلم الجرة"، فإن تركت القيادة الفرصة لمحاسبة هؤلاء وكشف امتداداتهم ومحاسبتهم باقسى العقوبات تفلت من يدها فإنها تضع نفسها في موقف الإتهام ذاته، وليس من مقدس أمام سلامة العراق وأهله. 


لقد كرر المسؤولون تجاهل الإرهاب وتركه يفلت في كل مرة، ولم يحاسبوا حقاً، ولم تسقط رؤوس عندما سقط أبو غريب، ولا جرى التحقيق بالقوة المسؤولة عن حماية مدينة عنه وهي تتعاون مع الإرهاب وتترك له الفرصة كاملة ليكمل مهمته ويرحل قبل أن تتظاهر بمطاردته التي لم تنجز شيئاً بالطبع. ولم تمد يد المساعدة ولا حاصرت الإرهابيين وهم يشتبكون مع سكان مدينة عنه. وتكرر  نفس الحال في الفلوجة والأنبار، ورغم تكرار نداءاتنا فإن تلك العصابة المتغلغلة في أعلى السلطات الأمنية تمكنت دائماً من الإفلات دون حساب. وليس في القاء القبض على عملاء داعش أية قضية مذهبية طائفية، بل قضية مواجهة بين الشعب العراقي وفرق الموت المدربة في إسرائيل ومناطق عملائها في العراق وغير العراق. ولاكذلك هناك اية قضية مذهبية في محاسبة العملاء منهم داخل القيادات العسكرية فالمجموعتان فريق واحد ذو جناحين متعاونين تنسق عملهما السفارة الأمريكية في بغداد، لحساب إسرائيل، وتعمل على حمايتهما بمنعها حصول العراق على الأسلحة ومماطلة تنفيذ العقود وإغراقه بسيل لا نهاية له من الأكاذيب عن رغبتها في دعمه وفي قصف الإرهاب، وهي التي دربته وهي التي حمته وهي التي دعمته بصراحة متناهية الوقاحة في سوريا حتى أن جنودها الشرفاء رفعوا شعارات "لا نريد أن ندافع عن القاعدة"! ولم يكونوا يعلمون أن قادتهم يحركون خيوط القاعدة وأن هدفهم تدمير هذه البلدان لصالح إسرائيل. 


لنكف نحن عن بلاهة تسمية أميركا بالصديق و نتحدث عن "إتفاقية صداقة"، فليست أميركا إلا خادم مطيع لإسرائيل ومن يقول بغير ذلك يخدع نفسه. ولم يكن لأميركا يوماً للعراق أو العرب غير العداوة والإبتزاز والأذى والمؤامرات المدمرة. فهي التي خلقت البعث وصدام ودفعت به إلى الحروب تلو الحروب حتى حرب الكويت ودافعت عنه وحصنته من الحساب الدولي حول حلبجة وغيرها، ولم تأت لإزاحة كلبها إلا لأنها ارتأت أن الطبخة قد نضجت، وأن ذبح الضحية بيدها مباشرة قد حان وقته، ومنذ ذلك الحين والدماء تسيل من رقابنا، فإلى متى يلوك الساسة والإعلاميون المأبونون بكل حريتهم ، الحديث المضلل عن "صداقة" من يبرهن مرة تلو مرة أنه مقسم على القضاء علينا؟ وإلى متى يتم السكوت عن هؤلاء؟


علينا ان نحتفل بانتصارنا في تلعفر وسامراء ودرء الحرب الأهلية يوماً آخر، وأن نحرص أن لا يفلت المجرمون هذه المرة. فإن لم نفعل فأن حلول الكارثة مسألة وقت، ومهما انتصرنا في معاركنا وسقط الشهداء، فسيأتي اليوم الذي نهزم فيه مادامت الفرص تمنح بلا حدود. العملاء الذين تسببوا في كارثة الموصل هم من ذات الجهات التي استمات السفير خليل زاد في الضغط من أجل إدخالهم القوات المسلحة، بجهوده المباشرة وبواسطة "سافلنا" كما أسماه الأمريكان، أياد علاوي وكتلته من عديمي الكرامة من النواب المنبطحين له ولأسياده الذين يقبلون أن يتلقوا الأوامر بالتلفون. إن مسؤولية أميركا عن الكارثة واضحة لا تخطئها إلا أعين المنافقين. فهي وحلفها العدواني الإجرامي (الناتو) هي من درب هذه القوات بكلفة مهولة دفعها العراق الذي يحتاج إلى كل دولار. فأما أنهم لم يدربوا الجيش جدياً عن عمد ليهزم أمام عصاباتهم، أو أنهم زرعوا في قيادته العملاء ، وأنهم يأمرونهم أن يفسحوا المجال لداعش هذا اليوم. وفي كلتا الحالتين فأن عدو العراق من صديقه واضح وضوح الشمس!


هؤلاء الأعداء كما هو واضح، لن يركنوا للإستسلام والسلبية وهم كثر. ويجب أن تكون الأعين مفتوحة على أية مؤشرات تفضحهم ولا يتم تجاهلها ككل مرة. أنتبهوا بشكل خاص لمن يصعد بقوة في الإعلام ويكثر التلفزيون من تقديمه كبطل فوق العادة، أو يتظاهر بالحماس البالغ للحرب، ولمن يستعمل أسلوباً يستثير العداء الشديد والتوتر أكثر مما يتطلب الموقف أحياناً. أمثال هؤلاء يفضحهم نقص خبرتهم في التمثيل، فهذا يتطلب تدريباً طويلاً. وانتبهوا لمن تشعرون أنه يتكلم بين السطور ضد السنة بحجة داعش وضد الشيعة بحجة إيران. فرغم أن الفرق واضح بين هؤلاء وأؤلئك، لكن من يعرف السياسة يعلم أنه ليس من المستحيل أن يقول المرء كلاماً ليوصل آخر، كما أنه ليس من المستحيل استثارة الناس ضد جهة معينة، ثم تحويل تلك الإستثارة بعد شحنها طويلاً، بحركة واحدة نحو جهة أخرى باتهامها بالتعاون أو التآمر مثلاً. يجب أن لا نتوقع أبداً أن يستسلم هؤلاء بسهولة، بل نتوقع مبادرات قوية ومبدعة بقدر ما هي شريرة وحقيرة الهدف. الفكرة الأساسية هي أن يقطع رأس الأفعى في أول فرصة يظهر فيها، وإلا كتبنا على نفسنا النهاية. 


لقد أبدى الكثيرين شيعة وسنة ارتياحهم لمبادرة السيد السيستاني واعتبروا أنها قد سحبت البساط بتوجهها غير الطائفي إلى العراقيين، من عملاء الموساد من داعشيين وغيرهم. وبذل السيد ما يستطيع لكي تفهم فتواه كذلك، حتى أنه دعا إلى إزالة صوره ورفع علم العراق مكانها، في انتباهة حكمة رائعة. لكن هؤلاء لن يتركوا الأمر دون أن يسعوا من خلال الإستثارة التي تفقد مستمعها التوازن والهدوء، إلى تحويل تلك الدعوة إلى شرارة للحرب الأهلية، وبالفعل فأن البعض من السنة ينظر بقلق وأمل، إلى ما سينتج عن تلك الفتوى، وكيف سيفهمها من دعيوا للجهاد من خلالها، وإن كانت ستجير من قبل البعض لعكس ما هدفت إليه. إن اكتشاف هؤلاء "البعض" لن يكون سهلا، لكنه ليس مستحيلاً إن فتح الشعب عينه. ولو أننا فقأنا عين كل من كشف نفسه لكان الأمر اهون بكثير اليوم. 


أمامنا أول فرصة لإثبات إن كنا تعلمنا الدرس أم لا، وإن كانت قيادات العراق جادة في إنقاذه. فعملاء الجيش المسؤولين عن كارثة الموصل اليوم معروفين بالإسم والعنوان ولا يجب أن يسمح بترك الموضوع يمر كما مرّ غيره، وإعطاء الإرهاب الضوء الأخضر ليضرب ثانيةً وهو مطمئن على سلامته مثل كل مرة، وأن رفاقه في المناصب الأمنية العليا سوف تتمكن من تخليصه إن تم الإمساك به. 

لو أن رؤوس التجحفل العسكري عند مدينة "عنه" قد حوكمت حين تركت القاعدة تفر، وحكم على المسؤولين بحكم قاس يتناسب مع الجريمة، لما تجرأ عملاء الموصل أن يقوموا بخيانتهم السافلة بهذا الوضوح والصراحة. الخطأ القادم سوف يسقط بغداد ذاتها، فإن سقطت بغداد أو دخلت بعض أحيائها هذه الحشرات السامة، يكون كل شيء قد ضاع، وسنرى في بغداد ما رأيناه في صور فجيعة سوريا، وسيكشف الإرهاب الأمريكي أنيابه وكل منظماته التي زرعها في العراق خلال سنين وجوده الأسود، وقج يغير خطابه السياسي بانقلاب تام إن تطلب الأمر، كما فعل مع صدام حين تبدل خطاب الإدارة الأمريكية فجأة من تشجيع صدام على دخول الكويت بادعاء الحيادية، إلى اشد المواقف تصلبا بعد أن سقط الفأر في المصيدة، ولم يعد يستطيع ان يقاوم. وإن كان لسوريا جيش واضح الإنتماء ونظيف، فإن جيشنا الذي أسس بإشراف أعداء البلاد، موبوء بالعملاء في القيادات، مثلما هو مليء بالأبطال من ابناء الشعب، ولن يسهل تمييز هذا عن ذاك في غبار المعركة، إلا ربما بعد فوات الأوان. لقد أعطتنا الموصل الفرصة الثمينة لضرب الإرهاب، فلنستعملها، فلن تكون هناك فرصة أخرى بمثل هذا الوضوح. 


إن الإنتصار في تلعفر وسامراء يؤكد أن مازال لدينا من المخلصين ما نقاوم به خططهم، ودون ان ننفخ في أحدهم ونجعل منه إلهاً كالعادة. ومن أجل سلامة بغداد لن نخدع بمعسول الكلام والتظاهر بالعمل والممطالة ولن ينسى العراقيون هذه المرة، ولن يقفوا عند أي شيء ولن يسلم من محاسبة الشعب القاسية احد مهما كان منصبه، وليس من أحد فوق الشبهات إن هو تماهى أو ترك العملاء يفلتون مرة ثانية. لقد منح الشهداء الذين دافعوا عن تلعفر وسامراء بدمائهم، العراق فرصة ثمينة للنجاة، فلا تتركوا هذه الفرصة تمر كما مر غيرها، ولا تتركوا دماء الشهداء تضيع هدراً بذات التماهل والتخاذل والكذب الذي يتكرر كل مرة. إنها مسألة حياة أو موت بين الشعب بكل مذاهبه وأديانه من جهة، وخندق أعدائه المتربصين به من الجهة الأخرى. من يجامل أعداء الشعب مرة أخرى، ويستمر بمعاملتهم كـ "أصدقاء" أو "مخطئين"، ويصمت عن أكاذيبهم ويروج لوعودهم، يعلن أنه يقف في الخندق الذي يطلق الرصاص على الشعب، ويريد الموت له، ومن حق الشعب أن يدافع عن نفسه بكل الطرق الممكنة، ولا بد أن يفعل!

20 حزيران 2014 

Opinions