انتقاد واسع لقانون الأحوال الجعفرية: استغلّ مادة تخضع للتعديل.. وألغى ٥٥ عاماً من التعايش
اتهم نواب وقضاة وناشطون مدنيون، وزير العدل حسن الشمري باستغلال مادة دستورية خاضعة للتعديل وهي في الأصل محل خلاف بين كبريات الكتل السياسية، في إعلانه إعداد مسودتي قانون "الاحوال الشخصية الجعفرية"، و"القضاء الشرعي الجعفري"، معتبرين ان الشمري يغازل "طائفة معينة" مع اقتراب موعد الانتخابات.
وانتقد هؤلاء توقيت اعلان مسودتي القانونين، وقالوا ان البلاد بحاجة الى "التوحد" لا الى "التفرقة"، مشيرين الى ان القانون النافذ حاليا فيه الكثير من المواد الجعفرية من اصل نحو ٩٠ مادة.
ومعلوم أن أول قانون للأحوال الشخصية في العراق والذي يحمل رقم 188 صدر عام 1959، واستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، مازجا بين فقه المذاهب الإسلامية من دون تحيز، إلا أن القانون لم يبق على حاله بل طرأت عليه تعديلات كثيرة، كان أولها عام 1963، ثم توالت التعديلات في السبعينات والثمانينات، وأضيفت بموجبها مبادئ جديدة، أغلبها ينصف المرأة.
وعلى عهد مجلس الحكم الانتقالي، صدر القرار 137 من مجلس الحكم الانتقالي الذي تولى جانبا من إدارة العراق عقب سقوط صدام حسين عام 2003، يقضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية ويعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا أن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في عام 2004 على إثر خروج مظاهرات جماهيرية واسعة ضده.
وقالت عضو مجلس النواب النائبة ندى الجبوري في حديث مع " المدى" امس ان "مؤسسات الدولة بدأت تعمل بشكل غير مترابط متجاوزة على الدستور والبرلمان"، مشيرة الى ان وزير العدل استغل "مادة دستورية خلافية" ليحاول تمرير القانونين.
واعتبرت الجبوري ان قانون الأحوال الشخصية النافذ في العراق، فيه الكثير من الاحكام "الجعفرية"، والعراقيون يعملون به منذ اكثر من 55 عاما بدون ضرر، فيما اشارت الى "عدم قدرة البرلمان على محاسبة وزير العدل لاستغلاله نقطة خلافية، لعدم وجود محكمة دستورية تفصل في الخلافات الدستورية".
وتنص المادة 41 من الدستور على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية, حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم, وينظم ذلك بقانون".
وذكرت الجبوري في تصريح لـ"المدى" يوم امس، ان "المادة 41 في الدستور كما هو معروف من ضمن المواد المختلف عليها في الدستور وتقع ضمن جدول أعمال البرلمان لتعديل المواد الدستورية، بموجب المادة 142 الخاص بتعديل الدستور"، مضيفة ان "المادة 41 لن تمرر الا عن طريق حزمة القوانين الخلافية دفعة واحدة بعد استنفاذ متطلباتها الدستورية من التصويت النيابي بأغلبية الثلثلين وعرضها على الاستفتاء الشعبي".
واوضحت الجبوري ان الكتل السياسية متوافقة على ان المواد الخلافية في الدستور لن تحل الا عن طريق "تعديل الدستور"، وهو الامر الذي لم يتحقق منذ سنوات، مشيرة الى ان تشريع قوانين مسندة الى مواد دستورية تخضع للتعديل امر غير صحيح.
ولفتت الى ان "وزير العدل استغل عدم قدرة البرلمان على اقتراح القوانين"، بحسب قانون صدر عن المحكمة الاتحادية، بحصر مقترحات القوانين بالحكومة، مضيفة "لكن الحكومة ومن خلال وزارة العدل استعانت بمادة دستورية خلافية لتشريع قانون يغازل طائفة معينة".
واشارت الجبوري الى ان "القوانين المقترحة من وزارة العدل لم تكن مطلبا شعبيا، ولم تخرج تظاهرات شعبية للمطالبة "بتشريع قانون الاحوال الشخصية الجعفرية"، ناصحة وزير العدل بالتحقيق في "هروب السجناء"، ومراعاة حقوق نزلاء المؤسسات العقابية، بدلا من البحث عن قوانين تفرق الشعب ولا تكون عاملا من عوامل "التوحد".
من جانبه قال العضو السابق في المحكمة الجنائية العليا القاضي منير حداد ان "قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ كامل، ويمكن للطائفة الشيعية والسنية ان تحتكم وفق القانون الحالي ولا حاجة لتشريعات جديدة".
وقال حداد في حديث مع "المدى" امس ان "قانون الاحوال الشخصية العراقي الذي وضع في عام 1959 من افضل القوانين التي تنظم الأحوال الشخصية في البلاد، مشيرا الى ان "الزعيم عبد الكريم قاسم هو من وضع القانون"، وان الحكومة الحالية بوصفها للقانون بالطائفي، يعني ان "عبد الكريم قاسم طائفي أيضاً"، متسائلا "لماذا تضعون نصب الزعيم اذن في وسط بغداد؟". واشار حداد الى ان من "وضع قانون الأحوال الشخصية النافذ هم من عمالقة القانون، وأنصف المرأة في الكثير من بنوده"، مشيرا الى ان "الاعتماد على القانون الجعفري سيضر كثيرا بالمرأة"، مرجحا ان "القانون لن يمر في كل الاحوال"، محذرا من انه في حال تمريره سيؤدي إلى تقسيم العراق.
الى ذلك يؤكد قاضي محكمة بداءة الديوانية كاظم الزيدي في تصريح الى "المدى" ان "اقتراح تشريع القانونين من قبل وزارة العدل تم على أساس المادة 41 من الدستور"، مشيرا الى ان "المادة الدستورية في الأساس خلافية، وتشريع القانون في هذا التوقيت سبب خلافات اكبر".
وقال إن "قانون الأحوال الشخصية النافذ، يجمع كل الاراء المتفق عليها بين المذاهب الفقهية الشيعية والسنية، ويتلاءم مع المجتمع العراقي"، مؤكدا أن "تطبيق المذهب الجعفري سيضر بالمرأة".
واشار الزيدي الى وجود "خلافات في قضايا المهر والميراث"، وراعى قانون الاحوال الشخصية النافذ بعض التغييرات في المجتمع لصالح المرأة مثل السماح لها بالبقاء في "بيت الزوجية بعد 3 سنوات من الطلاق"، وإعطائها المهر المؤجل في حالة الوفاة او الطلاق، وتحقيق عادل في قيمة المهر المؤجل مقارنة بالوضع الاقتصادي الذي تتم فيه حالة الطلاق.
ويستغرب الزيدي عدد المواد في قانون الاحوال الشخصية الجعفرية التي كشف عنها "وزير العدل في تصريحه الصحفي"، حيث قال الشمري ان "القانون يتكون من (254) مادة قانونية توزعت على خمسة ابواب وعدد من الفصول تناولت احكام الوصية والوصاية واحكام الزواج واحكام الطلاق واحكام الارث والاحكام الختامية والاسباب الموجبة"، فيما يقول الزيدي ان قانون الأحوال الشخصية النافذ يضم 92 مادة. وكشف القاضي أن "تشريع قانون الاحوال الشخصية الجديد، سيفرض بالضرورة بان تكون هناك محاكم اخرى يتم إنشاؤها فيها قضاة متخصصون للحكم في المذهب الجعفري"، مبينا ان "ذلك سيؤدي الى فوضى في تطبيق القانون، واختلافات في قضايا الزواج المختلطة بين السنة والشيعة". الى ذلك قالت وزير البيئة السابقة والناشطة النسوية نرمين عثمان لـ"المدى" إن "فرض قانون جديد بالاضافة الى القانون النافذ سيخلق عدم مساواة وظلم للمرأة العراقية"، مشيرة الى ان "لعب الوزارة على وتر ان القانون اختياري، لن يحقق المساواة في حصول المرأة على حقوقها"، لانه سيخلق حالة من الفوضى في تطبيق القانون، مشيرة الى ان "مجرد وجود قانونين في قضية واحدة دليل كاف على عدم المساواة".
واضافت ان "الناشطات النسويات كن يطمحن إلى إلغاء المادة 42 من قانون الاحوال الشخصية الى مادة اكثر حداثة ومدنية"، فيما تحاول الحكومة وضع قانون جديد لايتلائم مع "التطور والمدنية"، مؤكدة ان "القانون الحالي لا يجبر اي شخص على مباشرة حقوقه المدنية وفق طائفة معينة".