ايران – تُنتج الوقود أم تصنع القنابل
wadeebatti@hotmail.com
ربما يتفق الكثيرون في ان الهدف الأبعد من المغامرة العسكرية الحمقاء للادارة الامريكية في العراق كان كسر وتحطيم الاجنحة الايرانية , قدرة ونفوذا , بينما كان إسقاط النظام السابق في العراق وسيلة , ليس إلا , للوصول الى ذلك الهدف , كما خطط له جهابذة السياسة الامريكية وطباخوها المخضرمون الذين غاب عنهم ان كبر السن وضعف البصر يمكن ان يقودهم الى الخطأ في مقادير الوصفة وبالتالي الى فساد الوجبة . ان اغلب المحللين المنصفين يجد في ان النظام السياسي السابق في العراق , وبعد معركة الكويت تحديدا ودخول ذلك النظام في نفق الحصار , قد اضمحل دوره السياسي على الساحة الاقليمية والدولية واصبح هامشيا ولم يعد يشكل خطرا جديا على المصالح الامريكية , بل حاول ذلك النظام جاهدا بكل السبل تلبية المطالب الامريكية التي كانت في بعض الاحيان مرهقة بثقلها النفسي والمعنوي , كما في تفتيش القصور الرئاسية مثلا , املا في الحصول على فسحة للتنفس من اعباء تلك المرحلة. املنا كبير في ان لا يسارع , مرضى الحقد والغيرة والانتقام , وهواة الاصطياد في المياة العكرة , واصحاب الافواه المِعْوجة , فيشمٍرون عن سواعدهم ويستخدمون مواهبهم في إلقاء التهم , فنحن هنا نحاول معالجة الموضوع إستنادا الى العوامل الدولية , دون ان ننكر ان الوضع العراقي , داخليا , كان بحاجة ماسة الى التغيير بهدف اقامة دولة المؤسسات وحكم القانون على اسس مجتمع حر ديموقراطي يمقت القمع والتسلط والاستبداد ويتعايش فيه بوئام الرأي والرأي الاخر. وهكذا اعتقدت الادارة الامريكية ان خنق النظام العراقي السابق , كونه هدفا سهلا متاحا , يشكو اساسا من ضيق في التنفس , سيؤدي في افرازات نتائجه الى تقييد او تحييد في الدور الايراني الذي يزعج احيانا , بابتزازه الشره , المكاسب الامريكية في المنطقة , ومن المؤكد ان هذا التقييد او التحييد يستهدف على حد سواء القدرات المادية التسليحية التدميرية للنظام الايراني كما يحاول ايضا الحد من نفوذ هذا النظام في دول الجوار والمنطقة عموما .
اليوم وبعد مضي خمس سنوات على غزو العراق يبقى السؤال مشروعا , في مدى قدرة السياسة الامريكية من تحقيق هدفها الاستراتيجي والابعد المشار اليه اعلاه ! فعلى مدى هذه السنوات الخمس لم تتوقف القيادة الايرانية عن سياسة اعلان الاخبار السارة بين حين واخر حول نجاح تحققه هنا وهناك , سواء كان في برنامجها النووي , او في مجال الاسلحة البالستية و الصواريخ , اوفي المجالات التسليحية الاخرى , كما ان الدور الايراني في العراق تمكن وبنجاح من ان يكون هماً مزمنا , ترك الامريكان يصابون بسببه ( بداء الشقيقة ) , الى الحد الذي اصبحوا فيه بين نارين لاثالث لهما , فهم إما ان يُسلًموا العراق رسميا الى ايران, على طبق من ذهب , في احدى جولات الحوار بين الطرفين , او ان يواضبوا على تحمل ألم الرأس القاسي جدا , الذي من فرط هوله يفكر الكثير منهم في البحث عن اقرب جدار يضرب رأسه به فيرتاح ويُريح , لقد اثبتت احداث البصرة والجنوب وبغداد الاخيرة , ان ( الولاًعة ) ايرانية خالصة , صناعة واستخداما ,حيث النظام الايراني هو صاحب القرار الاول في توقيت زمان ومكان اشعال الفتيلة كما هو صاحب القرار الاخير في تهدئتها او إخمادها الى حين. أضف الى ذلك الاصابع الايرانية الواضحة البصمات في الملف اللبناني , حيث معضلة انتخاب الرئيس يمكن تسويتها بمباركة ايرانية , ثم الملف الفلسطيني في تحديد مصير العلاقة بين فتح وحماس , ناهيكم عن القدرة الايرانية في التحكم بجزء مهم من القطع المحلية في رقعة الشطرنج الافغانية . عندما كنا طلابا في المدارس المتوسطة والثانوية , اعتدنا على نمط من الاسئلة يتكرر في العديد من المواد , يطالب الممتحن بان يعدد العوامل ثم يختار احدها ليتكلم عنه ببعض التفصيل , وكتعبير عن الشوق لايام الدراسة نفعل اليوم الشئ نفسه , وها نحن بعد ان استعرضنا الملفات والعوامل باختصار , نختار الملف النووي الايراني في محاولة متواضعة لاظهار فشل المشروع الامريكي من خلال غزو العراق في كبح جماح الاهداف النووية الايرانية .
يقينا , يمثل امتلاك الوقود النووي الفاصلة الاهم في الطريق لبناء السلاح النووي , حيث بدون الوقود يكون الحديث عن الية الانشطار , لايتعدى كونه نماذج نظرية , كما يُصبح العمل في الصواعق ومعدات الانفجار مسألة عبثية . ربما يكون من المفيد التذكير هنا , في ان الحصول على الرادع النووي يتم عبر طريقين رئيسيين يستندان على تفاعلات الاندماج او الانشطار , هذا اذا اهملنا جانبا ماتسمى ( بالقنابل القذرة ) كونها لاتصنف رسميا ضمن الاسلحة النووية الاستراتيجية . ان النظام الايراني قد تخلى منذ البداية كما يبدو عن المحاولة مع تفاعلات الاندماج . ربما لمعرفته الاكيدة ان التمكن من تقنية هذه التفاعلات صعب للغاية , بسبب شروط تفاعل الاندماج البالغة التعقيد . ولذلك انصب جهد النظام على العمل في المسار الثاني , اي مع تفاعلات الانشطار. وهنا يُصبح اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239 المادتان العزيزتان الغاليتان على نفس النظام كونهما حشوة ( كُبًة ) قنابل الانشطار . ان الطريق للحصول على البلوتونيوم ليس معبدا بالورود , فأمام مفاعل ( أراك ) للماء الثقيل , الذي من المؤمل ان يُنتج البلوتونيوم ,عدة سنوات من العمل , كما ان تجميع قضبان وقود اليورانيوم المستنفذ , لاستخلاص البلوتونيوم منها في معالجة اضافية , تحتاج ايضا الى زمن غير قصير , ناهيكم عن ان الاعلان ( بالفم المليان ) عن النية في العمل على الحصول على البلوتونيوم , يعني الحرق الرسمي لاغلب اوراق المراوغة الهادفة لكسب الزمن , بدعوى ان البرنامج النووي مخصص للاغراض السلمية , حيث مع الرغبة في امتلاك البلوتونيوم تضمحل أُسيا الاهداف السلمية للبرنامج النووي . على هذا الاساس وجد النظام الايراني ظالته في العمل من اجل التمكن من تخصيب اليورانيوم , كون هذا الطريق يخدم اهدافه في الشقين , فمن جانب يكفل له حججا اقوى وزمنا إضافيا في المراوغة والمماطلة في الدعوى بان برنامجه النووي مخصص للاغراض السلمية, حيث الهدف من التخصيب يهدف , حسب الادعاءات الرسمية , الى انتاج وقود المحطات بنسبة تخصيب لاتتجاوز ( 3.5 الى 5% ) وهي نسبة بعيدة جدا عن النسبة المطلوبة لانتاج وقود السلاح النووي , ومن جانب اخر ولصعوبة السيطرة الفعالة واليومية المستمرة على عمل سلاسل اجهزة الطرد المركزي المتشعبة , من قبل مفتشي وكالة الطاقة الذرية , يمكن للخبراء والفنيين الايرانيين تحويرعمل هذه السلاسل ليخدم الاهداف الاخرى . ان مايؤكد هذا الاستنتاج هو الرغبة الايرانية العارمة في بلبلة ملف التخصيب وتشعيبه امام المجتمع الدولي بشكل عام والوكالة الدولية بشكل خاص , بحيث يصعب السيطرة على حيثياته وافرازاته. فمع ان ايران قد التزمت بمعاهدة مع روسيا الاتحادية تتعهد فيه هذه الاخيرة بتوفير الوقود النووي لمحطة ( بوشهر الذرية ) كما باعادة الوقود المستنفذ بعد ذلك الى روسيا , وفعلا تم لحد الان نقل دفعات من الوقود الروسي الى محطة بوشهر , لكن كل هذا يجري في وقت تصر فيه ايران على المضي قدما في برنامجها للتخصيب دون ان تُعير اية اهمية لدعوات المجتمع الدولي بايقاف ذلك , بل الانكى من ذلك انها ترمي في سلة المهملات كل العروض التشجيعية التحفيزية التي يعرضها المجتمع الدولي مكافأة لها لايقاف التخصيب , حيث ان الرئيس الايراني لايمل من التأكيد , في كل تصريح او مقابلة , في ان دعوة ايران للتخلي عن تخصيب اليورانيوم قد اصبحت جزءا من الماضي لايمكن العودة اليه , وان الهدف الموضوع الان امام البرنامج النووي الايراني يتمثل في نصب وتشغيل خمسين ألف ( 50000 ) جهاز طرد مركزي للانتاج الصناعي . لاندري لحد الان لمن ستصدر ايران الوقود النووي الذي تعتقد ان تصديره لايختلف كثيرا عن تصدير الفستق او الكافيار !
لقد زفً الرئيس الايراني الى العالم قبل اسبوع وجبة جديدة من الاخبار السارة , بالاعلان عن بدء العمل في تثبيت ستة (6 ) ألاف جهاز طرد مركزي جديدة , لتنضم الى ( 2952 ) جهازا هي تحت العمل منذ زمن , وفعلا نشرت بعض القنوات قبل ايام تايتلا في عناوين نشراتها المكتوبة يشير الى النجاح في تشغيل ( 292 ) حهاز جديد , وهي حتما من الستة الاف التي اُعلن عنها , ودخولها دورة العمل. كما ان الاخبار تشير الى ان ايران قد تمكنت من تطوير جهاز الطرد المركزي ( أي أر 2 ) وهو نموذج مقتبس من الجهاز ( بي 2 ) الذي قامت بتطويره شبكة العالم الباكستاني عبد القادر خان و هو اكثر تقدما من النموذج الاولي ( بي 1 ) , حيث يختلف ( أي أر 2 ) عن ( بي 2 ) كون هذا الاخير يُصنع من الفولاذ الخاص بينما ( أي أر 2 ) الايراني مصنوع من ليف الكاربون وتصنيع هذا الليف من الكاربون اكثر سهولة , ان التقارير تشير الى ان ايران قد نصبت فعلا ( 31 ) جهازا من اجهزتها المطوًرة ( أي أر 2) في مصنع اختباري سري في مجمًع ناتانز للتخصيب . ان الحسابات النظرية تقول ان ثلاثة ( 3000 ) جهاز طرد مركزي من النوع البدائي ( بي 1 ) , والمركبة على شكل سلاسل على التوالي والتوازي , حيث تتكون كل سلسلة من ( 164 ) جهاز , بامكانها الحصول على كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لتصنيع قنبلة نووية , خلال مدة تتراوح بين ستة واثني عشر شهرا , اذا تم تشغيل هذه (3000 ) جهاز بطاقتها القصوى . لقد اذهلت المراقبين حقا , الخطوة الصينية الاخيرة بالافشاء عن معلومات عن البرنامج النووي الايراني تقول الانباء ان الصين قد زودت الوكالة الدولية للطاقة بها , ويتضمن قسم منها معلومات عن الصواعق الخاصة بالتفجيرات النووية واجهزة التفجير الذاتي والمعدات الضرورية لذلك , حيث يقوم الخبراء الايرانيون بإختبارها. ان توقيت ( الخيانة الصينية ) في هذه الفترة يترك التساؤل مشروعا حول المغزى من ذلك , تُرى هل تم ذلك باتفاق ومباركة ايرانية , تهدف ايران من خلاله الى ارسال رسالة عاجلة , من خلال الصين , الى العالم تدعوه فيها لضبط اعصابه وضغط دمه, وهو في طريقه ليستقبل ( الانباء السارة الحاسمة ) ؟! أم ان الضمير الصيني قد استيقظ فجأة على وقعات وخزات التأنيب , كون جهد اساسي من البرنامج النووي الايراني قد تم بفعل الدعم الصيني , حتى ان اجهزة الطرد المركزي التي بحوزة ايران ذو منشأ صيني , فأدرك الان هذا الضمير الصيني مخاطر خروج المارد الايراني من قمقمه , وقرر ان يشي به طمعا في بعض الشعور بالراحة.
ان الرئيس الامريكي الاحمق جورج بوش الذي قرر تحطيم وتدمير بلد كامل , بذريعة القضاء على اسلحة الدمار الشامل التي لم يجد لها اثرا , نراه اليوم يتصرف بازدواجية لامثيل لها تسمح يإلصاق اقسى الاحكام الاخلاقية والقانونية عليه , حيث في الوقت الذي يرى امام بصره ألافا من اجهزة الطرد المركزي تدور وتعمل في ايران في تحدٍ صارخ لادارته وحلفائه , بينما لم يكن العراق يملك واحدا منها , نسمعه , اي الرئيس الامريكي , وهو يبعث على الملأ , بحمامات السلام الى ايران , فيُطمئنها ان لا نية باي عمل عسكري يستهدفها حتى خروجه من البيت الابيض و انتهاء ولايته , بينما يدعو احد المرشحين الاقوياء لخلافته , الديموقراطي اوباما, الى حوار جاد مع ايران مما يعني اننا على اعتاب مرحلة ( شاه بطراز جديد ), قد يكون مسلحا نوويا , سيضع المنطقة , والعراق في المقدمة , رسميا و احتفاليا , بين فكي كماشة المساومات الرخيصة الى ان يشاء الله امرا كان مكتوبا.
ليس غريبا ان نعيش تغييرا في السياسة الامريكية التي اعتدنا فيها على ان تتناوب صفات ( الصديق والعدو ) على الاخرين , تبعا لتغير الظروف وماتقتضيه ضرورات المصالح . لكنها حقا الطامة الكبرى , ان تتخلى السياسة الامريكية عن هدفها من تحطيم اجنحة الصقر الايراني , الى اعادة النظر في التصرف معه و احتوائه وتقاسم الغنائم معه , بروح اخوية , ومشاعر حب ومودة لم يعد خزينها يحتمل الاخفاء , وحان ربما موعد الافصاح والاحتفاء بها , اما الشامتين بالعراق بوضعه الراهن , من بعض اهل الخليج والاعراب , فعليهم بالفلفل الحار.