ايهما اكثر تعايشاً وتسامحاً مع المسيحيين سنّة الموصل ام شيعة البصرة ؟
habeebtomi@yahoo.noثمة بدهية تحققت على الأرض وهي نشوب صراع بين المسلمين وبقية البشر من غير المسلمين ، فإن كانوا ( المسلمون ) اقلية يثورون على الأكثرية ، وإن كانوا اكثرية يضطهدون الأقليات التي تعيش بين ظهرانيهم ، ويعالمونهم معاملة دونية وكأن هذه الأقليات هم اقل منهم في منزلة في سلم التطور البشري .
العراق منذ الفتح الأسلامي ( والفتح يختلف كلياً عن الأحتلال ، فالأحتلال مسالة وقتية ، لكن الفتح تعني جئنا لنبقى ) وهكذا اصبح العراق بعد الفتح في القرن السابع الميلادي دولة أسلامية ، ومن ديار الأسلام وبعد ان كان دولة مسيحية بسكانه وكناسه ومدارسه وأديرته . ومن بقي فيه من البشر على اديانهم الأصلية من مسيحيين ويهود ومندائيين عوملوا معاملة اهل الذمة .
والى اليوم فإن الملتزمين بالدين وذوي الأفكار الأصولية ، ينظرون الى علاقاتهم مع المسيحيين وغيرهم من الأديان بمفهوم احكام اهل الذمة وفي كل القياسات فإن هذه الأحكام هي احكام جائرة لا يمكن تطبيقها على البشر في الوقت الراهن ، حيث تتعاظم مفاهيم ومبادئ المساواة بين البشر على اختلاف الوانهم وأجناسهم وأديانهم ولغاتهم ، وتتعالى اصوات المنادين بتطبيق لوائح حقوق الأنسان والمساواة والعدالة ومفاهيم المواطنة وحفظ حقوق الأقليات الأثنية والدينية .
يقول جون لوك وهو واحداً من المفكرين الذين نوروا الطريق امام الأنسانية فيقول :من كتاب محمد الخاتمي مدينة السياسة ص245 نقتبس قوله :
يولد الناس .. مع الحق بالحرية التامة والحق بالأنتفاع ، بلا منازع ، من جميع ما تنص عليه القوانين الطبيعية ، فكل شخص يستوي مع سائر أفراد الناس في الدجنيا ، إذ ان الطبيعة قد منحته الحق لا في ان يحمي ما يملكه ( النفس والحرية والأموال ) من الأخطار والأعتداءات فحسب ، بل ان يقف ايضاً بوجه الآخرين وتعديهم على حقوقه الشخصية . ) ، لكن اين نحن من تلك المبادئ ؟
إن الدول الأسلامية وفي مقدمتها الدول العربية تطبق الشريعة الأسلامية في مفاصل كثيرة من حياتها الأجتماعية والسياسية . وفي الدول العربية على العموم يكون الإسلام دين الدولة ومعظم تشريعاتها، مستوحاة من الشريعة الإسلامية ، ورغم ان هذه الدولة تسلك سلوكاً علمانياً في استيفاء الضريبة ، على الأقل ، ولكن نقرأ في نصوص القرآن وهو مصدر الشريعة الأسلامية يقول :
قاتلوا اللذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .
نحن نعترف الضريبة الحكومية وهي ضريبة مشروعة وإن من يدفهعا يعطيها عن أرباحه ودون ان يكون ثمة اي إهانة لدافع الضريبة ، ان هذا الحديث في هذا الموضوع طويل وذو شجون ولهذا نبقى في موضوع تعامل اهل الموصل السنة وأهل البصرة والجنوب بصورة عامة وهم من الشيعة مع المسيحيين .
لقد حوربت المكونات الدينية غير المسلمة في الجنوب كالمسيحيين والمندائيين ، ولكن معظم القتل والظلم والتهجير الذي طالهم كان من قبل الميلشيات الدينية ، وبعد ان قضي على هذه الميليشيات فقد رجعت حالة التعايش والتسامح التي كانت سائدة ، لقد كانت ثمة زيارت متبادلة بين المسيحيين والمسلمين بين رجال الدين والمواطنين من الطرفين في الأعياد الدينية المسيحية والأسلامية .
لقد اقيم مهرجان سيد الروح في الناصرية تقديراً لمشاعر المسيحيين ، وإن شبه الأستقرار للمسيحيين مع الشيعة في مدن الجنوب هو واضح ومميز لا يمكن إنكاره .
إن كانت الأحداث تقاس بنتائجها فإن ما يحدث في الموصل ( المسلمة السنية ) هو تواصل مسلسل القتل والتهجير وتفجير الكنائس يجري على قدم وساق، ويجري ذلك رغم التمازج والتفاعل التاريخي بين تلك المكونات خصوصاً المسيحيين مع اهل الموصل ، واثبتت مشاهد إراقة دماء الأبرياء من المسيحيين في مدينة الموصل ان هذه المدينة لا يدخل في قاموسها مصطلح التعايش والتسامح ، وإن الشيعة كانوا اكثر تسامحاً منهم .
لا شك ان هذا التقسيم ليس واقعياً في بعض جوانبه فثمة استثناءات لهذه الطرح لكن كقاعدة عامة فإن المسيحيين في البصرة اكثر استقراراً منهم في الموصل .
إن تفجيراً واحداً حدث في مدينة النجف قام مجلس محافظة النجف ومدن الفرات الأوسط بشكل عام باتخاذ إجراءات احترازية شديدة فنقرأ :
أمهل مجلس محافظة النجف من سماهم «البعثيين والتكفيريين» يوما واحدا للخروج من المحافظة، مهددا بـ«الضرب بيد من حديد» على البعثيين، وأكدت مصادر في المجلس أن المحافظة اتخذت إجراءات جديدة في حق البعثيين تتضمن إلزامهم بالحضور اليومي للمراكز الأمنية لتسجيل حضورهم، وذلك من أجل رصد تحركاتهم .
كما ان هنالك احترازات غير مسبوقة ضد البعثيين في محافظات الفرات الأوسط ، ناهيك عن تنظيف المنطقة من القاعدة ,هكذا نرى مدن الجنوب مستقرة للمسلمين ولغيرهم من المكونات غير المسلمة ومنهم شعبنا الكلداني .
والسؤال هو لماذا لم تتخد نفس الأجراءات بحق القاعدة التي اعترفت بقتل المسيحيين وغيرهم من المكونات الدينية غير المسلمة ، فبعد ان قتلوا المئات من المسيحيين وشردوا الآلاف من مدينة الموصل نسال :
أين مجلس محافظة الموصل ؟
هل احتج هذا المجلس بشكل ما على تفجير الكنائس وقتل وتشريد المسيحيين الأبراء ؟
لماذا لم يتخذوا نفس الأجراءات بحقق المتورطين في العمليات الأرهابية ؟
لماذا لم يطلبوا من القتلة تسليم اسلحتهم ؟
لماذا يقبلون ان يسرح ويمرح القتلة في شوارع الموصل ويهددوا ويقتلوا من يشاؤون ؟
إن هذه الأسئلة مطروحة لاهالي الموصل والى مجلس المحافظة والى محافظ الموصل والى الحكومة العراقية والى وزارة الداخلية والى وزارة الدفاع والى رئيس الوزراء نوري المالكي .
في أواخر 2003 حينما باتت تلوح في الأفق ضباب العمليات الأرهابية وطفقت تعصف بمدن العراق وكانت في وقتها الموصل مستقرة . كنت انقل لاصدقائي بأن اهل الموصل أناس مدبرين وعقلاء ويعرفون كيف يجنّبون مدينتهم المخاطر ومتاعب اعمال العنف ونتائجها ، لكن مع الأسف اثبتت الأحداث في هذه المدينة خطأ تصوراتي ، فاهل الموصل رغم تجربتهم في الحكم ، فقد كان لاهل الموصل حضور دائم في الحكم الملكي السني ، ومع حكم البعث الذي دام 35 سنة إضافة الى الحكم العثماني لاكثر من 500 سنة والذي كان طابعه سني ايضاً ، فلم تستفد نخبة الموصل من هذه التجارب فاليوم يتسترون على من يخرّب مدينتهم ويجعل منها مدينة اشباح ويفرغها من مكوناتها التاريخية ، ويبقى السؤال :
هل تعود مدينة الموصل مدينة التسامح والتعايش ؟
والسؤال الأهم هو :
متى يغادر الأسلام السياسي الشيعي والسني ارض الطائفة والدين الى أرض الوطن العراقي ؟
يومئذٍ فقط ستكون الموصل للجميع والوطن العراقي الجميع وفق القياسات الأنسانية المعاصرة لحقوق البشر من المسلمين وغير المسلمين .
حبيب تومي / اوسلو في 21 / 01 / 2010