باب الحارة – العراقيون ينتظرون أبوعصام
بالرغم من ان احداث المسلسل الدرامي السوري الرائع ( باب الحارة ) , والذي شاهده الملايين خلال شهر رمضان , قد دارت احداثه في منطقة صغيرة لكن الكثيرين قد ذهبوا في خيالهم وهم يتابعون احداث المسلسل الى التحليق في دائرة اكبر واوسع لتغدو (حارة الضبع ) نموذجا لاوطان وشعوب فيتمكن المشاهد عندئذ من تركيب قالب الشخصيات والاحداث على حال عاشه ويعيشه شعبه ووطنه ويخرج ربما بنتائج ودروس مفيدة.ان نظرة حيادية تأملية في تاريخ العراق المعاصر, بما يزخر به من مصائب وويلات وحروب ودمار وعدم استقرار, تشير بما لايقبل الشك الى ان ازمة القيادة فيه كانت وماتزال سببا لايمكن بأي شكل من الاشكال اهماله في تلك النتائج. من المؤكد ان عوامل وطنية واقليمية ودولية عديدة اخرى لعبت دورها منفردة او مجتمعة , كلَُ وتاثيره , في مراحل التاريخ تلك , لكن ذلك لايعني على الاطلاق منح القيادات المتعاقبة شهادة براءة ذمة مطلقة كما هو من الاجحاف في الوقت نفسه إلقاء كل ما حدث جملة وتفصيلا على كاهلها , كل َُ في زمنه . ان الغاية هنا هي وضع تقييم علمي وموضوعي وواقعي للدورالسياسي الذي لعبه هذا و ذاك وليس المساس بالشخصية الانسانية بصفاتها الذاتية المجردة, حيث نرى ان البعض يتجنى على الحقائق التاريخية عندما يرتكز فقط في حكمه على الاداء السياسي على قاعدة ( أذكروا محاسن موتاكم ) كما فعل البعض قبل فترة مع المرحوم الرئيس الاسبق عبد الرحمن عارف حين أُمطرت الصحف والمواقع الالكترونية بسيل غزير من المقالات والكتابات التي تشيد بالرجل ومناقبه بعد اعلان وفاته , والاغرب من ذلك ان بعضا من تلك الكتابات سطَرها من يُحسب , او يحسب نفسه , من الثائرين عليه مما يترك لدى الاجيال التي لم تعايش تلك المرحلة الحق في التساؤل من مشروعية الثورة على الرجل حينئذ ! والمثال نفسه ينطبق على المراحل التاريخية الاخرى السابقة واللاحقة , كما اعتقد ان كثيرين يتفقون في ان الحكم على الاداء السياسي كاحداثيات متحركة يجب ان يُشاهَد ويُقاس وتبنى معادلات تقييمه استنادا الى احداثيات ثابتة في لحظة المشاهدة والقياس , ومن باب اولى ان تكون الاحداثيات الثابتة هذه هي احداثيات قياسية معيارية لما ينبغي ان يكون الحال عليه وليست احداثيات متحركة نسبية يوصي بها القول الشائع ( جرِبْ غيري حتى تشوف خيري ) حيث المقارنة الصحيحة يجب ان تقوم بين الواقع والعياري او التمني وليس بين الواقع والموجود او المتاح.
وهكذا وعلى اساس ما تقدم يمكننا القول اننا في العراق قد جرَبْنا او لازلنا نجرب اغلب نماذج القيادة التي إستعرضها مسلسل باب الحارة باستثناء نموذج ( ابو عصام ) , فلدينا تجارب مريرة مع نماذج مشابهة ( للزعيم وأبو النار وأبو قاسم وحتى أبو شهاب ) في حين لازال نموذج ( أبو جودت ونوري ) بشكله المستتر اوالسافريحكي لنا قصة من يتبرع ليحاول توجيه المركب الى حيث مأرب الاسياد لقاء قطع من الفضة , ويوجد كمَُ متراكم من اصحاب ادوار مشابهة لادوار ( أبو حاتم وأبو بشير وأبو ابراهيم وغيرهم ) كما ان تجاربنا التاريخية تعكر دائما مزاجنا وتقزز نفوسنا وهي تقدم لنا ادوارا مليئة بالخسة والخيانة مشابهة ( لادوار ابو غالب وسطيف ), في وقت تشير الوقائع الى ان زمن الاحتلال يمثل البيئة الخصبة النموذجية التي تتيح لخلايا الخيانة والفساد ظرفا من الانقسام والتكاثر الغيرالطبيعيين والجرأة السافرة للعمل العلني.
لقد برهنت احداث العقود العشرة الاخيرة في العراق ان الذكاء والفطنة السياسيتين , التي لاتعيراهمية تذكر لحرمة السيادة والاستقلال بل تؤمن ان الوطن هو جرم سماوي صغير يدور في فلك نجم او كوكب او حتى مجرة اخرى , حيث رئيس الوزراء سفير ذلك النجم او الكوكب او تلك المجرة في بلده , ليس طريقا لتحقيق الاهداف . كما ان النرجسية وافتقار القدرة على التمكن من مفاتيح السياسة والغازها واللجوء الى الحلول الهوائية على غرار واحد زائد واحد يساوي اثنان لايوصل القارب الى برالامان حتى ولو كان الربان مشهودا له بالعفة ونظافة اليد . اما اصحاب التطرف في الاندفاع ممزوجة مع سطحية التفكير والسذاجة السياسية فانهم يسقطون في المحطات الاولى من الطريق . كما ان القائد او الحاكم المتردد الضعيف المولع بالرتابة يُدخل البلد في مرحلة انتحار بطئ , في حين ان غيره الذي يسخر مالديه من امكانيات رغم محدوديتها لهدف وحيد يتمثل في تأمين نفسه قد يجد حاله في النهاية انه يفقدها اولا, اما الجرأة بغير حساب والاسيرة بحب المجد الشخصي محاطا بفريق من المطبلين في مناخ يفتقر الى الناصح الشجاع الامين , فكل ذلك أشبه بمركب صاخب مغامر لا أضوية فيه ويعتمد في دخوله وخروجه من الانفاق التي سريعا وغالبا مايقرر دخولها على ضربة الحظ وفعل الاعاجيب , بينما يبقى الذي اغرى الاجنبي بالمجئ ونذرنفسه لتنفيذ اجندتهم يشعر بالفزع الشديد كلما سمع تلميذا يقرأ في كتاب التربية الوطنية لانه يتذكر أنذاك انه في مهمة مؤقتة وحقيبة السفر يجب ان لاتفارق يده ويتوسل الى الله ان تنتهي المهمة بسلام.
ان الشجاعة لوحدها لاتكفي ولا الفطنة والذكاء وسعة التفكير لوحدهم , كذلك الحال مع الطيبة والمسالمة والمسامحة والكرم والعدل والنزاهة والتضحية ومحاسبة الذات, بل انها خلطة عجيبة من كل ذلك هي الدواء الناجع للعراق, نعم قد يقع القائد او الحاكم او صاحب الامر ويرتكب خطأ او جملة اخطاء كما اخطأ ابو عصام , فليس معصوما من الخطأ انسان, ولكن الحكمة تكمن في تدارك ذلك ومحاصرته ومحاولة الخروج منه باقل الخسائروتجنيب الاخرين قدرالمستطاع دفع الثمن.
ترى ألا يكفي العراقيين مئة عام وهم على الابواب ينتظرون ظهور( أبو عصام ) فيتوقف مسلسل الفوضى والخرابيط والنهب والفساد والاخطاء القاتلة والجرائم والمأسي , وترتاح ( سعاد ) من دسائس ومؤامرات ( فوزية ) و ( فريال ) , وتنقل ( ام زكي ) اخبار الافراح , ويتزوج ويهدأ ( معتز) , وتنتهي معاناة المسكين ( ابو مرزوق ) من ابتزاز وسرقات أبناء الاحتلال , ويعود ( ابو عادل ) ليُكمل بانشراح قصص شهرزاد وشهريار؟! لايتوهم البعض ان الدعوة لظهور ( ابو عصام ) تعني إسقاطا لشعور الحنين الى الدكتاتورية بل اننا نعني بذلك شخصا وجماعة ونظاما ومؤسسات, حالة متكاملة على حد سواء.
أما أن الاوان بعد هذه الاضعاف المضاعفة من السبع العجاف ان يجد العراقيون انفسهم على الطريق الصحيح حيث يلوح في الافق الجزء الاخر المشرق من الحلم الذي فسَره يوسف البار الصديَق الامين العفيف العادل المسامح الشجاع الحكيم !
عجِلْ فقد طال الانتظار يا أبو عصام.
wadeebatti@hotmail.com