Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بازبداي أبرشية الجزيرة العمرية في تاريخ الكنيسة الكلدانية

1_ الاسم والموقع: بازبداي ورد اسمها قبل الميلاد في جغرافية بطليموس، فدعاها " صفا "، وجاء اسمها أيضاً " صفتا " و " أسفايا " وجزيرة الصخرة. وموقعها في وادي دجلة، على بعد 3 كم جنوب المدينة الحالية.

في القرن الرابع يحتل الملك الفارسي شابور مقاطعة بازبداي، وبعد أن يعمل فيها الفضائع، يأمر بنفي 9000 شخص من سكانها إلى مقاطعة الأهواز الفارسية، ومن بينهم مطرانها العجوز والمريض. وعندما عقدت معاهدة الصلح بين الفرس والبيزنطيين سنة 363م، تبقى بازبداي بأيدي الفرس.

وفي سنة 578م كان كسرى انوشروان يمضي الصيف قي قرية ثمانون، عندما احتل الإمبراطور موريس إقليم بيث مكسايي المجاور. أما هرقل فيقوم بزيارة جبل جودي سنة 629م، في الموقع الذي استقرت فيه سفينة النبي نوح.

في سنة 640م فتحها عياض بن غنم، وأقام لها حصناً منيعاً. وفي عهد العباسين خرب المهدي بازبداي، وعاث في المدن والقرى هدماً وسلباً وقتلاً، خاصة بحق المسيحيين.

أما جزيرة ابن عمر فقد بناها المسلمون سنة 961م، على بعد 3 كم شرق بازبداي. جاء في معجم البلدان " جزيرة ابن عمر، بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام. ولها رستاق مخصب واسع الخيرات. واحسب أن أول من عمرها الحسن بن خطاب التغلبي سنة 250 هجري. وهذه الجزيرة يحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال. ثم عمل هناك خندق أجري فيه الماء، ونصبت عليه رحى. فأحاط الماء من جميع جوانبها بهذا الخندق " [1]. وأخذت هذه المدينة بالتوسع شيئاً فشيئاً، لتصبح المدينة الأكثر أهمية في المنطقة. وعليه يعتبر العالم الجغرافي ابن حوقل في سنة 969م، منطقة قردو بأنها شبه الجزيرة المسماة جزيرة ابن عمر. وبسبب تربتها الخصبة، ومياهها الغزيرة والجارية، كانت غنية بالمنتوجات الزراعية والحيوانية. ومنها كان يتم التبادل التجاري باتجاه الموصل عبر نهر دجلة، حيث ينقل العسل والمن والجبن والزبدة والبندق واللوز والفستق.

سنة 1262م يحاصر المغول الجزيرة، لكن مطرانها حنانيشوع يلتقي هولاكو، وينال منه على عهد بالحفاظ على حياة السكان. وعليه شكل مجلس مهمته إدارة أمور الجزيرة، وكان المطران حنانيشوع أحد أعضائه. وفي سنة 1263م يثور سكان الجزيرة ضد المغول، فيلقى القبض على المطران ويتهم بالخيانة، فيقطع رأسه ويعلق على أحد أبواب المدينة.

ويمر الرحالة الشهير ابن بطوطة في الجزيرة سنة 1328م، فيشاهد الجزء الأكبر منها قد آل إلى خراب. وفي سنة 1394م يرسل أمير شاخ رجاله إلى الجزيرة، فينهبوا المدينة وينسحبوا منها بعد 27 يوماً.

وفي سنة 1458م يضرب الطاعون المدينة، فيقضي على 5250 نسمة. ويهرب الكثير من سكان المدينة إلى الجبال خوفاً من هذا الوباء، ولجؤوا إلى دير مار يوحنا في أطراف قسطرا، ويبقوا هناك مدة شهرين.

وفي سنة 1502 يرسل حاكم أرمينيا شاه إسماعيل، فرقة من قواته وعلى رأسهم محمد بك المعروف بقسوته وبطشه، وتحاصر مدينة الجزيرة. وعند رفض أميرها شرف الاستسلام، تدخل قواته المدينة، فتقتل السكان والكهنة، وتنهب الكنائس والأديرة، وتقود الكثير من الشبان والنساء كعبيد. وفي نفس السنة يتلف الجراد أغلب محاصيل الجزيرة الزراعية.

سنة 1513م يحتل الفرس الجزيرة، فينهبوا الكنائس والأديرة ويتلفوا المخطوطات. وبعد أن يلقوا القبض على وجهاء المدينة من مسيحيين ومسلمين، يحرقون المدينة.

وقبل نهاية النصف الثاني من القرن السادس عشر، تدخل الجزيرة تحت حكم العثمانيين بشكل نهائي.

2_ المسيحية في بازبداي: عرفت بازبداي المسيحية منذ العصور الأولى، وعرفت أبرشيتها باسم بيث زبداي، وكان مركز الأبرشية في فنك، ويقال لها قسطر دبيث زبداي، وهي على الدجلة في الجهة اليسرى في شمال غربي الجزيرة، على مسافة خمس ساعات منها.

وفي بداية القرن الثالث، وجد أسقف لهذه الأبرشية، يتبع رئاسة كرسي نصيبين المطرابوليطي. وفي سنة 410م نجد في مقاطعة بازبداي مطرانيتين متجاورتين. الأولى على الضفة الشرقية في قردو، ومركزها فنك. والثانية على الضفة الغربية في قردو، ومركزها ثمانون، وهي في لحف جبل جودي، في القطعة المعروفة اليوم بالبوتان.

وفي مجمع الجاثليق باباي سنة 497م، نجد بين الحضور يوحنا مطران بازبداي، الذي احتل المركز الرابع عشر بين الآباء الذين حضروا المجمع المذكور.

وكانت بيث زبداي تابعة لكرسي نصيبين حتى العصور المتأخرة. لكننا في عهد البطريرك إيليا أبو حليم (1176_ 1190) نجد بيث زبداي مطرانية مستقلة. لكن مطران نصيبين عبديشوع الصوباوي في سنة 1310م، يعتبر بيث زبداي وقردو من المراكز التابعة لنصيبين.

وقد انضمت أبرشية بازبداي إلى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1552م. وبقيت بعض المراكز تابعة لبطريرك قو جانس، و ذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر. منها مطرانية شاخ، ومطرانية كير أثيل التي كانت تضم عشرين قرية سنة 1846م.

ومن الجدير بالذكر أن أبرشية بازبداي، كانت تضم الكثير من الأديرة، منذ نشوء المسيحية. وهناك لائحة ترقى إلى سنة 1607م، تعد سبعة أديرة تابعة لمنطقة الجزيرة وهي: 1_ يوحنا النحلي. 2 _ فنحاس. 3_ آحا. 4_ يونان. 5- إسحق. 6_ يوحنا الكمولي. 7_ يوحنا المصري. وكانت هذه الأديرة مركز إشعاع روحي وثقافي. واستمرت الحياة فيها حتى العصور المتأخرة، حتى آلت إلى خراب بسبب الحروب والغزوات والاضطهادات التي اجتاحت المنطقة عبر العصور.

وفي سنة 1878م تجتاح القوات العثمانية منطقة الجزيرة، لقمع ثورة بدرخان بك، وتستمر الحملة مدة شهرين. وكان لهذه الحملة الأثر الكبير على السكان المسيحيين، فالجنود العثمانيين سلبوا أموال وأرزاق المسيحيين، ورجال بدرخان نهبوا ودمروا القرى المسيحية في المنطقة.

وكانت أوقاف أبرشية بازبداي أكثر من أن تحصى، وتشمل العديد من القرى والحقول والبساتين، بالإضافة إلى العديد من الطواحين، منها رحى قرية بانرقس، ورحى واقعة بالقرب من قرية زورافا والمسماة برحى رثبان. وجميع هذه العقارات استولى عليها الغرباء بعد المذابح سنة 1915م [2]، سوى قرية باربيثا الواقعة على مسافة 9 كلم شمال ديريك (المالكية). وتعود ملكية هذه القرية إلى العائلة الأبوية منذ القرن الثاني عشر ميلادي(564هجري)، وكانت تشمل أراضي زراعية بالإضافة إلى كنيسة مارت شموني. وانتقلت بالإرث للجاثليق شمعون الباصيدي في نهاية القرن الخامس عشر، وقد أوقفها لكنيسة المشرق. وبعد مذابح 1915م انتقلت إدارتها لأبرشية زاخو الكلدانية. واستمرت حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين، حيث استولى عليها السريان الأرثوذكس [3].

3_ المطارنة الكلدان في بيث زبداي (جزيرة ابن عمر): انضمت أبرشية بازبداي إلى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1552، ويذكر أن الأساقفة الذين تزعموا حركة الاتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية، قد عقدوا الاجتماع التمهيدي في الجزيرة العمرية، وأدى إلى اجتماع آخر أعم في مدينة الموصل. ومنذ زمن الاتحاد تعاقب على رئاسة كرسيها الأسقفي ثلاثة عشر مطراناً [4]:

1- المطران عبديشوع مارون (1553_ 1555): ولد في جزيرة ابن عمر، ترهب في دير الأخوين مار آحا ومار يوحنا، وهناك رسم كاهناً. رسمه البطريرك سولاقا سنة 1553م كأول أسقف كاثوليكي للجزيرة، وعكف على إدارة أبرشيته بهمة ونشاط عظيمين، وكان ماهراً في اللغتين الكلدانية والعربية، وبعد استشهاد الجاثليق سولاقا سنة 1555م، انتخب بطريركاً على الكنيسة الكلدانية.

2_ المطران يبالاها (1556_ 1567): كان راهباً في دير الأخوين مار آحا ومار يوحنا، عندما رسمه البطريرك عبديشوع مارون سنة 1556م مطراناً للجزيرة خلفاً له، وبعد وفاة البطريرك مارون، انتخب بطريركاً على كنيسة المشرق سنة 1567م.

3_ المطران جبرائيل إيليا (1567_ 1600): رسمه البطريرك يبالاها الرابع، مطراناً على الجزيرة سنة 1567م.

4_ المطران يوسف (1600_ 1635): ذكر اسمه في القائمة المرسلة إلى البابا بولس الخامس سنة 1610م، من قبل بطريرك الكنيسة الكلدانية، وفيها يتحدث عن أحوال الكنيسة الكلدانية في ذلك العصر، وكان بين المطارنة الحاضرين في مجمع آمد سنة 1616م.

5_ المطران شمعون يوسف (1636_ 1672): ذكر اسمه في الرسالة التي بعثها البطريرك إيليا الثالث عشر، للبابا كليمان الرابع سنة 1669م.

6_ المطران عبديشوع (1672_ 1710): وجد اسمه في مخطوط قديم.

7_ المطران يوسف (1711_ 1747): ذكر اسمه في رسالة كتبها البطريرك يوسف الثالث سنة 1746م.

8_ المطران يوحنا (1747_ 1776): رسمه البطريرك يوسف الثالث مطراناً سنة 1747م، وقد قتل بيد الأشرار سنة 1776م.

9_ المطران حنانيشوع (1785_ 1826): رسمه البطريرك إيليا الحادي عشر مطراناً على العمادية والجزيرة، وبعد ست سنوات ترك أبرشية العمادية، ليتفرغ لأبرشية الجزيرة، توفي سنة 1826م.

10_ المطران كيوركيس بطرس دي نتلي (1833_ 1824): رسمه البطريك يوحنا الثامن هرمز مطراناً على الجزيرة، وبعد أن خدم أبرشيته عشر سنوات، نقل إلى رئاسة كرسي آمد، توفي سنة 1867م.

11_ المطران جيروم بولس هندي (1852_ 1872): هو ابن أخ البطريرك هندي، ولد في آمد سنة 1814م، أرسله للدراسة في المجمع المقدس لنشر الإيمان، رسمه كاهناً سنة 1840م. رسمه بالموصل البطريرك يوسف السادس أودو مطراناً على الجزيرة سنة 1852م، خدم أبرشيته إحدى وعشرين سنة، توفي في آمد سنة 1873م.

12- المطران إيليا بطرس عبو اليونان (1847- 1878): رسمه البطريرك يوسف السادس أودو مطراناً على الجزيرة سنة 1847م، وبعد أن خدم أبرشيته أربع سنوات، انتخب خلفاً للبطريرك أودو.

13_ المطران فيليب يعقوب أبراهام ( 1882( 1915): ولد في تلكيف سنة 1848م، دخل دير الربان هرمز، وأكمل دراسته في المعهد البطريركي، رسم كاهناً سنة 1873م، رسمه البطريرك يوسف السادس أودو أسقفاُ على الملبار سنة 1875م، نقل إلى أبرشية الجزيرة سنة 1882م، خدم أبرشيته بجد ونشاط حتى استشهد سنة 1915م.

4_ إحصائية خاصة بأبرشية بيث زبداي الكلدانية (جزيرة ابن عمر): لا نملك الكثير عن إحصائية هذه الأبرشية في العصور الغابرة، لكننا نجد أن الحضور المسيحي كان في أغلب قرى الأبرشية. وبسبب الصراع بين كنيسة المشرق واليعاقبة، خرجت الكثير من مراكز الأبرشية من سلطة كنيسة المشرق بعد القرن السادس للمسيحية، ومن هذه المراكز المهمة آزخ والقرى المحيطة بها، التي كانت معقلاً للنساطرة [5]. وفي القرن السادس عشر بلغ عدد أبناء الأبرشية 21500نسمة، مع عدد كبير من الكهنة والشمامسة. وفي سنة 1892م بلغ عددهم 2000 عائلة داخل المدينة والقرى التابعة للأبرشية [6].

وفي إحصائية خياط – شابو سنة 1896م بلغ عددهم 5200 نسمة يخدمهم مطران وإلى جانبه 14 كاهناً، يتوزعون على 16 خورنة، وللأبرشية 17 كنيسة و13 مدرسة [7].

وتعتبر إحصائية الخوري يوسف تفنكجي سنة 1913م الأهم، لأنه وضعها قبيل مذابح 1915م. وفي هذه الإحصائية يبلغ عدد الكلدان 6400 نسمة يخدمهم مطران، وإلى جانبه 17 كاهن، يتوزعون على 17 خورنة، وللأبرشية 14 كنيسة و7 مدارس، ويتوزع أبناء الأبرشية على المراكز التالية: 1_ الجزيرة. 2_ طاقيان. 3_ فيشخابور. 4- وحصد. 5_ تل قبين. 6_ هوزومير. 7_ هربول. 8_ كير كيبدرو. 9_ نهر وان. 10_ منصورية. 11_ اشي. 12_ باز. 13_ هلتون. 14_ آقول. 15_ ديسيون. 16_ مار شوريشو. 17_ شاخ. وكان في الجزيرة رسالة للآباء الدومنيكان ومسكن لراهبات التقدمة. وكنيسة الكلدان في الجزيرة على اسم القديس كيوركيس، ويعود بناؤها إلى القرن الخامس عشر. أما لغة المدينة كانت العربية والكردية. وأما لغة أهل القرى فكانت السورث [8]. ومن آثار المدينة قلعتها المشيدة بالأحجار السوداء البركانية والبيضاء الصلبة، ولها مدخل فخم يعلوه أسدان منقوران في الصخر. وهناك جسر كبير كان ممتداً فوق دجلة، وقد حل الدمار بالجسر.

وفي مذابح 1915م اقترفت جرائم شنيعة بحق المسيحيين، وزرع الموت والذعر والخراب في كل مراكز الأبرشية، حتى سكرت الحراب من شرب الدماء، وفرغت أغلب القرى من سكانها. وفي إحصائية لسنة 1928م، يبقى في أبرشية بازبداي 1600 نسمة، وبدون أي كاهن يخدمهم [9].

وفي إحصائية لسنة 1938م نجد عدد أبناء الأبرشية يبلغ 2250 نسمة، مع كاهن واحد يخدم جميع المراكز المتبقية.

وفي إحصائية لسنة 1950م، وضعها الأب (البطريرك) روفائيل بيداويد، يبلغ عدد ما تبقى في أبرشية بازبداي 1789 نسمة، يخدمهم كاهن واحد، موزعين على سبع قرى هي: 1_ بازنايي 140 نسمة. 2_ بيسبين 220 نسمة. 3_ اشي 210 نسمة. 4_ كزنخ 215 نسمة. 5_ هربول 560 نسمة. 6_ حسانة 320 نسمة. 7_ ماير 122 نسمة. وكانت هذه المراكز مناطة بأبرشية زاخو الكلدانية [10].

وقبل نهاية الألفية الثانية فرغت جميع القرى من سكانها، حيث هاجرا أغلبهم إلى المهجر. وهكذا عاشت أبرشية بازبداي حياة مأسوية، بين التدمير والقتل والسلب والتهجير، مما سبب انقراض المسيحية فيها.







---------------------------------------------------

1_ معجم البلدان ياقوت الحموي ج2 ص 138.

2_ ذخيرة الأذهان الأب بطرس نصري ج2 ص 85.

3_ نصيبين أبرشية مشرقية وتوابعها الأب جان فييه ص 254.

4_ الكنيسة الكلدانية سابقاً وحالياً الخوري يوسف تفنكجي ص 54_57 .

[5] سورية المسيحية في الألف الأولى للميلاد الأب متري أثناسيو ج2 ص 625.

[6] نصيبين أبرشية مشرقية وتوابعها الأب جان فييه ص 241.

[7] مجلة بين النهرين العدد 107_ 108 سنة 1999 ص 194.

[8] الكنيسة الكلدانية سابقاً وحاضراً الخوري يوسف تفنكجي ص 54_ 57.

[9] خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية الكردينال أوجين تيسران ص 141.

[10] مجلة بين النهرين العدد 107_ 108 سنة 1999 ص 176 .
Opinions