بحثاً عن أمل ........ / قصة قصيرة
- " أفعلْ شيئاً ، لن تدعهم يأخذون ولدنا منّا ، إِنّهُ مظلوم "قالت المرأة لزوجها وهي تبكي وتنوح .
أجابها والحيرة تتأَكّلهُ والألم يُقطعُ قلبه أشلاءً :
- " ماذا أكثر ، لقد أستُنفِذت كُل سُبلي ، لا أدري ، لا أدري ......... لكننّي لن أتخلى عنهُ أَبداً ، إِنّهُ ولدي أيتُّها المرأة كما هو ولدكِ ، سأفديهِ بحياتي أن تطلب الأمر . "
صمت الأثنان وأنقطع الحديثُ بينهما فلا بصيص أمل يلوحُ في نهايةِ هذا الدرب المُظلِم ، ومنذُ أن رُمي ابنهما بالتُهمة المُلَفَّقَة لهُ صارا لا يتحدثانِ الى بعضهما الا عن مصيرهِ ....... لا مواضيع أُخرى ، أنقاذه من المحنةِ التي يمرّ بها صار شُغلهما الشاغل مع بقية العائلة ........ أخذَ الأب يُحدقُ بجدران الغُرفة وكأنّهُ يراها للمرة الأولى أو يبحثُ فيها عن مخرج ........ يُحدِقُ بها ولا يراها فتفكيره كُلّهُ كان مُنصباً في مجرى واحد هو البحث عن طوق نجاة لولدهِ ، منذُ أشهُر والعائلة كُلّها تركضُ في أتجاهات مختلفة لتلافي الكارثة ، من المحامين الى وُجهاء لهم مكانة وكلمة مسموعة في المحاكم أو لدى أي مسؤول لهُ اليد الطُّولَى ، الى التوسل تارة والتهديد أُخرى لشهود الزور علّ ضميرهم يصحو ويعودوا عما نووّا ، حتى إِنّهم حاولوا مع الموظفين الصغار في المحاكم والجهات المُختصة أمْلاً في أن يأتي ذلك بثمر ، جربوا كل الوسائل وصرفوا كُل المبالغ أضافةً لما أقترضوهُ حتى افترشوا الأرض لكنّ كُل ذلك لم يُؤْتِ أُكُلَهُ ....... لقد غرقت السفينة وغرق المظلوم لا محالة ، كمّ خبِروا الخوف والقلق وعايشوا الألم بلاتوقُف ، كم من المرارة اعتمرت صدورهم ، داروا في دوامة لا يُرى لها منفذ ، دوامة تشُدّهم للهاوية فيغطسون الى القاع أكثر ، لم تكنْ هُناك بادرة للطفو فوق السطح أَبداً ، كل شيء مُقلق ومُفزِع ، وقوع المظلوم ضحية حُكمٍ بالأعدام تجنياً عرفّتهُم الخيبة والأحباط وهم العاجزون عن أنقاذهِ ....... المسكين الذي يتجرعُ أَقصى العذاب وشتى الضغوط النفسية في زنزانتهِ ......." لقد غرِقت السفينة وغرِق ابنه لا محالة " هكذا قال لنفسهِ ، ثُم نهضَ من مكانهِ وغادر الدار لا يلوي الى أين تارِكاً زوجتهُ لآلامها هي أيضاً ، أن بقي الحالُ هكذا فسوف يفقد زوجتهُ أيضاً قريباً فهو يُدرِك إِنّها لن تقوى على العيش أن نُفِذ الحكم بفلذةِ كبدِها ، سألَ نفسهُ ماذا عليهِ أن يفعل ؟ ماذا ؟؟؟ نسفتهُ الحيرة ورماه القلق الى أَعْماق اليأس ، حيثُ لا أمل ، رمى بنفسهِ فوق رصيف الشارع وغطى وجهه بكفيهِ ، إِنّهُ لايريدُ أن يرى قباحة هذهِ الحياة ، يتمنى لو تنشقُ الأرض فتبتلعهُ ويتلاشى عن هذا الوجود ، رأسه سينفجر من ضغط التفكير ، مرّت بهِ أحدى النساء ولم تتمكن من عبورهِ واهمالهِ فجلست الى جانبهِ وسألته :
- هل أنت بخير ؟
ردّ عليها بسؤال :
- وهل في هذهِ الدُنيا خيرٌ يُرجى ؟
تجرأت وأَزاحت كفيهِ عن وجههِ بلُطف :
- ما خطبُكَ يا صاحبي ، هل فقدت عزيزاً ؟
أجاب بحُزنٍ عميق اهْتَزَّ لهُ قلبها :
- قريباً سأفقدهُ والى الأبد ، الآباء يُرّبونّ ويتعبون والظالِمون القُساة يحصدون الرؤوس دون رحمة ودون مُبالاة بقلوب المفجوعين من الآباء والأُمَّهات .
سألتهُ بفضول وألحاح :
- هو ولدك ؟
أجاب بألم :
- ابني الغالي .......
أرتجف قلبُ المرأة لدى سماعِها هذا الجواب وصارت تستفسِرُ مِنهُ بفضول عن الأمر فهي أيضاً أم ولا تُريدُ لأولادها أن يصابوا بأيّ مكروه فالأبناء هُم حبات القلوب ........
وجدّ نفسه يبكي ويحكي ويحكي ....... تجمعّ بعض الأطفال حولهما وتوقفّ بعض الفضوليين لأستطلاع الأمر ، وانْتَبَهت المرأة الى أنّ الرجُل في أقصى درجات الأنهيار والضُعف حتى لم يعُدْ يُدرِك ما يجري فطردت الجميع من حولهما ووشوشت لهُ :
- " خلاصُ ابنك عندي "
انْتَفَضَ الرجُل وعاد لهُ وعيه وبصيص أمل قد لاح لهُ وكأنّ السماء نادته واسْتَجابت لتوسلاتهِ فتعلقّ بصره بشفتي المرأة وسألها :
- كيف أرجوكِ ....... أتوسلكِ .......
طلبت اليهِ أن يهدأ تكتُماً وحفاظاً على حياة ولدهِ ثُم باحت لهُ بالسرّ وشوشةً :
" زوجي يعملُ حارِساً في أحد السجون ولن يعجز وسيلةً لتهريبهِ من هُناك . "
كان الرجل اليائس يُصغي وكأنّهُ يسمعُ صوت ربّهِ بخشوع وأمل وفرح مُحاولاً التصديق ، أَرْشَدَتهُ المرأة الى وسيلة التواصل بينهما للتدبير للأمر بسريّة وتكتم وقالت لهُ مودعةً بثقة :
- " إِنهضْ أيُّها الرجل الطيب ، عجلّ الى زوجتك الحزينة بخلاص الغالي ، كُنْ واثِقاً ، وتذكرْ أن كانت حياة ولدك غالية لديك حقاً هذين الأمرين ...... التكتم والسريّة . "
قفزَ الرجل من مكانهِ واقفاً وكأنّ الحياة قد دبّت فيهِ من جديد في رشفة أمل وكان على وشك الركوع أمام ربّه الذي تمثلّ في هذهِ المرأة حين لاحظ إِنّها اختَفَت عن الأنظار وفقدَ أثرها ، فأستدار حيثُ وجهته وهرول راكِضاً صوب منزلهِ . حين وصل الدار وجدَ أم أولادهِ واقعةً على الأرض مغشياً عليها لهول مصابها في ولدها ....... الصغيرات من بناتهِ أَصابَهنّ الهلع وقد ظننّ أن والدتهنّ فارقت الحياة فأنقلب الحال الى مأتم ونحيب ، بينما حاول الكبار من ابنائِهِ وبناتهِ إفَاقَتها دون جدوى ، أسرع اليها وقلبه يرتعش خوفاً ظانّاً إِنّها قد قضت نحبها يحتضنها تارةً ويهزَّها تارةً أُخرى صارِخاً بلوعة :
- " أنهضي أيتّها المرأة ........ هل جُننتِ ...... لا يحقّ لكِ أن تموتي ....... لا أَبداً لايحق لكِ ذلك قبل أن نُنقِذ ولدنا . "
حاول أن يحبس دموعه ، بلا جدوى .
لسعت اللفظة " ولدنا " قلب المرأة فعاد يُعلن عن حضورهِ بوضوح واسْتَفاقت وفتحت عينيها تُحدقّ في زوجها فأَكْمَلَ :
-" الرَّبُّ بعث الينا بخلاصٍ منهُ "
حاولت الجلوس وأستفسرت وفي عينيها بحر أَحزان :
- " ماذا تقصد ؟ "
ساعدها على النهوض فجلست على حافة السرير بينما حاول هو أن يُهدأَ من روع بناتهِ وابنائهِ وطلب اليهم أن يتركوا والدتهم لترتاح بعض الوقت فغادروا الغرفة واحداً تلو الآخر ، باحَ لها بالسرّ وأكدّ إِنّهُ سيفعل ما بوسعهِ لأنقاذ ولدهما من الموت ومهما كان الثمن وحكى لها تفاصيلُ ما حدث معهُ ، قالت لهُ زوجتهُ وقد تسربّ الشك الى قلبها :
- " رُبّما هذهِ المرأة تعبثُ بنا وتحاول فقط ابْتِزازنا كما فعل الكثيرون قبلها ، فيضيع الوقت والأمل ، ليس في هذهِ الدُنيا من يمكن الوثوق بهِ . "
نظرَ اليها بحنانٍ وحُب قائلاً :
- " علينا أن نُجرب هذا السبيل أيضاً مهما كان الأمل ضعيفاً ، مالنا خيارٌ آخر ، لنثق في الرَّبِّ الرحيم . "
فكرّ الوالدان إِنّ كُل السُبل القانونية عجزت عن أنقاذهِ كما غيرها ، فلماذا لا يجريانِ وراء هذا البصيص ، المُهمة خطيرة في حُكمِ سلطة شرسة لا تعرفُ عن الرحمة شيئاً فتبطشُ بطشاً بمن يقعُ في قبضتها ويُخالِفُ أرادتها ....... لم يكُنْ للتردد من مكان في نفسيهما .
تمّ الأتفاق وعُدَّت الترتيبات ودفعا المبلغ الذي يساوي خطورة هذهِ المهمة بشقّ الأنفُس ونجحت التدابير فأُنقِذ من زنزانتهِ وعُبِر بهِ الى قريةٍ حدودية صغيرة وودعّهُ والداه سرّاً تحاشياً للشكوك بعد أن تركاهُ بأيادٍ أمينة حسب تأكيد أحد الوسطاء في هذا الأتفاق ، لم يتمكنا من المكوث طويلاً في هذهِ القرية لحين العبور بهِ الى البلد المجاور توجساً من أن يكونا دليلاً للمعنيين الى مخبأهِ أو أثارة شكوك أهل القرية وهذهِ الدُنيا مليئة بالأشرار والشرور حتى إنَّ الإِنسان يبيع أَخيهِ الإِنسان الآخر قبالة حفنة صغيرة من النقود القذرة ، قال لهما الحارس زوج المرأة مُودِعاً :
- " لقد أنتهى دوري وأتممْتُ مهمتي ووفيتُ بوعدي ، وها هو الآن في عُهدةِ الوسيط الجديد ، أَلقوا بهمومكم الى الرَّبِّ فيحميهِ ، ثقوا بهِ هو المُنصف للمظلومين والشافي لقلوب الآباء والأُمَّهات المُبتلين بالمصائب . "
أَقْفَلوا جميعاً راجعين فراداً وتخفياً تجنُباً لأثارة الشكوك وبحذرٍ تام ، تاركين الشاب بين هذهِ الأيادي التي قيل عنها أمينة واتكالاً برحمة الرَّبِّ العظيم لتتمّ الأمور بسلام ، لكنّ الأم لم يُفارقها خوفها وقلقها ولم تُغادرها الهواجس ، لم يكنْ لقلقها حدود وما انْفَكَّت عن البُكاء والصلاة والرجاء والتوسل الى الرّبّ ، تركت ولدها مُرغمة فالموتُ بأنتظارهِ أن عاد معها وهي ليست مُتأكدة من نجاتهِ تماماً أن بقيّ هُنا أو عُبِر بهِ الى البلد المُجاور .
مرّت الأيام والليالي تباعاً طويلة وثقيلة جداً ومُتعبة بالأنتظار ، والأُم لم تتوقف عن القلق والتوجس ولم تفارقها هواجسها بل ازدادَ عذابها حدّة ، لم تكُنْ واثقة أن ابنها قد تغلبّ على الموت وأَفْلَتَ مِنهُ بعيداً ، لم تكُنْ مُطمئِنة ، أحاسيس كثيرة قلِقة صارت تُعذِبها وتنهشُ قلبها ، الا أنّهُ لم يكُنْ أمامها من بُدٍّ آخر ، كان عليها أن تحتضن ابنها ـ رُبّما للمرة الأخيرة ـ قبل موتها ، هكذا مرّ بخاطِرِها وهي تتوسلُ ربّها أن تكون هواجسها خُرافات وأَوْهام ، عليهِ أن يُغادر بلاده بعيداً عن أُمِّهِ وأَبيهِ وعائلتهِ ، وأن مكثَ عندهم فالموتُ بأنتظارهِ ....... طويلاً وهم يتجرعون العذاب ألواناً وشِعاباً ، فالتُهمةُ التي رُمي بها مُلَفَّقَة ، الرَّبُّ الباري يعرف هذا لكنّ النفاق والغش والأحتيال والقتل والتلاعُب بمصائر الآخرين زُوراً وكُل الخطايا الأُخرى كثُرت وأصبحت هي مزايا الحياة في الوطن ، لقد أنْقَلَبَ حالُ الناس وصار كُلٌ منهم ذِئباً ينهشُ في صاحِبهِ وأَخيهِ الإِنسان الآخر وابن بلدهِ ، رُبّما هي مشقةُ الحياة وكُثرة البطالة وأنعدام الأمان وضغط الطبقة الحاكِمة وكُثرة ما أُوقِع على الشعب من ظُلم حتى أصبحوا أنفسهم ظالمين أحدهم يظلُمُ الآخر ، ورُبّما كانت هُناك أسبابٌ أُخرى غيرها ، هكذا صارت تتحدثُ الى نفسها ...... تذكُر المرة الأخيرة التي عاد فيها اليهم في أجازتهِ الدورية من وحدتهِ العسكرية ، كان قلِقاً وكثير الهموم وخائفاً ، امتنع عن البوح بمخاوفهِ لها حتى لايُقلقها لكِنّهُ أفضى لوالدهِ بتعرضهِ للتهديد والوعيد مرات ومرات من قبل بعض زملائهِ الَّذِينَ ما انفكوا عن مضايقتهِ بشتى الطرق ويحاولون بأستمرار الإِيقاع بهِ وإِنّهُ غير قادر على أن يأمن جانبهم فهم مصرونّ على إِلحاق الأذى بهِ لاختِلافهِ عنهم وحاله حال الكثيرين ممن يتعرضون لنفس المضايقات لا لشيء وإِنّما فقط لاختلافهم عن هذهِ الجماعات ، قال لهُ والده بحنان :
- " يا بُنّي ، أوصيك بالحذر فنحنُ في زمنٍ لا نُحسد عليهِ ، زمن الحروب والتفرقة والطائفية ، الخرس نعمة لتتقي شرّ النفوس ، تجنبهم قدر ما أستطعت ، الرَّبُّ سيحميك ، وأنا معك لست وحدك أَبداً ، كُلنّا معك فلا تقلق . "
أجاب الابن مهموماً :
- " ثقْ يا والدي أنا أحاول تجنبهم دائماً لكنّهم يتعرضون لي بأستمرار وما يثيرهم ضدي طوال الوقت هو اختِلافي عنهم ، حاولتُ دائماً أن أكون لطيفاً معهم لأتقي شرّهم ولكن دون جدوى ، لستُ واثقاً من نجاتي من قبضتهم . "
حاول الأَبُ أن يزيح الهم عن نفس ابنهِ فأحتضنه وربتّ على كتفهِ :
- " لا تقلق ياولدي ، لاتقلق . "
حقَّ الشابُ في قلقهِ ، ففي اليوم التالي كان هُناكَ من يتربصون بهِ فحاصروه في أحدى الطُرقات واخْتَطَفوه واحْتَجَزُوه في مخبأ سري ثُمّ روجّوا لخبر فرارهِ من وحدتهِ العسكرية ومن واجبهِ الوطني فثبُتت التهمة عليهِ بعد تغيبهِ عن وحدتهِ لأسابيع ثُمّ عادوا فدلّوا المعنيين لمخبأهِ بعد أن رتبّوا للأمر جيداً ولكي لا ينجو أبداً دسّوا في حُفرةٍ مخفية تحت سريرهِ بعضاً من المُسدسات المسروقة من وحدتهِ العسكرية ، فقُبِض عليهِ وكوفئ من وشى بمكانهِ وأُثني عليهِ بأعتبارهِ مواطناً صالحاً مُخلصاً ....... لبستهُ التهمة لبساً ونجحت المكيدة ضده تماماً بعد أن أَدْلَى شهود الزور بتُهمٍ أُخرى اليهِ وكوفِئوا من قبل الجماعة على خدماتهم الجليلة ......... ناحت الأُمُّ مصير ولدها ولامت نفسها لأنّها ولدتهُ فجاءت بهِ الى هذهِ الدُنيا المليئة بالشرور والأشرار وصار المسكين ضحية الشرور هذهِ ، فلمن تبثُّ همومها وتشكي بلواها والكل من الأقارب والأصحاب والأصدقاء والمعارف قد أبتعدوا وتخلوا عنهم وتحاشوهم كي لاتلوحهم بعض من هذهِ النار فيؤخذون بها ، لقد أصبحوا غُرباء عن الآخرين وهم في وطنهم وعنه وصاروا منبوذين من الكُلّ ووحيدين ومُفتقدين للحماية ، الكُلُّ يفرُّ منهم خوفاً من أنّ تطاله الشكوك أو تصيبه عدوى الأَذِيَّة أو تلاحقه اللعنة التي مستّهُم .
غدت الظنون تلالاً تجثو فوق صدرِها والهمُ عذاباً ما لهُ من نهاية وهي تستعرض شريط الأحداث هذا ، والمال الذي اضطرَّا لتركهِ مع ولدهُما زاد الأُمُّ همّاً وتوجُساً من طمع الآخرين في إِيذائهِ لسلب هذا المال منهُ وهو لحالهِ ليس من يؤازِرهُ ساعة الشدة وليس من حامٍ لهُ غير الرَّبّ وكثيراً ما تغلُبُ شرور البشر رحمة الرَّبِّ العظيم كما أنّهما لم يتمكنا من ترك المال مع أحدهم غيره تحاشياً لمعرفة آخرين فيتسللُ الشيطان الى نفس أيٍّ منهم فيشي بهِ وحينها تكون الطامة الكُبرى ......
بعد أيام من توديعهِ لوالديهِ أخذتهُ هذهِ الأيادي الأمينة لتعبُر بهِ حدود وطنهِ الى البلد المُجاور لكنّ الشيطان وسوس لها فأخذتهُ الى أحدى الجبال المُتاخِمة القريبة على أَنّها المعبر اليهِ ...... هُناك قتلتهُ وسلبتهُ ودفنته في أحدى المغارات وعادت لتبعث بخبر وصول الشاب سالِماً للبلد المُجاور الى والديهِ ..... عدم اطمئنان الأُمّ جرّت الوسيط الى الحلفان الآف المرات بالرَّبِّ العظيم ليؤكد أمانة هذهِ الأيادي وصدقها ونظافتها وسلامة ولدها ثُم اخْتَفَى كدُخان دون أن يترك خلفهُ أثراً ، حلفان الوسيط الآف المرات جرَّ الأُمُّ بدورهِ لدوامةِ شكٍ واضْطِراب تسللّت مع الأيام الى قلب والدهِ فزالت عنهُ الطمأنينة ودفعته للتحقُق من الأمر حتى عاد مؤكِداً ظنونها ، وكان موتٌ هُنا بانتظار ولدها كما كان موتٌ هُناك يتربص بهِ ، ظلّ يُصارعُ أياماً طويلة لأجل إِخفاء الأمر عنها لكنّهُ أخيراً انْهارَ تحت وطأة معاناتهِ وقاسمها المُصيبة وبكى بلوتهِ مُشيحاً بوجههِ عنها كي لا ترى دموعه ، انْتَظَرَ للحظات لكنّ الأمُ لم تصرخ ولم تصدر عنها أَنّة ، استَغرَب سكونها جداً فأستدار نحوها ليراها قد افترشت السرير ويدها قد تدلت عنهُ ، حتى إِنّها نسيت عينيها مفتوحة لهول الكارثة ولم تُطبق عليهما جفنيها ، مؤخراً صارت تنسى كثيراً لدرجة .......... الموت !!!
بقلم شذى توما مرقوس
الأحد 27 ـ تموز ـ 2003
ملاحظة : " بحثاً عن أمل ..... " قصة قصيرة من ضمن مجموعتي القصصية الغير المنشورة ( حكايات جدُّ صغيرة ...... كبيرة ) عن الغُربة .