Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

برطــللــّه مـرة ً أخرى !

برطلله بلده نينويه عريقه ,سكنها الكلدواشوريون السريان قبل الميلاد بمئات السنين , حافظ أبناؤها على أصالتها لتبقى عامرة بهم قرون طويله واجهوا فيها النكبات لتظل شامخه بعزهم الى يومنا الذي تحاك فيه شتى التدابير لتغيير هويتها,برطلله ليست وحدها المستهدفه , بل العديد من مدننا وقرنا (الكلدواشوريه السريانيه ) في طول العراق وعرضه وفي مختلف العهود عانت وتعاني من هذه الآفة اللابشريه , آفة السلب الهمجي الإستقوائي (ولا اقول التغييرالديموغرافي) الذي أشرفت عليه الأنظمة ونفذته مصالح القوى المتصارعه التي عندما كانت تتهادن , كانت تتفق على إستباحة هذه المناطق المسالمه وكأنها غنائم حرب.

لو كان قرار بناء الف وحده سكنيه لحل أزمة سكان البلده الأصليين لقلنا عفارم على الحاكم الذي يسعى لإسعاد المظطهدين والمسلوبة حريتهم ,لكننا والعراق يمر في ظرف لاقانون يحكمه سوى مصلحة الفئه والطائفه, ولا حاكم يرأف إلا بمن أنتمى لحزبه ,من الطبيعي أن تستباح بلداتنا ولوحدها فقط أمام تغيير ديمغرافيتها بحجة ان من حق العراقي العيش اينما يشاء, نعم هذا مبدأ نتمنى أن يسود , لكن أين الكبار الذين يؤججون النزاعات من الإلتزام بهذا المبدأ أولا ثم ليعاقب كل من يرفض الامتثال له, وإلا فالذي يراد تمريره في برطله وفي هذا الظرف , هو عيني عينك سلب علني لتاريخ وخصوصية هذه البلده عنوة تحت مشروعية ما يسمونه بدستور العراق الديمقراطي ما بعد التحرير.

إن تكرار ما يحصل في برطلله, هو موقف مخيب من لدن الجالسين على سدة الحكم , وقرار مجلس بلديتها اللامسؤول مراد منه ترهيب السكان وتهجيرهم , ولو تساءلنا عن سبب ما يدور, فهو واضح جدا نختصره بنص المثل الدارج بعد المعذره ( بعشيقه تـزني وبحزاني تدفع القسط), مع خالص إحترامي لأهالي هاتين البلدتين فالأمثلة تساق ولا تقاس.

الباحث في تفاصيل ملف العراق خلال الثمان سنوات, سينتهي به الامر الى مجلد إمتلأت أوراقه بشخابيط داكنة السواد من شدة حماقتها و درجة لا وطنيتها, في المساء يقصون علينا حكايات التنويم عن الديمقراطيه والألفة والمحبه , واذا بشعبنا يصبّح على إجماع كتل البرلمان الكبيره على إلغاء الماده خمسين, ولو دققنا جيدا في ردود أفعال هؤلاء الديمقراطيين بعد مذبحة كنيسة النجاة وما سبقها,ستجد جانبا منها ممتعضا من فضحنا لتقصير المسؤولين وتسترهم على مرتكبي الجريمه , وجانبا آخر يستغل ماساتنا في بث الكراهية من اجل اجنداته السياسيه.
المتابع لتفاصيل الخلافات مابين قائمتي الحدباء وقائمة نينوى المتأخيه ومنذ إعلان نتائج انتخابات مجلس المحافظة, سيندهش المرء حين لا يعثر على أية نقطة خلافية بينهما تتعلق بمسألة توفير الخدمات للناس وتطوير حياتهم , بل كل خلافاتهم تحوم حول كيفية بسط النفوذ ,وعندما يتكلموا عن بسط الأمن والإستقرار فالقصد من ذلك هو بالتأكيد التسابق للفوزفي نشر القوات التي تمثله لتفرض الواقع الذي يخدم أجندته ومشروعه القومي والطائفي ,هذه هي الحقيقه التي يتجرع العراقيون النجباء مرارتها , وما يجري في برطله خير مثال .

برطلله هذه البلده الجميله الآمنه بأهلها والمؤتمنه على حسن علاقات جيرتها التاريخيه مع من حواليها,تتساءل اليوم : أي جرم قومي او ديني إقترفته بحق الأقوام والاديان الأخرى كي يجازوها هكذا؟ وأي مخالفة قانونيه إرتكب أبناءها ضد الوطن؟ نعم لإنها أحد نماذج التعايش و مخزن الثقافة ورافد المحبه , لهذا واجب ٌ تفكيكها ومحو تاريخها, أما كونها بلدة تاريخيه بناها ألأجداد بسواعدهم وعرق جبينهم وأستلمها الأحفاد ليكملوا ما بدأ به الآباء, فهذا امر لا شأن لديمقراطيينا به البتتة لا بل يعكر من صفو مزاجهم .

إن السكوت على التجاوزهو الجريمه بعينها ,و إن كان في قول الحقيقة ما يخيف, فالتملص عن مواجهتها يزيد من تفاقمها أزاء إنشغال الأخرون في البحث والتنافس على كيفية تقسيمنا كالغنائم فيما بينهم .

ما يطال شعبنا اليوم من قهر وتهميش, يبدو وكأنه ورث الحفيد مما تركته له مفخرة سلفه الذي بنى أمجاده على جماجم ذبح الآمنين بالسيوف المطرزة بعقيدة الدين حينا وبالمشروع القومي الذي لا يقبل اليوم ببرطله إلا عربيه او شيعيه او كردستانيه , الحاكم الشيعي المعمم يستخدم الشبكي الشيعي لتشيييع الارض التي يملكها(نصارى أهل الذمه) , وبين مشروع الشيعي الذي يعتبر الشبكي من آل البيت و الكردي الذي يحسب الشبك اكرادا, ينتفض العروبي السني على عروبته ولكن في برطلله , ولك أن تتحسبي يا برطلله , فالعروبه من أمامك والكردوية من ورائك والتشيع والتسنن يتراسل بينهما, و مساكين برطلله وأخواتها الأخريات يحلمون بأن دستورا صاغه هؤلاء قد تسمح لهم ديمقراطيته بإستحداث محافظة تحمي جميع مكونات المنطقه, والسيد النجيفي محافظ نينوى يصر من جانبه على وصف المحافظة بالمسيحيه التي ستعزل المسيحيين عن بقية المكونات,وهي حجه واهيه و إدعاء لا صحة له الغرض منه حرمان ابناء المنطقة من فرص التطوير والعيش الآمن .

لقد سئم الناس خزعبلات الخطابات ومخادعاتها , وحان لنا ان نحدد ما يجب على تنظيماتنا وابناء شعبنا فعله , لأن قوانة المديح والذم شاخت واصبحت ظر,,ه في سوگ الصفافير , خيار شعبنا الأفضل في هكذا ظروف هو تفكيرمثقفينا بجمع الكلمة الشعبيه وتوحيدها على اساس الحق الوطني الإنساني و القومي التاريخي الذي لا يضادده اي قانون ارضي او سماوي , نحن الآن نمتلك حالنا حال العراقيين, خيار إستخدام سلاح الكلمه برفع صوتها في البرلمان وهتافها السلمي في تظاهرات شوارعنا وأزقتنا بشرط ان تتحررهذه الكلمه من صراعات الأحزاب وميلاناتها باتجاه هذا الصوب وذاك ,تلك الكلمة فقط هي التي سيحترمها الرأي العام ويهابها المسؤول الذي إعتاد سماع مجاملاتنا وملاطفاتنا .
الكلمه المنعتقه عن إملاءات المتنازعين الكبار ستكون هي الفصل والحسم في حالة برطلله وبقية قرانا ,ولانها حاجة اللحظة التي فيها مصير الجميع واحد , اذن عليها يكون التعويل في تحشيد أبناءها بمختلف إنتماءاتهم من أجل الحفاظ على هوية ومعالم وتاريخ البلده التي يراد لها أن تحترق كي يطبخ الأخرون على نارها وجباتهم الدسمه.
ليس تنظيرا حين ندعي أن وحدة الكلمه الشعبيه هي الحل الأمثل في أزمات كهذه وفي ظرف تعم البلاد فوضى عارمه , لدينا تجارب مماثله اكثر عنفا حصلت في بلداتنا العديده , لا مجال لسرد تفاصيلها هنا, لكن أحدث وآخر ما شهدناه في تاريخنا القريب كان في حادثتين وقعتا في بلدة القوش, اولهما في نيسان 1969 , وثانيهما في أواسط 1973 دون الدخول في تفاصيلها المثيرة للمواجع لان في السياسة مقالب تصل حد نيل الشقيق من شقيقه.
الحادثتان تحكيان لنا بجلاء عن دور وحدة الكلمة الشعبيه التي بإمكانها ان ترد الممتطي للشر الى حيث أتى, فقد إلتحم عامة أهالي القوش من رجال دين وشيوعيين وبعثيين وبارتيين و متدينين ومستقلين كلهم على كلمه واحده كخلية نحل القوشيه في الدفاع عن ارضهم وشرفهم وتاريخهم ,نتمنى ان تنعم كل بلداتنا بعز أبناءها هكذا وبسعيهم العقلاني تحاشيا من زج الذات داخل الصراعات الفئويه والنزاعات الشائكه ما بين التعريب والتكريد والتشيييع والتسنين , في مثل هذا الواقع المزري, يفترض بكل انسان كلدواشوريسرياني غيور نبذ خلافاته والتراصف مع أهله من أجل صون هويته وتاريخ أرضه بوحدة الكلمه وبحذاقة مواجهة كل من تسول له نفسه القفز والتربع فوق صدورنا حتى لا يتكررما حصل في السابق ومثلما يحصل في برطلله وغيرها من بلداتنا.
الذي سردناه أعلاه ليس إنتقاصا من أحد, وحاشا ان نسوقه لإثارة المواجع والجروح ولا لتحشيد طرف على آخر, بل لشهادتنا وتأكيدنا على أن وحدة الصف الشعبي التي لو تم تعبئتها ستصنع المعجزات في كل مجالات الحياة .

هذا هو قدرنا المكتوب وما علينا الا ان نتعظ من تجارب الآباء كي نبذل ما بوسعنا والا سينبذنا التاريخ ويلعننا الأحفاد.

الوطن والشعب من وراء القصد



Opinions